اقتربت منطقة الخليج خطوة سريعة اخرى في اتجاه الضربة العسكرية التي بات في حكم الاكيد تقريباً ان توجهها الولاياتالمتحدة، بمشاركة بريطانيا، الى العراق، في الوقت الذي تزايدت فيه وتيرة النشاط الديبلوماسي لتفادي الخيار العسكري والتوصّل الى صيغة سياسية لتسوية الازمة الحالية مع بغداد في شأن اسلحة الدمار الشامل العراقية التي يفترض انها لا تزال موجودة وعمل مفتشي اللجنة الدولية المكلّفة بالبحث عن هذه الاسلحة وازالتها أونسكوم. وفيما اتخذت المساعي الديبلوماسية التي شهدتها الايام الاخيرة طابعاً محموماً اعاد الى الذاكرة جهود "اللحظة الاخيرة" التي بذلتها اطراف عربية ودولية مع الرئيس صدام حسين خلال الفترة التي سبقت حرب الخليج لإقناعه بالانسحاب من الكويت وتجنّب اندلاع الحرب، فان ترافق المساعي الحالية مع الاستعدادات العسكرية الاميركية والبريطانية في المنطقة أضفى عليها طابع "الفرصة الاخيرة" التي سيكون ممكناً من خلالها معالجة الازمة سياسياً قبل استخدام القوة. ولا تعلّق الاطراف المعنية بالأزمة آمالاً كبيرة على احتمالات تسويتها سلمياً. وفي الوقت نفسه لا تعرب عن اقتناعها بجدوى اللجوء الى القوة العسكرية. لكن الاتفاق يبدو شاملاً بين دول المنطقة والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، بما في ذلك الولاياتالمتحدةوبريطانيا، على ان السبيل الوحيد لتجنيب العراق ضربة عسكرية ينحصر في موافقة بغداد على تنفيذ قرارات مجلس الامن بكاملها، خصوصاً المتعلقة بإزالة اسلحة الدمار الشامل وذخائرها، ووقف البرامج الهادفة الى تطوير هذه الاسلحة وانتاجها، والتعهد بعدم إعاقة عمل فرق المفتشين الدوليين وتمكين افرادها من الكشف على المواقع والمنشآت التي يرغبون في زيارتها، بما في ذلك القصور الرئاسية ومقرّات القيادة وغيرها من الاماكن التي أصرّ الجانب العراقي حتى الآن على منع هذه الفرق من تفتيشها. وساطات... وساطات! وفي مقابل هذا الاتفاق السياسي الشامل تقريباً على الشروط المطلوبة للخروج من الازمة، يبرز التباين في وجهات النظر على وسائل تحقيق هذا الهدف. فالولاياتالمتحدة، ومعها بريطانيا، تعتبر ان المساعي السياسية لم تعد كافية وحدها لحمل القيادة العراقية على الاستجابة لهذه الشروط، وانه لا بد من اجبار بغداد على ذلك، حتى لو اقتضى الامر استخدام القوة. اما روسيا والصين فأعلنتا صراحة معارضتهما مبدأ اللجوء الى القوة، وضرورة متابعة الجهود الديبلوماسية حتى يتم التوصل الى حل سلمي للمشكلة . وبين هذين الموقفين، اتخذت فرنسا لنفسها موقعاً متمايزاً الى حدّ ما، تمثّل في التحفّظ بشدة عن اعتماد الخيار العسكري، والاستمرار في الوقت نفسه ببذل نشاط ديبلوماسي في محاولة للتوسط. وتندرج الى جانب هذا الموقف الفرنسي معظم المواقف العربية، بما في ذلك مواقف دول مجلس التعاون الخليجي ومصر، التي شددت على ضرورة تطبيق العراق للقرارات الدولية مع ابداء شكوك قوية في احتمال ان تؤدي الضربة العسكرية الى اي نتائج ايجابية، والاعراب عن الخشية من ان يكون لمثل هذه الضربة نتائج سلبية. وتدور المساعي الديبلوماسية حالياً على اكثر من محور من دون ان يظهر احتمال نجاحها في تحقيق غرضها. فالوساطة الروسية، التي بدا في وقت من الاوقات انها مرشحة لاحراز قدر من التقدم، اصطدمت بالنفي الذي