«فيفا» يعلن حصول ملف استضافة السعودية لكأس العالم 2034 على أعلى تقييم في التاريخ    أستراليا تحظر «السوشال ميديا» على الأطفال    سكري القصيم «عقدة» رائد التحدي    استهداف 34 ألف لاعب تتراوح أعمارهم بين 6 إلى 9 سنوات    بحضور وزير الرياضة.. انطلاق منافسات سباق "سال جدة جي تي 2024"    نائب رئيس مجلس الإفتاء السويدي: المملكة ناصرة للدين الإسلامي    «الإيدز» يبعد 100 مقيم ووافد من الكويت    باكستان تقدم لزوار معرض "بَنان" أشهر المنتجات الحرفية المصنعة على أيدي نساء القرى    معرض "أنا عربية" يفتتح أبوابه لاستقبال الجمهور في منطقة "فيا رياض"    انطلاق فعاليات معرض وزارة الداخلية التوعوي لتعزيز السلامة المرورية    مطارات الدمام تدشن مطارنا أخضر مع مسافريها بإستخدام الذكاء الاصطناعي    ديوانية الأطباء في اللقاء ال89 عن شبكية العين    حرمان قاصر وجه إهانات عنصرية إلى فينيسيوس من دخول الملاعب لمدة عام    الأهلي يتغلب على الوحدة بهدف محرز في دوري روشن للمحترفين    ندى الغامدي تتوج بجائزة الأمير سعود بن نهار آل سعود    أمير منطقة تبوك يستقبل رئيس واعضاء مجلس ادارة جمعية التوحد بالمنطقة    مدني الزلفي ينفذ التمرين الفرضي ل كارثة سيول بحي العزيزية    مدني أبها يخمد حريقًا في غرفة خارجية نتيجة وميض لحظي    الحملة الشعبية لإغاثة الفلسطينيين تصل 702,165,745 ريالًا    البنك المركزي الروسي: لا حاجة لإجراءات طارئة لدعم قيمة الروبل    الجبلين يتعادل مع الحزم إيجابياً في دوري يلو    "أخضر السيدات" يخسر وديته أمام نظيره الفلسطيني    6 مراحل تاريخية مهمة أسست ل«قطار الرياض».. تعرف عليها    «سلمان للإغاثة» يختتم المشروع الطبي التطوعي للجراحات المتخصصة والجراحة العامة للأطفال في سقطرى    المملكة تفوز بعضوية الهيئة الاستشارية الدولية المعنية بمرونة الكابلات البحرية    نعيم قاسم: حققنا «نصراً إلهياً» أكبر من انتصارنا في 2006    الجيش السوري يستعيد السيطرة على مواقع بريفي حلب وإدلب    "مكافحة المخدرات" تضبط أكثر من (2.4) مليون قرص من مادة الإمفيتامين المخدر بمنطقة الرياض    السعودية تتسلّم مواطنًا مطلوبًا دوليًا في قضايا فساد مالي وإداري من روسيا الاتحادية    خطيب المسجد النبوي: السجود ملجأ إلى الله وعلاج للقلوب وتفريج للهموم    الشؤون الإسلامية تطلق الدورة التأهلية لمنسوبي المساجد    والد الأديب سهم الدعجاني في ذمة الله    «الأونروا»: أعنف قصف على غزة منذ الحرب العالمية الثانية    وكيل إمارة جازان للشؤون الأمنية يفتتح البرنامج الدعوي "المخدرات عدو التنمية"    خطيب المسجد الحرام: أعظمِ أعمالِ البِرِّ أن يترُكَ العبدُ خلفَه ذُرّيَّة صالحة مباركة    الملحم يعيد المعارك الأدبية بمهاجمة «حياة القصيبي في الإدارة»    تقدمهم عدد من الأمراء ونوابهم.. المصلون يؤدون صلاة الاستسقاء بالمناطق كافة    طبيب يواجه السجن 582 عاماً    التشكيلي الخزمري: وصلت لما أصبو إليه وأتعمد الرمزية لتعميق الفكرة    انطباع نقدي لقصيدة «بعد حيِّي» للشاعرة منى البدراني    عبدالرحمن الربيعي.. الإتقان والأمانة    ذوو الاحتياجات الخاصة    اكتشافات النفط والغاز عززت موثوقية إمدادات المملكة لاستقرار الاقتصاد العالمي    فصل التوائم.. البداية والمسيرة    «متلازمة الغروب» لدى كبار السن    "راديو مدل بيست" توسع نطاق بثها وتصل إلى أبها    بالله نحسدك على ايش؟!    