الرواية هي المكان بامتياز، فيه تنبت الشخصيات وتتشابك العلاقات وتتوالد الأحداث. والأدب بشكل عام مرتبط بالمكان، حتّى في انسلاخه عنه أحياناً. ففي وجدان كل أديب يعرّش مكان محدّد، مدينة بأحيائها وروائحها وضجيجها، بأحداثها وأحاسيسها وناسها. حاولنا أن نغوص في تلك الذاكرة الثقافية والحميمة، داعين عدداً من أبرز الكتاب العرب إلى كشف الخيوط الخفيّة التي تشدّهم إلى مدينة ما، هي مكانهم الأصيل أو أحد أمكنتهم الأثيرة. طلبنا إليهم أن يرفعوا الحجاب عن زاوية في لاوعيهم، يتقاطع عندها الذاتي بالثقافي، والخاص بالعام. وأعطيناهم الحرية في اختيار الأسلوب واللغة والشكل، في اختيار المكان. إستجاب بعضهم وتردد آخرون. بعد غادة السمّان، وإبراهيم عبد المجيد، وعبد الرحمن منيف ومحمد شكري وفؤاد التكرلي، ننشر نصّ الكاتب السوري حنّا مينه. في أيلول سبتمبر من العام 1939 حملت الصحف على ذراعي في مدينة اللاذقية، وطفت في الشوارع والأسواق، مرددا اسماء الصحف التي أحمل، مناديا على ما فيها من اخبار مثيرة، و"المانشيت" خصوصا، من دون ان اعلم انني، في العام 1944، سأكون انا "المانشيت"، وان باعة الصحف سينادون: "اعتقال حنا مينه!". والسامعون يتساءلون وهم يشترون هذه الصحف: "كيف اعتقل؟ ومتى اعتقل؟ واين كان يختبئ؟ في المغائر؟ وهل دارت معركة بالرصاص بينه وبين رجال الامن العام الفرنسي!؟ وكم كان عدد القتلى؟ وهل جرح فاستسلم، ام نفدت ذخيرته فاضطر الى الاستسلام، وبعد ذلك قتلوه!؟". خبر مقتلي كان شائعة، والشائعة صارت شائعات، انداحت دوائرها حتى بلغت جهات اللاذقية الأربع، وهكذا وصلت الى امي، رحمها الله، فأخذت تبكي لاطمة خديها، والجيران يهرعون اليها. يتحلقون حولها، يشاركونها البكاء قائلين: "العوض بسلامتك يا ام حنا.. كلنا على هذا الطريق" او يعزونها بقولهم: "المكتوب ما منه مهروب يا مريانا!" او يضيفون: "بسلامة اخوته!" وأمي تصيح: "اي اخوة يا ناس؟ هذا وحيدي! صبي بين ثلاث بنات! شحدته من الله، نذرته لله. والله لم يقبل نذري!" فينصحونها: "حرام يا مريانا، استغفري الله، هذه مشيئته، لا راد لمشيئة الله" ويمر رجل متدين، يتوقف، يسأل، وبعد ذلك يقول: "ابنك شهيد يا حرمة! والشهداء "احياء عند ربهم يرزقون" صدق الله العظيم. كفى يا اختي كفى! وأمي لا تكف، لكنها تسأل: "والجثة!؟ اين اخذوا الجثة!؟ ألا يسمحون لي برؤية الجثة على الأقل!؟" فتتمتم امرأة: "الله لا يحرق قلب ام على ولدها!". وكان هذا الولد، الذي هو انا، يقطع الجبال في هذا الوقت، ليصل الى القسطل على طريق حلب، قاصدا طرابلس، لكن علينا ان نبدأ القصة من اولها، رغم ان حبكتها تمت، ولم يبق الا الخاتمة! وكانت الخاتمة دراماتيكية، فقد امضيت طفولتي في الشقاء، وشبابي بالسياسة، وبعد خمسين عاما من هذه الواقعة، سأدلي بتصريح لاحدى الصحف اقول فيه: "ولدت بالخطأ، ونشأت بالخطأ وصرت كاتبا بالخطأ!" ذلك انني، في 29 تموز يوليو 1939، وصلت اللاذقية، مهاجراً مع عائلتي من اسكندرونة، لأن اعمامي في اللاذقية، ولأن والدي، سليم مينه، لم يجد في حي المستنقع الذي كنا نسكنه في