لا يستطيع أحد الجزم بأن اسرائيل ستوقع على اتفاق مع الفلسطينيين لإعادة انتشار قواتها في الضفة الغربية وقطاع غزة، طبقاً لما نصت عليه اتفاقات أوسلو والخليل. ففي المحادثات الأخيرة التي جرت في لندن بين المفاوض الأميركي دنيس روس والفلسطينيين وقع المسؤولان الفلسطينيان محمود عباس أبو مازن وأحمد قريع أبو علاء على "المبادرة الأميركية" التي تطلب من اسرائيل الانسحاب من نسبة 13 في المئة من الأراضي المحتلة. لكن المعلومات الاسرائيلية تشير الى أن إعادة الانتشار في المرحلتين الأولى والثانية وليس المرحلة الثالثة لم تعد بين القضايا التي يجري التفاوض عليها. ويتذمر وزراء حكومة نتانياهو من اقتصار المعلومات الخاصة بإعادة الانتشار المقترحة على رئيس الوزراء وحده وعلى مجلس وزرائه "المصغر" الذي يضم أرييل شارون واسحق موردخاي وناتان شارانسكي. إذ قال يهودا هاريل من حزب "الطريق الثالثة" "ان حاييم غورتزمان لديه معلومات أكثر مما لدينا عن إعادة الانتشار". وغورتزمان هو أحد سكان مستوطنة دوليف وأستاذ في الجامعة العبرية يعتبره الكثيرون المرجع العلني الأول في ميدان إعادة الانتشار وما تنطوي عليه هذه الخطوة. ويضيف هاريل القول: "ان جيش الدفاع الاسرائيلي لديه معلومات كافية عن البعد الأمني كما أن سلطة المياه لديها معلومات كاملة عن مضاعفات إعادة الانتشار على مصادر المياه، وحركات الاستيطان لديها كل ما تريد معرفته عن الجانب الاستيطاني، ولدى سلطة الحكم العسكري كل ما تريد من المعلومات عن التوزيع السكاني الفلسطيني. أما حاييم غورتزمان فلديه كل تلك المعلومات والبيانات مجتمعة". وكانت صحيفة "هاآرتس" ذكرت في 21 أيار مايو الماضي أن هاريل طلب من غورتزمان إعداد الخرائط الجغرافية اللازمة للاطلاع على ما تعنيه إعادة الانتشار من نسبة 9 إلى نسبة 13 في المئة من أراضي الضفة الغربية. ومن خلال درس خرائط غورتزمان يمكن استخلاص الأولويات التالية: يجب على اسرائيل ان تحتفظ بغور الأردن بكامله، وصحراء يهودا والمناطق الواقعة الى الجنوب من مدينة الخليل والمنطقة المحيطة بمدينة القدس مع منطقة عازلة تمتد الى الشرق من الخط الأخضر حتى السلاسل الجبلية الوسطى التي تحتوي على مصادر المياه الجوفية، كما يجب عدم اخلاء أي مستوطنة من المستوطنات اليهودية، ويجب الاحتفاظ بسيطرة اسرائيل العسكرية الاستراتيجية على الأراضي التي حددتها خريطة "المصالح الأمنية الاسرائيلية" التي وضعها الجيش الاسرائيلي مهما كان الثمن. ويقول غورتزمان: "ان ما أردت أن أجد الحل له هو كيف يمكن لاسرائيل أن تحتفظ بمصالحها في أمن المناطق وفي المياه والمستوطنات ومدينة القدس، وفي الوقت نفسه أن تتفادى بسط السيطرة على السكان الفلسطينيين". وهكذا لن تتأثر إلا نسبة بسيطة جداً من المستوطنات بإعادة الانتشار. ومع ذلك أعلن مجلس الاستيطان الاسرائيلي أن من الأفضل إعادة بعض مناطق صحراء يهودا الى الفلسطينيين بدلاً من الانسحاب من الأراضي المحيطة بالمستوطنات في شمال الضفة وجنوبها وهذا ما يفضله شارون ونتانياهو نفسه. وهكذا إذا ما انتقلت المنطقة ب لتصبح جزءاً من المنطقة أ وبالتالي تحت السيطرة الأمنية الفلسطينية الكاملة كجزء من التسوية النهائية، ستظل المستوطنات اليهودية القائمة في هذه المنطقة جيوباً تحت السيطرة الاسرائيلية تحيط بها أراض خاضعة للسلطة الفلسطينية. لكن الفلسطينيين أنفسهم يعترفون أيضاً بأن اسرائيل ستواصل في تلك الفترة الاحتفاظ بالسيطرة الأمنية على المنطقة ب وعلى الطرق التي تربط المستوطنات. ويقول غورتزمان: "في حال التوصل الى اتفاق على الوضعية النهائية ستكف هذه المستوطنات عن التوسع والنمو مما يعني أن بقاءها على المدى البعيد سيكون مثاراً للشك". ولعل خير مثل على ذلك مستوطنة نيتزاريم في