صدر في بغداد للمعلومات التي تحدثت عنها موسكو وجاء فيها ان العراق وافق على السماح بتفتيش ثمانية قصور رئاسية وبعودة رئيس اللجنة الخاصة لنزع اسلحة الدمار الشامل ريتشارد بتلر الى بغداد للقيام بهذه المهمة. وعلى رغم هذه "الانتكاسة" اعلنت روسيا عن عزمها الاستمرار في هذه الوساطة انطلاقاً من اقتناعها بأن المجال لا يزال متاحاً لحل الازمة سلمياً. واعلنت القاهرة ايضاً ان الرئيس حسني مبارك اجرى اتصالات واسعة مع الملوك والرؤساء العرب وطلب من الامين العام لجامعة الدول العربية الدكتور عصمت عبدالمجيد التوجه الى بغداد في اطار تحرك يهدف الى ايجاد صيغة لموقف عربي موحد من الازمة. نقاط اولبرايت وقد يكون هناك امل ضئيل في ان يستجيب الرئيس العراقي لهذه المساعي والوساطات، فيتراجع في اللحظة الاخيرة. لكن المؤشرات لا تبدو مشجعة، وظهر الموقف الاميركي والبريطاني وكان الخيار العسكري بات هو السبيل الوحيد. وكان هذا الموقف بارزاً خلال جولة وزيرة الخارجية الاميركية مادلين اولبرايت على عدد من الدول الاوروبية وفي منطقة الخليج والشرق الاوسط حيث زارت كلاً من المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين ومصر واسرائيل والاراضي الفلسطينية. وكان الهدف الاول من محادثات اولبرايت مع قادة هذه الدول الحصول منهم على تأييد سياسي لموقف الولاياتالمتحدة، ومحاولة اقناعهم بعدم معارضة الخيار العسكري في حال الاضطرار الى اعتماده. ويستفاد من المعلومات التي توافرت عن المحادثات ان وزيرة الخارجية حددت السياسة الاميركية حيال الازمة بالنقاط الرئيسية الآتية: 1 - ان واشنطن لا تزال "تفضّل" تسوية المشكلة سياسياً، ولن تلجأ الى استخدام القوة الا اذا اصبح ذلك "الخيار الوحيد المتبقي". 2 - ان الادارة الاميركية لم تصل بعد الى مرحلة "فقدان الامل" من امكان نجاح المساعي الديبلوماسية وتعتبر ان المجال لا يزال متاحاً للحل السياسي. لكنها لن تكون على استعداد في المقابل "للانتظار الى ما لا نهاية" ولا بد بالتالي من "توافر الارادة والرغبة لدى المجتمع الدولي لوضع حدّ للتجاوزات العراقية بكل الوسائل المتاحة" متى فشلت الجهود الديبلوماسية. 3 - ان اي صيغة سياسية مطروحة "لن تلقى قبولاً من جانب الولاياتالمتحدة اذا ما طرحت كحل وسط"، بل ان هذه الصيغة يجب ان تنطلق من مبدأ "تراجع العراق وموافقته على كل المطالب والشروط الدولية". 4 - ان الحدّ الادنى المطلوب من بغداد القبول به هو "رفع كل المعوقات عن عمل اللجنة الدولية، والسماح لمفتشيها بالكشف عن جميع المواقع والمنشآت، وفتح جميع القصور والمقرات الرئاسية امامها، وصولاً الى ضمان التأكد من ازالة جميع اسلحة الدمار الشامل وايقاف العمل على البرامج الهادفة الى تطويرها وانتاجها وتخزينها". 5 - لا يمكن الربط بين تسهيل عمل اللجنة الدولية ورفع العقوبات المفروضة على العراق، "ولا بد قبل البحث في رفع هذه العقوبات انتظار التأكد من ازالة اسلحة الدمار الشامل وتطبيق العراق القرارات الدولية من دون استثناء". 6 - يمكن البحث في هذه المرحلة في توسيع إتفاق "النفط في مقابل الغذاء" واعتبار ذلك "بادرة حسن نيّة من جانب المجتمع الدولي لتشجيع بغداد على تنفيذ ما هو مطلوب منها. لكن اي تنفيذ لمثل هذه الخطوة لا يمكن ان يتمّ قبل تسوية الازمة الحالية". 