بدأ العد العكسي لانطلاق المونديال الأخير في هذا القرن، ولئن كانت المنتخبات ال 32 قد وضعت اللمسات الأخيرة على الخطط الأساسية والخطط البديلة لخوض معركة الكأس في الملاعب الخضراء، فإن فرنسا تخوض الحرب على جبهتين أخريين هما جبهة التنظيم وجبهة الأمن، في حين تخوض الفيفا حرباً من نوع آخر تدور رحاها هذه المرة وراء المكاتب وفي الكواليس بين لينارت يوهانسون وجوزف بلاتر لخلافة جواو هافيلانج في رئاسة الاتحاد الدولي لكرة القدم. وكرة القدم هي اللغة الأكثر رواجاً في مختلف أنحاء الكرة الأرضية، وهي تستخدم الرؤوس والأقدام أداة للتعبير، الى كونها أفيون الشعوب الجديد، لكنه أفيون صحي رفع الحماسة قبل اطلاق صافرة البداية في العاشر من حزيران يونيو الى درجة الغليان، وجعل بورصة المراهنات خلية نحل، سيكون نصيب البعض منها لسع الإبر، ونصيب البعض الآخر طعم الشهد. ولئن كانت حرب الكأس تحسمها أقدام اللاعبين، فإن حرب رئاسة الفيفا تحسمها أوراق المقترعين، وتبقى كأس العالم عروساً فاتنة ذهبية المعدن، زئبقية الطباع، يتنافس على خطب ودها وطلب يدها 32 طامحاً، هذا يغريها بوسامته، وذاك بوجاهته، وذلك بما لديه من أسهم في بورصة بطولات العالم السابقة، وهي تبتسم لجميع هؤلاء، وتفتح لهم ذراعيها، لكنها لن تمنح قلبها في نهاية المطاف إلا من يدفع المهر الأغلى من الأهداف، وسيقوم بتغطية عرسها الذي يتوقع أن يشاهده 37 مليار شخص، 12 ألف صحافي و200 شبكة تلفزيون. ولن ندخل في دوامة التوقعات لمعرفة الطامح السعيد الحظ استناداً الى نتائج المباريات التحضيرية، لأن ذلك لا يصلح أساساً متيناً للبناء، فالسعودية مثلاً صمدت أمام انكلترا على ملعب ويمبلي وقدمت أداء راقياً وكادت تنتزع الفوز في الوقت القاتل، لكنها انهارت أمام النروج وخرجت من لقائها مثخنة بست طعنات، علماً أن ثمة منتخبات لا تكشف كل أوراقها في المباريات التحضيرية وتحتفظ بأسلحتها السرية الى حين تدعو الحاجة. وتبقى منتخبات البرازيلوالمانياوفرنساوالارجنتينوهولنداوايطاليا مرشحة لاحراز الكأس، في حين يرشح الخبراء يوغوسلافيا وكرواتيا ونيجيريا والنروج للعب دور الحصان الأسود في هذه البطولة. وحرصاً من "الوسط" على مواكبة سفراء الكرة العربية الى مونديال فرنسا، فإنها التقت مجموعة من المدربين الاكفاء واستفسرت منهم عن حظوظ المنتخبات العربية في كأس العالم وعن توقعاتهم بصورة عامة، وفي طليعة هؤلاء محمود الجوهري مدرب المنتخب المصري وأشهر المدربين العرب وقد دار معه الحوار الآتي: أين موقع الكرة العربية على الخريطة العالمية؟ - الكرة العربية تطورت بشكل لافت في السنوات الأخيرة والمتتبع لمسيرتها يجد أن التطور بدأ في معظم الدول العربية من نقطة الصفر، لكنه قفز بسرعة مذهلة، ويكفي للدلالة على ذلك أن كرة القدم بدأت تنتشر في دول الخليج في منتصف هذا القرن، ومنذ مطلع الثمانينات حققت هذه الدول قفزة نوعية فباتت سيدة الكرة الآسيوية وأصبحت مشاركتها في كأس العالم أمراً طبيعياً. كيف ترى تأهل السعودية والمغرب وتونس؟ - الفرق العربية الثلاثة المشاركة في المونديال تستحق شرف اللعب مع الكبار لأن تأهلها جاء عن جدارة، فالسعودية لعبت آخر مبارياتها في التصفيات مع قطر في الدوحة وكان فوز الأخيرة كفيلاً بحجز بطاقتها الى المونديال، في حين أن تعادل السعودية يدخلها في حسابات معقدة مع ايران، لكن المنتخب السعودي حسم الموقف وحقق الفوز وتأهل مباشرة بمعزل عن حسابات المركز الثاني. أما المغرب وتونس فقد تأهلا للنهائيات في مرحلة مبكرة وجمع كل منهما 16 نقطة وهو أعلى رصيد في مجموعات التصفيات الافريقية. ما أبرز ما يميز هذه المنتخبات؟ - أبرز ما يميز المنتخبات العربية المشاركة في كأس العالم ان سمعتها تسبقها، فتونس هي صاحبة أول فوز عربي في المونديال عندما هزمت المكسيك في الدور الأول من نهائيات 1978. والمغرب كان أول فريق افريقي وعربي يتأهل للدور الثاني وذلك في مونديال المكسيك 1986. وحققت السعودية انجازاً ضخماً في مشاركتها الأولى العام 1994 إذ حققت الفوز مرتين: على المغرب 2/1 وعلى بلجيكا 1/صفر وتأهلت لدور ال 16. وأنا أتوقع أن ينتقل أحد الفرق الثلاثة الى دور الثمانية في مونديال فرنسا. ما الفارق بين مستوى المنتخبات العربية المشاركة؟ - الاحتراف الخارجي يمنح لاعبي المغرب وتونس خبرة كبيرة تعزز موقفهم في منافسات كأس العالم، لكن المنتخب السعودي يجمع بين الخبرة والشباب ومتوسط أعمار لاعبيه 25 عاماً وهي سن النضج الكروي التي تمكن صاحبها من مقارعة المحترفين. كما أن برنامج الإعداد للمنتخب السعودي تضمن اللعب مع انكلترا والنروج وهما من أقوى المنتخبات الأوروبية فضلاً عن مشاركته في بطولة القارات على كأس الملك فهد حيث لعب مع المنتخب البرازيلي. وهذه المباريات تصقل الموهبة التي يتمتع بها لاعبو السعودية وتمنحهم الخبرة الدولية التي سيجنون ثمارها في مونديال فرنسا. هل وجود محترفين في صفوف تونس والمغرب يرجح كفتهما؟ - ليس المهم عدد اللاعبين المحترفين في المنتخبين المغربي والتونسي، لكن المهم توفير التجانس بين اللاعبين وفق خطة لعب ينصهر فيها كل عناصر الفريق لتحقيق هدف واحد. ولو عدنا الى المنتخب المغربي المشارك في مونديال المكسيك 86 فإن معظم لاعبيه كانوا يلعبون في الدوري المغربي ولذا جاء أداؤهم متجانساً على نقيض أداء المحترفين المغاربة في مونديال أميركا 94. إذ خسروا المباريات الثلاث التي خاضوها وجاء أداؤهم مثل فريق موسيقى يعزف ألحاناً ناشزة. ما هي المواجهة التي ستحدد مصير المنتخبات العربية المشاركة في المونديال؟ - نتيجة المواجهة مع البرازيل ستحدد آمال المنتخب المغربي، فالتعادل مثلاً سيمنحه دفعة معنوية هائلة وهو أمر ممكن لأن المغرب خسر أمام البرازيل في لقاء ودي في ساو باولو صفر/1. والأمر ذاته ينطبق على مواجهة تونس وانكلترا ومواجهة السعودية وفرنسا. وهذه المباريات هي الأهم في الدور الأول للمنتخبات العربية والخروج منها بنتائج ايجابية ليس مستحيلاً، والمهم أن يتعامل معها المدربون واللاعبون بثقة في النفس وإصرار على الفوز. وكان ل "الوسط" لقاء مع الفرنسي هنري ميشال مدرب المنتخب المغربي رد فيه على الأسئلة الآتية: كيف تفسر الخسارة التي مني بها المنتخب المغربي في اللقاء الودي ضد مونبلييه الفرنسي في ايفران وأمام المنتخب الانكليزي في منافسات الدورة الثانية لكأس الحسن الثاني الدولية؟ - النتيجة لا تهم، لأن الهدف كان الافساح في المجال أمام بعض الأسماء الجديدة. وبالفعل ظهرت المجموعة المغربية بوجهين مختلفين خلال الشوطين الأول والثاني في المباراة الأولى، اذ فرضت الاصابات التي لحقت ببعض العناصر البحث موقتاً عن البدلاء، وكان علي أن أعطي الأسماء التي استدعيتها للمرة الأولى فرصتها، وهذا ما حصل. لقد أتاحت لنا المباراتان فرصة اختيار اللاعبين قبل التوجه الى المونديال. وسنواجه منتخب فرنسا الذي ينتمي الى مدرسة مختلفة تماماً عن منتخب انكلترا، وهذه اللقاءات ستساعدنا على وضع اللمسات الأخيرة على التشكيلة التي ستخوص كأس العالم. ماذا بشأن تشكيلة ال 22 لاعباً التي ستخوض النهائيات خصوصاً ان المجموعة التي استدعيتها حالياً تضم لاعبين جدداً؟ - اللاعبون الجدد لا يتجاوز عددهم الثلاثة، وهم يتصرفون وفقاً للبرنامج الحالي الذي نركز فيه على اللياقة البدنية والتقنيات. والمشكلة ان لدي الآن أكثر من 22 لاعباً وعلي أن أحسم الأمر آخذاً في الاعتبار احتمالات الاصابة إذ لا يجوز أن أغامر بتسجيل لاعبين لا قدرة لهم على اللعب. لقد فضلت استدعاء 27 لاعباً لأتفادى استدعاء لاعبين جدد في آخر لحظة بسبب الاصابات التي قد تلحق ببعض اللاعبين. وأتمنى ألا تقلق الاصابات بالنا، وقد ارتأيت توفير الراحة لهؤلاء اللاعبين حتى يستعيدوا عافيتهم ويكونوا جاهزين تماماً للمونديال. كيف تقوِّم المنتخبات التي ستواجه المغرب في المونديال؟ - منتخبات البرازيل والنروج واسكتلندا منتخبات كبرى ونتائجها منذ مدة طويلة نتائج جيدة، فالبرازيل بطلة العالم والمرشحة لاحراز الكأس. واسكتلندا دائمة الحضور في المونديال، أما النروج فمنتخب صعب المراس لم يهزم منذ ثلاث سنوات. واعتقد أنه لا مجال في نهائيات كأس العالم للحديث عن فرق ضعيفة. ان لقاءنا مع النروج هو اللقاء الحاسم والمنتخب الذي سيخرج فائزاً من هذا اللقاء سيتأهل على الأرجح للدور الثاني، ويجب ألا يغرب عن بالنا ان المنتخب النروجي تعادل مع فرنسا 3/3 وفاز على الدنمارك 2/صفر وعلى المكسيك 5/2 وعلى السعودية 6/صفر. لذا يجب أن نكون في قمة مستوانا لمواجهة التحدي. هل لك ما تقول قبل انطلاق المونديال؟ - اعتقد اننا بذلنا جهوداً جبارة لبلوغ هذه التظاهرة التي تقام مرة كل أربع سنوات، واللاعب المحظوظ هو الذي يشارك في منافساتها. وما يهمني هو أن نلقي بكل ثقلنا لنصل الى الدور الثاني. وبلوغ هذا الدور طموح مشروع نظراً لإمكانات المنتخب المغربي. حوار مع كاسبرجاك والتقت "الوسط" البولندي هنري كاسبرجاك مدرب المنتخب التونسي الذي قاده الى نهائي كأس الأمم الافريقية 96 وضمن تأهله لنهائيات كأس العالم في فرنسا، وهذه حصيلة الحوار معه: ماذا تنتظر من مشاركة المنتخب التونسي في المونديال الفرنسي؟ - أنا سعيد بتأهل المنتخب للمونديال وأتمنى أن يقدم عروضاً تليق بالتطور الذي شهدته كرة القدم التونسية خلال السنوات الأخيرة. وما يمكن قوله هو أن القرعة أوقعت المنتخب في مجموعة صعبة تضم منتخبات عريقة تملك تقاليد راسخة في كرة القدم، والمهم أن يقدم عروضاً مشرفة لكرة القدم التونسية والعربية والافريقية وأن يجتاز عقبة الدور الأول. ما هو تقويمك للمنتخبات التي سيقابلها المنتخب التونسي في الدور الأول؟ - المنتخب الانكليزي سجل عودة قوية الى الساحة الدولية وهو يملك عناصر ممتازة تتمتع بمؤهلات فنية وبدنية عالية وهو من المنتخبات المرشحة لاحراز كأس العالم. والمنتخب الكولومبي أحد أبرز منتخبات أميركا الجنوبية قادر في رأيي على الفوز على أي منتخب في العالم. صحيح أن مستواه غير مستقر، لكنه منتخب له مكانته. أما المنتخب الروماني فقد أثبت جدارته دولياً وتشهد على ذلك مسيرته المظفرة خلال التصفيات ومشاركته الأخيرة في كأس العالم. وما هي حظوظ المنتخب التونسي في هذه المجموعة؟ - حظوظ المنتخب قائمة، وهو لا يشارك لمجرد المشاركة بل للمنافسة، وهو سيسعى الى تقديم عروض مشرفة على غرار ما قدمه في مونديال الارجنتين 78. وأنا اعتقد أن المباراة الأولى أمام انكلترا تكتسي أهمية كبيرة، فإذا حققنا نتيجة ايجابية، سنجد الطريق أمامنا ممهداً للعبور الى الدور الثاني. ماذا تتوقع من المنتخبات العربية والافريقية المشاركة؟ - في الحقيقة أنا لا أتوقع الكثير، فكأس العالم لن تكون من نصيب فريق عربي أو افريقي. وكل ما أتمناه وبكل موضوعية هو أن تجتاز هذه المنتخبات الدور الأول للتصفيات وتحقق نتائج ايجابية تدعم مكانة الكرة العربية والافريقية. من هو المنتخب الذي سيفوز بكأس العالم؟ - أرشح أولاً منتخب البرازيل للاحتفاظ بالكأس. ولمنتخب فرنسا البلد المنظم حظوظ كبيرة باحراز اللقب تليه منتخبات الارجنتينوايطالياوالمانيا. أي دور تستطيع الجالية العربية في فرنسا ان تلعبه خلال هذا المونديال؟ - كلنا يعلم أن الجالية العربية متواجدة بكثرة في فرنسا وهذا أمر ايجابي بالنسبة الى المنتخبات العربية الثلاثة التي ستجد كل الدعم وكل المساندة من قبل أفراد الجالية العربية، وهذا من شأنه أن ينعكس ايجاباً على معنويات اللاعبين وعلى أدائهم. السعودية وهاجس الدور الثاني ويبدو ان الانتقال الى الدور الثاني هو هاجس المنتخبات العربية المشاركة في المونديال وليس للسعوديين هذه الايام الا الحديث عن منافسات كأس العالم، ومحاولة الاجابة عن السؤال الآتي: هل يستطيع المنتخب السعودي ان يقدم الصورة الممتازة التي ظهر بها في مونديال اميركا 94؟ وتتباين الاجابات بين فريق يرى ان "الاخضر" لن يذهب بعيداً وسيخرج من الدور الاول، وفريق آخر يرى ان بامكان المنتخب السعودي ان يكرر الانجاز الذي حققه قبل اربع سنوات، ومرد ذلك - من وجهة نظرهم - الى ان لاعبي السعودية اصبحوا اكثر خبرة من ذي قبل، وان الفريق يدربه البرازيلي كارلوس البرتو باريرا الفائز مع البرازيل بكأس العالم. الأمير سلطان بن فهد نائب الرئيس العام لرعاية الشباب وهو من انصار الرأي الثاني يقول: "ما تحقق للمنتخب السعودي في مونديال 94 انما هو نتيجة طبيعية للتخطيط العلمي المدروس، ونحن نطمح الى تحقيق نتائج افضل في مونديال فرنسا المقبل لان المنتخب الحالي يعتمد على عناصر شابة ذات مهارات عالية وقدرات فنية مميزة، اضافة الى النجوم الذين شاركوا قبل اربع سنوات امثال محمد الدعيع، وسامي الجابر، وسعيد العويران، وفؤاد انور، ومحمد الخليوي، واحمد جميل، وخالد المسعد". وتطغى اخبار معسكر المنتخب على اهتمامات الصحف، وتتنافس شركات الدعاية للحصول على امتياز الاعلان لمنتجاتها مستغلة مكانة اللاعبين السعوديين لدى الجماهير. وشغل اختيار القائمة الرئيسية التي اعلنها باريرا حيزاً كبيراً من اهتمامات الجماهير، وازاء هذا الاهتمام الواضح من الجماهير بمتابعة المنتخب في النهائيات خيم شبح الاختبارات النهائية على الطلاب الذين يشكلون الغالبية الساحقة من المتابعين، وطالب عدد كبير من الصحافيين بتأجيل موعد الامتحانات او تقديمها كي يتفرغ الطلاب لمشاهدة المباريات، لكن مطالباتهم لم تلق آذاناً صاغية. صحيح ان المنتخب السعودي هو المفضل لدى الجماهير، لكن السعوديين سيتابعون بشغف منتخبات اخرى وفي مقدمها منتخب البرازيل الذي يحظى بشعبية كبيرة في اوساط الكرة السعودية، ثم منتخب ايطالياوفرنسا. والجدير بالذكر ان السعوديين لا يتعاطفون كثيراً مع منتخب المانيا. يقول احمد الجبر وهو واحد من بين آلاف المشجعين للمنتخب: "السعوديون بطبعهم يميلون الى الأداء البسيط الذي يعتمد على نقل الكرات بطريقة جميلة، وهذا ما توفره لنا منتخبات البرازيلوايطالياوفرنسا، اما المنتخب الالماني فيعتمد على القوة البحتة من دون الاهتمام بجماليات اللعب". عينتان من الاهتمام العربي ولا يقتصر الاهتمام العربي بالمونديال على الدول المشاركة بل يتعداها الى الدول العربية كافة وقد اخترنا منها عينتين هما لبنان ومصر. ففي لبنان يرمي اللبنانيون همومهم على اختلافها جانباً وينصرفون جرياً على عادتهم، الى تنفس كرة القدم وتحديداً مباريات كأس العالم. ويوجهون انظارهم الى فرنسا، التي ستصبح اكبر محطة في العالم لكل ما يخطر في البال، كيف لا وهي حاضنة المونديال. ويأتي المونديال هذه السنة، واللبنانيون في حمى انتخابات بلدية واختيارية للمرة الاولى منذ 35 عاماً، لكن اخبار المونديال واجواءه شاطرت الهم الانتخابي عند الكثيرين، وتقدمت عليه عند الآخرين، وجعلت الطلاب في دوامة القلق لأن عليهم التوفيق بين التحضير لامتحاناتهم، ومتابعة المجريات الفرنسية التي لا تفوّت… اللبنانيون عموماً، يعيشون