تصاعدت احتمالات تعرض العراق لهجوم عسكري من جانب الولاياتالمتحدة وحلفائها بعد فترة بدا فيها ان الوضع يتجه نحو الانفراج. وجاء تجدد التأزم في أعقاب فشل المحادثات التي أجراها مع القيادة العراقية في بغداد رئيس اللجنة الخاصة التابعة للأمم المتحدة المكلفة نزع أسلحة الدمار الشامل أونسكوم ريتشارد بتلر، والتي صرح على أثرها أن التعاون الذي أبداه الجانب العراقي حيال عمل مفتشي الأسلحة الدوليين "لم يكن كافياً". واعتبر بتلر ان بغداد "لا تزال ترفض السماح لمفتشي اللجنة بمواصلة عملهم بحرية"، واصفاً الموقف العراقي بأنه يشكل "تحدياً لقرارات مجلس الأمن". وفسر مراقبون تصريحات بتلر بأنها تعبر عن "نفاد صبر" اللجنة الدولية مع بغداد، معتبرين انها تشكل "تمهيداً ملائماً" للولايات المتحدة لعرض المسألة من جديد على مجلس الأمن بغية الحصول على "تفويض" يتيح لها تنفيذ ضربة عسكرية تخطط واشنطن منذ فترة طويلة لشنها على مجموعة من الأهداف العراقية المختارة. وكانت الأزمة الأخيرة نشأت بعد اعتراض بغداد على فريق المفتشين الأخير الذي وصل اليها مطلع هذا الشهر بحجة ان معظم اعضائه أميركيون وبريطانيون، خصوصاً رئيسه الضابط السابق في سلاح مشاة البحرية الأميركي المارينز الذي اعتبره العراقيون "جاسوساً يعمل لحساب وكالة الاستخبارات المركزية" سي. آي. ايه. وعلى رغم نفي كل من الأممالمتحدةوواشنطن بشدة الاتهامات العراقية، وافقت اللجنة على سحب ذلك الفريق بعدما رفض الجانب العراقي التعاون معه. كما أعربت عن استعدادها للنظر بجدية في العرض الذي قدمته روسيا لاستخدام طائرات استطلاع روسية عوضاً عن طائرات "يو - 2" الأميركية التي تنفذ حالياً مهمات لحساب اللجنة فوق الأراضي العراقية. ولا تزال نقاط الخلاف بين اللجنة وبغداد تتركز على المسائل نفسها التي دار عليها هذا الخلاف عند اندلاع الأزمة بين الجانبين في شهر تشرين الثاني نوفمبر الماضي، وتتعلق بالسماح لفرق المفتشين بالدخول الى مواقع معينة داخل العراق تعتبرها بغداد "حساسة وتمس السيادة الوطنية"، بما في ذلك القصور الرئاسية ومنشآت أخرى ملحقة بها. ويندرج في هذا الاطار أيضاً اعتراض الجانب العراقي على طبيعة تكوين فرق التفتيش وجنسيات المراقبين الذين تتألف غالبيتهم عادة من الأميركيين والبريطانيين، فيما يطالب العراقيون بأن يتوزع هؤلاء مناصفة على جنسيات الدول الأخرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن مثل روسيا والصين وفرنسا التي اتخذت حكوماتها حتى الآن مواقف أكثر تفهماً لوجهة النظر العراقية. لكن جوهر الأزمة يظل طبعاً الاعتقاد السائد في الولاياتالمتحدة، ومعها بريطانيا، بأن العراق لا يزال منهمكاً في تنفيذ برامج تطوير قدراته في مجال أسلحة الدمار الشامل وذخائرها. وتشدد واشنطن ولندن خصوصاً في هذا الشأن على ما تصفه أوساطهما الحكومية والبحثية ب "نجاح بغداد حتى الآن في إخفاء كميات من ذخائر الدمار الشامل والصواريخ المعدة لحملها"، لا سيما الذخائر الكيماوية والبيولوجية. وانضم وزير الخارجية البريطاني روبن كوك أخيراً الى وزير الدفاع الأميركي ويليام كوهين في إبراز "خطر الجهود العراقية" في مجال تطوير الذخائر البيولوجية وانتاجها، حيث أعلن أن بغداد لا تزال تنتج ما يكفي من مادة "الانثراكس" الجرثومية ل "شحن قذيفتين صاروخيتين أسبوعياً". وبينما تؤكد المصادر الرسمية الأميركية والبريطانية على "الرغبة في حل الأزمة بالوسائل الديبلوماسية"، فإن المصادر الدفاعية والديبلوماسية في كل من واشنطن ولندن تشير في المقابل الى ان "الاستعدادات العسكرية لشن هجوم على العراق أصبحت مكتملة". ويتفق مراقبون في الأممالمتحدة مع هذا الرأي ويعتبرون ان "الأميركيين والبريطانيين كانوا يفضلون منذ اندلاع الأزمة أواخر العام الماضي اللجوء الى القوة العسكرية، لكن ما حال دون ذلك افتقار مثل هذا العمل العسكري الى غطاء سياسي عربي ودولي". ولا تزال المواقف السياسية حيال الأزمة وسبل تسويتها على حالها منذ ذلك الحين. فالدول العربية تعارض بشدة شن هجمات على العراق في الوقت الحاضر لاعتبارات عدة، وتؤيدها في ذلك بدرجات مختلفة كل من فرنساوروسيا والصين. وفي المقابل، تقف الولاياتالمتحدةوبريطانيا اللتان حشدتا قوات جوية وبحرية في الخليج تكفي لتنفيذ عمليات هجومية رئيسية ضد الأهداف العراقية في حال اتخاذ القرار السياسي بذلك، من دون الحاجة الى استخدام وحداتهما العسكرية المنتشرة على أراضي الدول المجاورة للعراق. وتستبعد مصادر عربية وغربية ان تكون المعلومات التي تحدثت خلال الأيام الماضية عن احتمال مشاركة اسرائيل أو تركيا في أي عمل عسكري ضد بغداد صحيحة. وأشارت الى ان الولاياتالمتحدةوبريطانيا "لا تجدان أي مصلحة سياسية أو عسكرية حالياً في اعطاء النزاع مع بغداد طابعاً اقليمياً غير مرغوب فيه". وأضافت ان الاحتمال الوحيد الذي قد يدفع أياً من الدول المجاورة الى المشاركة في هجوم على العراق هو في حال تعرّض اراضيها لهجمات من جانب بغداد كما حدث خلال حرب الخليج عام 1991. وتؤكد المصادر ان واشنطن ولندن لا تزالان تأملان في "الحصول عاجلاً أم آجلاً على غطاء دولي يتيح لهما تنفيذ خططهما العسكرية بموافقة مجلس الأمن وتحت لوائه". لكنها تركز في الوقت نفسه على أن "من شأن استمرار الأزمة، وقيام بغداد في وقت من الأوقات بتوفير الذرائع السياسية أو العسكرية المطلوبة، أن يدفع الولاياتالمتحدةوبريطانيا الى شن الضربة المتوقعة من دون انتظار الموافقة الدولية عليها". وتضيف المصادر ان "سير الأزمة حالياً يشير الى أن الأمور تسير في هذا الاتجاه بالذات".