7 - ان الخيار العسكري سيكون "الوسيلة الوحيدة والاخيرة ضد صدام" في حال فشل الجهود السياسية. 8 - ان الولاياتالمتحدة لا تنوي "التصرف منفردة"، بل انها مهتمة بالحصول على "اوسع دعم عربي واقليمي ودولي" لاي خطوة قد تقرر اتخاذها. كما انها مستعدة، "للعودة الى الاممالمتحدة ومجلس الامن" قبل اللجوء الى القوة. 9 - ان الولاياتالمتحدة "على ثقة" بأن الاطراف الاقليمية والدولية "ستتفهّم منطلقات الموقف الاميركي، وستؤيد الاجراءات التي سيتم اتخاذها". 10 - ان الولاياتالمتحدة "على ثقة" بأن مجلس الامن سيوافق على اصدار قرار "يتيح استخدام القوة عند الضرورة في حال عدم استجابة العراق"، اما في حال عدم صدور مثل هذا القرار، فان واشنطن تعتبر نفسها "لا تزال مفوّضة باستخدام القوة استناداً الى قرارات مجلس الامن السابقة الصادرة منذ العام 1991، والتي لم تنفّذها بغداد بعد". وهذا يعني "انتفاء الحاجة الى استصدار قرار جديد" من مجلس الأمن، ويجعل اي عملية تقرر الولاياتالمتحدةوبريطانيا شنّها ضد العراق "اجراء مشروعاً تحت مظلة الاممالمتحدة ومجلس الأمن". شكوك المعترضين وفي مواجهة هذا الطرح الاميركي الذي ابلغ الى الدول الاوروبية والعربية، المعارضة او المتحفظة، وجرى التشاور في شأنه بين الرئيسين بيل كلينتون وبوريس يلتسين برز موقف تشارك فيه حتى اوساط دفاعية وسياسية اميركية وبريطانية، وهو يشكك بقوة في جدوى اي عمل عسكري قد تقرر واشنطن ولندن تنفيذه ضد العراق. وينطلق هذا الموقف من مجموعة تساؤلات اساسية تشمل الجانبين السياسي والعسكري على حدّ سواء وأهمها: 1 - لا يوجد هناك اي ضمانة في ان تتمكن الوسائل العسكرية التي سيتم اعتمادها، والتي يبدو من شبه المؤكد انها ستقتصر على الهجمات الجوية والصاروخية، من تحقيق الاهداف المحددة للضربة، وهي أقلّه علناً تدمير اسلحة الدمار الشامل العراقية المخبّأة وعرقلة جهود بغداد في مجال تطوير وانتاج المزيد منها. 2 - وجود مخاطر جدية من ان تؤدي مهاجمة مخزونات الدخائر الكيماوية والبيولوجية التي تعتقد واشنطن ولندن انها لا تزال في حوزة العراقيين الى نشر هذه الذخائر في الاجواء على نطاق واسع، ما قد يؤدي الى "كارثة انسانية وبيئية على نطاق يتجاوز العراق ليشمل المنطقة بأسرها" حسب اعتقاد علماء وخبراء عرب واوروبيين واميركيين واسرائيليين. 3- ان اي عمليات عسكرية لا تؤدي الى اضعاف صدام ولا تستهدف اسقاط النظام ستكون "ذات نتائج عكسية على المستوى السياسي"، اذ انها ستكرر عملياً تجربة حرب الخليج التي اسفرت عن "هزيمة صدام عسكرياً من دون ان تؤثر في قدرته على البقاء والتمسك بالسلطة". وهذا يعني تمكين القيادة العراقية مرة اخرى من "التباهي اعلامياً بمواجهة الولاياتالمتحدة والعالم تمهيداً لاعادة الكرّة في غضون اسابيع او اشهر بشكل تستمر معه دوامة اللاستقرار والتأزيم الدوري في المنطقة". 4 - الخشية من ان تسفر اي اخطاء خلال تنفيذ العمليات الهجومية عن خسائر بشرية في صفوف المدنيين العراقيين الابرياء، ما سيدفع الرأي العام العربي والاسلامي الى "الالتفاف عاطفياً وانسانياً حول بغداد حتى لو كان ذلك متعارضاً مع قناعاتهم عن طبيعة النظام العراقي وممارساته وإيمانهم بضرورة رحيله". 