في دراسة ميدانية هي الأولى من نوعها في المملكة العربية السعودية شملت آراء 3000 مواطن وألف مؤسسة خاصة عن السعودة أجرتها دار الدراسات الاقتصادية، أكدت الدراسة أن هناك خللاً في سوق العمل السعودي سببه ان الطلب على العمالة محلي، بينما العرض عالمي من أكثر من مئة دولة تصدر العمالة للمملكة، ما أدى إلى وجود عمالة أجنبية في السعودية تصل إلى 7،4 مليون عامل بأجور لا تعكس مستوى المعيشة أو الأسعار في البلاد. وتؤكد الدراسة ان السعودة مسألة وطنية ملحة تتطلب تصدياً علمياً موضوعياً يتمكن في نهاية الأمر من معالجتها وفق حلول علمية تستوعب الزخم الوطني وتتعامل معه برؤية واقعية ترتكز إلى معايير اقتصادية حتى يكون العلاج ناجعاً، ويتمكن من الصمود. وأوضحت الدراسة ان القطاع الخاص السعودي يلعب دوراً مهماً جداً في الاقتصاد الوطني، لأنه يساهم بنسبة 46 في المئة من اجمالي الناتج المحلي، و73 في المئة من اجمالي الناتج غير البترولي، ولأنه من المتوقع ان يستوعب 88 في المئة من اجمالي العمالة في الاقتصاد السعودي بنهاية العام 2000. وأكدت ضرورة أن تكون الحلول التي يطرحها المشروع الوطني للتوظيف في القطاع الخاص قادرة على التوفيق بين مرئيات القطاع الخاص في مسألة التوظيف وما يثار عن نقص مهارات المواطنين الباحثين عن العمل وارتفاع مستوى تطلعاتهم المالية والوظيفية مقارنة بالعمالة الأجنبية وبين تزايد المطالبة الحكومية والضغوط الاجتماعية والاعلامية التي تطالب القطاع الخاص بالقيام بدور أكثر فاعلية وتطبيق منهج السعودة، خصوصاً أن أعداد السعوديين الباحثين عن عمل تتزايد بشكل ملحوظ وتمثل ضغطاً اجتماعياً قد يضع الدور الاجتماعي للقطاع الخاص في محل التساؤل. وتبعاً للدراسة، فإن أهم الآثار الايجابية للسعودة تتمثل في الآتي: أولاً: توفير فرص وظيفية للسعوديين حيث أثبتت الاحصاءات ان العمالة الأجنبية في السعودية بلغت 7،4 مليون عامل من أكثر من مئة دولة، في حين بلغت العمالة السعودية حوالى 5،2 مليون عامل يمثلون حوالى 35 في المئة فقط من اجمالي القوى العاملة في المملكة، وإذا اخذت في الاعتبار أعداد الخريجين السعوديين ومعدل نمو السكان وأيضاً عدد الداخلين إلى سوق العمل خلال خطة التنمية السادسة والذين يقدرون بحوالى 511 ألف عامل، يتبين ان هؤلاء الخريجين يواجهون منافسة شديدة من العمالة الوافدة، لذلك فإن عملية السعودة ستساعد هؤلاء الخريجين على الحصول على وظائف في بلادهم تتناسب مع تخصصاتهم العلمية. ثانياً: زيادة حجم الاستهلاك المحلي، إذ من المؤكد ان أهم أهداف ودوافع العمالة الوافدة هو الحصول على مدخرات تستطيع تحويلها إلى بلادها ما يؤدي إلى الميل للحد من الاستهلاك مقارنة بالعمالة السعودية، وبالتالي فإن السعودة ستؤدي إلى زيادة الاستهلاك المحلي وزيادة الناتج المحلي الاجمالي عن طريق مضاعفة الاستهلاك وزيادة الطلب على السلع والعقارات، إضافة إلى آثار السعودة في زيادة معدلات الزواج وتقليل نسبة الجرائم التي تعتبر البطالة التربة