إذا كانت العائدات النفطية لدولة الامارات العربية المتحدة قد بلغت نحو 15 مليار دولار العام 1996، فإن مصادر مالية تتوقع ان تتراجع خلال العام الحالي الى مستوياتها في العام 1995 والبالغة حوالي 5.12 مليار دولار، نتيجة تراجع الاسعار. وبما ان اسعار النفط تتسم بطبيعة ذات علاقة وثيقة بالمتغيرات الاقتصادية الدولية، ما جعل الاقتصاد القومي معرضاً للتأثر بما تشهده الاوضاع الاقتصادية الدولية باتجاه النمو او الكساد، لذلك بدأت وزارة المال والصناعة في دولة الامارات العربية اعداد مشروع موازنة العام 1998 على ضوء المتغيرات الاقتصادية والمالية والايرادات المتاحة للتمويل، بغية تفادي التأخير في اصدار تلك الموازنة. مع العلم انه لم يمر سوى شهرين على اصدار موازنة 1997. وتوقعت الوزارة في تعميم وجهته الى الوزارات الاتحادية، استقرار الموارد المتاحة لموازنة 1998 عند مستوى الموارد لموازنة 1997 التي سجلت عجزاً مقداره 987 مليون درهم 250 مليون دولار. وطالبت وزارة المال والصناعة ان يراعى عند اعداد الموازنة الجديدة لكل وزارة ضغط حجم الانفاق للبنود كما كان مدرجاً لها في السنة المالية 1997 مع استبعاد النفقات غير الضرورية. ولكن ما هو تأثير تراجع اسعار النفط على النشاط المصرفي؟ يستبعد مصرف الامارات الصناعي، ان يترك التراجع النسبي في اسعار النفط في العام الحالي آثاراً سلبية على اداء المصارف التجارية، معتبراً ان هذا الاداء سيستمر في التحسن بسبب استمرار معدلات النمو الاقتصادي وازدياد انشطة العمليات المصرفية في الامارات. لكن مصرف الامارات الصناعي حذر في مقابل ذلك من الارتهان لهذه المؤشرات الايجابية فقط لضمان نمو قطاع المصارف في الامارات في القرن المقبل مشيراً الى التحديات التي تواجه الاقتصاد الوطني خصوصاً تلك التي تواجه القطاع المصرفي لا سيما بعد انضمام دولة الامارات الى منظمة التجارة العالمية. وحث المصرف في تقرير اقتصادي على درس امكان دمج بعض المصارف الوطنية لتتمكن من التأقلم مع مستجدات ظروف المنافسة التي سيفرضها الالتزام بقوانين منظمة التجارة العالمية في السنوات المقبلة. وقال ان القوانين الدولية الخاصة بتحرير تجارة الخدمات تفرض فتح اسواق البلدان الاعضاء في المنظمة امام المصارف والمؤسسات المالية الدولية التي تملك امكانات كبيرة وقدرات تنافسية وخبرة في التعامل مع مختلف الاسواق المالية في العالم. واذا ما اريد لمصارف منطقة الخليج ومؤسساتها المالية ان تقف امام المنافسة المقبلة من الخارج مع تحرير الخدمات فإن ذلك يتطلب تطوير مستوى الخدمات التي تقدمها هذه المصارف ورفع قدراتها التنافسية من خلال تطوير قدراتها المالية. وكانت الاسواق المالية والمصرفية في دولة الامارات شهدت في السنوات الماضية تطورات مهمة تعكس الى حد بعيد سلامة الاوضاع الاقتصادية واستمرارية النمو الاقتصادي المتواصل للقطاعات غير النفطية. وفي اطار عملية النمو، احتل القطاع المصرفي مكانة بارزة حيث حققت جميع المصارف تقريباً نسب نمو كبيرة في العام 1996، خصوصاً المصارف الوطنية التي ادخلت في السنوات الثلاث الماضية تعديلات مهمة على انشطتها. واضافة الى التغييرات الداخلية للمصارف ساهمت تطورات محلية وخارجية في نمو القطاع المصرفي في الامارات العام الماضي حيث زادت عائدات النفط مما ادى الى تنشيط القطاعات الاقتصادية غير النفطية خصوصاً قطاع المصارف. موجودات وأرباح وبلغة الارقام ارتفعت موجودات المصارف الوطنية في الامارات بنسبة 8.9 في المئة في العام الماضي لتصل الى 146 مليار درهم 7.39 مليار دولار في مقابل 133 مليار درهم في العام 1995. اما اجمالي موجودات المصارف الوطنية والاجنبية فزاد بنسبة 6.6 في المئة في العام الماضي ليصل الى 193 مليار درهم 8.52 مليار