اسكندرونة، من يكتب له رسالة لاخويه طوال اربعة عشر عاما! قالت لي امي: "انت، يا حنا، ولدت في اللاذقية، في دار كبيرة بزقاق العنّابي، لكن مختار اسكندرونة سجل مكان ولادة العائلة كلها في السويدية، هناك خطأ يا بني!" وهذا الخطأ لا يزال قائماً حتى اليوم، فأنا ابن اللاذقية، المدينة التي سأعود اليها بعد 15 عاماً، وعمري 16 عاماً، ألبس بنطلونا اسود قصيراً، ليس لدي سواه، وارتدي فوقه قميصاً من "الشيت" الأزرق، وانام، ليلة وصول العائلة الى اللاذقية، بين القبور، في حوش كنيسة القديس سابا، هذه التي ستهدم فيما بعد، وتقوم مكانها الكلية الارثوذكسية، وسبب نومنا في هذه المقبرة، ان عمي الياس مينه، كان له غرفة في طرفها الجنوبي، يقطنها مع عائلته، وقد وصلنا نحن عصرا، مع بعض العائلات، ولا مكان لنا الا بين القبور، وهكذا نمنا، رغم المثل القائل: "لا تنم بين القبور ولا تر منامات!". في الصباح الباكر، وقبل ان يفيق احد، غسلت وجهي، لبست ثيابي، سرت في الشوارع متشردا، الى ان وصلت "حديقة المنشية"، قرب الكازينو المطلة على البحر هناك وقفت متأملا المدى الأزرق، احاور صامتا، مولعا شغفا، متذكرا، في ومضة استرجاع، عملي على المراكب الشراعية، قبل الهجرة من اللواء، متنقلا على متنها ما بين اسكندرونة وبيروت ويافا والاسكندرية، متعرفاً على البحر، في حالاته كلها، ما بين هدوء وصخب، حياة وموت، حين العاصفة تثور، واللجة تفتح شدقيها، والريس عبدوش يقول لنا: "لا تخافوا، سننجو باذن الله". في تلك الوقفة على "صخرة البطرنة"، وأشعة الشمس تتنزه من ورائي حتى تصل الي، كنت اعرف ماضي، اجهل مستقبلي، اتذكر طفولتي، شقاءها الاسود، ذهابي الى المدرسة حتى الشهادة الابتدائية، خروجي الى دنيا الناس في طلب الرغيف، اشتغالي اجيرا عند مؤجر دراجات، اجيرا في صيدلية، اجيرا في بيت ثري، مربيا للاطفال، اجيراً عند حلاق، حمالا في المرفأ، بحارا متدربا على مركب الريس عبدوش، وصولي الى اللاذقية، بعد ان غادرتها طفلا رضيعا، وقوفي ههنا متسائلا كما غوركي: "ماذا ستكونين يا نفس، وماذا يخبئ لك المستقبل!؟". انتقلنا، في اليوم الثاني لوصولنا، الى غرفة رطبة، معتمة، في دار تسكنها عائلات عدة في حارة القلعة. والدي ذهب الى مصيف صلنفة، ليعمل "مرماطوناً" في فندقها الكبير، انا، صبي العائلة الوحيد، رحت ابحث عن عمل، اي عمل... عرضت نفسي اجيرا، من دون ان "يكتريني احد". كانت هناك شركة "الامبريال" للتبغ يديرها آل عوض، ومن يعمل في فرز اوراق التبغ المدخّن، يتلطخ بزيتها الزفتي، يندهن وجهه وصدره وساعداه، يصبح كواحد من فتيان قبيلة الزولو الافريقية. وقد ارتضيت هذا المصير، الا ان هذا المصير لم يرض بي: "لا شغل لدينا!" قالوا لي، رهنت أملي بالريجي ادارة حصر التبغ والتنباك قدّمت طلبات عدة للادارة، ألتمس فيها ان اعمل آذناً، فتكرر الجواب السابق: "لا شغل لدينا!". عثرت على عمل عند احد المصدّرين، فجاءت الحرب العالمية الثانية وذهب العمل مع الريح، اشتغلت اجيرا في مكتب سفريات، وبعد اسبوع اغلق المكتب، لأن صاحبه التحق بجيش الشرق. لم يبق لي سوى بيع