هدية نهاية القرن الى اللبنانيين، قانون انتخاب لا يختلف في جوهره التمثيلي الطائفي عن مفاهيم اول القرن، اما الدوائر الاربع عشرة التي نص عليها، فراعت خريطة الزعامات والتوازنات التي صاغتها المعادلة الاقليمية - المحلية في تسعينات القرن العشرين والتي ستستمر مفاعيلها سارية على ما يبدو مطلع القرن الحادي والعشرين. واذا كان مستشار المفوضية الفرنسية روبير دي كيه المسؤول عن صدور المرسوم 1307 في آذار مارس 1922، الذي نظّم عملية انتخاب المجلس التمثيلي الاول على اساس طائفي مستوحى من بروتوكول المتصرفية الصادر العام 1864، فإن المرجعية السورية التي تولت منذ الاعلان الرسمي لانتهاء الحرب اللبنانية سنة 1990 رعاية اعادة تأسيس لبنان وتشكيل نخبه وتوازناته، كان لها الدور الحاسم، كما في دورتي انتخاب 1992 و1996، في اخراج قانون انتخاب صيف العام 2000 وفق حساباتها للمرحلة المقبلة اقليمياً ولبنانياً، على ايقاع مفاوضات التسوية ونتائجها المحتملة في جميع الاحوال. لقد رافق صدور القانون الجديد للانتخابات سلسلة مفارقات لم تعد نشازاً في سياق المسار اللبناني العام الذي تتلاعب فيه اهواء السياسيين في الداخل ورياح التقلبات الاقليمية، في بلد محكم الربط بأزمة الشرق الاوسط، وما زال النصاب الداخلي فيه اصغر حجماً وأضعف تأثيراً من قوة الخارج ومعطياته. فبعدما استهلك الكلام عن القانون ومطالب الطوائف والمذاهب والمراجع والزعامات اكثر من سنة، كانت ايامها واسابيعها مشحونة بالتوتر السياسي والتجاذب والاستنفار الدائم بين حكم الرئيس اميل لحود ومعارضيه، ظهرت "طبخة" القانون وسلكت الطريق بسرعة قياسية الى مجلس الوزراء ثم الى مجلس النواب حيث جرى اقراره في ايام معدودة. وللتذكير فقط فان رئيس الحكومة سليم الحص، وخصوصاً وزير الداخلية ميشال المر، كررا على مدى اشهر ان صيغة القانون منجزة، لكن سطراً واحداً ينقصها يحتاج الى توافق ليصبح مشروع القانون مكتملاً. واذا بالصيغة شبه النهائية تصبح حقيقة جاهزة في ايام معدودة، فتسرّب الى الصحف اولاً، ثم يحملها رئيس المجلس النيابي نبيه بري الى الاوساط المعنية في بيروت بعد لقاء وغداء عمل مع الدكتور بشّار الاسد في حضور رئيس جهاز الامن والاستطلاع في القوات العربية السورية في لبنان اللواء غازي كنعان. وبين نقل الرئيس بري كلمة الحسم عبر التصريح امام النواب والاعلاميين ان "صيغة ال14 جدية جداً"، واقرار القانون في الهيئة العامة لمجلس النواب في 22 كانون الاول ديسمبر 1999، سجلت مفارقة اخرى تؤشر الى مدى ضغط المعطى الاقليمي على الوضع اللبناني، فأمام حجم الاصوات المعترضة، وحسماً لكل جدل وتأويل، قطع بري وعداً مطلع الشهر الماضي بأن مشروع الدوائر الاربع عشرة سيصل الى ساحة النجمة خلال 14 يوماً، فيما كان رئيس الحكومة سليم الحص يسجل اعتراضاً على تقسيم بيروت الى ثلاث دوائر، ويؤكد ان لا شيء نهائياً على الاطلاق. وفي الموعد الذي اعلنه بري، أُقر القانون في مجلس الوزراء مع تدوين الحص اعتراضه، وذلك بالتزامن مع انطلاق جولة المفاوضات السورية - الاسرائيلية التمهيدية في واشنطن. ومرة ثانية ضغط التوقيت الاقليمي على المشهد اللبناني، فبينما اعلن بري ان مشروع قانون الانتخاب سيأخذ وقته في الدرس والنقاش في اللجان النيابية، انقلب الموقف خلال 24 ساعة، بعد اعلان نتائج اجتماعات واشنطن، فهبط مشروع