المناسبات الدولية بكل تفاصيلها وكأنهم أم العروس، ويتذكرون جيداً كيف فرضت مباريات المونديال في اعوام سابقة هدنة على جبهات القتال الداخلية.. وكيف تحلقوا حول جهاز تلفاز صغير يُشغّل على بطارية السيارة ايام انقطاع الكهرباء. وكيف اتجهوا الى المناطق الريفية المجاورة لبيروت ليتمكنوا من التقاط محطات خارجية يوم لم يكن الصحن اللاقط والاقنية الفضائية الدولية في كل بيت على الموضة. حرب تلفزيونية وتجارة رابحة اللافت ان ما يعتبر "تقليعة" في دول اخرى من ناحية تنامي الشغف بمباريات المونديال وعيش طقوسه، تخطاه اللبنانيون منذ زمن وباتوا يبتكرون كل ما هو جديد، فثمة اعلام بحجم اليافطات والشراشف في الاحياء وعلى شرفات المباني، تحوّل المناطق السكنية الى غيتوات برازيلية والمانية بالدرجة الاولى، وايطالية وارجنتينية وانكليزية وهولندية وفرنسية بدرجة اقل، وزينة السيارات "صرعات" تلفت الانظار، فضلاً عن اعلام صغيرة وملصقات و"قمصان متحركة" تحمل اسماء وارقام النجوم المفضلين. لكن الحرب التلفزيونية بين المحطات المحلية تستقطب الاهتمام الابرز هذا الموسم ،فاللبناني بحسّه التجاري استغل ويستغل المناسبة دائماً ويسوق اكسسوارها لارضاء كل المشارب والاذواق، واعتاد ايضاً ان يحوّل المقاهي والمطاعم نوادي للمونديال. والاذاعات، خصوصاً التي تبث على موجة الپاف.ام.، استقطبت مطربين وفنانين يثيرون الحماسة في وقفات اعلانية. ومسابقات وجوائز، دخلت الصحف والمجلات وبعض السلع على خطها… الحرب التلفزيونية الابرز طرفاها "تلفزيون لبنان" و"المؤسسة اللبنانية للارسال انترناشيونال" فهما سيقومان بنقل مباشر للمباريات كلها، لكن البرامج المرافقة منوعة وكثيرة… والترويج لذلك بدأ منذ اشهر عبر "كليبات" مصورة اجنبية ومدبلجة ومحلية وأغان خاصة، واغنية ريكي مارتن الشهيرة التي اطلقت للمرة الاولى يوم سحب القرعة، باتت القاسم المشترك مع تنويعات واضافات ولمسات للتمييز.. حتى ان محطة اخرى "تلفزيون المر" دخلت على الخط وسجل فريق اعداد احد برامجها الفكاهية الانتقادية اغنية على الايقاع عينه. "تلفزيون لبنان" الاول في نقل المونديال منذ 1970 استنفر قطاعاته على الرغم من الصعوبات المالية التي يمر بها… وهو سيواكب الحدث ببرامج منوعات وألعاب ويستضيف وجوهاً اجتماعية وسياسية وسفراء الدول المشاركة في النهائيات وفنانين في لقاءات يومية تحت عنوان "مجانين الكرة".. واغنية "مونديال - تلفزيون لبنان الاول" لغسان الرحباني في وقفته امام الميكروفون على طريقة ريكي مارتن، اصبحت فاصلاً اعلانياً دائماً… وثمة حديث عن نقل من ملعب جونية لحشد يتابع المباريات مباشرة عبر شاشات عملاقة يتقدمه نجوم رياضيون وفنانون، وتتخلل الامسيات مسابقات وجوائز، الى جانب مسابقة كبرى قيمة جوائزها 100 الف دولار. ومن باب "التميز" تعاقد "التلفزيون الاول" مع مصريين متخصصين للتعليق على المباريات!! "المؤسسة اللبنانية للارسال" سيتألف فريقها العامل في فرنسا من 50 شخصاً بين معلق ومصور وتقني… "واستنفرت" نجوم كرة السلة لأنهم الاكثر شعبية حالياً بعد الانتصارين العربي والآسيوي للحكمة والرياضي للترويج واستقطاب المشجعين كل على طريقته وباتت صبغة الشعر بلون الفريق المفضل التي ادرجها نجم التضامن مارك قزح، مشجع هولندا، موضة رائجة. كما خصصت الپ"ال.