حملة توعوية بجدة عن التهاب المفاصل الفقارية المحوري    أمير تبوك يستقبل المواطن مطير الضيوفي الذي تنازل عن قاتل ابنه    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الدورة ال 162 للمجلس الوزاري التحضيري للمجلس الأعلى الخليجي    إنسانية عبدالعزيز بن سلمان    أمير حائل يعقد لقاءً مع قافلة شباب الغد    أكدت رفضها القاطع للإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.. السعودية تدعو لحظر جميع أسلحة الدمار الشامل    محمد بن عبدالرحمن يشرّف حفل سفارة عُمان    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"رون أراد اللغز" كتاب مثير يكشف عمليات الموساد . هكذا اغتال باراك عباس الموسوي الطيار آراد ميت والاسرائيليون لا يصدقون
نشر في الحياة يوم 30 - 10 - 2000

"رون أراد اللغز" كتاب جديد صدر بالعبرية في اسرائيل يكشف خفايا الاتصالات السرية لاطلاق سراح الطيّار الاسرائيلي رون أراد، والعمليات العسكرية والاستخباراتية الاخرى المرتبطة بقضية أراد. لكن الكاتبين ران أودلست وايلان كفير يتهمان جهاز "الموساد" بالتقاعس عن القيام بأي دور في هذا المجال طوال ست سنوات ويؤكدان ان خلافات شديدة وشجارات وقعت بين اهم مؤسستين استخباريتين في اسرائيل هما "الموساد" وشعبة الاستخبارات العسكرية "أمان".
ومع أن الكاتبين يقولان ان الجهود التي بذلت لاطلاق سراح أراد لا مثيل لها في التاريخ، الا انهما في المقابل يشيران الى كثير من الاخفاقات، احياناً بسبب التقصير واحياناً بسبب سوء الحظ. وخلال كل ذلك يرويان وقائع واحداثاً مثيرة جداً، من اهمها عملية اغتيال الشيخ عباس موسوي الامين العام السابق ل"حزب الله".
في 16 تشرين الاول اكتوبر 1986 كان رون أراد يحلّق مع زميل له في طائرة مقاتلة فوق جنوب لبنان، وعندما حاول إلقاء قنبلة على مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين انفجرت وهي لا تزال قرب الجناح فسقطت الطائرة وقامت القوات الاسرائيلية بإنقاذ احد الطيارين فيما بقي الطيّار الآخر أراد في الاراضي اللبنانية ليتبين لاحقاً انه في يد حركة "أمل".
وعندما كشف زعيم حركة "أمل" الشيعية في لبنان نبيه بري، انه يحتفظ بالطيار الاسرائيلي الأسير، بدأ اوري لوبراني، رجل الاستخبارات السابق ومسؤول الملف اللبناني في مكاتب رؤساء الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة على اختلاف انتماءاتهم الحزبية، يفتش عن قنوات توصله الى بري. سمع مثلاً عن رجل اعمال لبناني شيعي، نشيط جداً في افريقيا ومُقرّب جداً من بري. وخلال رحلة له الى الخارج، اكتشف بالصدفة، ان جاره داخل الطائرة، المحامي امنون زخروني - وهو ايضاً يعمل في خدمة الحكومة في قضايا الاسرى - هو وكيل رجل الاعمال الاسرائيلي شبتاي كلمانوفيتش، الذي يعرف جيداً ذلك اللبناني من خلال عملهما في سيراليون. وبواسطة ذلك الرجل نقلت الرسائل والصور من رون أراد وإليه. وكانت هذه الرسائل الاولى والاخيرة التي وصلت من أراد ودلّت على انه حيّ يُرزق.