القانون فجأة على طاولة لجنة الادارة والعدل من دون المرور في غربال اللجان النيابية المشتركة، وجرت مراجعة مواده الاثنتين والسبعين سريعاً في جلستين صباحية ومسائية ليحال فوراً على الهيئة العامة لاقراره والتصديق عليه. سياق المعطيات هذا لا يعني ان الرئيس بري مارس اكثر من دور "القابلة" القانونية للمشروع، وهنا برزت المفارقة الثالثة والاساسية، وهي ان صيغة الدوائر الاربع عشرة تبدو خارج الكواليس ورقة لقيطة ليس لها أب شرعي ولا أم، فرئيس الجمهورية العماد اميل لحود لم يخرج كلامه العلني عن العموميات والمبدئيات مركزاً على العدالة والمساواة وصحة التمثيل. وبعد صدور القانون قال "انه افضل الممكن وانه لا يمكن ايجاد قانون انتخابات مثالي في نظام طائفي". ورئيس الحكومة سليم الحص ظل على موقفه المعترض محترماً في الوقت نفسه تصويت ورأى الاكثرية في مجلس الوزراء والنواب. ورئيس المجلس نبيه بري بدا مرناً اكثر في استيعابه لمقتضيات المرحلة واسباب وظروف اعتماد الدوائر ال14 على رغم تأكيده انه في المبدأ مع صيغة المحافظات الخمس. اما اللجنة الوزارية الخاصة بوضع مشروع قانون الانتخاب والمشكّلة منذ عشرة اشهر برئاسة وزير الداخلية فبدت الغائب الاكبر عن مسرح ترتيب وتخريج القانون، باستثناء "العمل الدؤوب" الذي تولاه الوزير المر نيابة عن اعضاء اللجنة. وحده نائب رئيس المجلس ايلي الفرزلي تبنى علناً وبحرارة المشروع لدى المرجعيات السياسية والروحية، خصوصاً المسيحية، مقدماً الحجج والتبريرات وفلفسة القانون المستندة حسب رأيه الى اعادة الاعتبار "للصوت المسيحي" في المناطق، واعتماد صحة التمثيل في المساواة في المضمون الوطني للصوت الانتخابي، لا في التوزيع الجغرافي المتساوي للدوائر، او التوزيع الديموغرافي قياساً الى عدد النواب تقسيماً على الدوائر. على ان قصة مسيرة القانون الانتخابي لا تختصر في الاسابيع الاخيرة التي سبقت صدوره، بل تكاد تختزل صورة التطورات التي رافقت السنة الاولى من عهد الرئيس لحود سواء في لبنان ام في مركز القرار السوري الذي شهد تبدلاً في الادوار، واستطراداً في الاداء الذي بدا حاسماً في دعم الرئيس لحود مع الحفاظ على حيز مهم للحلفاء الاساسيين الذين توجسوا من ان تتمدد هيبة رئيس الجمهورية على حساب احجامهم ومواقعهم الرسمية والشعبية. لذلك جرى النظر منذ البداية الى انتخابات العام 2000 على انها نقطة التحوّل الاساسي والانطلاقة الفعلية للعهد ولمشروع التغيير الذي يحتاج الى رافعة اساسية في المجلس النيابي تواكب الذهنية الجديدة للحكم في طريقة ادارة الدولة والشأن العام، وفي موازاة هذا الطموح الذي راح يشيّعه المقرّبون من رئيس الجمهورية والموالون للحكم ولحكومة الرئيس الحص، وفي ظل احتدام الاشتباك بالوسائل السياسية والقضائية والاعلامية بين الحكم والمعارضين، كالرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري والزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط، تلقّف المعارضون الظاهرون والمستترون من اركان الطبقة السياسية شعار التغيير، وأطلقوا العنان لمخاوفهم وهواجسهم امام المسؤولين السوريين من الخطة التي قالوا ان العهد يخطط لها لانتاج "طبقة سياسية جديدة" من خلال الانتخابات، وبطريقة توحي ان هذا "الانتاج" مرادف لعملية الغاء او تحجيم للطبقة السياسية الحالية التي ركزت