بعد ان هدأت عاصفة الحروب الباردة، اضحى العالم يواجه، حاضراً ومستقبلاً، خطراً جديداً ساهمت المدنية الحديثة والتطورات الصناعية الهائلة في ايجاده، وهو ناجم عن التلوث الصناعي والتغيرات المناخية والتقلبات الجوية التي بدأت تشدد الخناق على الكرة الارضية الى درجة اضحى العالم فريسة تعتصرها عوامل طبيعية شاذة متمثلة بالتسخين العالمي وظاهرة "النينو". قبل ملايين السنين كانت القارة الافريقية وقارة اميركا اللاتينية متصلتين معاً بصورة تتيح للانسان التنقل براً بينهما لو كانت الوسائل متوفرة. وكان ذلك ينطبق ايضاً على شبه جزيرة الاسكا في أقصى شمال غرب اميركا الشمالية، وسيبيريا في شرقي القارة الآسيوية، فقد كانت اميركا الشمالية متصلة بقارة آسيا ايضاً. اما القطب الشمالي فكان قبل ملايين السنين يقع الى الجنوب بمئات الكيلومترات، في المنطقة التي تقوم عليها مدينة شيكاغو اليوم. والسبب في هذه التغييرات التي حدثت مع مرور ملايين السنين هو "الانجراف القاري، الذي لا يؤثر في شكل الارض فحسب، بل في المناخ ايضاً، فحتى قبيلة "شيكاغو" الهندية التي اعطت اسمها للمدينة ما كانت تستطيع الحياة في الموقع الذي تقوم فيه المدينة قبل ملايين السنين، لأن القطب الشمالي كان آنذاك في تلك المنطقة. اضافة الى الانجراف القاري الذي يؤثر في المناخ فان هناك عوامل اخرى تؤثر فيه كالأعاصير والرياح البحرية، ثم الانسان. والحديث عن تعاظم عدد سكان العالم هذه الايام، وعن ان موارد العالم تنضب بسرعة ولا تكفي البلايين الستة الذين يعيشون فيه حديث خاطئ ومضلّل. اذ ان في وسع عالمنا اليوم ان ينتج من المواد الغذائية ما يكفي لأكثر من عشرين مليار نسمة لو كان هناك تركيز على انتاج المواد الغذائية الضرورية والفلاحة والزراعة وتربية المواشي. لكن المشكلة ان نصف سكان العالم تقريباِ يعيشون حياة بذخ ويستخدمون السيارات في تنقلاتهم ويستهلكون الوقود والطاقة بينهم، ويعملون في المصانع، ويحرقون الغابات الطبيعية من دون وازع. لهذه الأسباب يمكننا القول ان العالم مكتظ بالسكان الى درجة كبيرة، ولهذه الاسباب رأينا اخيراً في اندونيسيا سُحباً من الدخان الممزوج بالضباب، امتدت ألف كيلومتر في تشرين الاول اكتوبر الماضي. ولهذه الأسباب ايضاً تغطّي سحب الدخان والغيوم الملوثة 250 كيلومتراً بين تايبيه عاصمة تايوان ومدينة تياشونغ، مثلما تغطي 40 كيلومتراً في اجواء منطقة لوس انجليس. هذه المظاهر هي التي يطلق عليها العلماء اليوم "التسخين العالمي" ويعني ذلك ببساطة ان المناخ العالمي يزيد سخونة. وسيأتي اليوم الذي يزداد فيه هذا المناخ برودة مثلما حدث في العصر الجليدي. ولعل افضل مثال على خطورة هذه الظاهرة ان الصحراء الكبرى في افريقيا كانت قبل ستة آلاف سنة مغطاة بالسهوب العشبية الخضراء، لكنها تحولت صحراء جافة خلال اقل من ثلاثة آلاف سنة. وخلال الثلاثة آلاف سنة الاخيرة بدأت الصحراء تنتشر ويتسع نطاقها حتى اضحت ظاهرة التصحّر مشكلة خطيرة الآن. اذ ان الصحراء الكبرى تزحف على جنوبموريتانيا وشمال السنغال وعلى حدود الدول الاخرى في المنطقة بمعدل ثماني كيلومترات كل سنة. ولو عدنا الى الوراء لوجدنا ان انحسار العصر الجليدي عن اوروبا وآسيا هو الذي ساعد الانسان القديم على عبور مضيق جبل طارق الى اوروبا والاستقرار فيها للمرة الاولى في التاريخ. وكانت بداية العصر