منذ تعيين يفغيني بريماكوف وزيراً للخارجية بدأت السياسة الروسية تنحو منحى مختلفاً،خصوصاً عن سياسة الولاياتالمتحدة. فالوزير الجديد "عايش" عصر الاتحاد السوفياتي وحقبة الحرب الباردة واكتسب خبرة سياسية. كيف تنظر موسكو الى القضايا الدولية وما موقفها منها؟ "الوسط" التقت نائب وزير الخارجية الروسي فيكتور بوسوفاليوك وطرحت عليه الاسئلة يعتبر نائب وزير الخارجية الروسي فيكتور بوسوفاليوك في حدث مع "الوسط" ان التسوية في الشرق الاوسط تمر في اوقات صعبة. فكل العمليات التفاوضية، على المسارات الفلسطينية واللبنانية والسورية متجمدة عملياً. ان مبدأنا العام تنشيط دور روسيا، وقد جرى وضع مشروع لاتصالات ديبلوماسية واسعة بدأ تجسيده على ارض الواقع. فقبل فترة قريبة استقبلنا وزير الخارجية المصري التي هي عملياً احدى راعيات التسوية الشرق اوسطية. ومن مدة غير بعيدة ايضاً زار موسكو نائب وزير خارجية الولاياتالمتحدة روبيرت بيلليترو الذي يهتم بشؤون الشرق الاوسط. وأجرينا مشاورات واتفقنا على تعزيز التعاون بين رئيسي مؤتمر مدريد، اميركا وروسيا، وأزلنا بعض الترسبات في اتصالاتنا. وأعتقد بأننا سنستقبل في الخريف الرئيس ياسر عرفات. ونعد العدة للقاء وزير الخارجية السوري والاتصال بممثلي لبنان للبحث في اعمار البلاد. وعلى جدول اعمالنا زيارة رئيس وزراء اسرائيل الجديد بنيامين نتانياهو الى موسكو. ويعبر الجانب الاسرائيلي عن مثل هذه الرغبة ونحن نؤيد اقامة هذا الاتصال. وينتظر في تشرين الاول اكتوبر المقبل ان يقوم وزير خارجية روسيا يفغيني بريماكوف بزيارة للشرق الاوسط مركز النزاع العربي - الاسرائيلي. ونستعد لقمة القاهرة للتنمية الاقتصادية للشرق الاوسط وشمال افريقيا التي يرعاها رئيس روسيا بوريس يلتسين ورئيس الولاياتالمتحدة بيل كلينتون. وتطرق بوسوفاليوك الى الازمة التي نشبت اخيراً في منطقة الخليج فقال انه كان في بغداد قبيل ضربة الصواريخ الأميركية، و "أحطنا الاميركيين علماً باتصالاتنا وقلنا بشدة اننا نرفض اساليب القوة واننا نعمل بشكل مكثف مع الجانب العراقي. وقد فعلنا الشيء الكثير لكي ينسحب العراقيون من اربيل وأخبرنا الاميركيين بجدول انسحاب القوات العراقية ثم ضغط هذا الجدول مرة اخرى". مع الجميع وقال بوسوفاليوك ان تحرك موسكو في المسار الشرق الاوسطي تحدد بعد اعادة التقييم الجدية لسياستها. لأن السياسة الخارجية الروسية مرت في فترة انتقالية. وأشار الى ان موسكو "عانت اكثر في الشرق الاوسط. فهنا كان لنا شركاء تقليديون يجب اصلاح العلاقات معهم بما يكفي من الجذرية. ووجدنا اساساً جديداً للعلاقات مع الشرق الاوسط بالمعنى الواسع، وأقصد البلدان العربية واسرائيل. واستُحدث مفهوم جديد نتوجه بموجبه ليس نحو بلد واحد او مجموعة من البلدان في منطقة الشرق الاوسط بل نسعى لتطوير العلاقات في الوقت نفسه مع العرب واسرائيل. اما الآن فنحاول اقامة انسجام في العلاقات. ان مهمتنا هي الحفاظ على سمعة روسية ومصالحها المادية في درجة عالية وفي الوقت نفسه الحيلولة دون الانزلاق الى المواجهة. والشيء الثاني الذي اريد الاشارة اليه هو تقلص المسافة بين روسيا والعالم العربي. فمن قبل كان هناك ستار. لكن مع انهيار الاتحاد السوفياتي تقلصت المسافات المادية وغيرها ونشأ وضع جديد، خصوصاً في الممارسة الانسانية. انظروا كم ازداد عدد الحجاج الروس الى البيت الحرام. كنا في السابق نرسل من كل الاتحاد السوفياتي 25 حاجاً في السنة، اما الآن فيذهب الألوف والألوف من المواطنين الروس. ومبدئي ايضاً العدول عن المواجهة الدائمة مع الولاياتالمتحدة في هذه المنطقة على اساس "ان كل ما هو جيد لأميركا سيئ لروسيا"، اذ نحن نعتقد العكس، بل اكثر من ذلك ليست الشراكة مستبعدة وهو ما يظهر في الرعاية المشتركة الروسية الاميركية للتسوية في الشرق الاوسط وليس فقط فيها". وحسب بوسوفاليوك اظهرت الاحداث