تدخل السعودية قريباً عصر الانترنت الذي سيبدأ التوصيل الفعلي لها في كانون الأول ديسمبر المقبل بعد أن تم توصيلها مبدئياً العام 1992 في نطاق مشروع أولي كلفت به مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية لتقديم المعلومات للجهات الحكومية والأكاديمية والبحثية فقط. وإثر انتشار الانترنت في العالم وتعدد تطبيقاتها وزيادة الإقبال عليها، أصدر مجلس الوزراء السعودي مطلع العام 1997 موافقته على ادخال هذه الخدمة المعلوماتية من خلال وحدة خدمات الانترنت المرتبطة إدارياً بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية. وحصر القرار تقديم الخدمة في الشركات والمؤسسات الخاصة، على أن تلتزم الامتناع عن استخدام الشبكة لاغراض غير مشروعة أو القيام بأي نشاطات تخالف القيم الاجتماعية والثقافية والسياسية والاعلامية والاقتصادية والدينية التي تراعيها المملكة. منذ ذلك التاريخ، بدأ العد التنازلي لدخول السعودية عصر الانترنت، وتقدمت 155 منشأة سعودية بطلباتها إلى مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية لتقديم الخدمة في المملكة. يقول الدكتور صالح العذل، رئيس مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم، إنه تم الانتهاء من تحديد المواصفات الفنية للشبكة الرئيسية للارتباط الخارجي التي ستقوم بترشيح المعلومات غير المرغوبة، وستكون من أكبر وأحدث الأجهزة في العالم لتستطيع متابعة الطلبات الكثيرة ومعالجة المعلومات بسرعة فائقة. وبلغت موازنة هذه التجهيزات 125 مليون ريال 3،23 مليون دولار. ويؤكد العذل أن التشغيل التجريبي سيكون في تشرين الأول اكتوبر المقبل على أن يبدأ التشغيل بعد ذلك بشهرين ليشمل الرياضوجدة والظهران ثم بقية المناطق السعودية في آذار مارس 1999. وحدد العذل العقبات التي تواجه المشروع بأنها تنحصر في البنية التحتية التي بدأ العمل في تحديثها ولم ينته إلى الآن، وصعوبة ترشيح المعلومات، كما أن غالبية المعلومات على الانترنت باللغة الانكليزية، إلى جانب ان الوعي العام بالانترنت أقل منه في الدول الأخرى. وعن قدرة القطاع الخاص على تقديم هذه الخدمات، قال إن التوجيهات الحكومية تقضي بدعم القطاع الخاص ولا شك في أن الانترنت ستخلق فرصاً كبيرة لها مردود اقتصادي جيد، ورأت الحكومة اعطاء القطاع الخاص دوراً أساسياً في هذه الخدمة، وهو نموذج جيد للتعاون الكبير بين الحكومة والقطاع الخاص، فالحكومة ستنشئ البنية التحتية والقطاع الخاص يقوم بتقديم الخدمة إلى المشتركين، بل ويتوقع ان تكون الحكومة أكبر عميل له. 120 ألف مشترك وأكد الدكتور عبدالله الموسى، رئيس فريق عمل وحدة خدمات الانترنت في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، أهمية الانترنت، مشيراً إلى أنها اختصرت المسافات وألغت عوائق الجغرافيا وساعدت الفرد في الحصول على المعلومات من أي مكان في العالم بلمسة زر، وهكذا أصبحت الانترنت وسيطاً مهماً جداً تجارياً وتعليمياً وثقافياً. وعن أسباب تأخر السعودية في ادخال هذه الخدمة، أفاد الموسى بأنه كانت هناك عوائق فنية، منها تحفظ بعض الجهات الحكومية على الاتصال بالانترنت إلا وفق ضوابط محددة والمطالبة بدرس الموضوع درساً متأنياً، إلى جانب عدم توافر خطوط الاتصالات. وطبقاً للنتائج الأولية للدراسة التي تجريها المدينة العلمية، فإن عدد المشتركين الذين يتوقع اشتراكهم في الخدمة في