يعتبر نجم كرة القدم الفرنسي اريك كانتونا من اكثر اللاعبين مشاكسة واثارة للجدل وقد قامت شهرته على الأمجاد التي حققها فوق الملاعب الانكليزية على غرار مواطنه ميشال بلاتيني الذي تألق في الثمانينات مع نادي يوفنتوس الايطالي، وخلافاً لمواطنه الآخر جان بيار بابان الذي فجَّر كل مواهبه الكروية مع نادي مرسيليا الفرنسي، لكنه فشل فشلاً ذريعاً مع نادي آ. سي. ميلان الايطالي ونادي بايرن ميونيخ الألماني. نجح كانتونا في غزو جزيرة الضباب وفي احتلال قلوب البريطانيين بالسحر الذي يمارسه برأسه وقدميه وكسر حاجز العداء التاريخي بين الجارتين اللدودتين. ولم يكن يدور في خلد كانتونا نفسه عندما قدم الى ليدز في منتصف الموسم الكروي في العام 1992 انه سيدخل تاريخ كرة القدم من الباب الانكليزي. والواقع ان قدوم كانتونا الى ليدز بعد قراره الاعتزال كان فأل خير على النادي فأحرز لقب الدوري. لكن المدرب هاورد ولكنسون كان يدرج كانتونا باستمرار على قائمة الاحتياطيين في الموسم اللاحق فساءت العلاقة بينهما وتخلَّى ليدز عن كنز لم يدرك قيمته النادرة لمصلحة نادي مانشستر يونايتد وفي نهاية موسم كانتونا الأول مع ناديه الجديد فاز الشياطين الحمر بلقب الدوري بعد طلاق استمر ربع قرن. وكرَّر كانتونا هذا الانجاز في العام 1994 مضيفاً الى لقب الدوري احراز الكأس فأعاد إلى مانشستر أمجاده الغابرة. الموسم الكارثة وكان موسم 1995 كارثة على كانتونا وعلى ناديه فبعد مخاشنته ريتشارد شو مدافع كريستال بالاس طرد الحكم كانتونا من الملعب ورداً على صيحات الاستهجان التي قوبل بها قفز فوق احدى اللوحات الاعلانية على طريقة أبطال الكونغ فو وركل أحد مشجعي كريستال بالاس ثم تبادل اللكمات مع أنصار النادي اللندني قبل ان يتدخل رجال الشرطة للفصل بين البطل والجمهور. واضطر نادي مانشستر يونايتد ان يتخذ عقوبة قاسية بحق أبرز نجومه تفادياً لما هو أدهى فأوقفه عن اللعب ثمانية أشهر وفرض عليه غرامة مقدارها ثلاثون ألف دولار… وانعكس وقف كانتونا سلباً على اداء النادي ونتائجه فخسر على جميع الجبهات جبهة الدوري وجبهة الكأس وجبهة الكؤوس الأوروبية وخرج من كل هذه الجبهات خالي الوفاض يجر أذيال الخيبة وراح البعض يربط بين انجازات النادي ونجمه الفرنسي كما كانت انتصارات قبيلة عبس مرتبطة بعنترة فاذا حارب في صفوف قبيلته انتصرت واذا اعتزل القتال تعرَّضت للهزيمة. رب ضارة نافعة وعندما عاد كانتونا الى اللعب قاد فريقه في العام 1996 الى احراز ثنائية الدوري والكأس للمرة الثانية وغدا مانشستر يونايتد أول فريق يحقق هذا الانجاز مرتين. وتجدر الاشارة الى ان كانتونا انتخب أفضل لاعب في انكلترا مرتين الأولى في العام 1994 والثانية في العام 1996 وهكذا انتقمت انكلترا للاعب الذي رذلته بلاده وأبت ان تضمه الى منتخبها الوطني في كأس الأمم الأوروبية وتوجته ملكاً على الكرة الانكليزية رغم العداء التاريخي بين البلدين. ويبدو ان كانتونا قد استفاد الى أقصى حد من العقوبات التي فرضت عليه في العام 1995 ورب ضارة نافعة فتخلى عن سجله الكروي الحافل بالاستفزاز، وعن المشاكسات التي عرف بها وعن نزقه واستهتاره، وأصبح لاعباً متزناً ناضجاً، ولعل الفضل في ذلك يعود الى المدرب اليكس فيرغسون الذي وقف الى جانبه في محنته وأخذ بيده للخروج من عنق الزجاجة فأوكل اليه قيادة الفريق، ولا يمكن في أي حال من الأحوال انكار فضل الجمهور فقد تعاطف مع كانتونا الى أقصى حدود التعاطف وخفف من وطأة العقوبات على نجمه المفضل. وعرفاناً من كانتونا بالجميل لمدربه وجمهوره بذل مجهوداً مضنياً للتغلب على نزواته ومزاجيته ونجح في احداث انقلاب سلمي حوله من لاعب مشاكس الى لاعب يعي مسؤولياته