لم يجتمع ألبان كوسوفو، الذين هُجروا من مدنهم وقراهم الى الدول المجاورة وعلى الأخص ألبانيا ومقدونيا، كما اجتمعوا مساء يوم الخميس قبل الماضي في مدينة كوكس، حين علموا بأن أشهر مغنيتين في كوسوفو ستشاركان في امسية غنائية تقام في الساحة الرئيسية للبلدة الألبانية التي لا تبعد عن الحدود مع بلادهم اكثر من عشرين كيلومتراً. كانوا يُعدّون بعشرات الآلاف، اطفال ونساء وعجائز، بكوا وغنّوا ورقصوا وتذكروا الايام السعيدة التي عاشوها قبل ان يُطردوا حفاة وشبه عُراة وقبل ان يُعذَب بعضهم ويُقتل البعض الآخر. "بنات مصطفى" هو اللقب الاشهر للشقيقتين ساهدة والهام، اللتين ما ان جاء دورهما على المسرح حتى تماوج الجمهور شمالاً ويميناً، وعندما أنشدتا قائلتين "ارض كوسوفو… ارضنا… نحن ابناؤك وانت أمّنا"… علا صراخ الجمهور، ولوّح الشباب بينهم بأعلام جيش تحرير كوسوفو وشعاراته، في حين أقسم الآخرون على "التضحية". وعندما انتقلتا الى اغنية اخرى تتحدث عن معاناة الاقليم وتبدأ بالمقطع التالي "أرض كوسوفو… عانيت كثيراً وتستحقين الفرح"… أعرب من كان بجانبي عن امله في ان يعود هذا الجمع الذي ينام بعضه في الخيام والبعض الآخر في العراء، الى مدنه وقراه. في شقة صغيرة في وسط بلدة كوكس، تعيش ساهدة وشقيقتها. حين التقتها "الوسط" في مقهى مجاور، كان الكوسوفيون المهجّرون لا يصدقون ان اشهر نجمتين في عالم الغناء الكوسوفي اصابهما ما اصاب بقية الكوسوفيين… تقول ساهدة التي كانت تعيش في قرية بريفك القريبة من مدينة بريزبرن مع اهلها، ان القوات الصربية النظامية أحرقت منزل ذويها للمرة الاولى في ايلول سبتمبر من العام 1998، ما اضطرهم للانتقال الى بريزبرن. وتضيف: "صباح احد الايام قبل ثمانية اسابيع، دقّ مسلّح ملثّم الباب، واعطانا انذاراً بوجوب ترك المنزل والمغادرة الى البانيا، وهددنا بالموت، اذا خالفنا تعليماته. "حين أبلغنا الشرطة بالحادثة تضيف ساهدة، استجوبوني، وطلبوا مني ترجمة للأغاني التي انشدها، وبعد ذلك تصرفوا بلامبالاة. ركبت سيارة مع اسرتي، واجبرنا على تركها قبل 13 كيلومتراً من الحدود، وهناك قطعنا المسافة الى البانيا سيراً على الاقدام. سألونا عن الرجال، قلت بقوا في المدينة، اخذوا الوثائق التي نحملها، مزّقوها وأمرونا بالذهاب الى ألبانيا". تقول ساهدة "بدأت الغناء في العام 1982، في احتفال في مدينة سواريكا وكنت في الثامنة من عمري، ثم شاركت في مسابقات، كان ابرزها تلك التي نظمها راديو زغرب الكرواتي حالياً، وكان ذلك في العام 1984". قبل زواج صفية اختهما الثالثة كانت ساهدة وصفية هما الثنائي في الاغاني، لكن بعد زواج صفية وسفرها الى ايطاليا اخذت الهام المهمة وأبدعت كما يقول احد الموسيقيين الكوسوفيين الذي كان مشاركاً في الحوار. وقالت الهام: "لي 10 ألبومات، كتبت كلمات اغانيها ايلير بيراني، وايليير تشاتشيري" واضافت الهام "لدى وصولي الى مدينة كوكس آتية من الحدود، التقتني سيدة ألبانية وسألتني قائلة "هل انتما بنات مصطفى" فأجبتها "نعم"، عندئذ قالت السيدة انا من اشد المعجبات بكما الى اين أنتما ذاهبتان، ردّت الهام "نبحث عن مأوى"، فما كان من السيدة التي تهوى الموسيقى والغناء، الا ان عرضت منزلها، ومنذ ذلك اليوم والهام وساهدة تقيمان في تلك الشقة، على امل العودة. ماذا عن خططكما؟ تردّ ساهدة "لا اعرف، لكن ربما علينا الانتقال الى تيرانا اولاً، ومن هناك لا نعرف ماذا سنعمل، لكننا لن نتردد في عمل اي شيء يساعد مئات الآلاف من اللاجئين الى ان يعودوا الى الوطن". ولا تصدق الهام وشقيقتها ما حصل لهما، وتقول: "كما ترى نفضل ان نبقى في هذه الشقة الصغيرة، نمضي معظم الوقت في الغناء والموسيقى. احياناً نتذكر ونحمد الله اننا بسلام". لقد أوقفت سيارة للشرطة الصربية الهام، واستجوبتها محاولة ان تعرف اذا كانت الاغاني التي تنشدها ذات طابع حماسي، فكان الردّ "لا علاقة لنا بالسياسة، نحن أسرة معروفة في عالم الغناء والموسيقى". وتحاول ساهدة الاستفسار عن كيفية الحصول على وثيقة سفر، وتقول "كنت أخطط للسفر الى بروكسيل قبل شهر من رحيلنا، لقد تركت جواز سفري في بلغراد، وربما كانت التأشيرة جاهزة، لكن لا اعرف ماذا سأفعل". تخشى الشقيقتان ساهدة والهام الخروج من الشقة المتواضعة التي تقطنان فيها، وتقولان: "كما ترى، الاوضاع هنا غير مطمئة، بالامس، لاحقتنا سيارة لبعض الوقت، حين خرجنا للتسوق" وحين أسألها اذا كانت قد طلبتا الحماية تقول "نحن نحب شعبنا، ولا نريد لأحد ان يقف حاجزاً بيننا وبينه". وداع اشهر ثنائي في عالم الطرب الكوسوفي، لا تغيب عنه الامنيات بأن نزورهما في مسقط رأسهما، متى انقشعت الغيوم، وعاد الذين تركوا ارضهم وحقولهم قسراً