في الرابع من تموز يوليو الذي يصادف ذكرى الاستقلال الأميركي، نجح الأميركيون في احتلال ويمبلدون وفرضوا سيطرتهم المطلقة على فردي الرجال والسيدات في كرة المضرب بعدما أحرز بيت سامبراس لقبه السادس في هذه الدورة العريقة، إثر تغلبه على مواطنه اندريه أغاسي 6/3 و6/4 و7/5، وبعدما أحرزت ليندسي دافنبورت لقبها الأول إثر فوزها على الالمانية شتيفي غراف حاملة اللقب 7 مرات 6/4 و7/5. ومما لا شك فيه ان بيت سامبراس كان الرابح الأكبر في دورة ويمبلدون فقد خلع البطل السويدي بيورن بورغ الذي كان يتربع على عرش هذه البطولة في القرن العشرين متجاوزا القابه الخمسة بلقب واحد، وعادل في الوقت ذاته رقم مواطنه روي ايمرسون باحرازه لقبه الثاني عشر في البطولات الكبرى التي تعرف بدورات الغران شيليم اذ فاز ببطولة ويمبلدون في الأعوام 93 و94 و95 و97 و98 و99، وأحرز بطولة استراليا المفتوحة في العامين 94 و97 كما أحرز بطولة فلاشينغ ميدوز في الأعوام 90 و93 و95 و96 ولم يعد ينقص سامبراس سوى لقب دورة رولان غاروس التي تقام على ملاعب ترابية، وهو الآن مرشح جدي لدخول عالم الأسطورة من بوابة فلاشينغ ميدوز إذا قدر له ان يفوز بلقبها للمرة الخامسة فينفرد عند ذاك بثلاثة عشر لقباً في البطولات الكبرى. وأجمعت آراء النقاد على ان اداء سامبراس في المباراة النهائية كان خارقاً، فقد قطع عن أغاسي الماء والهواء، ورد كرات مستحيلة، وتفوق في عدد الارسالات النظيفة 17 لسامبراس مقابل 5 لاغاسي وكانت ارسالاته الثانية مثار الاعجاب بدقتها وفعاليتها وبلغ المعدل الوسطي لسرعة ارساله الأول 192 كلم مقابل 182 لاغاسي، أما المعدل الوسطي لسرعة ارساله الثاني فكان 176 كلم مقابل 148 كلم لمنافسه. وقد صرح بول أناكون مدرب سامبراس قائلا: "لم أره أبداً يقدم أداء أفضل من أدائه في المجموعتين الأولى والثانية" اما براد جيلبرت مدرب اغاسي فقال معلقاً على المباراة: "لم أر لاعباً في حياتي يلعب أفضل من سامبراس على العشب". ويبدو ان سامبراس لم يستوعب حقاً عظمة الانجاز التاريخي الذي حققه على الملعب الرئيسي في ويمبلدون فبدا طبيعياً جداً وتصرف كما لو كان يضيف حلقة جديدة الى سلسلة انتصاراته وعلّق بكل تواضع على فوزه قائلا "لم أكن أتصور أنني سأفوز على اغاسي بثلاث مجموعات نظيفة، ولا اعتقد أنني يمكن أن ألعب أفضل مما لعبت. ان اغاسي يرغمني دائماً على تقديم أفضل ما لدي، وأنا احترمه وأعرف جيداً ما يستطيع أن يقدمه. وعندما ألعب ضده يجب أن أكون في ذروة لياقتي البدنية والفنية". واعترف سامبراس بأن المباراة التي خاضها ضد اغاسي ستبقى واحدة من أفضل مبارياته بكل تأكيد. وهو لن يعي تماماً حقيقة ما أنجز قبل يوم أو يومين، فهو في يوم الاستقلال الأميركي عادل رقم مواطنه روي ايمرسون وسيكون سعيداً جداً اذا قدر له أن يتخطاه في نيويورك، في بطولة فلاشينغ ميدوز جامعاً بين نشوتي الزماني والمكان أو بصورة أدق بين نشوتي التاريخ والجغرافيا. ولم يخرج اندريه أغاسي من دورة ويمبلدون خالي الوفاض رغم خسارته المباراة النهائية، فقد عاد الى صدارة الترتيب العالمي للاعبين المحترفين بعد بلوغه الدور نصف النهائي. ومن غرائب المفارقات ان سامبراس كان يحتل المركز الأول قبل انطلاق الدورة، وقد فاز بها متغلباً على اغاسي، ومع ذلك قفز هذا الأخير الى قمة الترتيب العالمي لأنه لم يشارك العام الماضي في هذه البطولة. ولا بد من إعادة النظر في الآلية المتبعة لتصنيف اللاعبين لأنها تجافي المنطق، وربما تم اعتماد نظام جديد في مطلع السنة المقبلة. لكن اغاسي خسر رهانين في هذه البطولة، فقد كان يراهن على احراز لقبها بعد فوزه بلقب رولان غاروس، ليكون أول لاعب منذ العام 1980 بعد بيورن بورغ ليحرز اللقبين معاً، كما خسر رهانه الآخر في الفوز على سامبراس ما يكسبه شرعية هو في أمس الحاجة اليها لتدعيم المركز الأول الذي يحتله حالياً. وتجدر الاشارة الى أن خسارة أغاسي في المباراة النهائية لم يكن مردها الى سوء أدائه أو الى وفرة الأخطاء التي ارتكب، بل كان مردها الى تألق سامبراس والى أدائه الذي لامس الكمال وقد اعترف اغاسي بذلك قائلا: "الفضل في هزيمتي يعود كليا الى سامبراس، فقد خاض مباراة لا غبار عليها، ونجح في اللحظات الحرجة ان يسيطر على أعصابه وأن يتحكم بالموقف. ففي الشوط السابع من المجموعة الأولى كان الارسال مع سامبراس وتقدمت 40/صفر، لكن سامبراس قلب الموقف رأساً على عقب، واستطاع بارسالاته الصاعقة ان يعدل النتيجة وان ينتزع الشوط. وطوال المباراة لم تقل سرعة ارساله الثاني عن 160 كلم في الساعة. لقد كان سامبراس عجائبياً حقاً، ولقد خيل الي كما لو أنه كان يمشي على الماء بثقة وارتياح. وختم أغاسي قائلاً: اليوم لم أكن أنا صاحب المركز الأول في الترتيب العالمي، في اشارة واضحة الى أن سامبراس يستحق هذا المركز. وعلى صعيد السيدات استطاعت ليندسي دافنبورت التي تصدرت الترتيب العالمي للاعبات المحترفات بعد بلوغها الدور نصف النهائي في بطولة ويمبلدون ان تؤكد شرعية موقعها بفوزها على شتيفي غراف في المباراة النهائية والواقع ان دافنبورت حسمت المواجهة لمصلحتها بعدما كسرت ارسال منافستها في الشوط الأول من المجموعة الأولى وفي الشوط الأخير من المجموعة الثانية. فحرمت غراف من احراز لقبها الثامن في ويمبلدون، ومن الفوز بلقبها الثالث والعشرين في البطولات الكبرى. جاءت المباراة بين دافنبورت وغراف ندية ومتكافئة، وتخللتها لمحات فنية رائعة من المتنافستين، ولكنها افتقرت الى الشراسة التي تميزت بها غراف في الدفاع عن مواقعها، وقد يكون مرد ذلك الى التعب الذي أدرك ابنة الثلاثين في مواجهة ابنة الثالثة والعشرين. ولم ترق المباراة الى مستوى المواجهة بين غراف وفينوس وليامس في الدور ربع النهائي حيث استماتت كلتا اللاعبتين في مقاومتها حتى الرمق الأخير. ولئن نجحت الأمطار التي هطلت بغزارة في ارجاء تتويج دافنبورت، فانها فشلت في