الجليدي قبل الانحسار هي التي اجبرت حيوانات عدة، مثل الجمال، على الانتقال من موطنها الاصلي في اميركا الشمالية جنوباً الى اواسط آسيا ثم الى شبه الجزيرة العربية وشمال افريقيا، فيما توجهت حيوانات اخرى مثل اللاما الى اميركا الجنوبية. مؤتمر دولي يبدأ في الاول من كانون الاول ديسمبر الحالي مؤتمر دولي لمدة عشرة ايام في مدينة كيوتو في اليابان، وهي العاصمة القديمة لليابان. ويشترك في هذا المؤتمر ممثلون عن جميع الدول الاعضاء في الاممالمتحدة. اما الموضوع الذي يبحثه هذا المؤتمر الدولي هو "التسخين العالمي". ومن المقرر ان تصادق الدول المشتركة على معاهدة تهدف الى الحد من هذه الظاهرة. وسيكون في وسع الوفود المشتركة ان ترى اثر التسخين على الجبال الجليدية التي اخذت تذوب في شمال كندا، وصوراً وأفلاماً اخرى عن انتشار الامراض الاستوائية وغيرها من الامراض التي اكتسبت مناعة ضد المضادات الحيوية، ومرض فقدان المناعة المكتسبة الايدز وارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات بسبب الانهيارات الجليدية وذوبان الجبال الجليدية نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، وما الى ذلك من الآثار التي ترتبت على التسخين الحراري البيئي. ومن الحقائق الاخرى التي ستطلع عليها تلك الوفود ان العديد من الموانئ العالمية ستواجه مخاطر محتومة. فمع ان المدن التي تقوم فيها تلك الموانئ مثل نيويورك وبناما وشنغهاي ويوكوهاما ومرسيليا والظهران وبيروت وبورسعيد والعقبة وغيرها ستصمد في وجه ارتفاعات منسوب المياه وآثار التسخين الحراري الاصطناعي، فان الموانئ نفسها ستواجه خطر الانغمار تحت المياه. ومن المرجح ان يأتي زمن تصبح فيه مدينة كلكتا في الهند 12 مليون نسمة تحت سطح المياه. وهناك الآن امثلة حقيقية على ما تنطوي عليه تلك المخاطر. اذ ان المنارة البحرية التي بناها الاميركيون على الاطلسي في القرن التاسع عشر كانت ترتفع اكثر من مائة متر آنذاك، وكانت تقف شامخة مطلة على الاطلسي فوق رأس هاتيراس. غير انها اضحت اليوم مغمورة كلياً تحت مياه المحيط، وهي الآن على مسافة ثلاثة كيلومترات داخل تلك المياه بعيداً عن الشاطئ الشرقي للولايات المتحدة. والمشكلة الاساسية التي يواجهها العالم اليوم: كيف يمكن وقف هذه التغييرات التي نجمت وستظل تنجم ايضاً عن تصرفات الانسان نفسه؟ تنص المعاهدة التي ستوقع عليها الدول المشاركة في مؤتمر كيوتو على خفض نسبة الغازات التي تساعد على تسخين الجو مثل ثاني اوكسيد الكربون، بأسرع ما يمكن وبأعلى قدر ممكن. لكن المشكلة ان دولاً، منها الولاياتالمتحدةواليابان، تواجه ضغوطاً قوية من شركات صناعة السيارات، ولهذا فهي تريد تحديد مدة زمنية طويلة لخفض نسبة تلك الغازات. ويقترح الاتحاد الاوروبي حلاً وسطاً يقضي بخفض الغازات المنبعثة من السيارات والمصانع ومنشآت الطاقة بنسبة 15 في المئة بحلول العام 2010. اما الادارة الاميركية فتريد العودة الى مستويات الانبعاث الغازي التي كانت سائدة العام 1990 ولكن بحلول العام 2010 ايضاً. ويرى المنادون بحماية البيئة وخفض نسبة التلوث ان هذه الحلول لا يمكنها ان تساعد على التخلص من المشكلة، غير انها الحلول الوحيدة الممكنة. ومن مظاهر الضغط والمقاومة التي تمارسها الاوساط الصناعية ضد هذه الحلول ان الصناعات الاميركية نشرت في الاسابيع القليلة الماضية