باستمرار على التذكير بعلاقتها التحالفية مع دمشق وبتضحياتها التي أدت الى اتفاق الطائف والى النظام القائم الذي ترتاح اليه وتدعمه سورية. ظهرت العقدة في الاساس في جبل لبنان، عندما رفع خطاب جنبلاط الحامل هواجس التاريخ وخوف الاقلية الدرزية مستوى التوتر السياسي مع العهد الى الحد الاقصى، والى جو الخوف الدرزي، نجح الرئيس الحريري في اشاعة مناخ احباط سني في عملية وقائية رداً على الطريقة التي احرجته فأخرجته من السراي الكبير. في هذا الجو المتوتر كانت دمشق تستقبل الحلفاء وتستمع الى الشكاوى والمطالب وتطمئن وتدعو الى الهدوء، الى ان شارفت ما اصطلح على تسميتها "فترة السماح" للعهد على الانتهاء مطلع الصيف الماضي، فجرى تطمين جنبلاط الى خصوصية الجبل ومراعاة حجمه السياسي والطائفي عند تقسيم الدوائر، كما تمّ الايحاء بالحوار واللقاء بين رئيس الجمهورية والمعارضين وعلى رأسهم الحريري وجنبلاط. اعتراضات وتحفظات وهواجس ومثلما انطلقت العقدة من الجبل، انسحب البحث في شكل الحل في الجبل على باقي الدوائر انطلاقاً من حرص رئيس الجمهورية على المساواة، سواء في التقسيم او الضم والجمع، وبعد سلسلة مداولات حمل الوزير المر اقتراحاً باعتماد ست دوائر انتخابية، حيث يقسم جبل لبنان الى محافظتين وتضم محافظة النبطية الى الجنوب ويبقى الشمال والبقاع وبيروتمحافظات - دوائر على حالها، وتم التطرق الى هذا الاقتراح في اللقاء الذي جمع في قصر بعبدا في 8 آب اغسطس الماضي الرئيس لحود والدكتور بشّار الاسد واللواء غازي كنعان. غير ان هذا الاقتراح لاقى عقبات واعتراضات من اطراف مختلفة، فالرئيس بري ابلغ اللواء كنعان تحفظه، والبطريرك الماروني نصر الله صفير لاحظ ان هذا التقسيم يهمّش "الصوت المسيحي" في جبل لبنان ويوزعه على مرجعية درزية هي وليد جنبلاط في الجبل الجنوبي، وعلى مرجعية ارثوذكسية هي ميشال المر في الجبل الشمالي، فضلاً عن انه يترك 11 نائباً مارونياً في المتن الشمالي وكسروان وجبيل تحت عباءة الوزير المر. وفتح البازار من جديد، وتلقت المرجعية السورية سيلاً من مطالب الحلفاء وهواجسهم، فاضافة الى النائب جنبلاط وعقدة الجبل هناك عقدة الشمال والبرودة في العلاقة بين الرئيس عمر كرامي والوزير سليمان فرنجية الذي يقلقه ايضاً حضور حزب "القوات اللبنانية" المحظور في قضاء بشري وبعض قرى البترون والكورة وعكّار، وهناك ايضاً مطلب الرئيس برى المصرّ على الجنوب دائرة واحدة بسبب واقع الاحتلال الاسرائيلي وخشية من منازلة غير مطلوبة في القرى مع "حزب الله" او معارك مع التقليد الشيعي القديم المتمثل بالعائلات والرئيس كامل الاسعد والتيارات اليسارية وعلى رأسها النائب السابق حبيب صادق. وبرزت ايضاً رغبة مستورة للوزير المر من اجل الابقاء على المتن الشمالي دائرة مستقلة يتحكّم بلعبتها بدل اغراق الاصوات المتنية ببحر الأصوات المارونية غير المضبوطة في كسروان وجبيل. كذلك علت صرخة نائب رئيس المجلس ايلي الفرزلي مطالباً بتقسيم البقاع الى ثلاث دوائر كما كان تاريخياً، مبرراً طرحه بمساحة البقاع الشاسعة التي تشكل 34.8 في المئة من مساحة لبنان، وبكثافة الاصوات الشيعية التي يمكن ان تهمّش اصوات الكتل الانتخابية الطائفية والحزبية الباقية. سلّة كوكتيل المطالب هذه، اضافت اليها دمشق حساباتها الاستراتيجية ومصالح حلفائها، وفي اللحظة الاقليمية المناسبة، وفيما كان الرئيس بيل كلينتون يكثّف اتصالاته الهاتفية مع الرئيس حافظ الاسد ورئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك ويتحرك الموفدون الاوروبيون والاميركيون في المنطقة من اجل استئناف المفاوضات السورية - الاسرائيلية، أُعطيت اشارة الانطلاق لاعلان مشروع الدوائر الاربع عشرة على الشكل الآتي: 1 - جبل لبنان، اربع دوائر: الشوف - عاليه وبعبدا - المتن الشمالي - كسروان وجبيل. 