الخصبة لها. استثمار الأموال في الداخل ثالثاً: تحسين ميزان المدفوعات، لأن إحلال العمالة السعودية محل العمالة الوافدة سيؤدي إلى خفض حجم الأموال المحولة إلى الخارج والتي بلغت 2،62 مليار ريال 59،16 مليار دولار العام 1995، وعليه فالسعودة ستؤدي إلى توظيف هذه المبالغ داخل المملكة وتحويلها إلى استثمارات في المجالات المختلفة ما يؤدي إلى زيادة الدخل القومي عن طريق مضاعفة الاستثمار. رابعاً: تخفيف الضغط على المرافق العامة، كالكهرباء والمياه والهاتف. وبما ان هذه الخدمات مدعومة، فالسعودة ستؤدي إلى توفير أموال طائلة تستخدم لتغطية الطلب المتزايد على هذه الخدمات. خامساً: خفض حجم الواردات وما ينتج عنه من تحسين ميزان المدفوعات. سادساً: اعتماد تقنية تكثيف رأس المال، لأن السعودة تؤدي إلى زيادة الأجور ما يسهم في تحسين تقنية الانتاج واعتماد اسلوب تكثيف رأس المال في الانتاج واستخدام التقنيات الحديثة بدلاً من استخدام التقنيات القديمة التي تعتمد مبدأ تكثيف العمل. غير أن السعودة ليست كلها وردية، ولكن لها تكاليفها وآثارها غير الايجابية أيضاً وهي الآتية: 1- ارتفاع متوسط الأجور في القطاع الأهلي، وكلما كانت نسبة السعودة كبيرة كان معدل ارتفاع الأجور كبيراً، وكلما كانت فترة السعودة قصيرة ارتفع متوسط الأجور للسلع المصنعة والمنتجة محلياً ما قد يؤثر على معدل التضخم الذي تسعى المملكة دائماً إلى خفضه قدر الامكان ونجحت فعلاً في كبحه خلال السنوات الماضية. 2- نتيجة للارتفاع المتوقع في الأجور وما يترتب عليه من ارتفاع كلفة الانتاج، يفقد المنتج السعودي قدرته التنافسية مع السلع المستوردة من الخارج، وأيضاً تفقد الصادرات السعودية غير البترولية بعض أسواقها الخارجية التي لن تستطيع المنافسة فيها نتيجة ارتفاع أسعارها مقارنة بأسعار صادرات الدول الأخرى ما ينعكس سلباً على الميزان التجاري السعودي وتقلص فائض هذا الميزان مستقبلاً. 3- قد تؤدي السعودة إلى الحد من سياسة تنويع مصادر الدخل للاقتصاد الوطني والاستثمار لأن ارتفاع الأجور يؤدي إلى انخفاض هامش الربح في كثير من القطاعات الصناعية والزراعية والبناء وانعكاسه سلباً على حجم الاستثمارات المستقبلية في هذه القطاعات وبالتالي الحد من نمو القطاعات غير البترولية، ما قد ينعكس سلباً على سياسة المملكة في تنويع مصادر الدخل التي تهدف إلى عدم الاعتماد على القطاع البترولي كمصدر وحيد للدخل. 4- ربما تؤثر السعودة على الحد من التوسع في سياسة التخصيص لأن ارتفاع الأجور ومؤثراته السلبية على معدل الربحية لبعض المشاريع التي يراد تخصيصها قد يصرف القطاع الخاص عن شراء أو إدارة هذه المشاريع. وطبقاً لنتائج الدراسة الميدانية، فإن 1،25 في المئة من الموظفين السعوديين يحملون شهادة جامعية، و3،23 في المئة يحملون الثانوية العامة، و5،17 في المئة الشهادات المتوسطة، و8،3 في المئة الشهادة الابتدائية. ويتخصص 3،39 في المئة من الموظفين السعوديين في علوم الاقتصاد والمحاسبة وإدارة الأعمال، و5،13 