السنة الأولى سيصل إلى 120 ألفاً. وقال الموسى: نتوقع ان يتضاعف هذا الرقم خلال سنتين حتى يصل إلى 250 ألفاً، لأن السعودية قطعت شوطاً كبيراً في مجال الحاسب الشخصي، إذ يقدر إعداد الحاسبات الشخصية فيها حوالي نصف مليون جهاز، لهذا نتوقع زيادة مستمرة في عدد المشاركين. وأوضح، في شأن الأسعار المتوقعة ومقارنتها بدول الخليج، ان التعرفة ستحدد على أسس تجارية اقتصادية، وسيراعى فيها أن تكون منافسة وفي متناول الجميع. وقال إن الميزة الكبرى للمشترك أنه سيتصل بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وبالتالي ستكون المكالمة محلية ونكون وفرنا للمشتركين قيمة المكالمات الدولية في حال اشتراكهم عن طريق الدول المجاورة. أما بالنسبة إلى الرسوم الشهرية، فنتوقع ان تكون تنافسية، لأن سوقنا أكبر من أسواق بقية دول الخليج، ولا ننسى ان الرسوم في دول الخليج كانت ثلاثة أضعاف الأسعار الحالية، لكنها خفضت بعد استيفاء تكاليف الانشاء من المشتركين. وأجاب عن سؤال عن تخوف الناس من ان يكون ترشيح المعلومات سبباً في تأخير الحصول عليها بأن الترشيح لن يشعر به المشترك اطلاقاً بل العكس لأن جهاز الترشيح سيقوم بتخزين المعلومات التي تطلب باستمرار ويخزنها في الذاكرة ويخرجها سريعاً بدلاً من الاتصال مرة اخرى بأميركا. غير ان السؤال الذي يردده كثيرون هو: ما تأثير ذلك على السعوديين المشتركين عن طريق دول أخرى؟ يقول عبدالله الموسى ان عدد هؤلاء يقدر بنحو 30 ألفاً بين مشترك ومستخدم، ورأى انهم سيتحولون تلقائياً الى الخدمة المحلية ما دامت الرسوم في متناول الجميع. وأشار الى الخطة الزمنية لنشر الخدمة، وقال ان المرحلة الأولى تشمل الرياض والمنطقتين الشرقية والغربية تلي ذلك المناطق الرئيسية مثل أبها وتبوك والقصيم والمدينة، وبالنسبة الى المناطق الأقل كثافة سكانية فهي لن تصلها الشبكة الرئيسية وربما يترك تقديم الخدمة هناك الى شركات يكون جزء من ترخيصها تغطية هذه المناطق. اما المناطق الأخرى فسيكون توصيل الخدمة اليها متأخراً. 350 موقعاً عربياً وأوضح الدكتور عبدالرحمن العريني الرئيس السابق لجمعية الحاسبات السعودية المحاضر في كلية الملك فيصل الجوية ان عدد مستخدمي الانترنت عالمياً في 1994 بلغ 28 مليوناً في اكثر من 160 دولة، ولم يكن بينهم عربي واحد. وفي 1997 زاد العدد الى 100 مليون نسمة من جميع الدول، منهم نحو ألف عربي، وبلغت المواقع العربية 35 موقعاً، وزاد عدد المستخدمين العرب الى 40 ألفاً في 1998 كما زادت المواقع العربية لتصل الى 350 موقعاً "ونتوقع ان يصل عدد العرب المستخدمين للانترنت الى مليون نسمة بحلول العام 1999، وان تصل عدد المواقع العربية الى ألف موقع، علماً ان عدد المواقع الموجودة على الانترنت بلغ 170 بليوناً بمعدل 30 موقعاً لكل شخص على الكرة الأرضية ويبلغ عدد المستخدمين الآن 2.5 في المئة من سكان العالم". وتابع العريني ان كل هذه الأرقام تعني مزيداً من الفرص الايجابية التي يتيحها الانترنت للعرب في المجالات التجارية والعلمية. فقد بلغ حجم التجارة العالمية عبر الانترنت العام الماضي 8 بلايين دولار، وسيصل العام 2002 الى 330 بليوناً، وهذا مؤشر يجب على رجال الاعمال ان يتنبهوا اليه، وان يعملوا على الفوز بنصيب منه. ويستطيع رجال الاعمال الخليجيون ان يصبحوا ممثلين للتجارة الالكترونية ولو قامت الشركات بذلك الآن فستربح الكثير. وعلى