لم تكن هناك حاجة الى الانتظار طويلاً لمعرفة نتائج المحادثات التي اجراها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو مع الرئيس بيل كلينتون في واشنطن، اذ اتضح بسرعة انها لم تثمر أي تقدم، وانّ الجانب الاسرائيلي خرج منها متمسكاً بمواقفه المعروفة سلفاً والمسؤولة بشكل مباشر عن الشلل الكامل الذي وصلت اليه جهود السلام في الشرق الأوسط. وفيما كان الرئيس الأميركي صريحاً الى حدّ ما في وصف الأجواء الصعبة التي أحاطت بمحادثاته مع نتانياهو، لا سيمّا من خلال تعمده استخدام عبارات ديبلوماسية تخصّص عادة لإظهار عدم التوصل الى أي اتفاق أو تفاهم على المواضيعپالمطروحة، مثل قوله ان الاجتماع "اتسم بالصراحة والجدية البالغة"، فإن رئيس الحكومة الاسرائيلية حاول اشاعة الانطباع بأن مواقف الجانبين كانت "متطابقة"، وانهما اتفقا على "ضرورة مقاومة الارهاب لضمان احراز أي تقدم في عملية السلام". لكنّ اللافت أكثر من غيره في المحادثات الأميركية - الاسرائيلية والنتائج التي أسفرت عنها لم يكن متعلقاً بالاجواء التي خيّمت عليها أو بنقاط التلاقي والاختلاف في مواقف الجانبين، فهذه كانت معروفة ومتوقعة أصلاً، بل انه تركّز تحديداً على مدى ما أثبتته تلك المحادثات من صحة المخاوف التي كانت أعربت عنها أوساط عربية وأوروبية وأميركية حيال ما يمكن ان تحققه، خصوصاً على صعيد موقف الادارة الأميركية واستعدادها للضغط على الحكومة الاسرائيلية بهدف ادخال تعديل على سياساتها. كلينتون: عجز أم اقتناع؟ والواقع ان محادثات واشنطن ونتائجها برهنت عن ان تلك المخاوف كانت في محلّها تماماً، بل وربما الى حد فاق أكثر التقديرات والتوقعات تشاؤماً. فالاقتناع الذي أعرب عنه قادة ومسؤولون عرب وأوروبيون ومراقبون أميركيون واسرائيليون قبيل توجه نتانياهو الى الولاياتالمتحدة، وكان مفاده ان الرئيس كلينتون ليس في وارد ممارسة أيّ ضغوط جدية على الجانب الاسرائيلي، أثبت صحته. وسرعان ما تبيّن "ان التحرك الأميركي لانقاذ ما كان لا يزال قابلاً للانقاذ من عملية السلام جاء فعلاً أقل من اللازم ومتأخراً أكثر من اللازم"، على حدّ تعبير مصدر عربي. وسواء كانت هذه السياسة من جانب الرئيس كلينتون وادارته ناتجة عن شعور ما بالعجز عن الضغط على نتانياهو، أم نابعة من الاقتناع بصحة طروحاته أو بعضها على الأقل، فإن النتيجة المترتبة عنها تظل واحدة، وعلى درجة كبيرة جداً من الخطورة، اذ انها تعبّر عن تغيّر جذري في نظرة الولاياتالمتحدة الى الدور المطلوب منها في عملية السلام، والمدى الذي يمكن ان تصل اليه في تحركاتها الرامية الى المحافظة على استمرار هذه العملية ودفعها الى الأمام. وينطوي هذا التغيّر في النظرة الأميركية على تحوّل حقيقي في طبيعة عملية السلام نفسها، وهو تحوّل يصب تماماً في مصلحة الطريقة التي طالما نظر نتانياهو من خلالها الى تلك العملية. ولعلّه بات ممكناً القول ان ادارة كلينتون تخلّت عملياً عن الالتزامات الأصلية التي كانت الولاياتالمتحدة قطعتها على نفسها أيام الرئيس السابق جورج بوش ووزير خارجيته جيمس بيكر عندما وجهت رسائل الدعوة والضمانات التي انطوت عليها لأطراف النزاع مكرّسة بذلك انطلاق عملية السلام في