دولار. كما ارتفع حجم الودائع بنسبة 6.7 في المئة، من 118 الى 127 مليار درهم، وزادت القروض بنسبة 3.4 في المئة، من 93 الى 97 مليار درهم، وهو مؤشر جيد لتوسع الانشطة الاقتصادية في البلاد. وانعكس هذا الاداء الجيد على ارباح المصارف، خصوصاً الوطنية منها التي سجلت ارباحاً صافية العام الماضي بلغت 2294 مليون درهم 600 مليون دولار. وفي ظل الدعوات المتكررة لدمج المصارف العاملة في الامارات، اتجه مصرف الامارات المركزي الى رفع رأسمال الحد الادنى للمصارف التجارية من 40 الى 100 مليون درهم وذلك في وقت تجري فيه الاستعدادات لإنشاء "مصرف أبو ظبي الاسلامي" برأسمال مليار درهم. وكشفت مصادر مالية في أبو ظبي ان مصرف الامارات المركزي وضع مشروع قانون اتحادي خاص بنظام النقد الاجنبي وتنظيم مهنة الصرافة يتضمن ادخال تعديلات على النظام القديم تشمل 38 مادة واضافة سبع مواد جديدة ابرزها زيادة رأس مال المصارف. ونص مشروع القانون الذي احالته وزارة الدولة لشؤون مجلس الوزراء الى وزارة العدل تمهيداً لعرضه على اللجنة الوزارية للتشريعات، على قيود اضافية على المصارف الاجنبية، منها ضرورة شراء شهادات ايداع المصرف المركزي بقيمة 100 مليون درهم. وتضمنت التعديلات ايضاً ان يخصص اي مصرف او منشأة مالية اخرى ما لا يقل عن 10 في المئة من ارباحه السنوية لإنشاء احتياط قانوني حتى يبلغ رصيد الاحتياط نسبة 50 في المئة من رأس المال، اضافة الى تخصيص نسبة مماثلة لتكوين احتياط خاص. ويبدو ان هذه التعديلات تستهدف مصارف وطنية صغيرة وفروع مصارف اجنبية في الامارات، لأن معظم المصارف الوطنية الرئيسية تتوافر فيها هذه الشروط، حتى ان رأسمال كل واحد منها يزيد على مئة مليون درهم. وتعتبر الامارات التي يبلغ عدد سكانها نحو مليوني نسمة، اكبر دولة خليجية من حيث الكثافة المصرفية، واكثرها استضافة للمصارف الاجنبية، ويعمل حالياً 47 مصرفاً لها 360 فرعاً، لكن اللافت ان عدد المصارف الاجنبية 28، في مقابل 19 مصرفاً وطنياً اي حوالي 60 في المئة من عدد المصارف للاجانب، و40 في المئة للوطنيين. وعلى رغم ضآلة عدد المصارف الوطنية في الامارات، فقد عززت دورها على حساب المصارف الاجنبية، واستأثر نشاطها بنسبة 76 في المئة من اجمالي الموازنة المجمعة للمصارف العاملة. وتتجه المصارف الوطنية حالياً الى توسيع نشاطاتها بعد التخلص من مشاكلها المزمنة التي برزت خلال الثمانينات وتسببت في تفاقم مشكلة المديونيات الصعبة والمشكوك فيها والتي امكن التخلص منها بشكل واسع خلال السنوات الاخيرة. وتوقعت مصادر مصرفية ان تكون السنوات المقبلة بالنسبة الى عمل المصارف ايجابية وان يرتفع حجم العمل المصرفي فيها بنسبة تتراوح بين 15 و20 في المئة سنوياً على اساس ان هناك الكثير من المشاريع الحكومية الضخمة المطروحة للتنفيذ، الى جانب تحسن وسائل وظروف العمل في الامارات من ناحية التسهيلات المقدمة لجذب الاستثمارات الاجنبية والسياسات المطبقة لتنظيم سوق العمل وكذلك ازدياد عدد السكان. واضافة الى ذلك تستند المصارف الوطنية الى تطور حركة الاستثمارات في السنوات المقبلة وهي حركة نشيطة كما يدل بعض المؤشرات، مثال على ذلك تخطط امارة أبو ظبي لإنفاق نحو 58 مليار درهم 8.15 مليار دولار في السنوات الاربع المقبلة بينها عشرة مليارات درهم 7.2 مليار على المشاريع النفطية بما في ذلك رفع طاقة المصافي في الامارة وانشاء مجمع بتروكيماوي. وفي ضوء هذه التطورات تدرس المصارف الاجنبية باهتمام توسيع نشاطها في الامارات بشكل خاص وفي دول مجلس التعاون الخليجي بشكل عام، مع العلم ان التطورات المرتقبة لحركة الاستثمار في المنطقة خصوصاً في القطاع النفطي المقدر بنحو 160 مليار دولار حتى العام 2010، هي تطورات واعدة ويجب الاستفادة منها .