رغم ان حجم التجارة العربية والسعودية التي يمكن ان تدار عبر الانترنت غير معروف، إلا أنه توقع بعد وصول التجارة الى المنازل ان تزيد مبيعات المنتجات التي تخص المرأة والطفل، خصوصاً الملابس والمجوهرات والاكسسوارات، وتوقع كذلك ان تزدهر تجارة الالكترونيات. فرص استثمارية نسائية وأشار الى ان الانترنت ستهيئ فرصاً استثمارية للتجارة عن بعد "وهذه فرصة كبيرة للمرأة السعودية عليها ان تستغلها لأنها تجارة لا يوجد بها اتصال مباشر. ويسمونها تجارة افتراضية تقوم على سوق غير مرئية أوسع انتشاراً وأقل سعراً، اذ أكدت احدى أكبر شركات السيارات ان مصاريف استكمال اجراءات البيع تهبط من 130 دولاراً الى 10 دولارات عندما يتم البيع عبر الانترنت. واذا لم تبادر الشركات الشرق الأوسطية للاستفادة من هذه التقنية والنفوذ فإنها ستفقد كثيراً من الفرص التنافسية". وأشار الى ان من مساوئ الانترنت انها أداة محايدة "فيها خير بنسبة 90 في المئة وهناك برامج وجدران نارية تلجأ اليها الشركات في الخارج لغلق المواقع التي لا تريد للموظفين ان يروها حرصاً على وقت العمل ونستطيع نحن ان نحمي ابناءنا من أي مخاطر وستقوم بهذا الدور مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية". ولما لاحظت "الوسط" ان الحديث عن فوائد الانترنت ينحصر في الجوانب التجارية فقط على رغم فوائده العلمية الأخرى، قال الدكتور العريني "هذه مفارقة غريبة لأن الانترنت استهدفت في السعودية خدمة الحركة العلمية الاكاديمية، لكن التركيز الآن على التجارة، واعتقد بأن الاستفادة العلمية من الانترنت ستسير جنباً الى جنب مع الاستفادة التجارية منها، فمواقع التعليم عن بعد تصل الى نحو ألف موقع، وهي دلالة على تقدم العلم في جميع المجالات، بل يستطيع المرء الحصول على شهادة وهو في منزله، وان كان الحديث عن مصادقية هذه الشهادات مثار نقاش. عموماً الانترنت ستساهم كثيراً في الحركة العلمية والاكاديمية، فالذي يدخل الشبكة سيفتح له فضاء علمي كبير لا حدود له. وإذا كانت التجارة الالكترونية هي الأكثر افادة من الانترنت، فهناك تجارة أخرى ستشهد تطوراً كبيراً وهي تجارة المعلومات التي قال عنها وليد ابا الخيل رئيس فريق عمل الانترنت بغرفة التجارة والصناعة في الرياض رئيس شركة "السوابح" لخدمة المعلومات انها بلغت تريليون دولار. وأضاف "لا بد أن نقف أمام أكبر المشاكل التي تواجهنا وهي عدم وجود الوعي بأهمية المعلومات لدى كثير من رجال الأعمال، والاعتماد في أعمالهم على التجربة والخبرة، وليس المعلومة الحديثة، وستكون النتيجة المتوقعة خسارتهم الكثير من الفرص وسيصبحون على الهامش التجاري". وذكر أنه يتوقع ان تكون التجارة السعودية المتوقعة عبر الانترنت ضعيفة في البداية لحداثة التجربة ولأن التجارة الالكترونية تحتاج الى الثقة في خدمة الانترنت وان تتم المعاملات بشكل سري وآمن حتى لا تستخدم البطاقات الائتمانية لاغراض أخرى. لكن هناك العديد من الفرص الاستثمارية الجيدة وفرص العمل التي ستتيحها الانترنت للشركات التي ستقدم الخدمة وتقدر بحوالي 150 مليون ريال سعودي 40 مليون دولار في السنة الأولى، اضافة الى حوالي 100 مليون ريال سعودي تمثل حجم الاعلانات المتوقعة على الانترنت. وأكد ابا الخيل ان قرار اسناد الخدمة الى القطاع الخاص "كان صائباً حتى لا نعود الى خصخصتها في المستقبل". وقال ان كثيراً من الشركات التي تقدمت