الصحف، احملها وادور بها، منادياً، كغيري، على الاخبار المثيرة، الا ان عائلتي ذهبت الى الريف، في موسم قطاف الزيتون، على اساس الواحد من عشرة، وفي حقول الزيتون تعلمت "نبر الشجر" التقاط الحب من بين الشوك ومدْرات التراب، قتل الأفاعي المتربصة فيها، وحول هذا الموضوع كتبت، بعد اربعين عاما، روايتي "القطاف". لكنني رحت، بين عمل وآخر، اطوف في شوارع اللاذقية، طرقاتها، ازقتها "كأنني موكل بفضاء الله يزرعه". هكذا عرفت حارة العوينة انطلاقاً من حارة القلعة، بعدها تعرفت الى حارة الشيخ ضاهر، مركز المدينة. كنت ادرز كل حارة درزاً، فلا اترك فيها "خرم ابرة"، وفي تطوافي، كفتى متشرد، حشري، يرغب في الاطلاع، في المعرفة، لم اخجل يوما من السؤال، من الاستفسار، من الوقوف على النواصي. من اقامة علاقة مع هذا الشحاد او ذاك، خصوصاً العجائز منهم، من دخول المقاهي الشعبية والاقتراب، قدر الامكان، من دراويش البلد، من ابناء الشوارع الخلفية، من النصوص واصحاب السوابق... وخلال ذلك كنت ازور البحر مرتين في اليوم، صبحا ومساء، أقف على رصيف، على صخرة، أتكئ على فلوكة عتيقة، متقاعدة، شلّع الموج بعضا من ألواحها الخشبية، او اصعد الى مركب مهجور، تالف، منزوع الدِقْل، معرّى من الأشرعة، وهناك اجد نفسي، كما كنت في اسكندرونة: فتى بحارا، فرضت عليه الحرب ان يترك البحر موقتاً. وحين كنت املّ الوقوف، مسمراً امام المدى الأزرق، او أتعب من ارسال النظر الى تخوم الافق، كنت اهبط الى قاع المركب وأنام، غير آبه لمن يأتي ويراني، من البحارة او الشرطة. ومن وقت لآخر ادخل المرفأ القديم، العاطل عن العمل مثلي، وفي المساء اعود الى البيت، موفرا وجبة الغداء على أهلي. بعد حارة العوينة تعرفت، بالطقوس ذاتها، على العالمين العلوي والسفلي لكل حارات اللاذقية، ومنها الكاملية، الصباغين، الصليبة، الشحادين اسمها الآن "الاشرفية"، بستان السمكة، الطابيات، معامل التبغ، الفاروس، السجن، التركمان، الرمل وغيرها. ولأن القوافل التجارية كانت تعتادها ذاكرتي من خلال التخيّل، فقد صارت زيارة الخانات اثيرة بالنسبة الي، ترتبط لا شعوريا بالمغامرة، وبحكايات اصحاب القوافل، وقصص قطاع الطرق، ومرابط الخيل، ومعالف الجمال. وفوق ذلك، كانت تلك الخانات محطات استراحة بعد المشي الطويل، وكان خان الدخان الذي تحول الى دار مندوبية، يجذبني اليه، فقد قرأت عنه وعن بنائه، وعن التبوغ التي ترد اليه وتصدر منه، وبعده زرت خان البازار، خان اسرب، خان الحنطة، خان الشاه، الخان الكبير في الميناء، الخان الجديد، خان زحوق، وكلها، او اكثرها، بني في العهد العثماني. بعد عودة الأسرة من "نطارة" الزيتون في تشرين اول أكتوبر 1939، وجدت نفسي، مرة اخرى، عاطلا عن العمل، ولكن صار بامكاني، بقروش قليلة، ان اجلس في بعض المقاهي. الا ان المشكلة كانت في البنطلون القصير، اليتيم، وحلّها احد الأقرباء، بشراء بنطال طويل من النوع الخاكي الفاتح، لبسته، كبرت به ومعه، حتى صرت على مشارف البلوغ. وهكذا احسست بزهو، وكان اول مقهى اجلس فيه هو مقهى يزبك، في حارة القلعة التي تسكنها العائلة. الا