بلغ عدد سكان الوطن العربي بنهاية العام 1998 نحو 5.270 مليون نسمة، وينتظر ان يرتفع الى 277 مليوناً بنهاية العام 1999 وذلك بمعدل زيادة سنوية 5.2 في المئة، وهو من بين اعلى المعدلات بالمقارنة بمعدل النمو السكاني في العالم، لكن التطور السلبي هو تراجع نمو الناتج المحلي الاجمالي للبلدان العربية بحيث لم يتجاوز الواحد في المئة في العام الماضي في مقابل 5.2 في المئة العام 1997 وأكثر من 5.5 في المئة العام 1996. وهكذا يبرز التفاوت كبيراً بين معدل نمو عدد السكان ونمو الاداء الاقتصادي في الوطن العربي. وتبين من تقرير وضعه الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة في البلاد العربية ان التركيب الهيكلي للناتج المحلي الاجمالي بقي على حاله خلال السنوات 1995 - 1997، وشكل الانتاج السلعي نسبة 8.52 في المئة العام 1997 بينما شكل قطاع الخدمات النسبة المتبقية. وحسب التقارير الاقتصادية فقد ساهمت الزراعة بنسبة 7.12 في المئة والصناعات الاستخراجية 3.21 في المئة والصناعات التحويلية 2.11 في المئة والتشييد 2.6 في المئة والكهرباء 4.1 في المئة. وتشير التقديرات الى ان حجم الانفاق الاستثماري العربي ارتفع بالاسعار الجارية من 2.118 مليار دولار العام 1996 الى 7.123 مليار دولار العام 1997. وفي ما يتعلق بعام 1998 فإن التقديرات ترجح ان يحافظ على معدله السابق، وبمزيد من الجهد، نتيجة لتراجع المداخيل العربية بشكل واضح. ويستدل من الاتجاهات الحديثة القائمة في الدول العربية ان هنالك ميلاً اكيداً لتقليص دور الدولة الاستثماري والاعتماد المتزايد على دور القطاع الخاص. في مقابل ذلك قامت غالبية الدول العربية بتحسين مناخ الاستثمار لديها والاسراع في تخفيف القيود الاقتصادية وتبسيط اجراءات منح تراخيص الاستثمار وتكثيف الجهود لجذب رؤوس الاموال العربية والاجنبية. ووفق احصاءات منظمة العمل العربية بلغ عدد القوى العاملة في الوطن العربي نحو 5.81 مليون عامل بنهاية العام 1997، وبما ان المنظمة تتوقع ان يرتفع هذا الرقم بمعدل سنوي 7.3 في المئة، فيكون بذلك قد بلغ 5.84 مليون عامل بنهاية العام 1998، وسيرتفع الى 6.87 مليوناً بنهاية العام 1999. ويعتبر معدل نمو القوى العاملة العربية مرتفعاً مقارنة ببلدان العالم، ويعود ذلك الى التركيبة العمرية للسكان في الوطن العربي التي تتميز بقاعدة فتية، فضلاً عن تزايد مساهمة المرأة في سوق العمل. ويستأثر قطاع الخدمات بنسبة 8.45 في المئة من القوى العاملة في الدول العربية، يليه قطاع الزراعة بنسبة 1.35 في المئة، ومن ثم قطاع الصناعة 1.19 في المئة. وباستثناء خمس دول السودان والصومال، وسورية، والمغرب، واليمن، تعمل غالبية القوى العاملة في بقية الدول العربية في قطاع الخدمات بمعدلات تتراوح بين 45 في المئة في مصر و76 في المئة في السعودية. كما تعمل معظم القوى العاملة في الصومال والسودان واليمن في القطاع الزراعي، اذ تبلغ 74 في المئة، و68 في المئة و56 في المئة من اجمالي القوى العاملة في هذه الدول على التوالي. من جانب آخر ثمة توازن بين القوى العاملة في قطاعي الزراعة والخدمات في كل من عُمان وموريتانيا والمغرب وسورية. وتجدر الاشارة الى ان نسبة العاملين في القطاع الزراعي انخفضت بشكل ملحوظ خلال العقود الثلاثة الماضية، وكان هذا الانخفاض لمصلحة القطاع الصناعي في بعض الدول وبخاصة في تونسوالجزائر والمغرب. وبشكل عام يتصف هيكل القوى العاملة العربية بمميزات عدة اهمها تدني الانتاجية، خصوصاً في قطاع الزراعة، وضعف مشاركة الاناث في قوى العمل العربية اذ يصل هذا المعدل الى حوالي 25 في المئة من القوى العاملة في كل من لبنان والمغرب وتونس، وينخفض دون 25 في المئة في الاردن ودول الخليج العربي. واللافت ان دراسات منظمة العمل العربية اشارت الى ان الوضع الراهن للعمالة العربية لا يتناسب مع القدرات والطاقات الهائلة التي تتطلبها احتياجات العمل حسب المقاييس الدولية، ووصفت المنظمة معدل النمو العالي للقوى العاملة وتدني نوعيتها وانتاجيتها، وارتفاع تكلفتها، بأنها من التحديات الاساسية للاقتصادات العربية لا سيما في ظل مستجدات الاقتصاد العالمي المفتوح والقائم على المنافسة. ولذلك دعت منظمة العمل العربية الى ضرورة العمل لتنمية مهارات القوى العاملة وتأهيلها وتدريبها باستمرار، بالاضافة الى تطوير انظمة التعليم والتدريب والبحوث وتعديل القوانين المنظمة للعمل، وتحسين مناخ الاستثمار وتنشيط القطاع الخاص، وتطوير الانظمة ذات الكثافة العمالية العالية القادرة على استيعاب جزء كبير من القوى العاملة، والعمل على خفض معدلات البطالة التي ما تزال تشكل الهاجس الاكبر لنمو الاقتصادات العربية. ومن خلال هذه التطورات يبرز السؤال: هل يوجد فقراء في العالم العربي؟