في كتابه الجديد الصادر عن "المركز الثقافي العربي" يتقدم الكاتب السعودي عبدالله الغذّامي بواحد من البحوث الجريئة التي ترقى - من حيث الاهمية - الى مصاف ما كتبه بعض كتاب عصر النهضة حول تحرير المرأة العربية. والغذّامي يتقصى علاقة المرأة بالكتابة، باعتبار الكتابة مستعمرة ذكورية حسب مصطلحه، وفي منطويات مادته يتعرض الى تبعات اضطهاد المرأة في المجتمع، لما له من ارتباط مع مكونات الوعي الثقافي العربي لدى المرأة والرجل معاً. ويتوقف عند التاريخ الأدبي العربي بقطبيه المتجاذبين المرأة كموضوع وكذات مبدعة. كما يتحرك على خلفية تهدف الى تجزئة التركيبة اللغوية في كتابة النساء مستخدما القياس السايكولوجي في تعريف محفزات السلوك الابداعي عند المرأة. الرموز وتسميات الحياة يعتبر كتاب البريطانية ديل سبندر "لغة من صنع الرجال" احد أهم المراجع الابستمولوجية التي جعلت من المادة اللغوية مدخلاً لتبيان خارطة التميز الجنسي التي تذهب الى ان الذكر هو القاعدة والانثى هي الاستثناء. تسعى سبندر، عبر تتبع نشوء اللغة كعلامات ترميزية، الى معرفة الطريقة التي تشكلت عبرها محددات الوعي بالعالم، والمبادئ التي تكمن وراء تقسيم البشر الى رجال صنّاع لهذا العالم، ونساء عليهن ان يعشن تحت كنفهم. أما الغذّامي فيرى ان غياب الأنوثة عن التاريخ يعود الى غيابها عن اللغة، وعن كتابة الثقافة. وللخروج من أزمة هذا الغياب عليها ان تملك القدرة على تأنيث اللغة أو أنسنتها لتكون للجنسين معاً. وتمثل شهرزاد، حسب دراسة الغذّامي، زمن الحكي في الكتابة، ففي ألف ليلة وليلة دخلت شهرزاد كزمن ثقافي وحضاري في صراع من أجل بقاء الذات، وبقاء الجنس جسدياً ومعنوياً. وهذا الأمر تحقق من خلال سحر البيان وطلاوته... وهو يرى ان هناك تماثلاً بين الجسد والنص لحكايات الليالي من حيث القدرة على التناسل. وهنا يفترض الكاتب أن النص كتب من قبل امرأة أو مجموعة نساء، ويقيم الدليل على كون النص مرافعة نسائية من اجل بقاء المرأة كجنس بشري ازاء موقف الرجل الذي يمثل القوة النافية لوجودها. يؤكد الغذامي أن ألف ليلة وليلة تمثل ثقافة مرحلة كانت المرأة تدافع فيها عن وجودها، وهي في خضم هذا الصراع تقبل أن تكون جارية، حتى ولو كانت سيدة، لتقنع الرجل بفاعليتها في الحياة. احتاجت المرأة سنوات طويلة لكي تنتقل من زمن الحكي الى زمن الكتابة، ويسجل مطلع هذا القرن ظهور كاتبات رائدات مثل باحثة البادية ومي زيادة، والاثنتان انتهتا الى الجنون بعد أن حاصرتهما وجدانياً سلطة الرجل في هذا الميدان، تلك السلطة التي لا تقبل دخول امرأة الى مملكتها. المرأة ضد الانوثة في مبحثه عن ضمير اللغة، يرصد المؤلف احالات الضمائر لدى الكاتبات العربيات. فالكاتبة العربية، كما يقول، لا تحسن الكلام عن ذاتها الا اذا فكرت في هذه الذات بوصفها ذكراً. وبدلاً من أن تنجح في تأنيث المكان، تولّى المكان ذاته تذكير أنوثتها، وهي تحتاج الى سنين من الفعل اللغوي لكي تتجاوز هذا المأزق. فهناك الكثير من الكتابات الانثوية التي تمثل هروباً من الانوثة وترفعاً عن الجسد المؤنث. ويرى الباحث السعودي ان كتابة المرأة في الغالب، تكشف عن قلق ابداعي حاد تتصارع فيه شروط الانوثة مع شروط الفحولة، من حيث ان القلم لما يزل رجلاً. كما يرى، في المقابل، ان ذاكرة الكاتبة العربية ما زالت تحمل صورة الجارية او الضحية، وسيظل الوجه السالب مخبوءاً تحت الكلمات وخلف المجازات. وهو يرى ان تأنيث اللغة، أو في الأقل انسنتها، لن تتحقق الا بعد أن تكتنز الذاكرة الثقافية بالمعنى المؤنث والانوثة، وهو شرط لم يتحقق بعد لكن الكاتبة العربية تسير في اتجاهه. يحفل كتاب الغذامي بشروح مستفيضة لافكاره، وهي على اهميتها، موزعة في حيز يعاني بعض الاضطراب والتكرار. لكن اسلوبه الممتع يتجاوز ثغرات كثيرة من هذا النوع. ونلاحظ أن تصوره عن شروط الكتابة الانثوية البديلة، بقي غامضاً إلى النهاية. فالنماذج التي يسوقها، باعتبارها بداية التحول في اسلوب الكاتبة العربية، لا توحي بالاختلاف كثيراً عن كتابات سبقتها او لحقتها. وفي كل الاحوال يحتفظ كتاب الغذامي بقيمته المميزة بين كتب أخرى حاولت في هذا الميدان، ولكنها لم تبحث خارج البلاغة العربية، عن بلاغة تخص النساء