أسدل الستار في 21 كانون الاول ديسمبر الجاري على بطولة القارات الثالثة لكرة القدم على كأس الملك فهد التي استضافتها السعودية لمدة 10 ايام واقيمت مبارياتها على ستاد الملك فهد في الرياض. وتوجت البرازيل بطلة للدورة بفوزها الساحق بستة اهداف نظيفة في المباراة النهائية على استراليا في حين حلت تشيخيا في المركز الثالث على حساب الاوروغواي التي اكتفت بالمركز الرابع. والبطولة تفيد مادياً الفرق المشاركة اذ تنال كل واحدة منها 750 الف دولار لمجرد المشاركة في حين يحصل كل من الثالث و الرابع على مليون و250 الف دولار مقابل 5،1 مليون دولار للثاني ومليون و750 الف دولار للبطل. ويبدو ان البطولة ودعت السعودية ولن تعود اليها قبل فترة لان الاتحاد الدولي الذي بات يشرف على الدورة ويعتمدها في برنامجه قرر نقلها من قارة الى اخرى حفاظاً على مبدأ العدالة في التنظيم على غرار ما يحصل في كأس العالم. وستجري اللجنة التنظيمية للدورة التابعة للاتحاد الدولي فيفا تقويماً للدورة في منتصف الشهر المقبل وسترفع تقريراً عن البطولة الى المكتب التنفيذي لفيفا كي يدرس الحسنات والسيئات قبل اتخاذ الاجراءات المتعلقة بمستقبل الدورة. ومن المتوقع ان يتبدل النظام الحالي للدورة بحيث تقام المباريات في اكثر من مدينة واكثر من ملعب وفقاً لما جاء على لسان الامين العام ل"فيفا" جوزف بلاتر خلال وجوده في الرياض. كما ان الفترة الفاصلة بين المباريات ستكون اطول لتجنيب اللاعبين الارهاق ما يدفعهم الى تقديم مستويات راقية. وسيتبدل موعد الدورة أيضاً ليصبح في منتصف كانون الثاني يناير حين يكون دوران عجلة كرة القدم بطيئاً في معظم القارات. وتبدو حظوظ استراليا قوية في استضافة البطولة الرابعة بعدما تقدمت بطلب غير رسمي ويأمل المسؤولون الاستراليون في ان تعطي بطولة القارات في حال نظموها، زخماً لكرة القدم في بلادهم لتصبح في المستوى نفسه لرياضتي الكريكيت والرغبي... ونجحت السعودية في تنظيم البطولة الثالثة بعدما كان نجاحها في الدورتين الأولى والثانية وراء اقتناع فيفا بضرورة اعتماد البطولة ضمن برنامجه. وكانت الدورة خير "مروج" للكرة الهجومية اذ شهدت مبارياتها الپ16 تسجيل 52 هدفاً اي بمعدل 25،3 اهداف في المباراة الواحدة وهي نسبة مرتفعة جداً لم تشهدها الدورات الاخرى التي يشرف عليها الاتحاد الدولي في السنوات الاخيرة. وقد توج البرازيليروماريو هدافاً للدورة بعدما تمكن من هزّ الشباك سبع مرات، وتفوق بالتالي على التشيخي سميتشر الذي سجل خمسة اهداف. وجاء في المركز الثالث الظاهرة البرازيلية رونالدو باربعة اهداف وهو الذي لم يقدم المردود المتوقع منه الا في نصف النهائي والمباراة النهائىة. اما لقب افضل لاعب والكرة الذهبية فكانا من نصيب البرازيلي دنيلسون اغلى لاعب في العالم امام مواطنه روماريو صاحب الكرة الفضية والتشيكي سميتشر صاحب الكرة البرونزية. كما اختار فنيون افضل 11 لاعباً في الدورة ليشكلوا فريق "ماستر كارد" للنجوم الذي ضم لاعباً عربياً واحداً هو الحارس السعودي محمد الدعيع. والى جانب تقويم الدورة والتنظيم وتحديد المستقبل، سنركز قليلا على تقويم مستويات الفرق في الدورة ولا سيما التي ستخوض نهائيات المونديال قبل ستة اشهر من افتتاح اكبر حدث رياضي في العالم. نصف فرق البطولة تستعد لخوض النهائيات وهي البرازيل والسعودية وجنوب افريقيا والمكسيك في حين حاولت الفرق الاربعة الاخرى تعويض ما فاتها في تصفيات المونديال بعدما فشلت في تخطي عقبتها. "راقصو السامبا" اكدوا للمشككين انهم "القوة الضاربة" في العالم الكروي في الوقت الحالي وسيسعون الى الاحتفاظ بلقبهم العالمي الذي احرزوه العام 1994 في