يصف السعوديون العمل الذي يصدر عن شخص قصير النفس بأنه "فورة بيبسي". هذا الوصف يكاد ينطبق على المسلسل السعودي "طاش ما طاش" الذي تواجه أسرته هذه الأيام، أزمة ربما أدت الى تشتتها وفشلها، في الوقت الذي لا تزال الجرأة النقدية لحلقات جزئه الخامس التي عرضت، تثير اعجاب المشاهدين، ولكن أيضاً، تلفت الأنظار الى مدى صدقية أسرة المسلسل نفسها. فالمسلسل الذي طاش سريعاً، لتعلو رغوته بالممثلين الكوميديين ناصر القصبي وعبدالله السدحان الى النجومية في وقت قياسي، كان في الحقيقة، يحمل في حروف اسمه بذور النهاية والزوال منذ ولد قبل خمس سنوات. هذا ما نتبينه على الأقل في ضوء التفاصيل التي بدأت تتكشف اثر الدعوى التي رفعها عامر الحمود المخرج السابق للجزءين الأول والثاني من المسلسل وصاحب مؤسسة "ليالي" التي انتجتهما، ضد بطلي المسلسل اللذين يملكان شركة "الهدف" منتجة اجزائه الأخيرة، لاستعادة حقوقه الأدبية والمادية. بدأت القضية قبل سنتين على استحياء وخجل من جهة الحمود، وبالتقليل من شأنها ونتائجها من جانب السدحان والقصبي، فيما حرص مسؤولون في وزارة الاعلام على بذل جهود لتكتم الخلاف والحض على حله ودياً، حتى تسربت الى الصحف والمجالس، وعجل في انتشارها حلول رمضان الذي يعتبر الموسم الوحيد للتمثيل في السعودية. أسرار حمود ومحميد ويروي المخرج الحمود حكايته لپ"الوسط" فيقول انه لم يرفع دعواه ضدهما بسبب نجاحهما لأن "المسلسل نجح من الجزء الأول، ولا يزال محافظاً على شكله ومضمونه وشخصياته، وما تضمه الأجزاء الأخيرة من نقد اجتماعي كان موجوداً منذ البداية. أنا لست حاسداً بل طالب حق، حقوقي كلها هضمت". ويضيف: "الفكرة انطلقت مني أولاً، وبحكم صلتي القوية بالقصبي عرضت عليه الفكرة أولاً، وكان عاطلاً عن العمل بعد استقالته من وزارة الزراعة، يقضي معظم وقته عندي في المؤسسة، ثم عرضنا الفكرة في ما بعد على السدحان". وأكد الحمود ان الفضل يعود إليه في انتشالهما من أَسْرِ شخصيتيهما: "العجوز أبو مساعد" التي لم يعرف الجمهور السدحان في غيرها، و"القروي الساذج" التي لم يفلت القصبي منها، فاقترحت ان يكون لكل منهما 30 شخصية في المسلسل، ثم وضعنا قائمة بالعناوين الممكنة للمسلسل، وأذكر اننا توقفنا طويلاً عند "التحدي"، لكن "طاش ما طاش" كان يعبر عن رغبتنا وتوقعاتنا بنجاح المسلسل أو فشله، فطاش يعني نجح وما طاش يعني فشل". ثم يعود الى بداياتهم الفنية فيتساءل: "هل ينكران ان الوحيد الذي مد لهما يد المساعدة هو عامر الحمود؟ لقد أشركتهما معي بنسبة الثلث لكل واحد في حقوق المسلسل بحسن نية مني، ولم يطلبا مني ذلك، كان بإمكاني ان أعطيهما اجرهما على العمل والتمثيل لدي، وينتهي الأمر، وقبل ذلك أشركتهما في فيلم حمود ومحيميد وحقوقه مع الممثل راشد الشمراني". ويضيف انه بعد الجزء الثاني شعر بأنهما يحاولان الانفراد بالمسلسل. ويشير في هذا الخصوص الى مفاوضاتهما السرية مع شبكة "أوربت" في شأن الجزء الثالث، واتفاقهما سراً على تأسيس شركة "الهدف"، وهذه السرية كانت غريبة آنذاك. وقال ان ما يحزنه كلما تذكر تلك الفترة ان القصبي والسدحان كانا يمارسان عملهما يومياً من مكاتب مؤسسته بلا حساب، وحتى أثناء سفره الى القاهرة كانا يعملان في اعداد الجزء الثالث هناك. وباسمها خاطبوا الجهات الرسمية، "كنت أتصل هاتفياً من القاهرة بمؤسستي فيردَّان علي". الهدف من ليالي وبدلاً من الاستفاضة في الحديث عن سير الدعوى ووقائعها، آثر الحمود ان يطلعنا على الخطابات والوثائق التي تلخص الأزمة وحيثياتها ومستنداتها القانونية. وتشمل صوراً لشيكات مالية سُلمت للقصبي والسدحان من جانب مؤسسة "ليالي"، أجراً على تمثيلهما أو نصيبهما بعد تصفية الأرباح التي تقاسمها الثلاثة بالتساوي. وكذلك نسخة من خطاب وزير الإعلام يوافق فيه على