مؤتمر مدريد العام 1991. أسس السلام المفقودة لقد شكلت هذه الالتزامات أساس الدور الذي لعبته واشنطن طوال السنوات الماضية بصفتها راعياً للعملية السلمية ووسيطاً فعّالاً ومباشراً بين فرقائها، كما انها كانت الأساس الذي قامت عليه العملية نفسها. أمّا أهم مقوماتها فهي الإقرار بشرعية القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن في شأن الصراع العربي - الاسرائيلي، خصوصاً القرارين 242 و338، وضرورة تنفيذها، واعتبار الأراضي العربية التي استولت عليها اسرائيل العام 1967 أراضي محتلة، بما في ذلك القدسالشرقية، والتعامل معها سياسياً وقانونياً على هذا الأساس. وهذا ما يعني الاعتراف ضمناً بحتمية انسحاب الاسرائيليين منها في نهاية المطاف وفي اطار أي تسوية شاملة ودائمة للصراع. واستناد العملية السلمية برمتها على مبدأ "الأرض مقابل السلام" باعتباره المرجعية التي لا بد لهذه العملية ان تقوم عليها. واعتماد هذا المبدأ على جميع مسارات التسوية مع التركيز في الوقت نفسه على الطابع "المرحلي" للتسوية على المسار الفلسطيني، حيث يكون التوصل الى "الوضع الانتقالي" الموقت وقيام سلطة الحكم الذاتي في الضفة الغربية وقطاع غزة مدخلاً نحو الوصول الى الاتفاق على "الوضع النهائي" لتلك الأراضي، والابقاء في هذا المجال على الباب مفتوحاً أمام احتمال قيام دولة فلسطينية مستقلة فيها. كما اشتملت هذه المقومات الأساسية للالتزامات الأميركية ورسالة الدعوة والضمانات التي انطوت عليها على ضرورة عدم فتح ملف القدس حتى المرحلة النهائية، وتجنّب القيام بأي اجراءات من شأنها تبديل وضع الأراضي المحتلة الجغرافي أو الديموغرافي أو السياسي أو القانوني في ظل استمرار المفاوضات، وصولاً الى اعتبار النشاط الاستيطاني الاسرائيلي فيها أمراً غير قانوني لا بدّ من تجميده خلال سير العملية وحتى التوصل الى الاتفاق على الوضع النهائي فيها. لكنّ الملاحظ بشكل مثير للاهتمام حالياً ان جميع هذه المرتكزات والمبادئ باتت غائبة تماماً عن الخطاب السياسي لإدارة كلينتون، وعن تعاملها اليومي مع العملية السلمية، علماً بأن هذه العملية أصبحت في أمسّ الحاجة الى التذكير من جديد بالأسس التي قامت عليها. وحلّت مكانها، في المقابل، الدعوة المتكررة الى "إدانة العنف ومقاومة الارهاب" باعتبارها "الأولوية التي يجب ان تتركّز عليها الجهود السلمية". وقد لا يكون هذا الشعار في حدّ ذاته موضع خلاف بين الفرقاء لو أنّه ظل مقترناً بالمبادئ الأساسية الأخرى للسلام. لكنّ غياب هذه الأخيرة شبه الكامل عن مقاربة واشنطن الحالية لمساعي التسوية يذكّر بالمقاربة إياها التي اعتمدها نتانياهو قبل وصوله الى السلطة وبعده. وبينما أدى نجاح تكتّل "ليكود" اليميني وزعيمه نتانياهو في الانتخابات الاسرائيلية الى تباين في آراء المحللين السياسيين حول الأثر الذي ستتركه هذه النتيجة على العلاقات الأميركية - الاسرائيلية وعلى عملية السلام عموماً، فإنه أثار في المقابل تساؤلات عن الطريقة التي ستتعامل بها ادارة كلينتون مع الوضع الناشئ في الدولة العبرية، خصوصاً اذا ما عمدت الحكومة اليمينية الجديدة الى اتباع سياسات تتعارض مع السياسة الأميركية حيال