الولاياتالمتحدة. وقدم البرازيليون في المباراة النهائىة وحدها ما يكفي لبث الرعب في نفوس اقوى المنتخبات العالمية التي تمني النفس باطاحة البرازيل عن عرش كرة القدم الصيف المقبل. وتحدى مدرب استراليا الانكليزي تيري فينابلز منتخب البرازيل قبل النهائي واطلق تصريحات نارية اثارت حفيظة مدرب البرازيل ولاعبيه فكان الردّ فوق المستطيل الاخطر بستة اهداف نظيفة جعلت فينابلز يعض اصابعه ندماً على تصريحاته. واعتمد مدرب استراليا في تحديه على عرض فريقه القوي في مباراة الدور الاول بين الطرفين التي انتهت بالتعادل السلبي. وظن فينابلز انه تعلم الكثير بعد المباراة الاولى وبامكانه الاستفادة من معرفته بالفريق البرازيلي في النهائي، لكن النتيجة النهائية تدل على ان زاغالو هو الذي حفظ الدرس جيداً بعد المباراة الاولى وعرف كيف يسير الامر في مصلحته في النهائي. واثبت زاغالو لنفسه اولا انه يملك فريقاً قادراً على الاحتفاظ باللقب العالمي، كما أثبت للجميع ان بامكان البرازيل الفوز بالألقاب مع توفير قسط كبير من الفن والاستعراض. وكانت الانتقادت رافقت المنتخب البرازيلي منذ بداية الدورة لعروضه غير المقنعة رغم الانتصارين على السعودية 3/صفر وعلى المكسيك 3/2 والتعادل مع استراليا من دون اهداف قبل تخطي تشيخيا في نصف النهائي بهدفين نظيفين. ووجهت اسهم الانتقادات الى رونالدو لأنه لم يقدم اي لمحة ولم يسجل اي هدف حتى الدور نصف النهائي تاركاً "النجومية" لرفيقه في الهجوم روماريو. واسكت رونالدو منتقديه في المباراة النهائية عندما سجل ثلاثة اهداف وانهى البطولة بالحذاء البرونزي. وفي المباراة النهائية خيل للمتابعين انهم يتابعون فريقاً من كوكب آخر اذ بلغ لاعبو البرازيل درجة عالية جداً من التفاهم حتى باتت العابهم الفردية كأنها اسلوب جماعي. ولم يخف زاغالو اعجابه بالامر فتكلم عنه واستفاض في شرحه خلال المؤتمر الصحافي الذي أعقب المباراة. والاستماع الى زاغالو وهو يفصل اي مباراة امر ممتع ومفيد اذ بشرحه المفصل يرد على تساؤلات واسئلة الصحافيين من دون ان يطرح هؤلاء اي سؤال. وسجل زاغالو في التدريب ىؤكد ان البرازيل في اياد امينة لقيادة حملة الدفاع عن اللقب، فزاغالو احرز لقب المونديال كلاعب عامي 58 و62 قبل ان يقود البرازيل الى لقب بطولة العالم 70 كمدرب. وكانت له يد في الانتصار الذي تحقق العام 94 اذ كان مساعد المدرب كارلوس البرتو باريرا مدرب السعودية حالياً. وبعد اللقب العالمي ترك باريرا منصبه فاستلم زاغالو دفة ابطال العالم وقادهم الى لقب بطولة اميركا الجنوبية الصيف الماضي والى لقب القارات الاسبوع الماضي. ولا تزال امام زاغالو فترة ستة اشهر لاختبار تشكيلته الاساسية في مواجهة اساليب لعب مختلفة استعداداً للمونديال ومن الجنون المراهنة ضد البرازيل لاحراز اللقب. على صعيد اللاعبين اثبت روماريو ان شهيته في تسجيل الاهداف بخير اذ سجل سبعة اهداف في خمس مباريات وتوج هدافاً للدورة، وذلك رغم مشاكله مع ناديه الاسباني فالنسيا وعدم اشتراكه اساسيا معه في الفترة الاخيرة لخلافات مع المدرب. والمباراة النهائية دلت على خطورة ثنائي الهجوم رونالدو وروماريو اذ سجل كل منهما ثلاثة اهداف. كما حقق زاغالو ضربة معلم عندما استدعى دونغا الذي يلعب في الدوري الياباني ليعود الى مركزه في وسط الملعب رغم بلوغه الثالثة والثلاثين من العمر... وبرز دونغا في كل مباريات البرازيل في الدورة وكان افضل لاعب في الدورة برأي الكثيرين رغم ان اللقب ناله زميله دنيلسون. واثبت اختيار دنيلسون ليكون افضل لاعب في الدورة ان من يقدم مجهوداً هجومياً يبرز اكثر من منظم الفريق ولاعب الوسط الدفاعي ولو قام الاخير بمجهود مضاعف... اما