كل شيء مهيئ في ايران لكي يدخل الجناحان الرئيسيان، اليمين واليسار الدينيان، معركة كسر عظم تأكل الأخضر واليابس، أو يتصافيا ويبدآا مرحلة جديدة يقبل فيها كل طرف الطرف الآخر على قاعدة الحوار والتعايش التي أرساها الإمام الخميني الراحل. وينظر أفراد من الجناحين وآخرون مستقلون بقلق الى تطور الأوضاع واتجاههها نحو نقطة اللاعودة إذا وقعت الواقعة وتمت محاكمة عمدة طهران غلام حسين كرباستشي بصورة علنية، كما وعد قاضي ايران الأول آية الله محمد يزدي، حول اتهامات بالفساد يقول بعض أقطاب اليمين ان الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني وأفراداً من عائلته متورطون فيها. وربما لن تحصل المحاكمة في ضوء معلومات عن تسوية سياسية يخرج في ضوئها كرباستشي من الحكومة ولا يجدد المرشد علي خامنئي ليزدي الذي يتردد أنه سيقال من منصب القضاء الأعلى بعدما تحولت المعركة بين الجناحين الى عنوان صراع بين السلطة القضائية وبلدية طهران وما يخفي هذا العنوان من مفردات. ولكن خطاب خامنئي في صلاة الجمعة الاستثنائية التي حضرها الولي الفقيه بعد يوم عاشوراء أعطى انطباعاً بأن "يد العدالة يجب ان تطاول الجميع" كما ورد في حديث خامنئي عن دروس عاشوراء وتحذيره القوي لئلا ينقلب الايرانيون على اعقابهم وتتكرر كربلاء. ما الذي سيحدث إذا حوكم كرباستشي؟ وهل سيصر اقطاب من اليمين الديني على زج الرئيس السابق، وهو رئيس مجلس مصلحة النظام، أكبر هاشمي رفسنجاني في النزال الذي سيكون بالتأكيد لمصلحة اليسار الديني وباقي أنصار نهج البناء إذا دخل رفسنجاني الخط ليقلب المعادلة وهو لا يزال يمسك العصا من وسطها والأقوى في إيران بعد الولي الفقيه؟ الأيام المقبلة حبلى بالأحداث، خصوصاً أن انتخابات مجلس الخبراء على الأبواب، وهي مهمة جداً في معادلة الأجنحة من واقع تأثيرها في كل ما يجري في البلاد، لأن مجلس الخبراء هو المعني أولاً وأخيراً بتعيين الولي الفقيه وبقائه في منصبه بالصلاحيات الكبيرة التي تمنحه حق اقالة الرئيس وحل البرلمان واعلان الحرب والسلم ورسم معالم السياسة الخارجية وقيادة القوات المسلحة الجيش والحرس والمتطوعين والأمن الداخلي وتعيين قادة الحرس والجيش وقوات الأمن الداخلي والاشراف المباشر على الاذاعة والتلفزيون والمؤسسات الصحافية الرسمية وعدد من كبريات المؤسسات المهمة مثل "بنياد مستضعفين" و"مؤسسة الشهيد" و"مؤسسة 15 خرداد" التي خصصت جائزة لقتل كاتب "آيات شيطانية" سلمان رشدي. وتشير التطورات الى ان حدة المنافسة على عضوية مجلس الخبراء ستكون معلماً بارزاً على ما ستشهده البلاد من منافسة حقيقية للسيطرة على مجلس الشورى في الانتخابات المقررة بعد نحو سنتين. ويتحدث القريبون من الجناحين الرئيسيين عن معركة كسر عظم، إلا أن المرشد خامنئي والرئيس خاتمي وكذلك الرئيس السابق رفسنجاني وبعض زعماء اليمين الديني كرئيس البرلمان ناطق نوري، هم مع التهدئة وحل الخلافات داخل الكواليس بعيداً عن النشر. وقبل أيام كانت تصريحات نسبت الى قائد الحرس الثوري اللواء رحيم صفوي أثارت غضب اليسار الديني وانصار نهج البناء واولئك الذين يترصدون الفرص للعودة مجدداً الى الواجهة بعد طردهم في السنوات التي رافقت الثورة وسنوات الحرب الأولى مع العراق. ولأن هذه التصريحات حُرِفَتْ في بعض مواردها خصوصاً ما نسب الى صفوي من انه قال: "لساننا هو السيف" ملوحاً بقطع رؤوس وألسن "مروجي الفتن"، فإن المواجهة ستأخذ طابعاً قانونياً يرتاح إليه الرئيس خاتمي الذي ركز في شعاراته على سيادة سلطة القانون مبشراً بمجتمع مدني قائم على التدين والالتزام الديني على عكس ما تفعله الصحف الحديثة الصدور التي تحاول مختبئة خلف عباءة الرئيس الترويج لنظرية