التسوية. وفي مقابل التوقعات "المتشائمة" التي ذهب بعضها الى حد وصف مجيء نتانياهو الى الحكم بپ"الكارثة على السلام وعلى المنطقة"، والتي صدرت خصوصاً من جانب الأوساط الاسرائيلية العمالية والليبيرالية، كان هناك رأي أكثر تحفظاً دعا الى منح الزعيم اليميني "منفعة الشك"، معتبراً أن "نتانياهو الحاكم لا بد ان يكون مختلفاً عن نتانياهو المعارض"، وانه سيتحلى بالواقعية وسيصطدم بحقائق الوضع على الأرض، وسيتجنب الاحتكاك مع الولاياتالمتحدة. "الفرصة الأخيرة"؟ وكان التوصل الى اتفاق الخليل قبل أشهر مناسبة اعتبرت "نقطة تحوّل جوهرية" في طريقة تعامل نتانياهو مع المسيرة السلمية، الى جانب كونه "الدليل الملموس على استمرار الادارة الأميركية بتحمّل مسؤولياتها وتمسكها بالتزاماتها حيال العملية". لكن أحداث الأسابيع الماضية جاءت لتثبت عكس ذلك تماماً. فلا رئيس الوزراء الاسرائيلي أدخل تعديلات حقيقية على مواقفه وسياساته، ولا الرئيس كلينتون نجح في انتزاع مثل هذه التعديلات أو البناء على "الانجاز" الذي تحقّق في الخليل، بل سارت الأمور في اتجاه مغاير بالكامل. والواقع ان الخطوات التي سارع نتانياهو الى اتخاذها في أعقاب توقيع "بروتوكول الخليل" لم تؤدّ الى نسف أي نتائج ايجابية نجمت عن ذلك الاتفاق فحسب، بل انها أدت عملياً الى نسف المسار الفلسطيني برمته. وتكمن الخطورة الكبرى في كل ما يجري حالياً في ان نتانياهو تمكّن من تنفيذ هذه الخطوات من دون إثارة أي رد فعل سلبي من جانب الرئيس كلينتون وادارته. فالحكومة الاسرائيلية امتنعت عن تنفيذ أيّ من البنود التي تضمنها "اتفاق الخليل"، بما في ذلك التعهد بتسهيل فتح مطار غزة ومرفأها، وفتح المعبر الآمن بين الأراضي التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية في الضفة والقطاع. وعندما حان الوقت لبدء الانسحاب الاسرائيلي المرحلي من المناطق الريفية في الضفة الغربية، نكث الجانب الاسرائيلي بالتفاهم الضمني الذي تم التوصل اليه مع الفلسطينيين - والأميركيين - والذي كان يفترض ان تتضمن المرحلة الأولى من هذا الانسحاب ما نسبته 30 في المئة من الأراضي، لتتراجع الى أقل من 10 في المئة. وتم تتويج هذه الخطوات طبعاً بقرار اقامة المستوطنة اليهودية الجديدة في منطقة جبل أبو غنيم المطلة على القدس، والذي كان واضحاً ان الهدف الرئيسي منه هو استكمال "تطويق" المدينة جغرافياً وديموغرافياً وعزلها عن سائر الأراضي الفلسطينية في الضفة، وبالتالي اجهاض أي محاولة للبحث في مستقبلها أو بالصيغة التي سيرسو وضعها عليها في محادثات المرحلة النهائية. ولم يكتف نتانياهو بذلك، بل رفع شعار "التخلي عن المرحلية" على المسار الفلسطيني والدعوة الى اقرار الوضع النهائي للأراضي المحتلة عن طريق بدء المحادثات في شأنه فوراً. وأمام هذا النسف المتعمد للمرتكزات والأسس التي قام عليها المسار الفلسطيني منذ البداية، والتي كان يفترض ان الولاياتالمتحدة ملتزمة المحافظة عليها، اتجه الاهتمام الى محادثات كلينتون - نتانياهو في واشنطن على اعتبار انها قد تكون "الفرصة الأخيرة" لانقاذ هذا المسار من الانهيار الشامل الذي بات محدقاً به. لكن ذلك كان سيتطلب من الرئيس الأميركي الاقدام