في مقابل أراد طلب مسؤول رفيع في "أمل" اطلاق سراح العديد من المعتقلين اللبنانيين من سجون اسرائيل ومعتقل الخيام. ولاحقاً، طلب السلاح بما في ذلك قاذفات كاتيوشا من تلك التي غنمت من منظمة التحرير الفلسطينية إبان حرب لبنان. وهذا الطلب الاخير كان اشكالياً للغاية.
كان بري في ضائقة سياسية، وقد أراد ان يُحسّن علاقاته مع منظمة التحرير، واطلاق سراح عشرات من مقاتلي المنظمة كان سيُسجل لمصلحته، وقد تسلّم لوبراني لائحة بأسماء المئات من مقاتلي منظمة التحرير، وجاء بها الى رابين. فرفض، اذ انه كان قد تلقى انتقادات شديدة من جراء الصفقة التي عقدها مع جبريل وبموجبها اطلق سراح مئات الفلسطينيين. ومع ذلك طلب مواصلة المفاوضات مع بري. بيد ان المفاوضات مُيّعت ثم توقفت تماماً، بعدما انتقل أراد الى يد مصطفى الديراني.
ويتهم الكاتبان جهاز "الموساد" المتخصص في العمل الخارجي بالتقاعس عن القيام بأي دور جدي في موضوع أراد طوال 6 سنوات، بل يؤكدان ان خلافات شديدة وشجارات وقعت بين اهم مؤسستين استخباريتين في اسرائيل حول أراد، هما "الموساد" وشعبة الاستخبارات العسكرية "أمان".
فحتى سنة 1992 لم يتعاط "الموساد" مع موضوع أراد بشكل كامل تقريباً. وقد تردد صدى هذا الاهمال بشكل صارخ في سنة 1991 خلال دورة متقدمة لضباط الاستخبارات العسكرية. وقف الضابط العقيد عاموس جلعاد، الذي يشغل اليوم منصب رئيس البحوث في الاستخبارات العسكرية، وتفوّه بكلمات قاسية ضد "الموساد" قائلاً: "انتم تزعمون في "الموساد" انكم فعلتم. كلام هبل في هبل. فمنذ ان وقع أراد في الأسر لم تُحرّكوا اصبعاً في المساعي لتحريره. لقد تعاملتم باستعلاء مع لبنان عموماً ومع قضية رون أراد بشكل خاص. في السنوات الحاسمة، عندما كان لا يزال محتجزاً في لبنان، لم نحصل على اية مساعدة منكم. وان حصلنا فقد كانت تلك مساعدة هزيلة. لقد خرقتم بوعي اوامر رئيس الحكومة بأن توضع قضية رون أراد على رأس سُلّم الافضليات. وقد تصرفتم على هذا النحو لانكم عرفتم ان احتمالات اطلاق سراحه ضعيفة، وان مثل هذا العمل لن يعود عليكم بالمجد والزهو". وبعد هذا الانتقاد، فقط في سنة 1992 تألفت لجنة في "الموساد" لمتابعة موضوع أراد.
المفاوضات مع ايران
ويقول الكتاب ان دخول ايران على خط المفاوضات بخصوص أراد، تم بمبادرة من اسرائيل والولايات المتحدة، عندما شعرتا ان لطهران ضلعاً في الموضوع.
فكيف اكتشفوا ذلك؟
لقد نمت الى علم الاستخبارات الاسرائيلية والاميركية ان هناك نقاشاً حاداً داخل قيادة "حزب الله" اللبناني حول موضوع الخطف عموماً. وهل خطف البشر واحتجازهم في الأسر او قتلهم، هو عمل ايماني؟ ألا يتعارض والشريعة الاسلامية؟!
ومن خلال هذه المعلومات ادركت اسرائيل ان رجل دين شيعي كبير لم يكن راضياً عن عمليات الخطف واعتبرها منافية للشرع. لكن فتوى ايرانية اجازتها. وبناء عليه، جرت سنة 1996 عمليات خطف أجانب في لبنان خلال الفترة من 1982 الى 1988 قتل منهم 13 شخصاً بأيدي خاطفيهم. وهذا الرقم لا يشمل 12 يهودياً لبنانياً خُطفوا في آب اغسطس 1984 وتم اعدام 9 او 10 منهم، كما لا يشمل المخطوفين من السوريين او الجنود الاسرائيليين او جنود قوات الطوارئ الدولية هذه الاحصاءات اخذها الكاتبان من بحث اكاديمي بعنوان "الرهائن الاجانب في لبنان" اجراه كل من مشخيت بورجين وارئيل مراري وعنات كورتس، لمصلحة معهد يافي للابحاث الاستراتيجية في تل ابيب.