استراليا وصيفة البرازيل فحققت نتيجة طيبة رغم انهيارها في النهائي ولا سيما بعد طرد المهاجم فيدوكا واستقبال شباكها ستة اهداف بواقع ثلاثة اهداف في كل شوط. ولو قيل لاسترالي ان فريقه سيحتل المركز الثاني في نهاية البطولة لهزأ من الامر وضحك لأنه أمر لا يصدق. لكن استراليا تخطت الدور الاول بعد فوز على المكسيك 3 / 1 وتعادل سلبي مع البرازيل وخسارة امام السعودية بهدف مقابل لا شىء، وفي نصف النهائي خطفت الهدف الذهبي في مرمى الاوروغواي وصعدت للقاء البرازيل. ويمكن القول ان استراليا اثبتت لنفسها انها قادرة على المنافسة دولياً وان الخسارة امام ايران والخروج من المونديال باتا من الماضي. منتخب تشيخيا احتل المركز الثالث على حساب الاوروغواي بهدف مقابل لا شيء محققاً الثأر اذ خسر امام الخصم نفسه في الدور الاول 1/2. وبرز من الفريق التشيخي ثلاثة لاعبين هم في الوسط نيدفيد لاعب لاتسيو روما الايطالي ونيميتش القائد وفي الهجوم سميتشر مهاجم لنس الفرنسي الذي سجل خمسة اهداف في البطولة. ويمكن اعتبار الاوروغواي اكتشاف البطولة اذ قدمت وجوها جديدة على الساحة الكروية ولا سيما اوليفيرا وسيلفا وزالاييتا وريكوبا وكلهم مصدر خطورة على الخصم. والجيد في الاوروغواي هي نسبة الاعمار المنخفضة للفريق ما يعني انه مع الوقت واكتساب الخبرة سيكون لهذا الفريق شأن كبير. في ما يختص بممثلي العرب في البطولة فشلت السعودية في تخطي الدور الاول رغم فوزها على استراليا اذ كانت قد انهارت امام المكسيك وخسرت بخمسة اهداف نظيفة وامام البرازيل بثلاثة اهداف نظيفة في الافتتاح. وسيعمل المدرب الجديد للفريق البرازيلي باريرا على تحضير اللاعبين بدنياً ونفسياً لخوض الاستحقاق الكبير الصيف المقبل. وتكثر الضغوطات على باريرا لتكرار الانجاز الذي تحقق في الولاياتالمتحدة بالتأهل للدور الثاني على الأقل. اما الامارات التي اضاعت فرصة ثمينة للتأهل للنهائيات فكان مستواها معقولاً رغم السقوط امام الاوروغواي في الافتتاح وامام تشيخيا في نهاية الدور الاول بستة اهداف مقابل هدف واحد. وهي قدمت افضل عروضها امام جنوب افريقيا وهزمتها بهدف مقابل لا شيء. اما جنوب افريقيا فانها لا تزال تعاني عندما تلعب خارج ارضها بعيداً عن جمهورها. فأبطال افريقيا حققوا انجازهم على أرضهم لقب بطولة افريقيا 96 وتغلبوا على فرق قوية في جوهانسبورغ لكنهم عند خروجهم من معقلهم لم يحققوا الكثير فخسروا امام المنتخبات العالمية مثل البرازيل وانكلترا والمانيا وفرنسا قبل ان يتعادلوا مع تشيخيا ويخسروا امام الامارات والاوروغواي في بطولة القارات. ولم يكن المدرب كلايف باركر راضياً عن المستوى في بطولة القارات ففجر قنبلة فور وصول الفريق الى جوهانسبورغ اذ اعلن استقالته وفرض على المسؤولين البحث عن مدرب للتحضير لنهائيات المونديال، وربما وقع الاختيار على فينابلز. اما المكسيك فحققت بداية سيئة بخسارة امام استراليا لكنها "حلمت" بالتقدم اكثر بعد فوزها على السعودية بخمسة اهداف، وتحطم الحلم على اقدام لاعبي البرازيل الذين فازوا بثلاثة اهداف مقابل هدفين. واذا كان ما حصل في بطولة القارات من لعب مفتوح ونسبة اهداف، مقبلات لما سيحصل في نهائيات المونديال الفرنسي فجمهور كرة القدم على موعد مع مستويات رفيعة وكرة هجومية هو في امس الحاجة الى متابعتها بعد تراجع الهجوم لمصلحة الدفاع وحسابات الفوز منذ بداية التسعينات. لقد اطلقت السعودية بطولة القارات واعطتها الشهرة العالمية ونالت الاعتراف الدولي وباتت البطولة مستعدة لتوسيع آفاقها من خلال التنقل بين القارات ليتمكن الجمهور في انحاء العالم كافة من التمتع بمشاهدة افضل اللاعبين والفرق عن كثب.