2 - الشمال، دائرتان: زغرتا وطرابلس والمنية والبترون والكورة ثم عكار والضنية وبشري. 3 - البقاع، ثلاث دوائر: بعلبك - الهرمل دائرة اولى، والبقاع الغربي دائرة ثانية وزحلة وقرى قضاء زحلة دائرة ثالثة. 4 - الجنوب، دائرتان: صور، صيدا، بنت جبيل والزهراني دائرة اولى، وجزين والنبطية ومرجعيون وحاصبيا دائرة ثانية. لكن الجنوب سيقترع استثنائياً هذه المرة كدائرة واحدة بسبب الاحتلال. 5 - تبقى بيروت التي قسّمت الى ثلاث دوائر: دائرة اولى تضم الصيفي والاشرفية والمزرعة والطريق الجديدة. ودائرة ثانية تضم الرميل والمصيطبة وزقاق البلاط. ودائرة ثالثة تضم المدوّر والمرفأ وعين المريسة وميناء الحصن ورأس بيروت. وفور صدور القانون في مجلس النواب اعلن الرئيس لحود ان الصيغة التي اعتمدت "راعت مبدأ عدم الغاء احد"، وهذا يعني ان المقولة التي روّج لها المعارضون اشهراً طويلة من ان الحكم الجديد يستهدف الغاء الطبقة السياسية بدت غير واقعية، لأن هذه الطبقة التي ترعرت وكبرت في كنف جمهورية الطائف في التسعينات هي نتاج معادلة سياسية داخلية واقليمية كان لدمشق الدور الاساسي في تركيبها وتركيزها. وبالتالي فان اي تغيير او اقتلاع لها يستدعي اما ثورة وانقلاباً وتغييراً في التوازنات وإما ارادة سورية بالتوافق مع الادارة اللبنانية وهذا لا يبدو ظاهراً الآن. غير ان ملامح تعديلات في الاحجام والاوزان السياسية تبدو مطلوبة في خريطة المجلس الجديد، وفق قراءة دقيقة لقاعدة التقسيمات الانتخابية والغايات التي تستهدفها. صحيح ان ليس بالقانون وحده تجري الانتخابات بل بالتقسيمات واللوائح والتحالفات، فكم بالحري اذا كان القانون فصّل على اساس الزعامات واللوائح كما هو شائع الآن في بيروت، وفي بلورة عملية للصيغة الموضوعة على ورق القانون، يمكن استنتاج سلسلة اهداف ركّز عليها واضعو التقسيمات اهمها: الحفاظ على الحلفاء الاستراتيجيين لدمشق وعدم تعريض المعادلة السياسية القائمة لاختراقات من جهات بديلة غير موثوقة، والاحتفاظ بالكتلة الشيعية الاساسية عبر استمرار تحالف "حزب الله" وحركة "امل" في جميع المناطق وكذلك الرئيس حسين الحسيني ودعم بقاء كتلة "الوفاء للمقاومة" أي "حزب الله" كفصيل سياسي اساسي سواء استمرت المقاومة او حصلت التسوية، وكذلك التركيز على كتلة الحزب السوري القومي، كحزبٍ يلعب منذ العام 1992 في المجلس دور حزب الجمهورية الثانية، بعدما كان حزب الكتائب يلعب الدور نفسه في الجمهورية الاولى. ومن جملة الاهداف السياسية ايضاً، اعادة التوازن الى توزيع القوى الاسلامية السنية بعدما كاد الرئيس الحريري يبتلع كتل الطائفة الاساسية في بيروت وصيدا وطرابلس والبقاع وعكّار واقليم الخروب. ثلاث مرجعيات وفي الواقع، فإن تقسيم بيروت الى ثلاث مناطق مختلفة طائفياً يوزع الكتل الناخبة على ثلاث مرجعيات هي الرئيسان الحص والحريري والنائب تمام سلام، ويوزّع