الى التأهيل لتقديم الخدمة ستنسحب من السوق بعد فترة لعدم قدرتها على تحقيق الأرباح لشدة المنافسة، ولن تستمر الا الشركات التي تستطيع ان تقدم خدمات متنوعة وقادرة على تقديم الدعم الفني الى العملاء. وطالب باقامة مركز وطني لتدريب وتأهيل الشباب السعودي لدخول عصر الانترنت بتقوية الانكليزية وشرح سبل استخراج المعلومات. وأشار الى غياب المعلومات السعودية على الانترنت، وقال: "لا يكفي ان ندخل عصر الانترنت مستقبلين فقط، بل لا بد من أن نشارك بوضع كل ما يتعلق ببلادنا من قوانين استثمار وفرص استثمارية على الانترنت حتى تتحقق الاستفادة القصوى منه". واعتبر عبدالجبار العبدالجبار الرئيس التنفيذي لشركة النظم العربية ان دخول الانترنت الى السعودية لن يؤدي الغرض المنشود منه ما لم يستفد من الشبكة في التنمية الاقتصادية، ويجب أن نقوم بجهود مكثفة لنشر أفكارنا حتى يطلع العالم على السعودية بأقلام ابنائها وليس بأقلام الآخرين، وكذلك علينا أن ننشط قاعدة معلومات تساعدنا على تصدير منتجاتنا وأن يكون لنا نصيب من التجارة عبر الانترنت التي ستصل العام 2000 إلى 134 بليون دولار بين الشركات، و30 بليوناً على مستوى الأفراد، الى جانب 10 بلايين هي قيمة تذاكر سفر. وربط عبدالجبار بين حجم التجارة العربية المتوقعة عبر الانترنت وجودة الخدمة وتوافر خطوط الاتصالات وعدد المشتركين، فهذا يحفزنا كشركات على تكوين صناعة معلوماتية تساهم في رفع حجم التجارة العربية، ولكن إذا استمر الحال كما هو عليه الآن لجهة وجود مجموعات صغيرة من المشتركين من كل دولة وعدم وجود خطوط اتصال، فسيكون حجم التجارة ضعيفاً. ولاحظ عبدالجبار ان النشاط الإعلامي يركز على خدمة الاتصال وهي الجزء الأصغر من الانترنت، في حين ان هناك فرصاً كبيرة جداً للاعلان والنشر سيصل حجمها الى 10 بلايين دولار بحلول العام 2002 والخدمات المعلوماتية والالكترونية. وأوضح ان حجم الصناعات المرتبطة بالانترنت سيصل بحلول العام 2002 إلى 300 بليون دولار في حين ان استثمارات خدمة الاتصال ستكون حوالي 28 بليوناً. وأشار عبدالجبار الى تأخر السعودية في ادخال خدمة الانترنت موضحاً ان ذلك كان له ثمنه وانعكاساته على تطوير صناعة المعلومات وضياع فرص على الشركات، خصوصاً ان السعودية من الأسواق ذات القوى الشرائية الكبيرة. بدأت الصحف السعودية الاهتمام بشبكة الانترنت قبل دخولها الى البلاد وتسعى مجموعة كبيرة منها الى عرض مطبوعاتها للقراء العرب على الشبكة. وقال محمد أبا حسين رئيس تحرير جريدة "الجزيرة" وهي أول صحيفة سعودية تدخل الشبكة قبل دخولها للبلاد ان العالم بأسره دخل عصر الانترنت في حقبة جديدة من مسار الحضارة الانساينة، وبالتالي فإن التعامل مع تقنيات وأوعية المعلومات الجديدة ليس خياراً متميزاً لمن شاء من المجتمعات وهامشاً كمالياً لمجتمعات أخرى، وانما سيكون مقياساً حضارياً لدرجة الأمية والحرب عليه في مجتمعات هذا العصر، كما كانت مقاييسنا للأمية الأبجدية سابقاً. واعتبر ابا حسين تأخر دخول الخدمة الى السعودية أمر لا يتلاءم وطموحات البلاد والشعب المتطلع للتنمية، مشيراً الى أن الانترنت ستجد أرضية جيدة لسرعة التعامل معها واستثمارها بالصورة الأمثل. وأضاف ان الصحافة من أهم عناصر المعلومات استقطاباً وتداولاً ونشراً وبالتالي فإن الانترنت سيكون عصب الصحافة الحيوي، وكان قرارنا في الجريدة انه خيار مفروض وتوجه ملزم