على ما لم يقدم عليه حتى الآن، وهو توجيه انتقاد صريح الى رئيس الوزراء الاسرائيلي وسياساته، ومطالبته بالعودة عن الاجراءات التي قام بها، أو أقله تجميدها ريثما يتم ارساء قواعد العملية السلمية على أسسها الأصلية. وكان واضحاً ان التوصل الى تفاهم كهذا هو "الحد الأدنى" المطلوب لانجاح المفاوضات، خصوصاً بعدما أعلن الرئيس ياسر عرفات صراحة انه لن يكون ممكناً استئناف عملية السلام على المسار الفلسطيني في ظل استمرار اسرائيل في عمليات الاستيطان. من الاحباط الى فقدان الامل وعلى رغم الاجماع العام الذي ميّز مواقف زعماء ومسؤولين حاليين وسابقين وخبراء عرب وأوروبيين وأميركيين وحتى اسرائيليين ممَن دعوا الى ضرورة "اعتماد الرئيس كلينتون موقفاً حازماً" في تعامله مع نتانياهو وبذل ما يلزم من ضغوط عليه للخروج من المأزق، فإنّ الموقف الأميركي الرسمي ظل حريصاً على تجنب ذلك. ولم تفلح المحاولات التي بذلها الملك حسين للتوصل الى صيغة حل وسط تقوم على اعلان الحكومة الاسرائيلية "تجميد" أعمال الاستيطان مدة 6 أشهر في نيل موافقة رئيس الوزراء الاسرائيلي، أو حتى في الحصول على تبنّ رسمي لها من جانب الرئيس الأميركي. بل انه كان ملاحظاً حرص كلينتون وغيره من مسؤولي الادارة على تجنب الاشارة، ولو مواربة، الى قضية الاستيطان أو توجيه أي انتقاد اليها والى سواها من خطوات نفذتها الحكومة الاسرائيلية وكانت لها آثار سلبية على العملية السلمية، وحصر مثل هذه الانتقادات في المقابل بپ"أعمال العنف والارهاب"، وتوجيه الدعوات تكراراً الى الجانب الفلسطيني بضرورة العمل على وقفها ومكافحتها باعتبارها هي دون غيرها مصدر الخطر الذي يهدد السلام حالياً. وبهذا يكون الرئيس كلينتون تبنّى بشكل كامل تقريباً موقف رئيس الوزراء الاسرائيلي من العملية السلمية، ومن الأسباب التي أدت الى بروز الصعوبات التي تواجهها، ومن الوسائل المطلوبة لاعادة تحريك هذه العملية، والأهداف المنشودة منها. وبهذا أيضاً تكون صحت توقعات المتشائمين ومخاوفهم التي استبعدت أصلاً إمكان قيام الرئيس الأميركي بالضغط على نتانياهو أو انتقاده أو حمله على تغيير مواقفه. وتصبح حال الاحباط والغضب التي تساور العديد من الزعماء العرب الذين التزموا العملية السلمية وعلقوا عليها الآمال منذ البداية مفهومة ومبررة تماماً. ولم تعد المصادر العربية القريبة مثلاً من الرئيس حسني مبارك والملك حسين والرئيس عرفات تتردد في الحديث عن "فقدان الأمل" الذي يميّز توقعاتها في شأن مستقبل السلام واحتمالات التسوية في المنطقة. وهذا الموقف لم يعد حكراً، في الحقيقة، على القادة العرب، بل انه يسيطر على العواصم الأوروبية ويصل الى واشنطن بالذات، اضافة الى الأوساط الاسرائيلية المعارضة لنتانياهو وسياساته. ما بعد السلام الضائع ومهما حاولت مصادر الادارة الأميركية الايحاء الآن بأنها لا تزال مستمرة في مساعيها لاستئناف المفاوضات، وعملت على اشاعة جو من الترقب بأن ثمة احتمالات بتفادي الانهيار والحؤول دون المواجهة، فإن مواقفها العملية لا تشير حتى الآن الى انها تمكنت فعلاً من استيعاب حجم المأزق الذي بات مسيطراً على الوضع القائم. وفيما اشاعت الادارة "جواً من الاهتمام" بالمحادثات