من المؤكد أنني لن أقرأ مراثي الشعر، وسأواصل عيشي في ركن أنتقيه دونما سابق تفكير. ذلك أني أحسب الأمر لا يعنيني، مثل أشياء أخرى، كثيرة، ليس الشعر في صدر لائحتها. فلديّ مشاغل أخرى، وهواجس أخرى، ومسافات وساعات ينبغي ان أجتازها ذهاباً، وأن أجتازها إياباً كل يوم. لم أُعْنَ، منذ بعض الوقت، بما آل إليه الشعر وهذره المتصل، ولا أجانب الحقيقة إذا قلت أنني توقفت عن قراءة الشعر منذ سنوات، وحين أفعل أقرأ أعمالاً لشعراء أحبهم، أو أعاود قراءة أعمال لشعراء أحبهم. سوى ذلك، أجدني منصرفاً الى اتباع وتائر النثر الرتيبة. ويعنيني كثيراً ان يغادر الشعراء الذين أحبهم هالة الشعر وخديعته. ومن بقي منهم ماثلاً في كنفه أجده متعثراً، محاذياً عتبة الخروج منه وعليه، غير أن إغواء الكلام المفارق عظيم. كل كلام يُفْتَتَن بالقول قول الشعر الشامل، الكلياني، ويحاكي طغيانه الماثل في النشيد المضمر. في الدعاء المتصل الذي يزعم لنفسه خلوداً. لكنه، لكن الشعر، ميّال لأن ينسى أنه لم يكن يوماً على قيد الحياة، لكي، ذات يوم، يموت موتاً. بلى" الشعراء وحدهم يموتون" أو في الأقل من زعم منهم أنه، ذات يوم، كان حياً. كان على قيد الحياة، من زعم منهم أنه، ذات يوم، لم يرفعه سراب الكلام صَنَماً كلامياً. مَن لم يبلغ منهم "مشيخة" الشعر التي تعصم عجزه عن ان يكون عاجزاً، ذات يوم، عن الكلام. عن أن يكون عاجزاً، ذات يوم، عن الصمت" عن الإصغاء" عن تصريف نثر الحياة على أكثر من أصل واحد، وعلى أكثر من وجه. الشعر، متوّجاً أو مستقراً أو مقيماً على حال الشعر، هو قناع. قناع جنائزي واحد لألف وجه ووجه. وهو فكرة لا أحد يعرف ما هي. وهو فتنة لا قوام لها" وهو ما يبقى، قسراً، من الزائل الذي يسعى لأن لا يُبقي أثراً. الشاعر أقل شعراً من كل ما سبق. الشاعر أكثر نثراً وانتثاراً. أو أحسب ذلك. هل الشعر يموت أم أن الشعراء هم الذين يموتون؟ هل مات غوته الذي يُحتفى به هذا العام؟ غوته البروسي والنازي والشيوعي على التوالي، والذي لا يمكن إلا أن يكون "حديثاً" وليبرالياً لكي يعاود الاحتفاء به" لأن غوته على صورة الشعر ومثاله: إنه لا يموت موتاً. غير أن المؤكد أن جاك بريفير الذي زعم، ذات يوم، انه على قيد الحياة، قد مات موتاً ولم يبق منه إلا شعره الذي يزعم أن النثر هو الشعر. فقد نهض ذات يوم من نومه، وأدرك أنه بعد اليوم لن يفهم حديث الآلهة.