مجتمع مدني يقوم على الأسس الغربية، وهذا ما يحذر منه المستقلون في اتحاد الجمعيات الاسلامية التابعة لاحدى الوزارات. وقال مسؤول في هذا الاتحاد ل "الوسط" ان الجناحين يتصارعان بينما تروج صحف غير دينية لمجتمع مدني منفلت عن الدين وعن قيم الثورة الاسلامية. قيم الثورة الاسلامية أصبحت موضوع سجال بين أنصار المتنافسين إثر دعوة صحيفة "جامعة" تعني المجتمع الى طي صفحة الثورة وشعاراتها ودخول فصل جديد من عهد الدولة بشعارات جديدة. لكن اللافت ان جناحاً ثالثاً بدأ يتكون وهو لا يمت بصلة الى شعارات الثورة والحكم الخاتمي على السواء، لذلك أيضاً يحذر المستقلون وأعضاء من الجناحين من اللاعودة، وهم يسترشدون بخطاب خامنئي بعد يوم عاشوراء حول العبر التي تمنع من الانقلاب على الاعقاب. ومهما يكن من أمر التصريحات المنسوبة لصفوي إلا أن ما شاع هو أن جنرال الحرس الثوري وجه انتقادات لرموز الحكم ولسياسة الرئيس خاتمي، خصوصاً ما يتعلق بالحوار بين الحضارات، والنأي بإيران عن مراكز التوتر والأزمات. وقد اتهم صفوي "خلال اجتماع ضم قيادات من الحرس الثوري عقد في مدينة قم" وزارة الداخلية التي يفترض ان تكون مسؤولة عن الأمن بالتنسيق مع مروجي الفتن في طهران أثناء حوادث الشغب في الجامعة، وفي مدينة نجف آباد في اصفهان وهي مسقط رأس خليفة الإمام الخميني المخلوع حسين علي منتظري. وتؤكد معلومات حصلت عليها "الوسط" ان معظم الذين اعتقلوا في نجف آباد من أنصار منتظري افرج عنهم بتدخل مباشر من الولي الفقيه خامنئي الذي أكد بتدخله في قضية اعتقال كرباستشي ان ايران ما زالت بحاجة الى نظام ولاية الفقيه كصمام أمان يمنع الصراع من التفاقم. حديث صفوي تم في اطار من السرية. وجاء في بيان صادر عن الحرس الثوري "ان ما نشرته بعض الصحف، واستخدمته بعض التيارات السياسية لتأجيج التوترات ليس سوى صيغة محرفة لما قيل عن مسائل أمنية خلال لقاءات سرية جمعت مسؤولين في الحرس الثوري". وأضاف البيان "ان الكلام الذي نشره باثو السموم في المجتمع حُرِفَ بشكل متعمد وعن سوء نية بعيداً عن أي رادع أخلاقي أو قانوني أو أمني". وأعرب قادة من الحرس الثوري في مدينة قم وجنوب شرقي ايران وبعض المناطق المهمة عن وقوفهم خلف صفوي بعدما أثار رجال من الجناح الآخر الشكوك حول ماضي قائد الحرس الثوري والاتهامات الصريحة التي أطلقها آية الله صادق خلخالي بأن صفوي ربما كان يهيئ لانقلاب عسكري. وذهبت صحيفة "كيهان" وهي من كبريات الصحف وتخضع لاشراف الولي الفقيه الى أبعد من التأييد مطالبة صفوي بالتقدم الى أمام. وتقول الأوساط التي بثت تصريحات صفوي ان قائد الحرس دعا الى قطع أعناق البعض وألسنة آخرين وفضح أشباه الرجال وهو ينتظر الاشارة من الولي الفقيه لكي يكشف "عن الاسماء التي تقف خلف الوقائع الأخيرة". ويشير انصار الرئيس خاتمي والذين يختبئون خلف عباءته الى أن تصريحات صفوي أسلوب جديد ينبغي تجنبه في الحرس الثوري "الذي صوت معظم أفراده لمصلحة خاتمي على رغم تشجيع قائد الحرس السابق اللواء محسن رضائي للادلاء بأصواتهم لمصلحة السيد ناطق نوري". وينظر هؤلاء الى أن استقالة رضائي جاءت رد فعل طبيعياً على نتيجة الانتخابات "وعلى قائد الحرس الثوري الحالي رحيم صفوي ملاحظتها والتزام وصية الإمام الخميني الراحل في عدم التدخل في الشؤون السياسية والتفرغ للدفاع عن سيادة البلاد وكامل أراضيها". وردت صحيفة "سلام" التي توصف بأنها قريبة من الرئيس خاتمي على المدافعين عن صفوي الذين تقول الصحيفة أنهم يستندون الى نظرية تحريف تلك التصريحات وقالت: "من المؤسف ان النص الكامل لخطاب اللواء صفوي غير المحرف لم ينشر حتى الآن لنرى أين وقع التحريف". وأضافت ان "تصريحات اللواء صفوي