في المئة في العلوم الهندسية، و4،9 في المئة في علوم الحاسب الآلي، و7،5 في المئة في السياسة والإدارة العامة، و7،5 في المئة في العلوم والتقنية. وكشفت الدراسة أن أهم العوامل المؤدية لترك الموظف السعودي لعمله تتمثل في محدودية فرص الترقية وتدني الراتب والبدلات والحوافز وفرص الابتعاث والدوام على فترتين وكثرة أيام العمل الأسبوعية وكثرة ساعات العمل اليومية وضغوط العمل. كما بينت الدراسة أن أهم أسباب الاستغناء عن العمالة السعودية من وجهة نظر ارباب العمل هي عدم الانضباط في الحضور والانصراف وعدم شعور بعضهم بالمسؤولية وعدم طاعة الرؤساء وعدم الإلمام كفاية باللغة الانكليزية وعدم التعاون مع الزملاء وسوء التعامل واختلاف وجهات النظر مع الإدارة وتقليص النفقات. وقدرت نسبة الموظفين غير المستقرين بأعمالهم بحوالى 2،53 في المئة بسبب منافسة العمالة غير السعودية وعدم رغبة المنشأة في وجود العامل. وأوضحت الدراسة ان 3،69 في المئة من موظفي القطاع الأهلي لم يحصلوا على أي تدريب قبل التحاقهم بعملهم الحالي. ويفضل الباحثون عن عمل الوظائف الإدارية تليها الأعمال المكتبية والسكرتارية ثم الأمن والتعقيب، وأقل الوظائف تفضيلاً الوظائف الصحية، ثم الوظائف الهندسية، وأخيراً الوظائف المالية والمحاسبية. صعوبات أمام المرأة وبالنسبة إلى الصعوبات التي تواجه عمل المرأة السعودية فهي عدم توافر وسيلة مواصلات من قبل جهة العمل، وزيادة أعباء المواصلات التي يتحملها قريب الموظفة، وبُعد المسافة بين المنزل ومقر العمل، وارتفاع تكلفة وسيلة المواصلات. كما يسهم الدوام على فترتين وعدم ملاءمة الدوام لظروف المرأة والتعامل المباشر مع الرجال في قرار الباحثات رفض فرص العمل المعروض عليهن. وتركزت تفضيلات الباحثات عن عمل في الوظائف التعليمية ثم الإدارية تليها المكتبية والسكرتارية، بينما تعد الوظائف المالية والمحاسبية والصحية والحاسب الآلي أقل رغبة عند الباحثات عن عمل. وبمقارنة كلفة العمالة السعودية بنظيرتها الوافدة اتضح ان ارتفاع كلفة العامل السعودي في مقابل اجمالي تكلفة العامل الأجنبي وعدم توافر الخبرة لدى العمالة السعودية تشكل أسباباً مؤثرة بدرجة كبيرة على تفضيل العمالة الأجنبية، إذ أشار 8،94 في المئة من مسؤولي المؤسسات والشركات الخاصة انهم يفضلون العمالة الوافدة على العمالة السعودية نتيجة لفارق الكلفة بين الفئتين. وأكدت الدراسة ان القطاع الأهلي لن يتمكن من استيعاب كل العمالة السعودية الباحثة عن عمل ما لم تكن هناك سياسات حكومية واضحة تعالج المشكلات التي يواجهها القطاع الأهلي في مسألة السعودة، خصوصاً ما يتعلق بقضايا الكلفة والتدريب والتأهيل والتسرب بشكل أساسي وعلى رغم ذلك، فإن على القطاع الأهلي ان يتحمل بعض التكاليف والتنازل عن بعض المتطلبات لمصلحة العمالة السعودية. وفي مجال قدرة القطاع الأهلي على استيعاب العمالة السعودية، أوضحت الدراسة أن العمالة السعودية تتمتع بالأمانة وطاعة الرؤساء والاعتماد عليها وهو ما