انتاج المسلسل، وهو موجه الى الثلاثة، ويعتبر أصل الشراكة بينهم. لكن خطاب التكليف بالتنفيذ وجهته وزارة الاعلام الى عامر الحمود بصفته مدير مؤسسة "ليالي" الجهة المنفذة للمسلسل التي أبرمت العقود مع الوزارة والمحطات الفضائية لعرض المسلسل، ووقعت التنازلات عن العائدات لممولي الانتاج، خصوصاً البنك السعودي للاستثمار، حسب خطاباتها التي رأينا، ويذكر ان اسم المسلسل لم يرد في خطابات التكليف الأولى، وانما كان يشار اليه بمضمونه الاجتماعي الطريف. وعلّق الحمود على كتاب التنازل الصاعد عن مؤسسة "ليالي" عن حقها في الجزء الثالث فقط من المسلسل لشركة "الهدف" قائلاً: "تصوروا انهم يقولون ان تنازلي هذا كان انسحاباً مفاجئاً من قبلي". لكن خطابه لتهنئتهما بنجاح الجزء الثالث، الذي طلب فيه منهما التفاهم معه اذا رغبا في انتاج جزء رابع بالصيغة التي يرضيان عنها للتعاون، كان بداية الشرخ والتحدي. اذ كان ردهما بأن المسلسل حق للوطن وان حقوقه تقتصر على الجزءين الأولين. واطلع "الوسط" على فقرة قالا فيها انهما صوَّتا اثنين مقابل واحد غيابياً على اقصائه والغاء الشراكة القديمة، وبالتالي لهما الحق في انتاج الأجزاء المقبلة. هكذا بدأت الشكاوى. وعلى رغم علمه بأنهم ينتجون جزءاً رابعاً اضطر الحمود الى ارجاء اقامة الدعوى لأشهر عدة حتى يعرض التلفزيون هذا الجزء، وذلك حتى تثبت الواقعة وتصح الدعوى، التي تتبعنا عبر تواريخ الخطابات دورتها الاجرائية القانونية في وزارة الاعلام. وفي البدء طلبت افادة مالكي شركة "الهدف" عن الدعوى قبل ان توجه اليهما الوزارة خطابها الذي جاء فيه: "اننا نرى السيد عامر الحمود شريكاً في ملكية اسم وفكرة المسلسل"، وطلبت منهما احضار تنازل خطي من المخرج الحمود عن الجزء الرابع، فيما شددت على عدم انتاج الجزء الخامس من دون الحصول على موافقة خطية اخرى منه، وحددت الوزارة مهلة 40 يوماً من تاريخ الخطاب لإحضار الموافقة وحل القضية ودياً. واعتمدت الوزارة في قرارها على المادة التاسعة من نظام حماية المؤلف، وتنص على انه اذا اشترك اشخاص في تأليف مصنف بحيث لا يمكن فصل دور أي منهم في المصنف يعتبرون جميعاً شركاء بالتساوي في ملكية المصنف ولا يجوز لأي منهم الانفراد به ما لم يوافق الشركاء الآخرون على ذلك. لكن كل هذه الخطابات - يقول الحمود - ذهبت أدراج الرياح، ولم تمنعهما من انتاج الجزء الخامس وعرضه هذا العام. ولما سألنا عن أفق الحل الممكن وهل سيقبل بمخرج آخر للمسلسل خصوصاً ان السدحان والقصبي كثيراً ما يقللان من كفاءته في الاخراج ويعتبران استبداله بالمخرج الحالي عبدالخالق الغانم الذي يشهد الكثيرون ببراعته في توظيف الكاميرا واهتمامه بالجانب التقني سبب نجاح المسلسل، رد الحمود: "كل ما أريده هو استعادة حق مؤسستي في الانتاج، وذكر حقي الأدبي في مقدمة المسلسل، انا لم أطالب مطلقاً بإيقاف المسلسل، ولن أطالب بذلك". وأضاف: "لكل منهما نصيب، حتى لو لم يساهم كممثل باعتباره مشاركاً في ملكيته الفكرية … ان لم أزد بأنني منحتهما اياها تبرعاً، لكوني صاحب المؤسسة المنتجة للمسلسل الذي يدينان له بشهرتهما وتجاوز مكانتهما المحدودة. مؤسستي مُنعت من توزيع الجزءين اللذين انتجتهما لأنهما انتاج خاص للتلفزيون، بينما توزع شركتهما الأجزاء الأخرى وهي حق للتلفزيون أيضاً. ولا يذكر اسم "ليالي" كمنتج منفذ في الأجزاء الأخيرة بينما تذكر "الهدف" في الجزءين الأول والثاني وهي لم تكن قائمة حينها". وحتى تنتهي اجراءات القضية وتُبت، يعتبر الحمود ان من حقه المطالبة بتطبيق اللوائح القانونية في وزارة الاعلام وبعدم صرف أرباح الأجزاء الأخيرة لطرف واحد ما دام العمل الذي صرفت منه موضع نزاع. راشد الشمراني: أبو سداح وبعيداً عن ضعف أو صلابة الموقف القانوني لأحد الطرفين، تحولت القضية