الحيلولة دون ذلك التتويج، لأنها عادت بعد وقف المباراة وكلها اصرار على انهاء المجموعة الثانية لمصلحتها، وقد تم لها بالفعل ما أرادت. ولم تكتف دافنبورت باحراز لقب الفردي للسيدات، بل أضافت اليه لقب الزوجي أيضاً الى جانب كورينا موراريو وهكذا ابتسم لها الحظ ثلاث مرات، وخرجت من بطولة ويمبلدون من دون ان تخسر مجموعة واحدة. وقد علقت دافنبورت على فوزها قائلة: لقد نجحت في خوض المباراة التي كنت أحلم أن أخوضها، فبعد فوزي في الدور نصف النهائي رأيت ان شتيفي خسرت المجموعة الأولى في هذا الدور، وكنت الى جانب مدربي فقلت له: يجب ألا تخسر شتيفي، لأنني أريد خوض المباراة النهائية ضدها، وقد خضت هذه المباراة وهزمت أفضل لاعبة على العشب في جيلها بعدما تغلبت على يانا نوفوتنا حاملة اللقب". أما غراف فقد أعلنت بعد نهاية المباراة "انها لن تعود الى ويمبلدون كلاعبة مرة أخرى، وقد حملت على الصحافيين لأنهم أزعجوها بأسئلتهم المتكررة بعد عبورها الدور ربع النهائي عن قرارها بشأن المشاركة مستقبلاً في بطولة ويمبلدون، وأضافت قائلة: "هذا القرار كان لا بد من اتخاذه، وأنا منذ فترة أفكر بالأمر" ولم تشأ غراف أن ترضي فضول الصحافيين لمعرفة إذا كانت ستعتزل اللعب نهائياً وإذا كانت ستشارك في بطولة فلاشينغ ميدوز، واعترفت غراف بأنها لم تكن في أفضل أيامها خلال المباراة وبأنها ارتكبت أخطاء كثيرة، علماً ان ليتدسي خاضت مباراة عظيمة، وقد فوجئت بهدوء أعصابها، ونادراً ما تقع على لاعبة تستطيع أن تتحكم بعصبيتها كما فعلت، وقد عزت غراف عدم قدرتها على الرد وعلى مجاراة دافنبورت الى التعب. ولئن خرجت دافنبورت بحصة اللبوءة من ويمبلدون، فإن الخاسرة الكبرى كانت مارتينا هينفيس اذ خرجت من الدور الأول وانسحبت من زوجي السيدات وخسرت صدارة الترتيب العالمي للاعبات المحترفات ويبدو أنها على خلاف مع والدتها، وهي بحاجة الى الراحة للخروج من الدوامة التي وقعت فيها. وتجدر الاشارة الى أن ويمبلدون شهدت ولادة أكثر من نجمة، فقد تألقت الاسترالية من أصل يوغوسلافي يلينا دوكيتش المتأهلة من الأدوار التمهيدية، إذ ألحقت بالمصنفة الأولى في العالم مارتينا هينفيس هزيمة قاسية، وسرقت الأضواء في المباريات التي خاضتها فبلغت الدور النهائي ثم انحنت أمام الأميركية الكسندرا ستيفنسون المصنفة ال86 عالمياً، وهذه الأخيرة لفتت اليها الأنظار وبلغت الدور نصف النهائي. وختاماً لا يجوز أن نغفل ما قام به الألماني بوريس بيكر 31 عاماً في هذه البطولة فقد بلغ الدور الرابع وخسر أمام الاسترالي باتريك دافتر وقدم في جميع المباريات التي خاضها أداء مثيراً وممتعاً يليق بحامل لقب ويمبلدون ثلاث مرات، علماً أنه أحرز لقبه الأول وهو في السابعة عشرة، فكان أصغر بطل يتوّج في تاريخ المسابقة. وقد أعلن بيكر الذي يتمتع بشعبية كبيرة في ويمبلدون اعتزاله اللعب نهائياً وقرر أن يتفرغ لأسرته وأن يبقى الى جانب زوجته التي تنتظر مولوداً جديداً