عاد سور الأزبكية إلى موقعه القديم في الحديقة الشهيرة التي تحمل الاسم نفسه. عاد مرتباً ونظيفاً وعصرياً، ومع أن أصحاب الأكشاك ال 140، ما زالوا في طور ترتيب المعروضات، فان حركة الاقبال بدأت بشكل ملحوظ. ويعتبر بعض الباعة أنه لا بدّ من مرور بعض الوقت على القرّاء والباحثين عن الكتب القديمة أو التي نفدت من دور النشر والمكتبات الكبرى، قبل أن يعتادوا على ارتياد سور الأزبكية من جديد. حرص محافظ القاهرة عبد الرحيم شحاته شخصيّاً على افتتاح السور، في حلّته الجديدة، قبل أيّام. وقد وضعت محافظة القاهرة شروطاً على أصحاب هذه الاكشاك، منها عدم بيع أي سلع أخرى غير الكتب، مثل شرائط الكاسيت تحديداً. كما يمنع النظام الجديد الخروج بالكتب من الاكشاك إلى الرصيف المواجه. أما عودة السور إلى موقعه القديم، فتجيء في اطار خطة تطوير شاملة لحديقة الازبكية بدأت منذ أربع سنوات. فخلال ورشة التجديد، تمّ استبعاد باعة الكتب الذين اقترنوا بحكاية السور، ونقلوا إلى "منفى" خلف مستشفى الحسين الجامعي في منطقة الدراسة في الأزهر. فأرتفعت أصوات الاحتجاج في صفوف المثقّفين والقرّاء، واشتكى بائعو كتب السور إلى جميع المسؤولين، وحصلوا على وعد من رئيس الوزراء بعودتهم إلى مكانهم الاصلي في الازبكية وسط البلد حيث الحركة والنشاط. يعود سور الازبكية إلى بدايات هذا القرن، ويعتمد في مقتنياته من الكتب على "مكتبات عائلية" يبيعها بالوزن أحياناً! ورثة لا تعنيهم الكتب في شيء. وكثيراً ما تم العثور على كتب مهداة من مؤلفيها إلى أصحاب تلك المكتبات... كما يشتري الباعة مقتنيات أخرى من مالكين، اضطرتهم ظروف الحياة إلى التخلص من كتبهم تحت وطأة العوز، أو الاحباط واعتزال الحياة الثقافية... أما الرافد الثالث فيستمدّه باعة السور من محفوظات دور النشر الكبرى التي تقوم بتفريغ مخازنها بين الفينة والأخرى... ويفخر عدد من باعة السور بأن كبار الكُتاب في مصر والعالم العربي تعامل معهم: طه حسين، العقاد، لويس عوض، يوسف السباعي، فتحي غانم، ونجيب محفوظ... إضافة طبعاً إلى أدباء الأجيال اللاحقة. ولاقت عودة السور ارتياحاً لدى المثقفين، كما رحب الكتاب على اختلافهم بهذا الحدث. وتظهر الحاجة إلى السور الآن اكثر من اي وقت مضى، في ظل الارتفاع الهائل لأسعار الكتب. فعمليّة الشراء من أكشاك الأزبكيّة تعتمد، كما هو معروف، على التفاوض والمساومة السريعة... ويمضي الشاري غالباً بالكتاب الذي يريده، بعد أن يدفع الثمن الذي يريده أيضاً.