بي.سي." جماهير الفرق الرئيسية "بكليبات" خاصة، وجيّشت ملكتي جمال لبنان السابقتين دينا عازار ونسرين نصر للادلاء بدلوهما… وعرّب لها هادي شرارة اغنية ريكي مارتن 1-2-3، وأدى علاء زلزلي أغنية خاصة "حمّس معنا هيّص معنا...". وحجزت إدارة المؤسسة ومن خلفها جهازها للتسويق والاعلان أحد مراكز المعارض ليكون صالات مفتوحة أمام الشاشات العملاقة ومسرح مسابقات وفرق موسيقية وكارتنغ واستضافة فنانين ومطاعم تقدم الخدمات وترفه عن الرابحين والخاسرين، فضلاً عن أكشاك للتسوق. مواكب تزريك والمراهنات التي يقوم عدد من اللبنانيين من خلال مكاتب اعتماد للمراكز الدولية، أصبحت أكثر شيوعاً بعد انزال "لوتو مونديال" إلى الأسواق وحملة الترويج التي صاحبت ذلك. ويقول أحد المراهنين إن قيمة المراهنات الأسبوعية المتعلقة بمباريات الدوري الأوروبي، خصوصاً الانكليزي، عبر وكيل لمكاتب "ليتل وودز" تبلغ عادة نحو 100 الف دولار، و"يمكنك مضاعفة ذلك عشر مرات على الأقل في موسم المونديال". في موسم مونديال 1998 اختلطت أعلام فرق النهائيات بصور ويافطات المرشحين للانتخابات البلدية، وبدأ التحضير لتمضية أمسيات صاخبة، تنتهي بمواكب التزريك السيارة. حول المناسبة يتذكر الصحافي المخضرم فريد خوري "حمى اسمها كأس العالم" وما أشبه اليوم بالأمس، ويورد في تعليق له: "اذكر اننا على أيام حرب الآخرين على أرضنا، استيقظ جارنا الكهل من نومه مذعوراً، وسأل بدهشة: ماذا، هل انتهت الحرب؟! وردوا عليه: لا، انتهت فرنسا! وفرك عينيه وسأل من جديد: كيف؟ وأجابوا: لقد انتصرت عليها المانيا بالفوتبول، فابتهج أنصارها هنا. فخرجوا بسياراتهم وطبولهم وزماميرهم ورصاصهم إلى الشارع للاعراب عن فرحتهم! ويبدو ان الجواب لم يقنع الجار الكهل، فسأل: شو خصنا بالمانياوفرنسا؟". ويضيف خوري: "صحيح شو خصنا بكل منتخبات المونديال ولماذا لا نتفرج عليها بعقولنا وليس بعواطفنا المجنونة؟". المونديال حمى تلهب بحرارتها المرتفعة ناس كرة القدم إلا أنهم لن يتعافوا منها إلا بعد نحو شهر على الأقل من المباراة النهائية. وحتى ذلك الوقت ستكون أنظمة المونديال هي السارية فقط كرمى لعيني تلك المستديرة الصغيرة التي تسحر الألباب، وتؤدي أحياناً إلى أزمات وخلافات عائلية بين الزوج وزوجته، بين الأشقاء والأقارب، بين الأصدقاء والزملاء. وعلى الجميع ان يتحمل الهتاف والصراخ في أعقاب كل لعبة وعلى مدى أيام المباريات. والحمد لله ان الحرب انتهت، وإلا كان الرصاص الخطاط اضاء السماء بدلاً من الأسهم النارية عند احتفالات المناصرين الليلية. المصريون متفرجون لا مشاركون