صفحات كاملة من الاعلانات في الصحف تحذر فيها من : "ان اقتراحات الحكومتين الاميركية واليابانية ستعني القضاء على 600 ألف فرصة عمل للاميركيين، وستكلف اميركا 350 مليار دولار في السنة، وستزيد تكاليف استخدام الكهرباء بنسبة 52 في المئة". الا ان منظمات حماية البيئة ومحاربة التلوث تقول ان تلك الارقام مضلّلة، وترى ان خفض نسبة الغازات التي تؤدي الى التسخين العالمي، طبقاً لمقترحات الاتحاد الاوروبي سيوفر على الاسرة العادية في الولاياتالمتحدة 530 دولاراً كل سنة من تكاليف التكييف الهوائي، وسيساعد على ايجاد 775 ألف فرصة عمل جديدة. لكن الشيء الاكيد الذي لا خلاف عليه ان امتزاج ثاني اوكسيد الكربون مع بخار الماء يؤدي الى احتباس الاشعة تحت الحمراء في الجو، مما يؤدي بالتالي الى ارتفاع درجة الحرارة. ومن الحقائق العلمية المعروفة انه لولا امتزاج اشعة الحرارة الشمسية مع بخار الماء لكانت درجة الحرارة في الصحراء الكبرى على سبيل المثال حوالي عشر درجات مئوية، ولكانت باريس ستشهد شتاء قارساً طوال العام باستثناء شهرين في السنة. ومن الحقائق التي تثير القلق ان نسبة ثاني اوكسيد الكربون المنبعثة من السيارات والمصانع في العالم ستصل خلال عشر سنوات الى ضعف ما كانت عليه قبل قرن. ويختلف ارتفاع منسوب المياه في البحار والمحيطات من منطقة الى اخرى، فبينما انغمرت منارة هاتيراس على الساحل الشرقي لأميركا على رغم شموخها قرناً، نجد ان منسوب مياه البحر الابيض المتوسط ومنسوب مياه الخليج يرتفع بين 10 و20 سنتيمتراً في العالم. ولاستمرار عمليات التصنيع في مختلف انحاء العالم، واستمرار زيادة السكان وما تنطوي عليه من تسخين حراري، فان معدل درجة الحرارة في العالم سيكون أعلى بثلاث درجات مئوية عما هو عليه الآن بحلول 2010. وسيشهد العالم خلال العقد المقبل مزيداً من حالات الجفاف والقحط والعواصف المطرية الشديدة، كما ان المناطق المعتدلة من العالم ستشهد شتاء اكثر دفئاً، وصيفاً اشد حرارة. اذن هل سينجح مؤتمر كيوتو في ايجاد العلاج الناجع لهذه المعضلة؟ من المعروف ان ثاني اوكسيد الكربون الذي ينبعث من الارض يرتفع الى مستوى 15 ألف متر ويبقى عالقاً في الجو لمدة مائة عام تقريباً. وفي هذا ما يعني ان علاج المشكلة لن يكون سهلاً او سريعاً. وتقول المنظمات البيئية انه لا بد من خفض نسبة "غازات الدفيئة" المنبعثة الآن بنسبة واحد في المئة كل سنة لمدة 50 عاماً متتالية، لمجرد مواجهة التغييرات والتقلبات الطبيعية وما يمكن ان تفعله الطبيعة وحدها. ويقول مايكل اوبنهايمر رئيس منظمة الدفاع عن البيئة في الولاياتالمتحدة: "ان افضل ما حصل في السنوات الاخيرة هو الحظر الذي فرضه العرب على نفطهم العام 1973". وتنادي هذه المنظمة وغيرها من المنظمات البيئية بالتحول من استخدام الطاقة التي يولدها الغاز والنفط الى مصادر الطاقة البديلة الاخرى مثل الطاقة النووية والشمسية وتلك المنبعثة من طواحين الهواء. كما تدعو هذه المنظمات ايضاً الى استخدام السيارات التي تعمل بالطاقة الكهربائية بدلاً من الطاقة البترولية، وتطالب الحكومات برفع نسبة الضرائب على استهلاك وقود السيارات ومستخدميها. ومن الامثلة الناجحة على خفض نسبة غاز ثاني اوكسيد الكربون وغيره من الغازات السامة والملوثة ان المستشار الالماني هيلموت كول وعد بخفض نسبة انبعاث تلك الغازات بحوالى 