قطاع غزة. إذ أن جميع الطرق والسفر الى هذه المستوطنة والخروج منها يتم تحت حراسة الجيش الاسرائيلي. وعلى رغم هذا فإن عدد سكان المستوطنة ارتفع خلال السنوات الأخيرة من 60 شخصاً الى 200. وسيتأثر بإعادة الانتشار من هذه النسبة حوالي 1600 يهودي يعيشون في عشر مستوطنات من مجموع اكثر من 160 ألف مستوطن يعيشون في الضفة الغربية. وفي الجزء الشمالي من الضفة الغربية ستحتفظ اسرائيل بمنطقة صغيرة الى الشمال من مدينة جنين لكي تفصل المدينة عن الخط الأخضر. لكن الاستمرارية والاتصال الجغرافي الفلسطيني سيكون قائماً بين مدينتي جنين ونابلس. لكن اسرائيل ستحتوي هذه الاستمرارية من خلال الطريق الالتفافية الدولية التي بدأت في توسيعها لكي تشمل المستوطنات المتزايدة باضطراد في المنطقة والتي تشكل أريل محورها، كما أن هذه الطريق تهدف الى نقل التجارة بين الأردن واسرائيل. لكن محطة الانذار المبكر الاسرائيلية قرب نابلس فوق جبل عيبال ستتأثر بإعادة الانتشار هذه. وسيكون في وسع القوات الاسرائيلية التنقل على هذه الطريق حتى محطة الانذار المبكر. أما بالنسبة الى المياه فيقدر غورتزمان أن اسرائيل ستفقد سيطرتها على نسبة 9 في المئة من الأراضي الواقعة بين يركون وتانيم الى الشرق من الخط الأخضر مما يعني أن مجموع نسبة المياه التي ستفقد اسرائيل السيطرة عليها سيصل الى 15 في المئة. وإذا ما قرر نتانياهو إعادة الانتشار من نسبة 9 في المئة من أراضي الضفة الغربية فإن حوالي 86 في المئة من الفلسطينيين في الضفة سيعيشون تحت حكم السلطة الوطنية الفلسطينية. وإذا ما أضفنا سكان قطاع غزة فإن النسبة سترتفع الى 93 في المئة من مجموع الفلسطينيين. وقد أشار ديفيد ماكوفسكي مراسل "هاآرتس" الى أن ادعاء نتانياهو بأن نسبة 98 في المئة من الفلسطينيين يخضعون الآن لإدارة السلطة الفلسطينية ادعاء كاذب. ففي واقع الأمر يحتفظ الجيش الاسرائيلي بالسيطرة العليا على جميع المناطق الريفية الفلسطينية التي تؤلف نسبة 97 في المئة من الضفة أي منطقتي أ و ب. ويقول غورتزمان ان نسبة 37 في المئة فقط أي 588 ألف فلسطيني تعيش الآن تحت السيطرة الكاملة للسلطة الفلسطينية من مجموع مليون و562 ألف نسمة. وستؤثر إعادة الانتشار من نسبة 13 في المئة من الأراضي المحتلة في 18 مستوطنة يهودية. إذ أن هذه النسبة ستضيف مستوطنات موفي ودوتان وشيفاي شمرون وايتامار الى قائمة المستوطنات السابقة في منطقة جنين - نابلس. أما في منطقة الخليل فستؤثر هذه النسبة في كرمل تسور وأوتنيال. لكن سيطرة اسرائيل على الأراضي الواقعة بمحاذاة الخط الأخضر ستنتهي حول وادي عربة وحول غيلبو. وستمتد السيطرة الفلسطينية بين نابلس وجنين شمالاً حتى الشمال الغربي الى نقطة تكاد تضع بلدة أم الفحم في نطاق تلك السيطرة. ويعتقد غورتزمان بأن الفرق الأساسي بين إعادة الانتشار من نسبة 9 في المئة ونسبة 13 في المئة سيكون في منطقة مدينة رام الله حيث توجد المستوطنتان الكبيرتان عيفرا وبيت إيل. إذ ستصبح هاتان المستوطنتان التاريخيتان اللتان بناهما قادة حزب العمل وحركة غوش أمونيم الاستيطانية قبل أكثر من عشرين عاماً جيبين معزولين مثل مستوطنة عتيرات المجاورة لهما. لكن هاريل يخالفه الرأي ويقول ان في الوسع ربط هاتين المستوطنتين بطريق التفافية جديدة بغور الأردن واسرائيل نفسها مما يعني أنهما ستظلان جزءاً من اسرائيل. لكن المستوطنين أنفسهم يشعرون أن أي احساس بالعزلة قد يصيب سكان المستوطنتين سرعان ما سيلحق الضرر بسمعتهما. أما بالنسبة الى السكان فإن نسبة 13 في المئة ستعني أن 89 في المئة من الفلسطينيين في الضفة الغربية ستعيش عندئذ تحت السيطرة الكاملة للسلطة الفلسطينية، ونسبة 94.5 في المئة من مجموع السكان الفلسطينيين إذا ما أخذنا قطاع غزة في الحسبان