5 - عدم امكان استبعاد "سيناريو الاحتمال الأسوأ"، الذي تخوف منه كل من الرئيس يلتسن، والرئيس مبارك، والملك حسين وقادة آخرون. وهذا "السيناريو" يتضمن احتمال "لجوء صدام الى مهاجمة اسرائيل او دول اخرى مجاورة بأسلحة دمار شامل، ما قد يدفع تل أبيب او واشنطن الى الرد بالمثل، فيتوسع اطار المواجهة لتصبح اقليمية شاملة" حسب المخاوف العربية، وحتى الى "حرب عالمية جديدة" على حد ما حذّر منه الرئيس الروسي. وتقر اوساط المسؤولين السياسيين والعسكريين الاميركيين والبريطانيين ضمناً بصحة هذه التحفظات والتساؤلات. لكن واشنطن ولندن تردّان عليها بالسؤال: "وماذا سيحدث لو تُرك المجال لصدام وتمكّن من الاحتفاظ بأسلحته التدميرية، ومتابعة برامج تطوير وإنتاج المزيد منها". كما تطرح العاصمتان سؤالا آخر يتعلق باستعداد اي من الاطراف الاقليمية والدولية للقبول بما تصفه واشنطن ولندن بپ"الامر الواقع" الذي يحاول صدام وضع المنطقة والعالم امامه، وهو تفريغ عمل لجنة ازالة الاسلحة من محتواه، وفكّ العزلة عن نظامه، ورفع العقوبات عن بغداد قبل ان تكون طبّقت قرارات مجلس الأمن. ويصل الموقف الاميركي - البريطاني الى التساؤل: "هل المطلوب ان نرضخ للمأزق الذي وضع صدام نفسه والمنطقة والعالم فيه، فنسمح له بالخروج منه بمظهر المنتصر، ولو دعائياً وإعلامياً فحسب؟ وهل تقوى المنطقة والمجموعة الدولية بأسرها على تحمل تبعات عودة وضع اقليمي تتمتع فيه بغداد من جديد بالقدرة على التحرك والمناورة وبسط النفوذ؟". وانطلاقا من اجابتها على هذه الاسئلة التي حملتها اولبرايت في جولتها، وطرحها ايضاً وزير الخارجية البريطاني روبين كوك اثناء زيارته لكل من المملكة العربية السعودية والكويت، فالواضح ان واشنطن ولندن لم تنتظرا اكتمال عناصر الصورة السياسية لاستكمال استعداداتهما وخططهما العسكرية، ذلك ان القوات الاميركية والبريطانية أتمّت خطوات الحشد والتجهيز والإعداد الممهدة لشن الضربة العسكرية حالما يصدر القرار السياسي. ومع تأكيد المصادر الاميركية والبريطانية المتكرر بأن "قرار الخيار العسكري لن يصدر قبل استنفاد جميع الوسائل الديبلوماسية"، فإن المعلومات التي توافرت شددت على ان "العمل على التخطيط للضربة العسكرية والاعداد لها قتالياً ولوجستياً واستطلاعياً بدأ منذ اندلاع ازمة المفتشين الدوليين الأولى مع بغداد في تشرين الثاني نوفمبر الماضي". الخطة والأهداف وكشفت هذه المعلومات جوانب مهمة من الخطط العسكرية لمهاجمة العراق، ابرزها: 1 - ان الهدف الاستراتيجي الأبعد مدى للعمل العسكري هو "تقويض دعائم النظام العراقي، وإضعاف قدرته على السيطرة والتمسك بالسلطة". لكن تحقيق هذا الغرض "لن يكون آنياً او مباشرا"، بل ستقتصر الأهداف العلنية المباشرة على "تدمير ما امكن من اسلحة الدمار الشامل العراقية وذخائرها، ووسائل تطويرها وانتاجها، وأماكن تخزينها، الى جانب اضعاف القدرات العسكرية العراقية عموماً، لا سيما تلك التي يعتمد النظام عليها في الدرجة الأولى مثل قوات الحرس الجمهوري ووحدات الأمن الخاص ومقرات القيادة والمخابرات". 