25 في المئة بحلول العام 2005، من خلال تحديث المصانع القديمة في المانياالشرقية. وفي بريطانيا وعدت الحكومة العمالية برئاسة طوني بلير بخفض الانبعاثات بنسبة 20 في المئة. وعلى رغم ان دول العالم الثالث ستعلن في كيوتو ان هذه الاجراءات الاوروبية غير كافية فان المنظمات البيئية تدعي ان دول العالم الثالث تساهم بنسبة 40 في المئة من مجموع الانبعاثات السامة في اجواء العالم هذه الايام، وان هذه النسبة سترتفع الى 50 في المئة خلال عقد. اما الرئيس الاميركي بيل كلينتون فقد أعلن اقتراحه الخاص في 23 تشرين الاول اكتوبر الماضي امام مؤتمر "الجمعية الجغرافية الوطنية الاميركية"، وعرض تخفيضات ضريبية وحوافز اخرى تصل قيمتها الى خمسة مليارات دولار للشركات الاميركية، كي تبدأ في استخدام مصادر الطاقة والتكنولوجيا "النظيفة" بدلاً من النفط والغاز، ولتتخذ الاجراءات المناسبة لخفض التلوث في الجو. لكن كلينتون قال ايضاً ان الولاياتالمتحدة لن توقع على معاهدة كيوتو الا اذا وقعت عليها الدول الفقيرة. اما الدول الفقيرة فترى ان المقترحات الغربية غير كافية، ولهذا فهي تطالب بخفض نسبة الغازات في الجو بحوالى 35 في المئة بحلول العام 2020. وكانت الولاياتالمتحدة الاميركية قد تراجعت عن تعهداتها السابقة في مؤتمر المناخ العالمي. اذ اعلنت انها ستؤجل الخفض المطلوب منها تنفيذه بحلول العام 2000 الى العام 2012. ظاهرة "النينو" تعرضت المناطق الغربية في الولاياتالمتحدة ومناطق جنوب شرق آسيا هذه السنة الى تغييرات مناخية لم تشهدها اي مناطق اخرى في العالم. فبعد جفاف استمر 219 يوماً متتالية تعرضت معظم سواحل ولاية كاليفورنيا للفيضان، بينما لحق دمار واسع النطاق بمنتجع "أكابولكو" في المكسيك، الى الجنوب من كاليفورنيا بعدما ضربه اعصار "نورا" برياحه وأمواجه العاتية. ومع ذلك فان علماء الارصاد الجوية والمناخ يقولون ان ما شهدته هذه المنطقة اشبه بنزهة مقارنة بما سيصيبها في وقت لاحق من هذا العام او العام المقبل! سبب المشكلة هنا "النينو" وهو تيار من المياه الدافئة الساخنة التي تتكون كل سنة قبالة ساحل بيرو. وكلمة "النينو" اسبانية وتعني "الطفل". وقد اطلق عليه سكان بيرو الكاثوليك هذا الاسم نسبة الى السيد المسيح عليه السلام، لأن التيار يبدأ في التكون في فترة اعياد الميلاد. وتشير توقعات الارصاد الجوية الى ان هذا التيار سيكون اضخم تيار من نوعه في التاريخ هذه السنة. اذ ان كتلة من المياه الساخنة، التي تزيد درجة حرارتها ست درجات على المعتاد، ويبلغ طولها حوالى عشرة آلاف كيلومتر ستنطلق الى الشمال والجنوب محدثة اضطرابات وتقلبات هائلة مما سيؤدي الى حدوث فيضانات وعواصف في كثير من انحاء العالم. وتتوقع دراسة حكومية اميركية ان يتسبب هذا الاعصار في دمار تزيد كلفته على 20 مليار دولار اميركي، ومقتل ثلاثة آلاف شخص في مختلف انحاء العالم. وأدى هذا التيار الى حدوث جفاف في استراليا وتأخير هطول الامطار الموسمية في جنوب شرق آسيا مما جعل الغابات في اندونيسيا وماليزيا تحترق وتعطي سحباً من الدخان في تشرين الاول الماضي. وعلى النقيض من ذلك شهدت صحراء اتاكاما في شمال تشيلي التي لا تعرف المطر في العادة، فيضانات شديدة وعواصف لم يسبقها مثيل. وتقول الادارة الوطنية الاميركية للمحيطات والمناخ ان "النينو" يحدّد نماذج المناخ في ثلاثة ارباع