اصوات الكتل السنية على الدوائر الثلاث ويوازنها بكتلة "جمعية المشاريع" المناوئة للحريري، اضافة الى اصوات الارمن والمسيحيين والشيعة والدروز. وفي الشمال يضعف فصل عكار عن طرابلس قوة الحريري الانتخابية الموزعة على الدائرتين، ويتطلّب منه قيام تحالف بين تياره والاقوياء هناك. كذلك فان فصل عكار عن طرابلس يؤدي الى تشتيت قوة "الجماعة الاسلامية" بمختلف تشكيلاتها الموزعة بين طرابلس والقلمون والضنية وعكار، ويصبح من الصعب على هذه الجماعات الفوز بمقعد من دون رغبة القوة السياسية السورية المؤثرة معنوياً وانتخابياً في عكار وطرابلس. اما إلحاق بشري بالضنية وعكار وفصلها عن محيطها المسيحي بين الكورة وزغرتا والبترون فينتج حكماً تهميشاً لقوى كتلة "القوات اللبنانية" التي تدور تساؤلات الآن عما اذا كانت ستشارك في الانتخابات ام لا. ومع ان هذا التقسيم يستجيب لرغبة دفينة لدى الوزير فرنجية فإنه أغاظ البطريرك صفير واكد مخاوفه من تكريس شطب بعض الفرقاء المسيحين من المعادلة السياسية التي تدور احداثها ويتحرك ابطالها تحت السقف السوري حصراً، وهو ما يعتبر استمراراً لعملية "التأديب" وتصفية الحسابات مع المعارضة المسيحية التي خرجت عن الطائف، او أُخرجت منه. وموضوع التمثيل المسيحي مطروح ايضاً في جزين الحائرة بين المكوث في قلب الوطن او على تماسه، وكذلك في الجبل المفتقر الى التيارات والقوى المسيحية الفاعلة وكذلك بيروت التي تفتش عن زعامة مسيحية جامعة. في الجنوب، ادى الحفاظ على المحافظة الى نيل قبول الرئيس بري المرتاح الى تحالفه مع "حزب الله" والذي سيعيده الى المجلس على رأس كتلة كبيرة تتيح له العودة الى الرئاسة الثانية مرة جديدة. والتحالف مع "حزب الله" سينسحب ايضاً على البقاع وبيروت والضاحية الجنوبية حيث يتردد ان "حزب الله" سيعود الى احتلال مقعدين شيعيين في العاصمة وبعبدا كان فقدهما سنة 1996. وفي الجنوب ايضاً يبقى مكان لكل من مصطفى سعد وبهية الحريري. بالانتقال الى البقاع فإن "حزب الله" يشكل في دائرة بعلبك - الهرمل اكثرية ساحقة، وهناك من يرجّح ان يترك المقعد السني والارمني في الدائرة لحليف تختاره المرجعية المختصة ولا يكون في الكتلة. وفي البقاع الغربي يبدو التغيير مستبعداً فيما يجري العمل راهناً في زحله بدعمٍ سوري لاعادة تعويم ائتلاف سكاف - الهراوي. ويبقى الجبل الذي يتزعّم امارته في الشوف وليد جنبلاط من دون منازع جدي، بينما يسود التريث موقف رئيس حزب الوطنيين الاحرار دوري شمعون الذي يمنعه القانون من الترشح كونه رئيساً لبلدية دير القمر. والتوافق الدرزي يمتد الى عاليه حيث يسود التفاهم حتى الآن بين جنبلاط وطلال ارسلان فيما ينتظر ان يدخل الى "الجنّة" النيابية والانتخابية من جديد رئيس الرابطة المارونية بيار حلو من دون تغييب القوى الاخرى كالقوميين والنائب السابق ايلي حبيقة. وفي الجزء الشمالي من الجبل يبدو "امبراطور المتن" الوزاري ميشال المر مرتاحاً في وقت يتردد همس عن نيّة نجل رئيس الجمهورية اميل اميل لحود خوض المعركة على لائحة المر، مما يعقّد وضع النائب الحالي نسيب لحود. اما كسروان وجبيل فمتروكة للعصبيات العائلية والحزبيات المناطقية وجماعات السلطة. ويتضح مما تقدّم انّ تغييراً اساسياً لن يحصل وان مجلس "الكتلة الواحدة" عائد وان تنوعت التقسيمات والنغمات على العود الاقليمي الواحد