الديبلوماسيون الايرانيون المخطوفون
وقد وجدت اسرائيل قنوات اتصال مع ايران للتفاوض حول أراد. ووافق الايرانيون على التعاون معها. لكنهم طالبوها اولاً بأن تُطلق سراح الديبلوماسيين الايرانيين الأربعة الذين كانت قد اختطفتهم في سنة 1982. وردّت اسرائيل بأنها لا تعلم شيئاً عن الموضوع، فلم يقتنعوا. عندها ارسلت اسرائيل طاقماً من العسكريين الباحثين، امضى اسابيع عدة في لبنان، للتحقيق في هذه المسألة، وعاد يحمل ملفاً دسماً من الوثائق والمستندات والصور المُلتقطة من الجو وكلها تفيد بأن الايرانيين الاربعة اختطفوا بأيدي حاجز عسكري لقوات الكتائب اللبنانية في بيروت الغربية، وانهم قتلوا ودُفنوا في المنطقة نفسها. وان الارض التي دُفنوا فيها لم تعد فارغة، اذ تقوم فوقها اليوم عمارة ضخمة من عدة طوابق. وتضمنت الوثائق شريط فيديو مصوّراً يُظهر كيف تم قتل الديبلوماسيين. وقد اقتنع المسؤولون الالمان الذين توسطوا بين ايران واسرائيل بهذا التحقيق، لكن الايرانيين لم يقتنعوا، واتهموا اسرائيل بالكذب وبالتزوير.
وفي كل المفاوضات التي جرت حول أراد بعد ذلك، كان الايرانيون يطرحون هذا المطلب وكانت اسرائيل تردّ بطرح ما تملكه من وثائق. وآخر مفاوضات جرت مع ايران في هذا الموضوع تمت فقط العام الماضي بواسطة رجل اعمال ايراني معروف في الغرب، ادعى انه على علاقة جيدة بالحكومة الايرانية وبذوي الشأن في موضوع الطيّار، وقد ابلغ الاسرائيليين ان أراد ميت. فطلبوا إثباتاً. فطلب مبلغ 50 الف دولار لقاء ذلك، من اجل اعطائها للطرف الذي سيعطيه المعلومات هناك رواية اخرى تقول ان المبلغ 30 ألف دولار. ثم طلب مبالغ اخرى وحصل عليها، واختفى بعد ذلك.
أحد مصادر المعلومات الاسرائيلية عن رون أراد وظروف اسره ونقله من مكان لآخر، كان اولئك الاشخاص الذين مرّوا بالتجربة نفسها، اي الذين اختُطفوا في لبنان، احدهم هو روجيه اوك، الصحافي الفرنسي الذي بقي في الأسر سنة كاملة 1987.
بعد اطلاق سراحه، سنة 1988، طار للقائه في مكان ما في الريفييرا الفرنسية، عاموس عيران، الذي شغل منصب مدير مكتب رئيس الحكومة اسحق رابين. وعندما ترك رابين الحكم عاد الى عمله الاكاديمي وعُيّن رئيساً لجامعة حيفا. وتم اختياره لهذه المهمة كونه يحمل منصباً اكاديمياً. وتجاوب روجيه اوك مع عيران وتعرّف على لوبراني، ومُنسّق الحكومة الاسرائيلية في لبنان، وبواسطته تعرّف لوبراني على عدد من قادة الاستخبارات الفرنسية وعلى عدد من الشخصيات اللبنانية المهمة.