مادة اعلامية مثيرة خصوصاً بعد ان تصدى عبدالله السدحان لاثبات ملكيته للمسلسل، اذ يردد في المقابلات الصحافية انه الذي استوحى الاسم من لعبة شعبية كان يمارسها الأولاد الصغار في أحياء الرياض مع ظهور "البيبسي" و"الكوكاكولا" حيث يرجون القوارير وسط توقعاتهم بأن تفور تطيش أو لا تفور، كما انه كتب حلقاتها مع زميله ناصر. وهذا الأخير اكتفى في اجاباته لپ"الوسط" بتقمص لغة المسؤولين التي ما فتئ ينتقدها في أدواره في حلقات المسلسل بسبب تسويفها وتهربها من الايضاح، أو كما يقول عندما يسأل عن القضية: "ليس هذا وقت نقاشها، والأمور منتهية، ولا صحة لما يقال". ومع ذلك فالخلاف لا يقلل من دورهما في انجاح المسلسل، ولا يحجب ما تميزا به من خلق مفارقات كوميدية تقوم على اخراج الموقف في لحظته الأخيرة من حيز المتوقع والمألوف الذي لا يفلت منه كثيرون. وفضلاً عما حازاه من نجومية، جعلت الممثلين السابقين يلهثون وراءهما بحثاً عن دور يحفظ ماء الوجه بعد ان ضاقت دائرة الضوء، فإنهما أتاحا لأولئك الممثلين في مسلسلهما فرصة، قال بعض المهتمين انها محسوبة بدقة "كمية" كي لا يصبح النجمان سلماً يتسلقه الآخرون الى قممهم السابقة، لكنها تظل أفضل من الفرص الفضفاضة في جزر معزولة. وهما الى جانب ذلك وسعا دائرة المشاركة في المسلسل فبات يضم فريقاً من الممثلين الجدد، أبرزهم فهد الحيان. ومع ان البطلين يتحكمان بكل شيء في العمل والأدوار الا ان ذلك لم يمنع النجاح الكبير الذي حققه ممثلون شاركوا ضيوف شرف، اذ لا يزال محمد الطويان الذي ينتمي الى جيل سابق، وحلقته الوحيدة التي مثل فيها العام الفائت، عالقين بذاكرة المشاهدين. وهذه واحدة من صور النجاح الجماهيري الذي يبدو انه سيكون من نصيب الممثل الموهوب راشد الشمراني هذا العام، كما يدل ترديد المشاهدين معظم عباراته وتقليدهم للهجاته والشخصيات التي يؤديها بنجاح في حلقات قليلة مثلها، لا سيما دوره في شخصية الصياد الذي يحمل صقره سداح في حلقة صيد الضبان. وربما كان الشمراني يراهن على وعي الجمهور بموهبته، لا على الترتيب الشكلي للأسماء في مقدمة المسلسل. لكن هذه القضية من نواح اخرى، اقلقت أهل التمثيل والانتاج الذين استبشروا بدعم التلفزيون السعودي للمسلسل، ورأوا فيه دعماً لهم وللتمثيل عموماً، فقد ترى وزارة الاعلام في الخلاف دليلاً على ان حركة التمثيل ورموزها لم تنضج بعد. ولا ننسى ان القضية كشفت أيضاً عما يسم علاقات الممثلين والوسط الفني بعضهم ببعض، من تقديم المصالح الذاتية الفردية والأنانية الضيقة على مصلحة الفن والوعي والثقافة والعمل الجماعي، في وقت هم أحوج ما يكونون فيه الى تكثير عددهم وجهودهم ليلحقوا بقطار فاتهم منذ عقود. ولعل المهم في هذه القضية انها فتحت الباب لمناقشة أنظمة حقوق المؤلف للأعمال الفنية في وزارة الاعلام السعودية، ومعرفة مدى وعي المسؤول والمشاهد السعودي بدور المخرج كمسؤول أول عن العمل. كما ألقت بظلالها الثقيلة على التحسن الهش في واقع التمثيل في السعودية الذي لم ينجز سوى القليل الا اذا اعتبرنا مجرد البقاء الضئيل ومقاومة الاندثار انجازاً. وعلى رغم تخوف المخرج الحمود من تأثير نجومية السدحان والقصبي على تعاطف الجماهير معهما، فهو لم يغادر ذاكرتهم، بمنشفته التي يلف بها رأسه عندما كان يطل عليهم في مقدمة المسلسل وكانت توجه اليه الانتقادات اللاذعة بسببها. ورب قائل انها حدس مبكر وعلامة لا تنسى ودليل على ملكيته للمسلسل. الا ان شعور الناس هنا لا يتفق مع مخاوفه اذ لديهم أسبابهم في عدم الجزم بصدق ما يسمعون. ومن أطرف تعليقات المشاهدين على الجدل المتبادل بين المخرج السابق وزميليه الممثلين، ما أجاب به أحدهم عندما سئل: أي الطرفين صادق في دعواه فقال: "المشكلة اننا نسمع كلام ممثلين فكيف نصدق انهم لا يمثلون علينا".