وما هو وضعهم؟ تختلف تقديرات المصادر الوطنية عن مصادر المنظمات الدولية في تقدير مستويات الفقر. وهذا الاختلاف مهم بحد ذاته، اذ يعكس غياب تعريف موحد لخط الفقر وحسابات اخرى للفقر. ويعود جزء من هذا الاختلاف في التعريف الى صعوبة مفهوم الفقر. وبالمقارنة مع باقي دول العالم لا زال مستوى الفقر المنعكس في مستويات الاستهلاك والانفاق محدوداً في منطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا: فهناك حوالي 5 في المئة من اجمالي السكان يعيش على اقل من دولار أميركي في اليوم، وهو اقل مستوى من المسجل في المناطق النامية الاخرى في العالم. كذلك يمكن مقارنة منطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا بالنسبة للعالم عن طريق قياس عدالة الداخل. ويؤدي غياب المعلومات الضرورية وصعوبة المقارنة بين الدول الى صعوبة في تقييم مستوى الفقر في العالم العربي. لذا من غير المستغرب، ان تختلف التقديرات بشكل واسع. وعموماً تتجه مصادر البنك الدولي نحو تقديرات منخفضة عن مستويات الفقر في العالم العربي عن غيرها من المصادر، خصوصاً تلك الجارية داخل المنطقة نفسها. ويلاحظ انه خلال الفورة النفطية 1972 - 1980 تراجع مستوى الفقر في الدول العربية. ثم عاد وارتفع عدد السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر في مطلع الثمانينات حتى منتصف السبعينات. وفي منتصف التسعينات قدر اختلاف مستويات الدخل في منطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا ب03.38 في المئة، وهي النسبة نفسها المسجلة في شرق آسيا والباسيفيكي 09.38 في المئة، وبارتفاع عن الدول الصناعية 94.28 في المئة وجنوب آسيا 88.31 في المئة، وبانخفاض عن دول جنوب الصحراء الافريقية 95.46 في المئة، وأميركا اللاتينية والكاريبي 3.49 في المئة. هل يتجه الفقر نحو الانخفاض او الارتفاع في منطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا؟ الاحصاءات تظهر تراجعاً لمستوى الفقر في تونس وفي المغرب بدرجة اقل، وارتفاعاً في السودان والاردن، وعند الاخذ بالاعتبار اثر حرب الخليج الثانية على العراق، واثر العقوبات المفروضة عليه حالياً، والازمة في الجزائر، والمشاكل في المناطق المحتلة في فلسطين، يمكن التأكيد أن الفقر سجل ارتفاعاً خلال النصف الاول من التسعينات في منطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا. وتؤكد المعلومات المجمعة من لبنانوالاردن ان المركزية الصارمة، وغياب التنسيق وانتشار الفساد وضعف القدرة المؤسسية والبشرية، في المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، تشكل عائقاً امام تطبيق سياسات تخفيف حدة الفقر. لقد دعا مؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية كوبنهاغن الى صياغة وتعزيز "السياسات والاستراتيجيات الوطنية لتقليص الفقر الكامل في اقل وقت ممكن"، كما حث برنامج العمل الحكومات على "دمج اهداف مكافحة الفقر في السياسات الشاملة والتخطيط على المستوى المحلي والوطني". هل تستطيع الدول العربية تحقيق ذلك؟ في الواقع لن يكون ذلك سهلاً في ظل غياب القدرة على تعريف خصائص الفقر، وتحليل محدداته بشكل شامل، وتقويم اثر برامج احتثاثه وتخفيف حدته. والاكثر اهمية، من ناحية اخرى، هو غياب الالتزام السياسي لمكافحته في معظم الدول العربية، اذ هناك فقط ثلاث دول عربية لديها خطط واضحة لمكافحة الفقر، اثنتان منهما لا زالتا غير قادرتين على ايجاد التمويل اللازم للتطبيق. وحدها تونس تشكل مثالاً ناجحاً، حيث استطاعت صياغة برنامج واضح لمكافحة الفقر، مدعوماً بالارادة السياسية