ويتهم الكاتبان روجيه اوك بأنه اصبح اداة للتجارة بالناس في لبنان. وضربا مثلاً على ذلك، انه استخدم كصحافي في عملية تفاوض مركّبة تتعلق بسهى بشارة. ففي تشرين الثاني نوفمبر 1989 نشر اوك في مجلة "باري ماتش" مقابلة خاصة مع سهى بشارة، الشابة المسيحية اللبنانية التي عملت مدربة رقص رياضي … وكانت حاولت قبل سنتين اغتيال قائد جيش لبنان الجنوبي انطوان لحد في مهمة كلّفتها بها الاستخبارات السورية. وكانت سهى معتقلة في سجن الخيام، واللقاء معها أُجري كبرهان على انها ما زالت على قيد الحياة.
وفي نهاية المطاف استُخدمت بشارة التي قبعت في السجن 12 سنة بلا محاكمة، كورقة مقايضة. وقد اطلق لحد سراحها في ما بعد بدعوى "الدوافع الانسانية بناء على طلب من الحكومة الفرنسية". بينما جاء ذلك في الواقع في مقابل تعهد بمنحه حق اللجوء السياسي في فرنسا مع عائلته، بعد الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان. ويقول الكاتبان ان من المفارقات ان لحد وبشارة يسكنان حالياً في منطقتين متجاورتين في فرنسا.
ويتحدث الكاتبان عن دور للاتحاد السوفياتي في موضوع الخطف من خلال سياقين:
الاول: في سنة 1985 عندما قام "حزب الله" بخطف اربعة ديبلوماسيين روس في لبنان. كانت روسيا آنذاك تحارب في افغانستان. وقد أراد "حزب الله" مناصرة المجاهدين الأفغان يومها. بيد ان الروس لم يتصرفوا كما فعل الغرب. فلم تمر سوى بضعة ايام حتى تعقّب جهاز استخبارات الجيش الاحمر الروسي آثار الخاطفين وقام عناصره بخطف اثنين من اقاربهم. وقذف بجثة احدهم امام بيت العائلة. وتم ارفاق الجثة برسالة توضح انه اذا لم يُطلق سراح الديبلوماسيين الروس، فإن المخطوف الثاني سيلقى المصير نفسه. وان هذه ستكون فقط البداية. وقد تم اطلاق سراح الديبلوماسيين الروس فوراً. مع ان هناك رواية اخرى تقول ان احد الرهائن الروس، أرادي كاتاكوف، قُتل بأيدي "حزب الله" وان جثته وُجدت في وقت لاحق.
ويقول الكاتبان ان النموذج الروسي طُرح مرات كثيرة خلال المشاورات في الطواقم الاسرائيلية المسؤولة عن قضية رون أراد.
السياق الثاني: في سنة 1989 وقع المحامي امنون زخروني احد الاسرائيليين الذين يتابعون قضايا الأسرى على اتفاق مع الاستخبارات السوفياتية والالمانية الشرقية يقضي بأن تسعيان لاطلاق سراح أراد وغيره من الاسرى الاسرائيليين في لبنان، في مقابل اطلاق سراح الجاسوسين ماركو كلينبر وكلمنوفتس المسجونين في اسرائيل. وقد جرى الاتفاق من وراء ظهر الولايات المتحدة ومن دون علمها، حتى لا تطالب بأن تتضمن هذه الصفقة رهائن اميركيين. ولكن الاتحاد السوفياتي انهار وانهار النظام الشيوعي في المانيا الشرقية، وانهارت معهما هذه المحاولة ايضاً.
احد الامور الاساسية التي يخرج بها الكتاب، هو ان أراد ميت. وان اسرائيل تعرف ذلك جيداً، لكنها ترفض الاعتراف به. ينقل الكاتبان عن لسان احد كبار رجالات الامن الاسرائيليين قوله: "لم نترك حجراً الا وقلبناه. لم نترك بصيص معلومات الا وفحصناه. وللاسف الشديد، فإن هناك رداً واحداً على السؤال لماذا لم نعثر على رون أراد هو: لأنه ليس على قيد الحياة. فلو كان رون أراد حيّاً، لكنا وصلنا اليه. فالانسان الحيّ، يزيد بطبيعة الحال من دائرة العارفين بسرّه: يوجد له حراس، شخص ما يجلب له الطعام، سائق ينقله من مكان لآخر. في النهاية كنا سنصل الى احدهم. لكن اذا كان ميتاً، فإن عدد الاشخاص الذين يعرفون سرّه يكون قليلاً جداً. وانا واثق من ان الايرانيين اتخذوا كل الاجراءات اللازمة حتى لا نعرف الحقيقة ابد الدهر".