أما في مصر، فإن المصريين لا يريدون حتى الآن أن يصدقوا أنهم لن يشاركوا في مونديال كأس العالم لكرة القدم التي ستنطلق في فرنسا خلال الفترة من 10 حزيران يونيو إلى 12 تموز يوليو المقبل. فالمصريون يرون أنهم أحق باللعب مع الكبار في فرنسا، خصوصاً بعدما ارتفع عدد مقاعد القارة الافريقية إلى خمسة بدلاً من ثلاثة. فمصر بوصفها أقدم دولة مارست الكرة في القارة، وصاحبة فكرة تنظيم أول بطولة للقارة عام 1957، بعدما أسست الاتحاد الافريقي لكرة القدم عام 1956، ترى أنها أحق بتمثيل القارة. لكن الرياح جرت بما لا تشتهي سفينة المصريين. وفشل المنتخب المصري للمرة الثانية على التوالي في بلوغ النهائيات منذ مشاركته في مونديال ايطاليا 1990. وتحول المصريون إلى "متفرجين" يجلسون أمام شاشات التلفاز يتابعون منافسات النخبة في كرة القدم على المستوى العالمي. غير أن مشاهدة المصريين للمونديال لن تكون سلبية أو من دون انتماء، إذ يقول المهندس سمير عدلي المدير الإداري للمنتخب المصري: "سيقف المصريون بقلوبهم مع المنتخبات العربية الثلاثة السعودية وتونس والمغرب، لأنهم سفراء الكرة العربية ووجودهم يعوض المصريين غياب فريقهم نسبياً". ورغم المرارة التي لا تزال عالقة في حلوق المصريين جراء فشلهم في التأهل للمونديال، فإن الفوز بكأس الأمم الافريقية الأخيرة خفض بعض الشيء من وقع الأسى وطعم المرارة. وكعادتهم سيشجعون منتخبهم المفضل - البرازيل ملوك السامبا - الذي يحتل المرتبة الأولى لديهم منذ عهد النجم العالمي بيليه ومروراً بعهد زيكو وسقراط وايدر وبعدهم روماريو ورونالدو وبيبيتو ودونغا. ويعشق المصريون المهارة الفنية العالية للاعبي البرازيل، وإن كان بعضهم يشجع المنتخب الألماني وبعض آخر يشجع الايطالي، لكن ترشيحاتهم تصب في مصلحة البرازيل عند الحديث عن البطل. وسيحظى لقاء المغرب والبرازيل في الدور الأول باهتمام بالغ من قبل المصريين، لكن تشجيعهم هذه المرة لن يكون للبرازيل، وإنما للمغرب، فهم يرون ان المغرب أحق بتشجيعهم باعتباره أحد سفراء الكرة العربية في مونديال فرنسا، وحسب تعبير هشام عبدالرسول نجم مصر والمانيا السابق "فوز المغرب على البرازيل انجاز سنحتفل به في حال تحقيقه وكأنه فوز مصري صميم". فالانتماء العربي لدى المصريين يأتي في الصدارة وبعده الاستمتاع والتشجيع لنجوم السامبا. وإلى جانب المنتخبات العربية ونجوم السامبا سيتابع المصريون الحكم الدولي المصري جمال الغندور الذي يرفع العلم المصري في المحفل الدولي، ويعود الحكم المصري إلى المونديال بعد غياب استمر 24 عاماً منذ آخر مرة شارك فيها الحكم الدولي المصري مصطفى كامل محمود في مونديال المانيا الغربية عام 1974. وبقي السؤال المطروح في مصر الآن: من سيفوز بكأس العالم؟ والسبب أنهم يمنون أنفسهم باللعب معه في بطولة القارات التي تأهل المنتخب المصري إليها بصفته بطلاً للقارة الافريقية ويعتبرون بطولة القارات خير تعويض عن كأس العالم.