ان لعب الورق وطاولة النرد كانا يشوشان تفكيري، في وقت كنت بحاجة الى ترتيب هذه الافكار، لذلك قصدت مقهى الكربوج، شمال حارة الشيخ ضاهر الذي يجلس، في ركن منه، بعض المثقفين، يشربون الأركيلة ويتكلمون على الأدب والفن. فكنت اصغي وأتعلم، من دون اية مشاركة في الحديث الدائر. ولأن المثقفين يقرأون الصحف، ويتناقشون حول ما فيها من اخبار سياسية وأدبية، فقد كنت استعير بعضها منهم. وفي مقهى منصور، مقابل سينما دنيا، كان الجو أرقى، ولعب الورق اقل، فانتقلت اليه، ومنه الى مقهى المرفأ، حيث الريّاس والبحارة. ولم تسعفني قروشي للتردد على مقهى العصافيري، حيث يقدمون "الفتّة" وهي اكلة شعبية، لذلك انصرفت الى التجوال، والتعرف على الجوامع والاماكن الاثرية، وهي كثيرة. ففي رأس شمرا، القريبة من المدينة، كان العالم الفرنسي كلود شيفر قد اكتشف مملكة اوغاريت، التي وجدت فيها اول أبجدية، باللغة المسمارية. وفي سفح الطابيات، الربوة العالية، كانت "الكنيسة المعلقة" ذات الأعمدة الرومانية، وهي اشبه بقوس مربع الاضلاع، له سقف حجري، ولكل عمود قاعدة، كنت اجلس عليها متأملاً، مفكراً، حين لا اجد من القروش ما يسمح لي بالجلوس في ايما مقهى. البحر كان هواي، وكنت أجن مع عواصفه المجنونة، من دون ان اسأل نفسي: لماذا؟ وكإطلالة شمس بعد انقشاع السحب، أطل حظي فجأة: الحلاق الذي كنت اشتغل عنده اجيراً في اسكندرونة، جاء الى اللاذقية وفتح صالوناً للحلاقة. ذهبت اليه فرحب بي، دعاني الى متابعة الصنعة عنده فوافقت. وبعد شهور من العمل اجيرا، فتحت دكاناً عتيقاً، بائساً، للحلاقة، اسميته "صالون الزهور"! في حارة القلعة، قريباً من ثكنة غورو، واكثر زبائني من الجنود. وكانت الحلاقة، في ذلك الوقت، مشاهرة، والاجر نصف ليرة سورية في الشهر الكامل. ومن دخلي الناحل جدا، ساعدت عائلتي ونفسي، الى ان حدثت المفاجأة: تأليف اول خليّة شيوعية في اللاذقية، تضم ثلاثة اشخاص بمن فيهم انا، هدفها النضال ضد الانتداب الفرنسي، ولأجل تحسين وضع الشعب، الدفاع عن مصالحه، والاهتمام بمطالبه، من تزفيت طريق، الى تبليط رصيف، الى تأمين النظافة، والعناية الصحية. وكل هذا يحتاج الى عرائض، موجهة الى المحافظة او البلدية، وكان علي أن أكتبها وأجمع التواقيع عليها، مع كتابة الرسائل لمن يحتاج، في وسط اميّ، جاهل، بالغ العوز، اضافة الى هدف كبير، هو الشعار الاستثنائي: تأليف النقابات، في شركة الريجي والمرفأ، وفيهما الكتلتان الرئيستان للتجمع العمالي. الشيء غير المتوقع حدث: نمو سريع للخليّة، انتشار واسع للأفكار، تجاوب الشارع معها، القدرة على التأثير والتحرك، بروزي، انا الحلاق، كمناضل سياسي! تحول دكان الحلاقة الى بؤرة للنشاط، الوصول السريع الى الطلاب اولا، العمال ثانيا، تنظيم المظاهرات وقيادتها بديناميكية. وتنبه الاقطاع والاحتلال، فعانينا ما عانينا: محاولات اغتيالي من قبل ازلام الاقطاعيين، ملاحقتنا، انا وغيري، من قبل الفرنسيين، القاء القبض على المناضلين وسجنهم، دخولي السجن مرة بعد مرة، اهتمام الصحف المحلية ومناصرتها، التضييق علينا، رصد