ويقول الكتاب ان الوقت حان للاعتراف بأن أراد ميت استناداً الى عدد من الحقائق، اهمها:
خلال 13 سنة الاخيرة لم تصل اي علامة تدلّ على انه حيّ
زوجته تامي، التي لا يتطرّق احد الى وضعها. فهل هي ارملة ام مهجورة؟! هل هي امرأة حرّة؟ هل تستطيع الزواج ثانية؟!
ويكشف الكاتبان ان رفاق أراد في سلاح الجو يبذلون جهوداً خارقة لاقناع القيادة الدينية في الجيش ان تعطى تامي أراد حرية الزواج، لأنها مقتنعة تماماً بأن زوجها ميت. ويكشفان ايضاً ان رئيس الحكومة السابق اسحق رابين، كان طلب هو ايضاً هذا الامر من الحاخام الاكبر.
خبر صحافي صغير
في نيسان ابريل 1991 تسلّم الجنرال يورام يائير ولقبه يه يه منصب رئيس طاقم الأسرى والمفقودين. وسرعان ما اصبح الاهتمام بمعالجة قضية أراد مركز انشغاله. "قررت أن لا ابقي حجراً على حجر في الطريق، ربما اكون قد اخطأت حين صرفت وقتاً ثميناً في حجارة غير مهمة، وكان عليّ ان اتركز في هذه الطريق او تلك. لكنني اشعر بالارتياح لقراري هذا".
القرار يقود الى نشاطات عادية واخرى غير تقليدية. والحديث يدور عن نشاط بالمستوى العسكري الاستخباري، بدءاً من العثور على اشخاص من اقرباء سجانين في معتقلات ايرانية وانتهاء باختفاء رهائن، حتى من قادة "حزب الله"، واكبرهم الشيخ عباس موسوي. ولأشهر طويلة كان "يه. يه" يجلس في قاعدة رئاسة الاركان وهي وحدة قتالية مُختارة في الجيش الاسرائيلي من اجل الاعداد للخطف. القيادة السياسية صادقت. رئيس اركان الجيش ايهود باراك الذي تربطه علاقة قوية بهذه الوحدة صادق على الخطة التنفيذية.
ويشير ملف الاستخبارات الاسرائيلية الى ان موسوي انسان نشيط مجتهد في حربه ضد اسرائيل. فقد كان له ضلع في عملية التفجير الضخمة ضد المارينز في بيروت والتي قتل فيها اكثر من 200 جندي اميركي. وحسب احد التقديرات فإنه استخدم قضية أراد ليدقّ إسفيناً بين اسرائيل والولايات المتحدة.
اما المنطق الذي طُرح لتفسير خطف موسوي، ولم يكن الحديث يجري في تصفيته بعد، فهو: "انتم بحوزتكم رون أراد ونحن بحوزتنا موسوي. اعطونا دليلاً على وجود أراد حياً، نعطيكم دليلاً على ان موسوي حي. أعيدوا لنا أراد سالماً، نُعيد لكم موسوي سالماً. تعيدون لنا تابوتاً، تتسلمون منا تابوتاً".
في 14 شباط فبراير 1992 قرأ احد رجال الاستخبارات الاسرائيلية صحف بيروت، فعثر بالصدفة على خبر صغير يقول ان الشيخ عباس موسوي سيزور مقاتليه في بلدة جبشيت، التي كان الشيخ عبدالكريم عبيد قد خُطف منها. تنقل هذا الخبر الى ان وصل الى طاولة ضابط العمليات الخاصة في دائرة هيئة الاركان. وتبعد جبشيت اقل من سبعة كيلومترات عن حدود الحزام الامني السابق. ونظراً الى كون الجيش الاسرائيلي سبق وعمل في هذه المنطقة، فإن لديه ملفاً جاهزاً ومُنظّماً يتضمن الوسائل لعمليات واضحة.
