قبل أيام انتشرت في القاهرة شائعة غريبة "تؤكد" وفاة الفنانة الكبيرة سعاد حسني - اطال الله عمرها - في لندن، حيث تقضي فترة علاجها منذ أشهر. متلقو الاشاعة ينسجون من خيالهم خيوطاً كثيرة ومتشابكة حول تلك الشائعة. وقد نسب الخبر الى وكالات أنباء. وكان من الطبيعي ان تتحرك الأوساط الاعلامية لقطع الشك باليقين، حول هذا الخبر المفجع، فتم الاتصال بلندن حيث تأكد عدم صحة النبأ، وان سعاد حسني بخير، وأنها تعيش حياتها بصورة عادية، وتقضي أوقاتها وفقاً للنظام نفسه الذي اعتادته منذ قدومها للعلاج في العاصمة البريطانية قبل أشهر عدة. وقد أكدت ل "الوسط" فنانة قريبة من "السيندريللا" أنها سمعت هي الاخرى تلك الشائعة التي وصفتها بالسخف، وانها ظلت على انزعاجها الى ان تمكنت من سماع صوت صديقتها في اليوم التالي عبر الهاتف. وتساءلت الفنانة عمن يمكن ان يكون له مصلحة في ترويج مثل هذه الشائعة ولا سيما أن النجمة الكبيرة تتمتع بحب الجميع وتعاطفهم مع ظروفها الصحية الصعبة التي تعيشها منذ سنوات. والحقيقة أن ما زاد يومها من إثارة البلبلة عند الناس، قيام التلفزيون المصري، في الوقت ذاته، بعرض مجموعة من أفلام سعاد حسني على قنواته الارضية والفضائية بصورة ملحوظة دفعت الكثيرين للتساؤل عن سر هذا الاهتمام المفاجئ، لكن الأمر كان مجرد مصادفة سببها قيام التلفزيون المصري أخيراً بشراء حق عرض مجموعة من الافلام وتجديد حق عرض مجموعة أخرى. ومن بين تلك الافلام عدد لا بأس به من افلام سعاد حسني ال 82، على ثلاث عشرة قناة ارضية او فضائية يمتلكها التلفزيون المصري وهكذا شاءت الصدف أن تعرض: "اين عقلي"، و"على من نطلق الرصاص"، و"غصن الزيتون"، و"الاشقياء الثلاثة"، و"فتاة الاستعراض"، و"شيء من العذاب". قاسمها المشترك أن سعاد حسني تقوم ببطولتها. والامر اللافت، على أي حال، أن تأتي الشائعة في الوقت الذي اخذت فيه سعاد تسترد جانباً كبيراً من عافيتها وتتجاوز الى حد بعيد حالة الاحباط النفسي التي سيطرت عليها طويلاً، ودلّ على ذلك تمكنها من تسجيل الكلمة الصوتية التي افتتح بها مهرجان القاهرة السينمائي الدولي دورته الثانية والعشرين، وكذلك تسجيل اشعار رفيق رحلتها صلاح جاهين التي بثتها الاذاعة المصرية في رمضان الماضي عوضاً عن المسلسل الاذاعي الذي كان يفترض أن تمثله سعاد حسني. ولقد صرحت سعاد في تلك الاثناء للقسم العربي في هيئة الاذاعة البريطانية بأنها تنوي العودة قريباً الى الاضواء، وانها تتمنى ان تكون تلك العودة من خلال عمل مسرحي يشبع شوقها للقاء الجمهور الذي غابت عنه، إذاً، وسط هذا المناخ الطيب كله أتت هذه الشائعة تدفع بالامور الى اتجاه آخر. صحيح ان الاعمار بيد الله إلا ان تحسن صحة نجمتنا في الاسابيع الاخيرة كان يبعث على الأمل في إمكان عودتها الوشيكة الى عالم التمثيل. على أي حال، فإن هذه الشائعة لم تكن الاولى التي طاولت سعاد حسني في السنوات الاخيرة. فمثلاً قبل ثلاث سنوات انتشرت شائعة بغيضة عن اصابتها بالشلل، تعاملت معها بعض الصحف على أنها حقيقة استناداً الى ان الخبر خرج اثناء الإعداد للاحتفال بمئوية السينما المصرية 1896-1996 على هامش مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في تلك السنة. إضافة الى الخلط والشائعات الكثيرة التي دارت حول ملابسات مرضها، وتسابق هذه الدولة أو تلك لتولي مهمة علاجها قبل ان توافق سعاد اخيرا على العلاج على نفقة الحكومة المصرية. وما كان يعزز من هذه البلبلة إحجام النجمة الكبيرة عن الرد والتوضيح، وإصرارها على احاطة نفسها بسياج من الغموض والعزلة منذ توقفها عن التمثيل قبل ثماني سنوات في اعقاب فيلمها الاخير "الراعي والنساء" من اخراج زوجها السابق علي بدرخان. الغريب ان هذه الشائعة الجديدة جاءت بعد مرور أشهر فقط على شائعة اخرى مماثلة كانت ضحيتها النجمة ليلى علوي التي تردد - في حينه - انها تعرضت لحادث سير فقدت حياتها على اثره، مع العلم بأن النجمة المعروفة لم تكن قادت سيارتها في ذلك اليوم بالذات حسب ما صرحت به هي حين ظهرت على شاشة التلفزيون لتكذب بنفسها هذه الشائعة جملة وتفصيلاً. وفي هذا الصدد يمكن ايضا تذكر حالات اخرى مشابهة. فقد اماتت الشائعات ولمرات عدة الفنانة المعتزلة شادية، واضاف مروجوها الى الخبر الساخن بعض التوابل والمشهيات من قبيل انها أوصت بعدم الإعلان عن وفاتها إلا بعد مرور أربعين يوماً. ورددت الشائعات أيضاً في العام 1991 نبأ وفاة سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة على اثر اكلة سمك فاسدة في مدينة الاسكندرية اثناء تصوير حلقات المسلسل التلفزيوني الشهير "ضمير ابلة حكمت"، ولم تهدأ العاصفة الا بعد ان تمكنت الاذاعة من اجراء محادثه هاتفية معها نفت فيها كل ما يشاع. وهذا ما اضطر ان يفعله أيضاً الفنان فؤاد المهندس ولكن عبر شاشة التلفزيون حين نالته شائعة مماثلة. علماً بأن الحكاية الأكثر ايلاماً في هذا السياق هي حكاية الشائعة التي تحدثت عن رحيل الفنان الكبير فريد شوقي، قبل رحيله الفعلي بأسابيع. وهي شائعة اهتز لها الوسط الفني والجماهيري في مصر وغيرها من البلاد العربية، قبل أن تتحول نبأ مؤكداً افقد الفن العربي واحداً من كبار نجومه. وربما كان معروفاً وبديهياً لماذا الفنانون بالذات هم الذين يتعرضون للشائعات؟، لكن السؤال الذي يطرح نفسه في كل مرة ويبقى من دون إجابة: من الذي يقف وراء مثل هذه الشائعات؟