2 - ستتخذ العمليات العسكرية شكل "حملة جوية وصاروخية هجومية شاملة ذات طابع استراتيجي"، وصفتها المصادر الدفاعية الغربية ب "أقل من حرب شاملة وأكثر من مجرد عملية او سلسلة من الهجمات المحدودة". وتقدّر هذه المعلومات ان يستغرق تنفيذ هذه الحملة، التي شبّهتها المصادر بالحملات الجوية التي نفذها الحلفاء ضد المانيا خلال الحرب العالمية الثانية، والولاياتالمتحدة ضد فيتنام في اواخر الستينات ومطلع السبعينات، وقوات التحالف الدولي ضد العراق نفسه خلال حرب الخليج العام 1991، بين "أيام عدة وأسابيع عدة". كما رجّحت تنفيذها "على مراحل انطلاقاً من استراتيجية تصعيدية متدرجّة، حيث تنفذ كل مرحلة ثم تعطى بغداد فرصة للقبول بما هو مطلوب منها. وفي حال بقاء الموقف العراقي على ما هو عليه، تُستأنف العمليات في اطار الانتقال الى المرحلة التالية الأكثر تصعيداً... وهكذا دواليك". 3 - اعدّت القيادات العسكرية الاميركية والبريطانية "قائمة تشتمل على حوالى 115 هدفاً عراقياً تم تصنيفها الى فئتين: الأولى رئيسية والاخرى ثانوية". وتضم قائمة الاهداف "الرئيسية" مواقع قوات الحرس الجمهوري ومراكز تجمعات عتاده وذخيرته، ومقرّات القيادة العسكرية والحزبية، ومقرّات اجهزة الأمن، وصولاً الى القصور والمواقع الرئاسية، والمنشآت والمصانع ذات الطابع الاستراتيجي، والمختبرات العلمية ذات العلاقة بالتطوير والانتاج الكيماوي والبيولوجي. اما المواقع والاهداف "الثانوية" فتضم القواعد الجوية، وبطاريات انظمة الدفاع الجوي وانظمة الرصد والانذار الرادارية الملحقة بها، ومحطات الاتصال، والمنشآت العسكرية التي لا تحمل قيمة استراتيجية عالية. واشارت المصادر في هذا المجال الى ان المخططين العسكريين الاميركيين والبريطانيين حرصوا على "تجنب وضع الاهداف التي يغلب عليها الطابع المدني، كالجسور ومحطات توليد الطاقة وتكرير المياه والمصانع ذات الاستخدام المدني الصرف، على قائمة الاهداف المنوي مهاجمتها، رغبة منهم في تلافي الاخطاء التي قد تسفر عنها خسائر مدنية كما حصل خلال عملية عاصفة الصحراء". 4- نجحت القيادتان العسكريتان الاميركية والبريطانية، في "تجميع كمّ من المعلومات والاحداثيات" عن الاهداف التي يتم التخطيط لمهاجمتها، بفضل "مجموعة من الوسائل والاساليب الاستطلاعية التي استخدمت على امتداد السنوات السبع الماضية"، وكان من بينها المعلومات التي تجمعت بفضل عمل فرق المفتشين الدوليين وجولاتهم الاستقصائية في مختلف انحاء العراق، ورحلات الاستطلاع التي تنفذها طائرات التجسس الاميركية من طراز "يو - 2" والاقمار الصناعية فوق الاراضي العراقية. وكشفت المصادر الدفاعية البريطانية في هذا السياق عن معلومات مفادها ان "مجموعات من قوات العمليات الخاصة البريطانية المعروفة باسم س.أ.س تعمل منذ اسابيع داخل الاراضي العراقية" في مهمات رصد ومراقبة وتحديد اهداف تمهيداً لاستخدامها عندما تبدأ العمليات العسكرية. 5- استكمال الاستعدادات العسكرية وعناصر الحشد الجوية والبحرية والبرية ويضم ما مجموعه 40 الف جندي وطيار وبحّار، و500 طائرة من بينها اكثر من 350 طائرة قتالية، و5 حاملات طائرات، و15 سفينة قتالية رئيسية، و5 غواصات هجومية، وحوالي 350 صاروخاً جوالاً كروز بعيد المدى. وتتألف العناصر الاميركية في هذا الحشد، الذي يعتبر الاضخم من نوعه في المنطقة منذ انتهاء حرب الخليج العام 1991، من الحاملات "جورج واشنطن" و"إندبندنس" و"نيميتز" ومجموعات العمليات الهجومية الملحقة بها. ويوجد على متن هذه الحاملات 3 اجنحة جوية يتألف كل منها من نحو 90 طائرة من بينها نحو 60 طائرة قتالية من