يتنافى مع مبررات أصحاب العمل السابقة، في حين تفتقر إلى مهارات التعامل مع الحاسب الآلي واستخدام اللغة الانكليزية والقبول بالتنقل حسب متطلبات العمل. وكشفت الدراسة ان 6،15 في المئة من الباحثين عن عمل، و3،28 في المئة من الباحثات عن عمل رفضوا فرص العمل التي عرضت عليهم، وان 20 في المئة من الموظفين العاملين في القطاع الأهلي تركوا العمل برغبتهم. وأوضحت ان أكثر من نصف الموظفين يحصلون على أجر شهري يقل عن أربعة آلاف ريال، بينما يتقاضى حوالى ثلث الموظفين أجراً شهرياً يتراوح بين أربعة وثمانية آلاف ريال. وأشارت الدراسة إلى تسرب 5،28 في المئة من العمالة السعودية التي تحمل القطاع الخاص تدريبها، كما تتلقى نسبة كبيرة من العمالة الوافدة تدريبها في المملكة مما يحمل منشأة القطاع الخاص تكاليف اضافية تنعكس على مستويات الربحية. وقد دلت التركيبة التعليمية للباحثين عن عمل على عدم توافق مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل، ولوحظ أن ربع الباحثين عن عمل يحمل الشهادة الابتدائية وربعهم الآخر يحمل الشهادة الثانوية، مما يعني ان التسرب من مراحل التعليم المختلفة قد يؤدي إلى ارتفاع عدد العاطلين عن العمل. ولاحظت الدراسة ان 5،69 في المئة من الموظفين السعوديين في وظائف إدارية، 9،7 في المئة في وظائف فنية، و2،11 في المئة في وظائف مهنية. وتبين الدراسة ان 96 في المئة من المؤسسات التعليمية تضع مناهجها الدراسية على أسس ومعايير اكاديمية بحتة من دون النظر إلى احتياجات سوق العمل في الوقت الذي ترى المؤسسات التعليمية ان استراتيجية التعليم فيها تفي باحتياجات السوق بدرجة كبيرة، وأنها تتجاوب بشكل كبير مع تزايد خريجي التعليم العام. وأوصت الدراسة بالسماح للعمالة الأجنبية بالاستثمار في المملكة، والحد من التوسع في الاستقدام، وعدم السماح لأي منشأة بالحصول على عقود أو قروض ما لم توظف نسبة معينة من العمالة السعودية. كما أوصت الدراسة بإلزام الموظف الذي تلقى تدريباً بالمنشأة العمل فيها لمدة محددة، والعمل على التقريب بين نظام العمل والعمال ونظام الخدمة المدنية، وإشراك الجامعات والنظام الأهلي في تخطيط القوى العاملة في المملكة، ودعوة القطاع الأهلي للمشاركة في رسم السياسات التعليمية في المملكة، وانشاء صندوق لتمويل أنشطة التدريب في القطاع الأهلي بمشاركة القطاعين الأهلي والحكومي، فتح مجالات أكثر لعمل المرأة بما يتفق مع الشريعة الإسلامية والعادات والتقاليد، وإنشاء معاهد تدريبية لتدريب النساء حتى تستطيع أن تحل محل 385 ألف امرأة أجنبية تعمل في المملكة. وأخيراً، تقترح الدراسة أن تتم السعودة بنسبة لا تزيد عن 2،9 في المئة خلال السنوات الثلاث المتبقية من فترة خطة التنمية السادسة، وأن يكون 5 في المئة في السنة الأولى، و7،2 في المئة في السنة الثانية، و5،1 في المئة في السنة الثالثة، ما يضمن عدم وجود فجوة في سوق العمل وبالتالي عدم ارتفاع مستويات الأجور بشكل كبير ما يؤثر على انتاجية القطاعات المختلفة