جاءنا من الدكتور سعدي المالح الرد الآتي على "عزيز محمد يتذكر". يقول عزيز محمد السكرتير الأول السابق للحزب الشيوعي العراقي "الوسط" العدد 289: "نحن حزب كل العراقيين عرباً وكرداً وتركماناً وآشوريين وكلدانا"، مشيراً الى وجود قوميتين آشورية وكلدانية في العراق، وقد كرر ذلك لدى حديثه عن لجنة اضراب كاورباغي فذكر انها "كانت تضم عربياً وكردياً وتركمانياً وكلدانياً وارمنياً وآشورياً". ثم ذكر ان مؤسس الحزب يوسف سلمان يوسف فهد كان "مسيحياً كلدانياً" واعتبر الكلدان "مجموعة صغيرة بالنسبة الى العرب والأكراد من حيث القومية". أي انه يعتبر الكلدان قومية الى جانب العرب والأكراد. وليست هذه المرة الأولى التي يؤكد فيها عزيز محمد وجود قوميتين في العراق آشورية وكلدانية، أو يعتبر الكلدان قومية مستقلة، إذ سبق له في العام 1992 قبيل الانتخابات البرلمانية لاقليم "كردستان العراق" ان خاض في مثل هذه الطروحات الخاطئة في ندوة للحزب الشيوعي العراقي في عنكاوا، وأفتى فيها لأعضاء الحزب ومؤيديه وجود قوميتين منفصلتين آشورية وكلدانية. وقد اعتبر العديد من المثقفين الآشوريين، آنذاك، تلك التصريحات زوبعة عابرة في اطار الحملة الاعلامية لقائمة الحزب الشيوعي "كلدو وآشور" الانتخابية، ولذا لم تؤخذ على محمل جاد أو كتوجه أساسي للحزب الشيوعي العراقي الذي كان مقبلاً على تغيرات كبيرة في توجهاته وسياسته. بيد أن المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي العراقي في العام 1993 جاء، مع شديد الأسف، ليعيد صياغة هذا المفهوم الخاطئ في وثائقه من جديد، اذ يشير الى الكلدان والآشوريين كقوميتين منفصلتين في المادة العاشرة من الوثيقة البرنامجية وكذلك في التقرير السياسي والتنظيمي للمؤتمر. مع انه يؤكد "الدعم الدائم لنضال الآشوريين والكلدان الذين يجمعهم تراث وتاريخ وأرض ولغة مشتركة، ويتوجه اليهم لتوحيد نشاطهم المشترك لنيل حقوقهم القومية المشروعة". ولا اعتقد بأن عزيز محمد بتكراره هذا الخطأ التاريخي ينفذ سياسة أعداء الآشوريين الذين يحاولون عن عمد تشويه تاريخ هذا الشعب العريق .... أن ابناء الكنيسة الكلدانية الحاليين - كما تؤكد المصادر التاريخية - لا علاقة لهم بالكلدانيين الذين أسسوا دولتهم في بابل في الفترة بين 625 - 539 قبل الميلاد، فهؤلاء انصهروا في بوتقة العرب بتحولهم الى الاسلام في القرن السابع الميلادي، بينما الآشوريون الحاليون هم من بقايا الدولة الآشورية في آشور ونينوى واربل، وكانوا منذ القرن الخامس الميلادي، من اتباع كنيسة المشرق القديمة الآشورية النسطورية أو السريانية الارثوذكسية، ارغموا على اعتناق الكثلكة بضغط من الارساليات التبشيرية ... اما الكلدان فهي تسمية أطلقها البابا اوجانيوس الرابع على نساطرة قبرص الأسرى المقيمين داخل حدود الدولة الرومانية الكاثوليكية عندما أقنع مطرانهم طيماثاوس على دخول الكثلكة في القرن الخامس عشر، فأصدر البابا المذكورفي 7 آب 1445 براءته الشهيرة بشأنهم وأمر أن لا يسموا نساطرة في ما بعد بل كلدانا. ولم يحظ هذا الاسم في تلك السنوات، بانتشار واسع لأن هؤلاء "الكلدان القبارصة" تحولوا الى اعتناق الطقس اللاتيني بعد استيلاء الافرنج على الجزيرة. غير أن انشقاقاً حصل في الكنيسة النسطورية في العراق بسبب قوانين وراثة ومحاولة حصر الرئاسة الكنسية بعائلة واحدة، مما دفع المطران يوحنان سولاقا الذي كان ينتمي لعائلة منافسة بلو غير عائلة البطاركة أبونا ان يعتنق الكثلكة ويذهب الى روما، ورسم هناك بطريركا كلدانياً