قائد الحرس الثوري باسداران وان كانت جوبهت بردود فعل مختلفة إلا أنها كشفت بشكل أكثر شفافية ووضوح عن نيات وأهداف ومواقف العديد من الأفراد والأجنحة ازاء وقائع البلاد. ويجب أن نعتبر تصريحات قائد الحرس ذات آثار ونتائج ايجابية". وسمح تفاقم الأزمة بين الجناحين وأنصارهما لحكومة الرئيس خاتمي بعرض حقائق الوقائع الايرانية على الأرض لوفود دول الاتحاد الأوروبي التي تقاطرت أخيراً على طهران كنتيجة عملية لسياسة خاتمي في التهدئة وابعاد ايران عن مراكز التوتر والأزمات. وليس خافياً على وفد وزارة الخارجية الألمانية الذي زار طهران لتقويم الأوضاع في محاولة لحل الخلافات بين المانياوايران ان الجدل حول السياسة الخارجية لخاتمي تركز أثناء محادثات الوفد مع المسؤولين الايرانيين على نقد واضح وصريح لسياسة حكومة خاتمي الخارجية وتحديداً تجاه العلاقات مع المانيا. واستثمرت أوساط المتشددين المستقلين وتمثلهم صحيفة "جمهوري اسلامي" القريبة من المرشد خامنئي، قضية تعرض مجلس عزاء ايراني اقيم لمناسبة عاشوراء في كولونيا في المانيا، لهجوم من قبل عناصر "مجاهدي خلق"، اضافة الى اعتداء مماثل على ندوة باسم "الدين والسياسة" عقدت في فيينا بحضور نائب وزير الخارجية غلام رضا خشرو والسفير الايراني "وانتهاك مدير مركز علوم الشرق في هامبورغ حرمة الجمهورية الاسلامية والقائد خلال محاضرته في الندوة"، لتشن حملة قاسية على السياسة الخارجية الايرانية التي وصفتها بأنها "انفعالية غير منسجمة مع شعارات العزة والحكمة والمصلحة" التي وضعها الولي الفقيه لعلاقات ايران الخارجية بعد اندلاع أزمة ميكونوس بين ايران والاتحاد الأوروبي، خصوصاً مع المانيا في نيسان ابريل من العام الماضي. وكان واضحاً ان استدعاء الخارجية الايرانية لسفيري المانيا والنمسا وابلاغهما احتجاجاً شديداً، جاء بعدما ارتفعت حدة تلك الانتقادات التي اعتبرتها صحيفة "ايران" الصادرة عن وكالة الأنباء الايرانية بمثابة وضع العصي في عجلة الحكومة ونجاحها في جذب العلاقات الايجابية المتطورة اقتصادياً وتجارياً مع دول الاتحاد الأوروبي. ولأن الرئيس خاتمي وعد بالتنمية السياسية كشرط لتحقيق التنمية الاقتصادية فإن المراقبين ينظرون الى زيارة وفد فرنسي كبير لطهران ضم ممثلين عن ثلاثين شركة، اضافة الى وفود اقتصادية أوروبية، على أنها علامة على نجاح سياسة خاتمي في الخارج فيما تواجه في الداخل صعوبات جدية بسبب حدة صراع الأجنحة. وفي هذا الواقع قالت أوساط قريبة من خاتمي ان الرئيس الايراني نصح أعضاء مكتب تعزيز الوحدة، وهو من اليسار الديني، بتجنب الخوض في مسائل خلافية والاهتمام بمصالح البلاد العامة. وكان مكتب تعزيز الوحدة الطلابي طرفاً مباشراً في المواجهات الحادة أخيراً في جامعة طهران وطالب مسؤولون مقربون من الرئيس خاتمي خلال اجتماع معه بالتخلي عن "ديبلوماسية الخفاء" التي قالوا انه يتبعها ودعوه الى عرض مشاكله وما يواجه من صعوبات على الرأي العام الايراني. وأكدت أوساط خاتمي ل "الوسط" ان الرئيس رد على مكتب تعزيز الوحدة بأن الشعب أساسي في اهتماماته "ويجب بعد مرحلة تعزيز الثورة التي انتهينا منها أن نعمل على وضع الحريات في اطار الدستور ونبتعد عن اثارة التوترات والمشاركة فيها". وقال خاتمي انه تسلم حكومة باقتصاد مريض "ويجب العمل من أجل حل المشاكل الاقتصادية وتحديد الأطر الواضحة للاقتصاد الذي نريد". ان كل الأنظار تتجه الى استحقاق انتخابات مجلس الخبراء، لمعرفة ما إذا كانت ستتم كما يريدها المرشد والرئيس في اجواء حرة بعيدة عن التوترات، أم انها ستكون الدافع نحو ازدياد حدة الصراع بين الجناحين وأنصارهما لمصلحة بروز جناح ثالث يركب الموجة تحت عناوين واسماء عدة؟ 0