طرازي "ف - 14 تومكات" و"ف - 18 هورنت"، اي ما مجموعه 270 طائرة تضم 180 طائرة مقاتلة وقاذفة، الى جانب 350 صاروخ جوّالاً كروز بعيد المدى من طراز "توماهوك" تنطلق من السفن والغواصات. اما الطائرات المرابطة في قواعد برية فتشتمل على حوالي 200 طائرة من بينها نحو 150 طائرة قتالية من طراز "ف - 15 ايغل" و"ف - 16 فالكون" و"أ - 10 ثندربولت". كما تشتمل على قاذفات لا يكتشفها الرادار من طراز "ف - 117 نايت هوك" ستلث، وقاذفات استراتيجية من طراز "ب - 1"، وقاذفات استراتيجية ثقيلة بعيدة المدى من طراز "ب - 52" انطلاقاً من قاعدة "دييغو غارسيا" في المحيط الهندي ومن قواعدها في الولاياتالمتحدة. والى جانب هذه الوحدات الجوية والبحرية، تحتفظ واشنطن في المنطقة بوحدات برية من الجيش ومشاة البحرية المارينز سيرتفع عددها الى حوالي 10 آلاف عنصر عند وصول التعزيزات التي تقرر ارسالها اخيراً. ولدى الاميركيين ايضاً منشآت تخزين امامي مسبق تكفي لتجهيز مجموعة عمليات هجومية مدرعة بحجم 24 الف جندي و360 دبابة و500 عربة مدرعة و180 قطعة مدفعية ميدانية وانظمة دفاع جوي واسلحة مساندة وذخائر ومواد تموين كاملة في غضون 72 ساعة من وصول عناصرها الى المنطقة. ومن ناحيتها، تشتمل العناصر البريطانية في هذا الحشد على الحاملة "إنفينسيبل" وعلى متنها 20 مقاتلة ومعها الحاملة "إيلاستريوس" في المتوسط وعلى متنها عدد مماثل من هذه المقاتلات. كما يحتفظ سلاح الجو الملكي البريطاني في المنطقة وجوارها بحوالي 15 مقاتلة هجومية من طرازي "تورنادو" و"جاغوار". تساؤلات مزمنة وعلى اي حال، فان هذا الحشد، وطبيعة العناصر التي يتكون منها، قد يكون كافياً لتنفيذ اغراض الحملة الجوية والصاروخية الهجومية، لكن هذه الاغراض لن تتجاوز، حسب اهداف الذين خططوا لها، الوضع العراقي الآني. أما بالنسبة الى معضلة التعامل مع النظام في بغداد، على الامدين المتوسط والبعيد، فإن الشكوك في شأن نجاح مثل هذه العمليات العسكرية بايجاد حلول ناجعة لها تبقى قوية جداً. فالمأزق الحالي يظل، اولاً واخيراً، نابعاً من خطأ استراتيجي بات هناك شبه اجماع عربي ودولي على انه ارتكب عندما توقفت حرب الخليج العام 1991 من دون التأكد من توصلها الى نتيجة تضمن تحويل الهزيمة العسكرية التي منيت بها بغداد آنذاك الى هزيمة سياسية تكفل اضعاف النظام او حتى اسقاطه. وفي المقابل، استطاع الرئيس العراقي البقاء، ولم تفلح العقوبات التي فرضت عليه في التخفيف من قبضته المحكمة على السلطة، بينما لم تتمكن فرق التفتيش الدولية من التحقق فعلاً من ازالة ما يملكه من اسلحة دمار شامل، او ما اذا كان لا يزال في حوزته ايّ من هذه الاسلحة، وما هو التهديد الحقيقي الذي تشكله على جوار العراق ومحيطه. وليس واضح بعد ما اذا كانت اي عمليات عسكرية ستكون مؤهلة للاستفادة من دروس الماضي وتجاربه، ام انها لن تؤدي الى تكرار هذاالماضي واخطائه، وبالتالي الى تكريس المأزق الناجم عنه والمتمثل ببقاء الوضع في بغداد على حاله من دون ظهور ما يؤشر على قرب تبدله او تحوّله نحو اي بديل افضل. وربما اصبحت الاجابة على كل هذه التساؤلات اقل صعوبة وغموضاً في غضون الاسبوعين المقبلين، وهو الموعد الذي حددته اوساط عربية واقليمية ودولية لبدء العمليات العسكرية، هذا اذا ما قدّر لها ان تبدأ فعلاً