عندما غادر موسوي منزله في بيروت يوم 16 شباط فبراير 1992 الى جبشيت، نزل رئيس اركان الجيش الاسرائيلي ايهود باراك ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية اوري ساغي، الى مكتب وزير الدفاع موشيه ارينز، في الطابق الثاني من مبنى وزارة الدفاع في "الكرياه" في تل ابيب وطلبا منه الموافقة على العملية "التي ربما تكون هناك ضرورة لتنفيذها خلال ساعات قليلة"، هكذا قيل للوزير ارينز، فصادق عليها، لكنه لم يكن هناك قرار بالخطف بعد، بل كان القرار اجراء فحص لمدى الاستعداد لتلك الخطوة، اي عملية مراجعة اخيرة قبل تنفيذ الخطف.
وقد سرت اشاعات يومها بأن لوبراني كان قد التقى أحد قادة حزب الله في باريس قبل شهر فقط، وتباحثا هناك حول اطلاق سراح أراد في اطار صفقة تهدف الى تثبيت الوضع في الجنوب اللبناني كله. لكن لوبراني لم يكن على علم بالحدث الدرامي، الذي بدأ يتبلور في بلدة جبشيت.
كان رجال موسوي ينظّمون له استقبالاً حاراً في جبشيت، فيما كان الاسرائيليون يلاحقونه في السر. والطائرة بلا طيّار التي اطلقت الى الجو أُمسكت بالجهاز في حالة تأهب بغية فحص مدى الاستعداد لعملية الخطف، التي كان من المفروض تنفيذها في ظروف ملائمة.
وكان كلما مر الوقت بدت عملية الخطف معقدة لأن موسوي كان طوال الوقت مُحاطاً بعشرات الاشخاص ولم يكن هناك اي منطق للقيام بعملية عسكرية كهذه، مهما كانت متقنة.
بعد ثلاث ساعات انتهى اللقاء في جبشيت وبدأت القافلة تسلك طريق العودة الى بيروت عبر بلدة الشرقية. كان موسوي في سيارته المصفحة، وهي سوداء من نوع مرسيدس، وقد تقدمتها وتبعتها سيارات المرافقين، اضافة الى سيارتي جيب لاندروفر محمّلتين بالمقاتلين المسلحين، احداهما في المقدمة والثانية في المؤخرة. جلس الى جانبه في المرسيدس كل من زوجته وابنه، الا ان الطائرة بلا طيّار لا تنتبه اليهما، فهذه الحقيقة لا يعرفها اصحاب القرار. كان "يه - يه" يتابع العملية من موقعه في خندق هيئة الاركان في تل ابيب، ويعرب عن تقديره بأنه لا توجد امكانية الآن لتنفيذ العملية. وهو غادر الخندق واستقل طائرة وتوجه الى قيادة المنطقة الشمالية للجيش، حيث كان ينتظره نقاش مهني آخر لا علاقة له بالعملية. وفي الطريق الى هناك نما الى مسامعه ان بعض المتواجدين في غرفة عمليات هيئة الاركان يعتقدون بأنه طالما ان موسوي في متناول يدهم فمن المناسب ضربه.
في ذلك الوقت تماماً، كان رئيس الاركان باراك ورئيس الاستخبارات العسكرية، اوري ساغي، جالسين في الخندق. ثم انضم اليهم وزير الدفاع ارينز الذي اخبر رئيس الحكومة اسحق شامير بأن موسوي في مرمى السهام الاسرائيلية. وقد عرف الجالسون في الخندق ان طائرتين مقاتلتين تحومان في الجو في تلك اللحظات وهما مزوّدتان بصواريخ قادرة على اصابة الهدف بدقة. وسأل احد الحاضرين: لماذا لا نصفّيه يقصد الشيخ موسوي. فردّ آخر بالقول: انها فكرة جيدة لكنها لم تنضج بعد. وفي الجيش، كثيرون هم الذين يعتبرون ان أراد لم يعد على قيد الحياة. واغتيال موسوي يمكن ان يفسّر بأنه جزء من عمليات الردع والانتقام.