تحركاتنا، ومنها الاتصال بالقيادة في دمشق، نقل المنشورات وتوزيعها، العمل السري والاختفاء... الى ان كانت حملة المداهمات الكبيرة، وراجت شائعة اعتقالي، وشاع انني قاومت وقتلت خلال المقاومة. وصدرت الصحف وفيها، او في بعضها، مانشيت كبير: "اعتقال حنا مينه" وصل خبر اعتقالي، ثم موتي، الى امي... إنّها قصّة من قصصي مع اللاذقية. مدينتي التي منها، ومن البحر، اخذت زرقة حروفي، وارجوان كلماتي، حين تركت الحلاقة، وعملت في الصحافة، وكانت بداياتي الادبية في دمشق محطات تاريخية ".. ورأيتها بلدة واسعة الأفنية جامعة الأبنية، متناسبة المعاني متناسقة المغاني، قريبة المجاني رحيبة المواني، في كل دار بستان وفي كل قطر بنيان، امكنتها مخرمة وأروقتها مرخمة، وعقودها محكمة ومعالمها معلمة، ودعائمها منظمة ومساكنها مهندسة ومهندمة، وأماكنها ممكنة ومحاسنها مبينة ومراتبها معينة، وسقوفها عالية وقطوفها دانية، وأسواقها فضية وآفاقها مضية، ومطالعها مشرقة ومرابعها مونقة، وأرجاؤها فسيحة وأهواؤها صحيحة". عماد الدين الأصفهاني نهاية القرن الثاني عشر 1 - إن أقدم اسم حملته اللاذقية هو "راميتا" على ما يفيدنا به جغرافي بيزنطي من القرن الخامس نقلاً عن كتاب مترجم في القرن الأول الى اليونانية عن كتاب آخر ووضعه كاهن كنعاني عاش في بيروت حوالي القرن الحادي عشر قبل الميلاد. ويرجح ان يكون هذا الاسم تحريفاً وقع به المترجم اليوناني لكلمة "ياريموتا" الواردة في نصوص تل العمارنة من وادي النيل في القرن الرابع عشر قبل الميلاد والتي تشير الى مكان مأهول يقع على الساحل السوري شمالي أرواد. 2 - عندما تقاسم قواد الاسكندر الأكبر إمبراطوريته كانت سورية من نصيب سلوقس نيكاتور الذي بنى حوالي سنة 300 قبل الميلاد على الرأس الذي كانت راميتا تحتل مرتفعاً على طرفه الغربي، مدينة اسماها "لاوذكيّة" باسم والدته. في القرن الثاني قبل الميلاد عاش فيها فيلسوف يدعى فيلونيدس كان له تأثير كبير على البلاط السلوقي، وكانت تضرب نقود باسمها وتلقب باسم "لاوذكية التي على البحر" وذلك لتمييزها عن ثماني مدن اخرى تقع في الداخل وتحمل الاسم نفسه. في اواخر العصر الهلنستي واثر الفوضى التي أحاطت بالسلطة السلوقية، قام ملك الأرمن ديكران الكبير باحتلالها، ويبدو انه هو الذي جعل منها المرفأ الرئيس لسورية الشمالية. احتلها عام 1108م أمير إنطاكية تانكريد وسماها الفرنج ب"لاليش". 3 - تمّ فتحها من قبل العرب عام 637 على يد عبادة بن الصامت الأنصاري وتحول اسمها الى القالب العربي من لاوذكية الى لاذقية ثم الى "لاذقية العرب" لتمييزها عن المدن الاخرى التي تحمل الاسم نفسه. 4 - ظهرت المسيحية في لاوذكية منذ القرن الأول وكان من اشهر اساقفتها ابوليناروس المتضلع في علم اللاهوت والفلسفة. وفي القرن السادس بني في الطرف الشمالي من لاوذكية دير الفاروس الشهير الذي قال عنه ابن بطوطة انه "أعظم دير بالشام ومصر". زارها المتنبي عام 933م في عهد الأسرة التنوخية، وأبو العلاء المعري بين 988 و1008 وحل ضيفاً على رهبان دير الفاروس وفيه اطلع على الفلسفة اليونانية.