التي عقدها في واشنطن وفد فلسطيني رفيع المستوى توجه اليها بعد اختتام زيارة نتانياهو وضم السيد محمود عباس أبو مازن والدكتور صائب عريقات والدكتورة حنان عشراوي، وأشارت مصادرها الى ان تلك المحادثات استهدفت "التوصل الى نقاط مشتركة في شأن أفكار أميركية محددة طرحت على الجانب الفلسطيني"، فإن مصادر "الوسط" في واشنطن ذكرت في المقابل ان "الأفكار الأميركية ليست أكثر من تعديلات شكلية على جوهر التفكير الاسرائيلي الذي طرحه نتانياهو خلال محادثاته مع الرئيس كلينتون". وأضافت: "لا يزال الموقف الأميركي ينطلق من مطالبة الجانب الفلسطيني بالعمل على وقف أعمال العنف والارهاب أولاً، واستئناف التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية واسرائيل، والعودة الى المفاوضات حول استكمال ترتيبات الوضع النهائي، وذلك كله من دون ان يتطرق الى أي مقترحات ملموسة أو ضمانات محددة في شأن وقف الاستيطان أو تجميده، سواء في جبل أبو غنيم أو في المناطق الفلسطينية الأخرى". وقد تجد السلطة الفلسطينية نفسها ملزمة بالموافقة، ولو مرغمة، على "الأفكار" الأميركية. كما ان ذلك قد يؤدي الى استئناف المفاوضات بشكل أو بآخر. لكن هذا لن يكون مؤشراً فعلياً على ان المسار الفلسطيني - الاسرائيلي سيكون مرشحاً في هذه الحالة الى العودة الى اتجاه سليم يؤهله لتحقيق أهداف مشتركة كانت محددة له أصلاً. فمصادر "الوسط" من فلسطينية وعربية الى أوروبية وأميركية، تكاد تكون مجمعة على ان هذا المسار والعملية السلمية إجمالاً، سيظل مفتقراً الى الأسس المبدئية التي لا بد من توافرها لكي يتمكن من السير قدماً. وتضيف هذه المصادر: "طالما ظلت المواقف التي تبناها الرئيس كلينتون وادارته متطابقة عملياً مع مواقف رئيس الوزراء الاسرائيلي وحكومته اليمينية، فإنّ ذلك يشكل حكماً بالاعدام على عملية السلام ونهاية فعلية لها. فهذه العملية، كما عرفناها منذ مؤتمر مدريد واتفاق أوسلو، انتهت. والمحاولات الأميركية الحالية ليست أكثر من سعي الى العثور على مفهوم جديد لعملية جديدة ومختلفة كثيراً في أسسها وأهدافها عن سابقتها. وهذا ما أراد نتانياهو تحقيقه منذ وصوله الى السلطة، وهو ما وقعت الادارة الأميركية في فخ القبول به والرضوخ لمجرياته. وعوض ان تعمل هذه الادارة على إقناع بيبي بتعديل مواقفه، نجح هو في حملها على تغيير أسس سياستها… هذا هو المأزق الحقيقي، وهي المشكلة التي فتحت الباب الآن أمام ضرورة البدء في البحث جدياً عن البدائل التي يمكن ان تبرز في المنطقة في المرحلة المقبلة التي سيكون من الممكن تسميتها مرحلة ما بعد السلام الضائع…". فهل ستكون هذه المرحلة انتفاضة فلسطينية جديدة تختلط فيها هذه المرة الحجارة بالأسلحة والدبابات والعبوات الانتحارية الناسفة، أم انها ستتجاوز ذلك لتصل الى مواجهة شاملة لا تقتصر على الأراضي الفلسطينية بل تمتد لتشمل أيضاً المسارين السوري المجمد واللبناني المرشح بدوره للانفجار؟ وهل تعود المنطقة برمتها لتصبح بؤرة صراع، أو صراعات، متأججة في انتظار التوصل الى صيغة جديدة تكفل انطلاق عملية سلام جديدة؟ لا بدّ ان تتضح معالم الاجابة عن هذه الأسئلة خلال الأيام والأسابيع الساخنة المقبلة