ويهبط "يه - يه" في مقر اللواء الشمالي، ويسرع الى غرفة العمليات فيسمع ان الاوامر باغتيال موسوي قد تصدر في أي لحظة. فيتصل بغرفة عمليات هيئة الاركان ويحاول بكل قوته اقناع رئيس اركان الجيش باراك بأن يتخلى عن الفكرة. "كيف وصلنا الى هذا الوضع"، يسأل رئيس الاركان. فيجيبه باراك: "لقد بدأنا بفحص مدى الاستعداد للخطف، فكيف وصلنا الى التصفية؟".
كان باراك اعلى ثالث قائد في الهرم العسكري - الامني بعد شامير رئيس الحكومة وارينز وزير الدفاع. وكانت "الاصابع حامية للضغط على الزناد"، كما قال احد الحاضرين في المكان. فقررت القيادة العسكرية بالاجماع: الاغتيال. وقال ارينز ان يد هذا الرجل مُلطّخة بالدماء اكثر من الجميع. واتصل ارينز بمكتب رئيس الحكومة شامير الذي صادق على كل عملية يراها ارينز مناسبة.
وواصل باراك من موقعه في الخندق، متابعة تحرك موسوي، منتظراً حسم وزير الدفاع. وبالفعل، وصلت موافقة ارينز بعد وقت قصير: "ضوء اخضر" قال ارينز مصادقاً، فانطلقت الى الجو مروحيتان عسكريتان كانتا مختبئتين وراء صخرة عملاقة ثم ظهرتا فجأة تحومان حول قافلة موسوي، وتمكنتا من رصد تحركات سيارة المرسيدس السوداء. كبسة على الزر الاحمر في مقصورة المروحية، فتنطلق الصواريخ نحو هدفها، فيُقتل موسوي على الفور مع زوجته وابنه حسين الذي لم يتجاوز السنوات الست. كما يُقتل خمسة مقاتلين من الحراس المسلحين.
في قيادة اللواء الشمالي، يسمع "يه - يه" عن الامر وعن نتائج العملية فيصاب بنوبة صراخ ترددت اصداؤها في كل المكاتب المغلقة. وفي اليوم التالي، وللمرة الاولى منذ حرب لبنان قبل حوالي عشر سنوات، اسقطت صواريخ كاتيوشا على كل منطقة الجليل، وفرغت كريات شمونه من سكانها، وطلب رئيس البلدية بروسبير ازران من شامير وارينز العمل. وهذا ما حصل بالفعل.
بدأت الدبابات والمدافع تطلق حممها بدقة على بلدتين لبنانيتين خارج حدود الحزام الامني. ووافق وزير الدفاع على طلب ارسال وحدة دبابات الى ما وراء الحزام الامني، بل ان ارينز راح يفكّر في توسيع منطقة الحزام الامني، لإبعاد خطر الاصابة بالكاتيوشا. وهرعت واشنطن لتعمل على وقف اطلاق النار. وفي الساعة الثالثة من بعد ظهر يوم الجمعة، سقطت الدفعة الاخيرة من صواريخ الكاتيوشا على مستوطنة غرنوت في الجليل الغربي، فقتلت الطفلة ايبها ايزلدا، البالغة من العمر ست سنوات وهي من جيل حسين، ابن موسوي، ومن جيل يوقال، ابنة رون أراد.
في اليوم التالي لاغتيال موسوي، أعلنت منظمة شيعية مجهولة ان أراد أُعدم، رداً على اغتيال قائدها. وبعد شهر من ذلك، وتحديداً في 17 آذار مارس دمّر انفجار سيارة مفخخة مبنى السفارة الاسرائيلية في العاصمة الارجنتينية بيونس ايريس، فقتل 28 شخصاً واصيب 270 آخرون بجراح، وكان ذلك رداً على اغتيال موسوي الذي قتل بسبب دوره ومسؤوليته عن مصير الطيّار أراد.
لقد كان اغتيال موسوي زبدة قضية أراد: المشاركون، الاعتبارات، ردود الفعل في الجانبين، الضحايا التي ليست طرفاً في القضية ولد مقابل ولد، كما صرّح وزير الخارجية في وقت لاحق، ديفيد ليفي، لمناسبة اخرى لكنها تتعلق بلبنان، قصف الجليل، الانفجار في الارجنتين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.