في 21 نيسان 1553 وكان مقره في تركيا. ومنذ ذلك اليوم تأسست الكنيسة الكلدانية. ومع ذلك لم تنتشر الكثلكة في العراق إلا في أواخر القرن الثامن عشر بفضل المبشرين الغربيين. ان الكلدان الحاليين، من أبناء القرى المنتشرة في محافظات دهوك ونينوى وأربل وغيرهم، هم آشوريون نساطرة أو سريان تحولوا الى الكثلكة حديثاً قبل 200 - 250 سنة تقريباً وسموا كلدانا باعتبارهم من أتباع الكنيسة الكلدانية. وتجري حالياً محاولة جادة لاعادة توحيد كنيسة المشرق القديمة بفروعها الأربعة الآشورية والكلدانية والسريانية الارثوذكسية والكاثوليكية، اعتقاداً من الجميع بانتمائهم الى أصل واحد. ومؤسس الحزب الشيوعي العراقي يوسف سلمان يوسف فهد الذي اعتبره عزيز محمد كلداني القومية، هو من بلدة تلكيف القريبة من مدينة الموصل نينوى وهي بلدة آشورية، ورد ذكرها في المدونات الآشورية ... وعلى هذا الأساس فإن يوسف سلمان يوسف فهد كان آشوري القومية، كلداني الطائفة، واعتماداً على يوسف حنا أبو حكمت أحد مرشحي اللجنة المركزية في عهده، واحد معاصريه، انه طلب منه أو شاوره أكثر من مرة بتأسيس فرع آشوري للحزب الشيوعي العراقي. لكن الحزب الشيوعي على ما يبدو لم يأخذ بهذه الفكرة، وراح يروج في ما بعد لما يدعيه ب "القومية الكلدانية". وبتصوري ان من الأسباب الرئيسية لهذا الخطأ والتضليل القومي الذي يمارسه الحزب الشيوعي منذ الخمسينات: 1- جميع الآشوريين الذين تبوأوا مراكز قيادية في الحزب الشيوعي العراقي كانوا من الطائفة الكلدانية، ما عدا بيتر يوسف عضو اللجنة المركزية من عام 1965 إلى عام 1967 وكانوا من تلكيف أو برطلة أو القوش أو شقلاوة، وكانوا، في معظمهم اما غير آبهين لقضايا قوميتهم باعتبار انهم أمميون سائرون على مفهوم ستاليني خاطئ، كان سائداً آنذاك أو ان اهتماماتهم كانت منصبة على القضايا التنظيمية والعسكرية وليس قضيتهم القومية، وهو خطأ اقترفه جميعهم. 2- لتجنب الوقوع في مواجهة مع الكنيسة الكلدانية التي ينتمي اليها اكبر عدد من الشيوعيين العراقيين المسيحيين. 3- خوفاً من انضواء بعض اعضاء الحزب ومؤيديه الكلدان تحت مظلة الأحزاب القومية الآشورية التي ظهرت في الربع الأخير من القرن العشرين في العراق. وارجو ان لا تكون هذه الأسباب، أو الاهمال غير المقصود، أو أي سبب آخر، دافعاً رئيسياً يمنع الحزب الشيوعي العراقي من حسم موقفه من الوحدة القومية الآشورية، خاصة ان أحزاباً سياسية عراقية كالحزب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، وغيرهما قد حسمت مواقفها. ومما يؤخذ أيضاً على الحزب الشيوعي العراقي انه لم يقيم تقييماً موضوعياً انتفاضة الآشوريين في العام 1933 في وثائقه وتحليلاته لنضالات الشعب العراقي، كما انه تحاشى حتى الآن ادانة المجزرة التي اقترفتها الحكومة العراقية بالتواطؤ مع المستعمرين الانكليز ضد الآشوريين في سميل وحوض نهر دجلة عند هروبهم الى سورية، تخلصاً من الابادة الجماعية. في حين ان حركات وانتفاضات صغيرة، كردية وعربية، حظيت بتقييم وتحليل كبير في وثائقه وبرامجه. ان الحزب الشيوعي العراقي الذي له تاريخ مجيد في الدفاع عن حقوق القوميات الصغيرة في العراق، ومواقف مشرفة في النضال الوطني مطالب، اليوم، بأن يحسم موقفه من الوحدة القومية الآشورية، لا بل ان يصححه، ويبادر، في الوقت نفسه، الى دراسة وبذل الجهود الممكنة لالقاء الضوء - من خلال مؤرخيه - على تاريخ الآشوريين ونضالاتهم الوطنية والقومية . الدكتور سعدي المالح كاتب وصحافي عراقي آشوري مقيم في كندا"