ويضبط انفعالاته. الانجازات والسلطة والرؤية وعشية اللقاء الحاسم بين مانشستر يونايتد وبوروسيا دورتموند في نصف نهائي كأس ابطال الدوري الذي أسفر عن خسارة الأول وخروجه من المسابقة، أجرت مجلة "فرانس فوتبول" حواراً مع ثلاثة من أبرز اللاعبين البريطانيين في تاريخ النادي العريق وهم بوبي تشارلتون الذي لعب لمانشستر يونايتد من 1953 - 1973 وأحرز له لقب الدوري في الأعوام 1956 و1957 و1965 و1967 وفاز بكأس انكلترا 1963 وأحرز الكرة الذهبية في العام 1966 وكان في عداد المنتخب الانكليزي الذي فاز بكأس العالم في العام ذاته. وجورج بست الذي لعب لمانشستر يونايتد من 1961 - 1974 وأحرز له كأس الأندية الأوروبية الأبطال 1968 وفاز بلقب الدوري في العامين 1965 و1967 ونال الكرة الذهبية في العام 1969. اما بريان روبسون فقد لعب لمانشستر من العام 1981 - 1994 وأحرز له كأس الكؤوس الأوروبية في العام 1991 وفاز بكأس انكلترا في الأعوام 1983 و1985 و1990 . دار الحوار حول شخصية كانتونا ومواهبه وانجازاته وقد اجمع الثلاثة على الاشادة بظاهرة كانتونا وعلى اعتباره واحداً من أبرز النجوم الذين مروا في تاريخ النادي ونوَّهوا بفضله في عودة النادي الى أعلى درجات منصَّات التتويج. ومما قاله جورج بست: "كانتونا بالنسبة اليّ يعني الانجازات الخارقة. فيوم جاء الى أولد ترافورد من ليدز بعدما أحرز معه لقب الدوري لم يكن يتوقع أحد ان يخط صفحات مشرقة في تاريخ النادي وذلك بسبب صيته الذي لم يكن يشفع له. ولكنه منذ قدومه حقق للنادي خمسة ألقاب وأنجز ثنائيتين الدوري والكأس. وهذا يكاد لا يصدق اذا أخذنا بالاعتبار ان صفقة انتقال كانتونا من ليدز كلفت النادي أقل من مليوني دولار. ويرى بوبي تشارلتون ان كانتونا هو السلطة، وهو الى كونه لاعباً ممتازاً، يملك قدرة تتيح له ان يمارس تأثيراً عظيماً يمكنه ان يغير مجريات اللعب. وقد نجح في ان يكون ذا كلمة مسموعة لدى اللاعبين القدامى ومصدر إلهام للاعبين الشباب. ان كانتونا شخصية لها حضورها المميز في الملاعب وخارج الملاعب. اما برايان روبسون فيعتقد ان كانتونا لاعب ذو رؤية شاملة في الملعب وهو المحور الذي يدور اللعب حوله، انه لاعب ممتاز ومحترف من طراز فذ، وقد نجح في ان يكون له تأثير طاغٍ على الكرة بحد ذاتها وعلى الفريق ككل اذ يؤمن له التماسك والتحرك المتناغم. المستقبل علامة استفهام وكانتونا لا يعيش على أمجاد الماضي بل يتطلع الى المستقبل بكل ثقة وهو يقود مانشستر الذي يتصدر الدوري الانكليزي بفارق 5 نقاط عن أقرب منافسيه مع مباراة مؤجلة له الى احراز لقب الدوري للمرة الرابعة وقد أصبح اللقب شبه مضمون بعدما ألحق مانشستر هزيمة قاسية بليفربول في عقر داره 3/1. ورغم هذه الانجازات العظيمة ثمة علامة استفهام ترتسم حول مستقبل كانتونا في مانشستر يونايتد فعقده مع النادي ينتهي في آخر الموسم المقبل. ومما لا شك فيه انه سيكون للمدرب اليكس فيرغسون الذي يثق بكانتونا ثقة مطلقة اليد الطولى في الاتفاق على تجديد العقد وان كان اداريو النادي يميلون الى الاعتقاد ان كانتونا أعطى أفضل ما لديه ولا يرغبون في التعاقد معه لأجل طويل فهو سيبلغ قريباً الحادية والثلاثين وهو لا يغري الفرق الايطالية والاسبانية الكبرى بالتعاقد معه. وقد أشار مارتن ادواردز رئيس مانشستر يونايتد الى ان سن كانتونا ستؤخذ في الاعتبار قبل تجديد عقده. وثمة احتمالات كثيرة أمام النجم الفرنسي المشاغب منها العودة الى فرنسا ومنها التوجه الى اليابان أو الى الولاياتالمتحدة. ولا يستبعد البعض ان يكون كانتونا الخليفة المحتمل لفيرغسون في تدريب الشياطين الحمر،پوهكذا يكون قد عمل في صفوف النادي لاعباً وقائداً للفريق ومدرباً