بايعت امارة موناكو الألماني ميكايل شوماخر سائق فيراري وبطل العالم السابق مرتين، أميراً للمرة الثالثة في نهاية سباق الجائزة الكبرى فورمولا واحد في مونتي كارلو. وحقق الفريق الأحمر "ثورة بيضاء" أتاحت له ان يقلب المعادلات وأن يتصدر الترتيب العام لبطولة السائقين وبطولة الصانعين، وأن يعيد الى سباقات فورمولا واحد الاثارة التي افتقدتها في الموسم الماضي بعد سيطرة وليامس - رينو سيطرة شبه مطلقة، ولم تستطع الأمطار التي هطلت بغزارة ان تطفئ جذوة الحماسة التي أشعلها شوماخر وباريتشيللو وايرفاين وبانيس وفيسيكيلا، في نفوس المشاهدين الذين تابعوا السباق تحت المظلات. رهان مدمر وشهدت امارة موناكو عاصمة المراهنات على المتوسط، رهاناً من نوع آخر جاءت نتيجته مدمرة بالنسبة الى فريق وليامس - رينو، إذ قرر فرانك وليامس اعتماد اطارات ملساء اعتقاداً منه ان الصحو سيعقب المطر خلال السباق ما يتيح لسائقي الفريق اللذين حلا في المركز الأول والثالث في التجارب الرسمية افضلية مريحة، وقد استلهم في رهانه على الصحو والاطارات الملساء ما حصل على الحلبة ذاتها قبل ثلاث عشرة سنة عندما أحرز سائق وليامس الفنلندي كيكي روزبرغ السباق، وهو آخر فوز لوليامس في مونتي كارلو، لكن السماء خذلت فرانك وليامس وأغرقت آماله في لجة الطوفان. ويبدو ان ميكايل شوماخر تردد طويلاً قبل ان يجاري السماء في عبوسها وتجهمها الى ان حسم أمره في اللحظات الأخيرة وقرر ان يقود سيارة الاحتياط وأن يستخدم اطارات تصلح للصحو والمطر على حد سواء. ومما لا شك فيه ان هذا الخيار عمل لمصلحة شوماخر، لكنه لم يكن العامل الوحيد الذي قاده الى الدرجة العليا في منصة التتويج، فقد اثبت منذ لحظة الانطلاق حتى لحظة الوصول انه سيد الحلبات بلا منازع، وأن له من شجاعته وخبرته وحنكته في القيادة ما يجعله قادراً على التعامل بثقة وارتياح مع أصعب المواقف ومع أسوأ الأحوال الجوية. وقد رمى سائق فيراري بكل ثقله في اللفات الخمس الأولى من السباف فانتزع مركز الصدارة لحظة الانطلاق وراح يعمق الفارق بينه وبين أقرب منافسيه حتى بلغ 30 ثانية، وبدا لاحقاً انه سائق من كوكب آخر إذ تخطى باريتشيللو بفارق 75 ثانية، ونجح في تجاوز فيلفوف قبل انسحابه بلفة كاملة. وفي اللفة الپ53 انزلفت سيارة شوماخر عند أحد المنعطفات، فحبس المشاهدون انفاسهم إذ خيل اليهم انه خرج من السباق وأهدر فوزاً كان في حكم المضمون، لكن شوماخر تعامل مع المأزق بمهارة نادرة فروّض جموح السيارة وأعادها الى السباق وكأن شيئاً لم يكن، وحقق في نهاية السباق جملة من الانجازات يمكن تلخيصها على الوجه الآتي. انجازات بالجملة حقق شوماخر فوزه الثالث في مونتي كارلو، وسبق له ان فاز مرتين عامي 1994 و1995 يوم كان سائقاً لبينيتون، فانتقم لخسارته في الموسم الماضي بعد خروجه من اللفة الأولى، كما ثأر من مواطنه فرنتزن الذي انتزع المركز الأزل في سباق ايمولا قبل اسبوعين. وقد أتاح له هذا الفوز ان يعادل عدد الانتصارات التي سجلها كل من سترلينع موس وجاكي ستيورات 3 مرات، وأن يتطلع الى معادلة انتصارات ايرتون سينا 6 مرات وغراهام هيل 5 مرات وألان بروست 4 مرات، كما أتاح له ان يتصدر الترتيب العام للسائقين 24 نقطة بفارق 4 نقاط عن الكندي جاك فيلنوف. - حقق شوماخر لفيراري فوزاً عزيزاً كانت تتعطش الى تحقيقه في مونتي كارلو بعد غياب طويل دام 16 عاماً. وتجدر الاشارة الى ان فوز شوماخر هو السادس لفريق فيراري في مونتي كارلو منذ انطلاق بطولة العالم للسيارات فورمولا واحد العام 1950. والفائزون هم موريس ترينيتنيان 1955، نيكي لودا 1975 و1976، جودي شيكتر 1979، جيل فيلنوف 1981 وميكايل شوماخر 1997. ومن غرائب المصادفات ان والد جاك فيلنوف سائق وليامس المنافس الرئسي لشوماخر حالياً، كان آخر من حقق الفوز لفيراري في امارة موناكو. - أتاح شوماخر لفريق فيراري بالنقاط العشر التي حصدها ان يتصدر ترتيب الصانعين، وجاءت النقاط الأربع التي جمعها ابرفاين باحتلاله المركز الثالث لتعزز هذه الصدارة. سائق واعد اما البرازيلي روبنز باريتشيللو سائق ستيورات فورد فقد خاض سباقاً مشهوداً أتاح له ان ينافس الكبار بجدارة، وأن ينهي السباق في المركز الثاني هو الذي انطلق من المركز العاشر. وقد انعكس هذا الفوز فرحاً غامراً على جاكي ستيوارت الذي صرّح بعد السباق: "لقد قام باريتشيللو بعمل رائع. وهذا أجمل يوم في حياتي. اجمل من أي فوز ومن أي بطولة. وأنا سعيد جداً جداً". ثم أضاف قائلاً: "لولا شوماخر لانتهت فيراري في المركز الثاني". من يذكر هيل؟ ويبدو ان أيدي ابرفاين سائق فيراري قد استمرأ طعم الفوز، وها هو للمرة الثالثة على التوالي يعتلي منصة التتويج بعد ما حل ثانياً في الارجنتين وثالثاً في كل من ايمولا ومونتي كارلو، وقد انتزع هذا المركز بعدما انطلق من المركز الخامس عشر، وبعد صراع مرير مع الفرنسي اوليفييه باتيس سائق بروست موغن هوندا الذي أحرز السباق في العام الماضي وحل رابعاً هذا العام. اما فريق ماكلارين مرسيدس فإنه بعد الانجاز الرائع الذي حققه في استراليا راح يغط في سبات عميق، في حين يتابع فريق بينيتون - رينو عروضه السيئة بانضباط لا يحسد عليه. وفي نهاية جولة الأفق هذه في سباق الجائزة الكبرى في مونتي كارلو ثمة سؤال لا بدّ من طرحه: هل هنالك من يذكر سائقاً اسمه دايمون هيل أحرز العام الماضي بطولة العالم للسيارات في سباقات فورمولا واحد؟