العالم، ومن ذلك مثلاً ان يؤدي الى حدوث رياح في طبقات الجو العليا فوق المنطقة التي يتكون فيها، ثم تزيد شدة هذه الرياح ودرجة اضطرابها مع عبورها اجواء الاطلسي الى البحر الابيض المتوسط. وعلى رغم ان العلماء لا يعرفون كل ابعاد هذه الظاهرة بصورة دقيقة، فانهم يعتقدون بأنها تعزى الى ارتفاع درجة حرارة مياه المحيط، مما يولد رياحاً قوية تولّد بدورها تيارات مائية ساخنة فوق سطح مياه المحيط، لتحدث الاعاصير وما ينجم عنها من دمار. ولما كانت المياه الباردة تحتوي على نسبة اوكسجين أعلى مما تحتويه المياه الساخنة فان عدد الاسماك فيها يفوق كثيراً عددها في المياه الساخنة. بل وغالباً ما تهرب الاسماك من التيارات الساخنة، في الوقت الذي يتكاثر فيه عدد الحشرات التي تفضل الجو الساخن كالبعوض، وغيره من الحشرات الناقلة للامراض. ولهذا السبب فان المناطق التي تصاب بالاعاصير والفيضانات غالباً ما تعاني بعد ذلك مباشرة من انتشار الامراض المعدية مثل الكوليرا والتيفوئيد والملاريا وما الى ذلك. ومن الاضرار الاخرى التي تنجم عن تلك الاعاصير انخفاض كميات المحاصيل الزراعية كالقمح والذرة والشاي والبن والسكر والارز وغيرها. على سبيل المثال تقول السلطات في استراليا انها تتوقع ان يصل محصول القمح هذه السنة الى 16 مليون طن فقط بسبب الجفاف مقارنة بحوالى 24 مليوناً العام الماضي. ولما كانت هذه الاعاصير مثل "النينو" تصل ذروة قوتها وتدميرها مرة كل سنتين الى سبع سنوات فانها تؤدي الى انخفاض المحاصيل وارتفاع الاسعار. تغيرات وتوقعات من المنتظر ان يؤدي تيار "النينو" الحالي الى تغييرات كبرى في مناطق مختلفة من العالم تمتد من باكستان الى القارة الاميركية، كارتفاع درجة حرارة مياه المحيط الهادئ بمعدل 9 درجات مئوية فوق معدلها العادي مما سيؤدي الى هجرة اسماك "التونة" نحو الشمال باتجاه شواطئ كاليفورنيا، وظهور بوادر جفاف اضافية في اندونيسيا. وتشهد مناطق باكستان وشمال غربي الهند جفافاً غير عادي، فيما تتساقط امطار غزيرة على تشيلي. اما مناطق اميركا الوسطى فتشهد حال جفاف نسبي، بينما تعزى اسباب الجفاف في كوريا الشمالية ومناطق من الصين الى "النينو". وتهدد قلة هطول الامطار حركة المواصلات البحرية عبر قناة بنما، لأن انخفاض مستوى المياه فيها يفرض تفريغ حمولة السفن خارج نطاق القناة قبل السماح لها بالرسو فوقها، مما يزيد تكلفة الشحن البحري ويؤدي الى ارتفاع اسعار البضائع. وتنذر الاحداث والتغيرات الجوية التي وقعت خلال الأشهر الماضية بما يمكن ان تكون عليه التغيرات العنيفة المقبلة، فالجفاف في اندونيسيا كان أشد من المعتاد، ويتوقع ان يمتد تأثيره الى استراليا. كما ان حالة الجفاف التي شهدتها باكستان ومنطقة شمال غربي الهند تشير الى تأثير "النينو" هذا العام وما يمكن ان يحدث خلال العام المقبل. تجدر الاشارة الى ان "النينو" الذي ظهر العام 1982 و1983 أدى الى اضطرابات جوية اغرقت بأمطارها وسيولها الطينية مناطق في كاليفورنيا وجنوبيالولاياتالمتحدة. وأدت الاضطرابات الى اكثر من ألف حالة وفاة وتسببت في خسائر اقتصادية ضخمة. لذا يتوقع خبراء الارصاد الجوية ان يُحدث "النينو" الجديد اضطرابات جوية لم يشهدها العالم منذ 150 عاماً. من جهة اخرى يتوقع العلماء ان يساهم "النينو" في اجهاض الاعاصير المدمرة المتوقع حدوثها. لكنه لن يتمكن من تحقيق