بدأ العاهل الأردني الجديد الملك عبدالله بن الحسين بإرسال اشارات الى مواطنيه تؤكد انه ماضٍ على خطى والده الملك الراحل الحسين بن طلال، والأهم من ذلك انه قادر على السير على الدروب الوعرة ذاتها التي سلكها والده طوال نحو نصف قرن. وأخذ الملك الشاب يحدث المفاجأة تلو الأخرى سواء لطبقة السياسيين ورجال الحكم أو لعامة الناس. ففور انتهاء مراسم تقبل العزاء الرسمي بعدما استقبل مئات الآلاف من المواطنين مثلما كان يفعل والده في مناسبات شتى، اصطحب الملك عبدالله أفراد العائلة المالكة الى مدينة العقبة على البحر الأحمر لقضاء نهاية الاسبوع بعد اسابيع عاصفةبالاحداث. وكانت أول ليلة يرتاح فيها الملك عبدالله والأسرة الهاشمية ليعود مرة أخرى لمواجهة شؤون الحكم. وبعد مرور عشرة أيام على وفاة والده، أحيا الملك عبدالله مشهداً مستعاداً عندما قام ترافقه زوجته الأميرة رانيا بزيارة دار البر بالبراعم البريئة حيث تتم رعاية الأطفال الأيتام الذين منحهم الملك الراحل قصره قبل نحو ثلاثة أعوام بعد ان شكل الاهمال في رعايتهم أحد أسباب إقالة حكومة. وداعب الملك الشاب الأطفال مثلما فعل والده الراحل فعبثوا بهندامه وداعبوا وجهه وهو يضمهم طفلاً طفلاً ويجلس على الأرض يلاعبهم. وأثناء تقبله العزاء بوالده الراحل في اليوم التالي لوفاته لم ينس الملك عبدالله بن الحسين مسؤولياته الجديدة فاصطحب شقيقه الأمير علي وشقيقته الأميرة هيا ولدي الملكة الراحلة علياء طوقان في ذكرى وفاتها الى ضريحها في خطوة ذات مغزى بالنسبة الى الشعب الأردني. غير ان كل ما سبق لم يكن أكثر اهمية مما يدور في ذهن الملك الشاب إزاء ما يترتب من قرارات صعبة تمليها ظروف الأردن من جهة، وموروث كفاءة القيادة من الجهة الأخرى. فما الذي يجري في ذهن الملك عبدالله؟ وكيف سيتصرف في المستقبل القريب؟ وما هي أولوياته؟ قال سياسي أردني مطلع لپ"الوسط" ان أول قرار استقر عليه الملك عبدالله هو تأجيل التغيير في الحكومة والديوان الملكي، وربما في هيئات أخرى حتى نهاية فترة الحداد الرسمي 40 يوماً وهي تتزامن مع نهاية الدورة العادية لمجلس الأمة الأردني. ويتيح هذا القرار للملك عبدالله فرصة كافية للقاء أكبر عدد ممكن من رجال السياسة والحكم المجربين في الأردن والتشاور معهم، وكذلك مع الاقتصاديين والفعاليات الشعبية. وهي خطوة ابتدأها منذ ان كان ولياً للعهد. ولكن قصر تلك المدة ووفاة الملك حسين عطلتها أكثر من اسبوعين. وأضاف السياسي الأردني ان أبرز قضية تشغل بال الملك عبدالله في الوقت الراهن هي المسألة الاقتصادية المزمنة في الأردن، ومن أبرز مظاهرها اتساع جيوب الفقر، وزيادة معدلات البطالة وارتفاع الأسعار قياساً بدخل الفرد. لكنه يرى ان الظروف المتاحة للملك عبدالله لم تتهيأ للملك حسين طوال حياته، خصوصاً بوادر الدعم العربي والخليجي تحديداً اضافة الى الدعم الدولي للاردن. ورأى السياسي الأردني ان لدى الملك عبدالله نية واضحة في الانفتاح سياسياً وديموقراطياً، وهي شرط مهم لمعالجة الأوضاع الاقتصادية لأن المسألة الاقتصادية ليست مجرد أرقام وأموال. وأضاف: "من الضمانات والايجابيات التي يتمتع بها الملك الشاب مستمع جيد ومحاور جيد، يدرك من يقابله انه يعرف ما يريد، وانه مطلع على كل الشؤون اليومية لمواطنيه". أما القضية الثانية التي تشغل بال الملك عبدالله فهي مسيرة السلام والقضية الفلسطينية بسبب الارتباط التاريخي والجغرافي والديموغرافي الأردني بها. ولذلك فإن الملك عبدالله لم تزعجه تصريحات الرئيس ياسر عرفات في شأن الكونفيديرالية الأردنية - الفلسطينية على رغم ردود أفعال بعض المسؤولين الأردنيين. ومثل أبيه، فقد كان تقويم الملك عبدالله لتصريحات عرفات واقعياً، اذ أدرك ان الرئيس الفلسطيني لم يقصد ازعاجه ولا إرباك الدولة الأردنية المكلومة بغياب مليكها المخضرم. وفوق ذلك فإن عرفات يعرف أكثر من غيره حقيقة الموقف الأردني المعلن حيال الكونفيديرالية وربطها بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة. فهم الملك عبدالله تصريحات عرفات التي جاءت في سياق خطاب ركزه على تأبين الملك الراحل وامتداح الملك الشاب وعلى العلاقة التاريخية المتوائمة مع الأردن، على انها ضمن التحرك السياسي والاعلامي الفلسطيني لتأكيد حقهم في اقامة الدولة الفلسطينية سواء في الرابع من ايار مايو المقبل أو بعد ذلك، وقبل ان يصل رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني في اليوم التالي الى عمان وينفي أي نية لدى القىادة الفلسطينية لإحراج الأردن أو السعي الى إقامة الكونفيديرالية قبل قيام الدولة الفلسطينية. وسيشهد الشهر المقبل مشاورات مكثفة يجريها الملك عبدالله قبل ان يبدأ التغييرات الأردنية الواسعة التي تشمل تشكيل حكومة جديدة وتعيين طواقم جديدة في الديوان الملكي والانفتاح على جميع القوى السياسية مما قد يؤدي الى تغييرات في السلطة التشريعية.