ليس في العواصم العربية، باستثناء العاصمة الأردنية يافطة تحمل عبارة "جماعة الأخوان المسلمين"، فهي ما زالت مرفوعة في عمان منذ واحد وخمسين عاماً من دون انقطاع. وقد تأسست جماعة "الاخوان المسلمين" في الأردن بعد سنوات قليلة من تأسيس الجماعة الأم في مصر على يد الشيخ حسن البنا لتشكل ثاني معقل للجماعة على ان تعمل على نشر الدعوة في بلاد الشام وليس في الأردن وحسب. واصبحت جماعة "الاخوان المسلمين" في الأردن اليوم المعقل الابرز للاخوان بعدما لاقت الحركة مضايقات في معظم الدول العربية. وكشف قيادي بارز في الحركة الاسلامية في الأردن ل "الوسط" النقاب عن ان "اخوان" مصر طلبوا اخيراً من "اخوان" الأردن اقناع الملك حسين بالتدخل لدى الرئيس حسني مبارك من اجل تخفيف الضغوط التي تواجهها الحركة من قبل السلطات المصرية. وكشف ايضاً عن رسالة تلقتها الجماعة اخيراً من زعيم اسلامي عربي يعيش في الخارج ينصح فيها "اخوان" الأردن بعدم الصدام مع الحكم الأردني لأن الأردن بات الدولة الوحيدة التي تمنح جماعة "الاخوان المسلمين" فرصة الدعوة وممارسة العمل السياسي العلني ومعارضة السياسات الرسمية. ويقول في رسالته ان الحركة الاسلامية في بلاده خسرت ثلاثة آلاف رجل، نصفهم قتلوا والنصف الآخر بين مشوه ومقعد. ولجماعة "الاخوان المسلمين" في الأردن 15 نائباً في البرلمان المكون من 80 نائباً، وسبق لها ان حصلت على 23 مقعداً في البرلمان السابق. وتقول الحركة انها نالت 30 في المئة من اصوات الناخبين في العام 1989 و33 في المئة من مجموع اصوات الناخبين في عام 1993. وعلى مدى تاريخها الطويل منذ تأسيسها في الأردن لم يسجل على جماعة "الاخوان المسلمين" ممارسة العنف، على رغم خلافاتها الحادة مع بعض الحكومات وابرزها خلافها مع حكومة المرحوم هزاع المجالي وبعدها حكومة المرحوم وصفي التل ثم حكومة الدكتور عبدالسلام المجالي الأولى العام 1993. كما انه لم تسجل الجماعة على الحكم في الأردن محاولة اقصائها سياسياً منذ نشوئها وحتى اليوم. ومع بدء العمل بقانون الاحزاب السياسية الجديد في العام 1992 بعد توقف الحياة الحزبية لمدة تزيد عن ثلاثين عاماً، انشأت جماعة "الاخوان المسلمين" حزباً سياسياً بالتوافق مع عدد من الاسلاميين المستقلين تحت اسم "حزب جبهة العمل الاسلامي" ليصبح الذراع السياسية للجماعة المنشأة، استثناءً، بقرار من مجلس الوزراء كجمعية دعوية اسلامية لا بترخيص من وزارة الداخلية او وزارة التنمية الاجتماعية شأن الجمعيات الاخرى. من هنا تأتي اهمية قرار "الاخوان المسلمين" مقاطعة الانتخابات النيابية المقبلة في الأردن والذي مثل تحولاً جذرياً في مسيرة الجماعة. واضافة الى ذلك فان توقيت القرار شكل عاملاً مهماً في ضوء تعثر مسيرة السلام واستمرار تعثر الاوضاع الاقتصادية الداخلية والتي تؤدي الى احباطات أردنية لا تعاني منها الدول المجاورة. ضغوط القواعد الشابة لكن قرار "الاخوان" جاء هذه المرة استجابة لضغوط قواعدها الشابة، على رغم موقف قيادتها الداعي الى المشاركة في الانتخابات، ما يشير الى ان تطوراً غير عادي تعيشه الحركة. واعتبرت الجماعة ان موقف حزب "جبهة العمل الاسلامي" يعتبر تحصيل حاصل اذ ان "الاخوان المسلمين" يشكلون ما نسبته 70 في المئة من الحزب على الأقل. بيان "الاخوان" المتضمن قرار المقاطعة حدد سبعة شروط للعودة عن القرار وهي اجراء اصلاحات دستورية تحفظ استقلالية البرلمان، والغاء قانون الانتخابات النيابية باسلوب الصوت الواحد، والغاء قانون المطبوعات والنشر الموقت، ووقف الاجراءات التعسفية بحق الاحزاب السياسية، ومعالجة الاوضاع الاقتصادية، واطلاق الحريات العامة وعدم التجاوز عليها، ووقف التطبيع مع اسرائيل. احراجات وإحتمالات ووضع القرار الجميع، وبضمنهم الحركة الاسلامية، في الحرج مثلما فتح الباب امام كثير من الاحتمالات... فالحكومة التي تعهدت اجراء الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري لا بد من ان تبحث عن وسائل للاقناع بانتخابات لا تشارك فيها المعارضة الاسلامية ولا احزاب المعارضة الاخرى التي ستحذو حذوها وكذلك النقابات المهنية التي قررت المقاطعة كذلك. وفوق هذا وذاك فان الاحباطات الناشئة عن تعثر مسيرة السلام والاوضاع الاقتصادية كانت تشير الى ضعف الاقبال على المشاركة في الاقتراع، فكيف سيكون الوضع بعد اقصاء المعارضة لنفسها عن الميدان؟ ولم يكن بوسع الحكومة ان تقرر تأجيل الانتخابات النيابية لان مثل هذا القرار سيضعف هيبتها مثلما سيزيد من قوة المعارضة والاسلاميين خصوصاً. وانتظرت الحكومة اسبوعاً قبل ان ترد على قرار "الاخوان" ببيان فندت فيه مطالبهم وردت على الهجوم بهجوم مضاد. فقد اكدت الحكومة التزامها اجراء الانتخابات النيابية في موعدها سواء بمشاركة "الاخوان" أو من دون مشاركتهم. وعن قانون المطبوعات قالت الحكومة ان اصدار القوانين الموقتة من ضمن صلاحياتها الدستورية. اما قانون الانتخاب فقد اصدره مجلس النواب ولم تجر الحكومة سوى تعديلات شكلية عليه. وينطبق الحال على معاهدة السلام الأردنية - الاسرائيلية التي صادق عليها البرلمان واصبحت جزءاً من القوانين الأردنية. وردت الحكومة اسباب القرار الى أزمة داخلية يعيشها "الاخوان"، لكنها اعتبرت ان الحركة الاسلامية مثلت وتمثل طيفاً مهماً من الاطياف السياسية في الأردن واهابت بها ان تعيد النظر في قرارها من منطلق الحرص على ان تتمثل كافة الاطياف تمثيلاً عادلاً في الانتخابات. كل هذه التطورات تلاحقت، فيما لم يعلن الملك حسين موقفاً حتى منتصف الاسبوع الماضي، وهو الذي وجه انتقادات لاذعة الى "الاخوان المسلمين" قبل شهر من قرارهم. لكن صمت الملك حسين لا يعني انه لم يتخذ موقفاً مما يجري بدليل بيان الحكومة الذي جاء بايحاء منه ليمثل بداية الحل للازمة القائمة. فلم يكن متوقعاً ان يتدخل الملك شخصياً لدى جماعة "الاخوان المسلمين" لأن مثل هذا التدخل قد يفسر تقوية لها، كما انه لم يدفع الحكومة باتجاه اقصاء الحركة الاسلامية أو الصدام معها. غير ان بيان الحكومة الذي لم يخلُ من الشدة ولم يغلق الابواب في الوقت نفسه اعتبر مدخلاً لحوار محتمل بين الطرفين يريده الملك على ما يبدو من دون ان يظهر في صورته. وزير الداخلية الأردني نذير رشيد صرح في اليوم التالي لصدور البيان ان الحكومة جاهزة للحوار وانها لا تنوي حل جماعة "الاخوان المسلمين" بل ا نها تعتبر الجماعة جزءاً اساسياً من الطيف السياسي الأردني. مرجعية الملك حسين وفي المقابل قال الشيخ عبدالمجيد ذنيبات المراقب العام "للاخوان المسلمين" في الأردن ل "الوسط" ان الجماعة تريد الحوار وانها تعتبر "الملك حسين مرجعاً للجميع". ولكن، أي حوار يريده الطرفان؟ الحكومة وعلى لسان وزير الداخلية ترى ان الغاء القوانين ليس وارداً قبل ان ينعقد البرلمان الجديد، اما البحث في السياسات والمجالات الاخرى فلا تحفّظ لديها عنه. وفي المقابل فان جماعة "الاخوان" وعلى لسان مراقبها العام ليست متشددة في المطالبة بالغاء القوانين فوراً، لكنها تريد ضمانات للسير في الاجراءات القانونية لالغائها في البرلمان المقبل. واعتبر الشيخ ذنيبات ان "الحكومة ستخسر ان ادارت ظهرها لقرار المقاطعة لانها ستكون في عزلة عن الشعب. اما اذا اجريت الانتخابات النيابية من دون مشاركة الاخوان واحزاب المعارضة الاخرى والقوى الوطنية فان الحكومة ستنتخب نفسها". ويرى ذنيبات ان "لا مخرج من الازمة سوى بالحوار الذي يفضي الى نتائج تعيد القناعة لدى قواعد جماعة الاخوان التي اتخذت القرار بما يجعلها قانعة بالمشاركة". ودافع عن قرار الجماعة قائلاً انه "لا يحمل أي اشارة الى معارضة النهج السلمي للحركة أو التحول الى العمل السري وليس فيه دعوة الى اعلان الحرب على الدولة الأردنية". وعن موقف الحركة اذا اصبحت خارج مجلس النواب قال ان "قرار المقاطعة لن يكون فاعلاً الا وفق برنامج سياسي يتفق عليه مع كافة القوى الوطنية. والبرلمان على اهميته ليس الوسيلة الوحيدة للتعبير والممارسة السياسية ولن نكون بمعزل عن شعبنا ولن نرضى في ان يعزلنا احد". وعن احتمال انشطار الجماعة أو تقسيمها يؤكد ان "المراهنين على مثل هذا الامر سيخسرون كما خسروا في كل مرة". كما يؤكد ان الجماعة لم تكن متماسكة يوماً مثل تماسكها بعد قرار المقاطعة .