ذلك في الشتاء المقبل الذي يتوقع ان يكون مصحوباً بأمطار غزيرة في كاليفورنيا وبقية ارجاء الولاياتالمتحدةجنوباً. ولا يستبعد خبراء الاحوال الجوية ان تعود أسباب الطقس الممطر البارد في أواسط الولاياتالمتحدة هذا الصيف الى تأثير ظاهرة "النينو". بينما يؤكد هؤلاء أهمية هذه الظاهرة الطبيعية كمؤشر جيد للتغيرات الجوية المتوقعة خلال الأشهر أو السنين المقبلة. الوضع في المنطقة العربية لم يسلم بعض الدول العربية من التقلبات المناخية الشاذة التي يمكن ردها الى ظاهرة "التسخين العالمي"، اذ عانت تلك الدول من ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة خلال الصيف وهبوط أمطار وثلوج في غير أوقاتها. كما حدث في لبنان وسورية وفلسطين والأردن. وشهدت الكويت ارتفاعاً كبيراً في درجة الرطوبة وهبوط أمطار غزيرة جداً لم تشهد مثلها منذ 60 عاماً. ويحتمل ان يستمر هطول المطر فيها خلال فترات متقطعة بين كانون أول ديسمبر 1997 ونيسان ابريل 1998. كما يتوقع هطول الثلوج في فلسطين خلال الأشهر المقبلة. وعانت الصومال من السيول والفيضانات نتيجة هطول أمطار غزيرة غير عادية، بعدما كانت تعاني أصلاً من الجفاف. وشهد السودان سيولاً مائية جارفة وارتفاعاً في درجة الحرارة. كما هطلت في المملكة العربية السعودية أمطار غزيرة غير متوقعة. حلقة زمنية معينة؟ ولأهمية التغيرات المناخية الحاصلة في البلدان العربية ودول العالم الأخرى، سألت "الوسط" الدكتور عبدالمنعم عبدالرحمن رئيس الهيئة المصرية للأرصاد الجوية عما اذا كانت التقلبات الجوية في البلاد العربية ناتجة عن ظاهرة "النينو" أم هي محصلة لمشكلة "التسخين العالمي؟ فأجاب بأن الربط بين "النينو" وما يحدث في البلدان العربية غير صحيح، اذ ان هذه الظاهرة مازالت مقتصرة على المناطق القريبة من المحيط الهادئ مثل بيرو وتشيلي وكولومبيا والولاياتالمتحدةوبنما، كما انها تؤثر الى حد ما على استراليا والصين والفيلبين وتايلاند والهند وباكستان واجزاء من القارة الافريقية. أما ما يحدث حالياً في بعض البلدان العربية فهو مجرد تغيرات مناخية شاذة تعود الى احتمال دخولنا في حلقة زمنية معينة ترتفع فيها درجة الحرارة بصورة غير طبيعية. وقد يلي ذلك دخولنا في حلقة زمنية اخرى تنخفض فيها درجة الحرارة بشكل غير طبيعي ايضاً. فالجفاف وقلة الأمطار أو غزارتها ظواهر معروفة ومتكررة منذ القدم تؤكدها المعلومات المتوافرة منذ العام 1900. وكذلك الفيضانات والسيول والزلازل كلها ظواهر طبيعية. ووجهت "الوسط" اسئلة مشابهة الى الدكتور جورج أيوب رئيس قسم الهندسة المدنية والبيئية في الجامعة الاميركية في بيروت، فأكد ايضاً عدم جواز الربط بين "النينو" وما يحدث من تغيرات مناخية في الدول العربية. وأشار الى ان ظاهرة التسخين العالمي النابعة عن تراكم غازات الدفيئة في الاجواء وما تسببه من دمار وخراب للبيئة. وقال ان ما يشهده بعض الدول العربية من تقلبات مناخية قد يعود الى دخولها في حلقة من الارتفاع السريع والمفاجئ في درجة الحرارة قد يليه انخفاض سريع ومفاجئ فيها. ولفت الى ما يحصل عموماً نتيجة "التسخين العالمي" من تأخر المواسم المعهودة وهطول الثلوج في غير أوقاتها، والمعاناة من الجفاف والقحط، وهبوط معدل الامطار أو غزارتها، وما ينجم عن ذلك من فيضانات وسيول، اضافة الى الحرائق المفاجئة وانخفاض عدد اشجار الغابات.