الاخيرة في لبنان وحوله عملية عناقيد الغضب اهمية الجهود الجماعية. فمعروف انه وصل الى الشرق الاوسط في وقت واحد تقريباً من اجل تسوية الازمة وزراء خارجية فرنسا وايطاليا والولاياتالمتحدة وايران وجرت اتصالات عربية مكثفة وكانت زيارة الوزير الروسي يفغيني بريماكوف ضرورية. وفي رأي بوسوفاليوك انه لولا اشتراك روسيا لحدث انحراف في تحقيق التسوية. فالديبلوماسية الروسية عملت مع الجميع وحددت موقفها بتأييد المبادرة الفرنسية، وهو ما تجلى في الاتفاق النهائي. فأولاً، اعلنت روسيا استنكارها للارهاب في كل اشكاله، وأن رد اسرائيل على اعمال "حزب الله" ليست متعادلة. واعلنت ثانياً انه بسب القصف الاسرائيلي المكثف الدائم تتعرض سيادة لبنان للخطر ويموت السكان المدنيون. والموضوع الثالث الذي اصبح جزءاً من صلب التسوية هو ان على الحكومة اللبنانية ان تكون طرفاً في البحث عن الحلول وان تكون من ضامنيها. وهذه هي الميزة الجوهرية للاتفاق الحالي تفاهم نيسان. وأخيراً فإن روسيا على يقين من ان المواجهة اللبنانية - الاسرائيلية الاخيرة هي على الرغم من كل حدتها حدث عابر. والشيء الرئيسي الذي يجب ان تتوجه اليه الأسرة الدولية هو تنفيذ قرار مجلس الامن الدولي الرقم 425 بخصوص انسحاب القوات الاسرائيلية من الاراضي اللبنانية. ومعروف انه من اجل تنفيذ القرارات المتخذة انشئت لجنتان احداهما لمتابعة تنفيذ الاتفاق والاخرى لمعالجة القضايا الواسعة والطويلة الاجل المتعلقة باحياء لبنان سياسياً واقتصادياً. وقد اشتركت روسيا في اللجنة الثانية مع فرنساوالولاياتالمتحدة والمجموعة الاوروبية. لكن عدم إدراج روسيا في لجنة المتابعة لا يضر بالمصالح الروسية، حسب اعتقاد بوسوفاليوك، بقدر ما يقوض فعالية اللجنة نفسها باعتبار حجم الاتصالات الروسية في منطقة النزاع. مشاريع وسلاح وفي رأي بوسوفاليوك ان "اكثر التغيرات ايلاماً وعمقاً تلك التي حدثت في العلاقات التجارية الاقتصادية العربية الروسية. ففي عهد الاتحاد السوفياتي كانت هذه العلاقات تقوم على اساس القروض الطويلة الأجل لتنفيذ المشاريع وتصدير السلاح. والآن تتحول روسيا الى التعاون ذي المنافع المتبادلة. وحتى الآن لا تمحض اوساط قطاع الاعمال الروسية دائماً التأييد اللازم لسياسة الحكومة الروسية. ولكننا نفعل كل شيء لكي يتوجه قطاع الاعمال الروسي الى الشرق الاوسط. ونبحث عن سبيل لكي تعود الى الشرق الاوسط شركاتنا الكبيرة التي قامت بأعمال هندسية مائية مدهشة وأعدت حقول الغاز والفوسفات للاستثمار. ونولي الكثير من الانتباه لتوسيع امكانات روسيا في بيع المعدات الحربية. وهذه مسألة صعبة جداً. فمن قبل كنا نبيع هذه المعدات للبلدان التي كان الاتحاد السوفياتي يحتكر اسواقها، اما الآن فعلينا ان نعمل في ظروف السوق بمنافسة قاسية ليس فقط مع الغرب". وقال بوسوفاليوك ان شركاء روسيا في الشرق الاوسط اصبحوا ينظرون باهتمام الى بلدان رابطة الدول المستقلة الاخرى ايضاً ويطورون معها علاقاتهم. كما تطور جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق في آسيا الوسطى علاقاتها مع العرب واسرائيل على السواء. وأكد ان روسيا تجد منافسة شديدة جداً من جميع الاطراف في مجال التعاون العسكري والفني معتبراً ان من الخطأ الخروج من سوق السلاح في الشرق الاوسط، خصوصاً ان هذه التجربة اثبتت انه ما ان تخرج روسيا من هنا حتى يمتلئ فراغ فوراً. وفي ما يتعلق بالعقوبات المفروضة على بعض بلدان المنطقة قال بوسوفاليوك ان روسيا "صوتت مع قرارات مجلس الامن بهذا الخصوص، ومع ذلك نعارض قطعاً ان تبقى هذه العقوبات الى ما لا نهاية. ونحن نقترح منذ زمن بعيد النظر في طريقة الغائها، أليس في تمديدها كثير جداً من الأوتوماتيكية؟ وفي هذا لسنا محامين لأحد. لا يجوز ان ننسى ان وراء العقوبات قبل كل شيء آلام الملايين من الناس في بلدان كليبيا والعراق. ومن السذاجة بالنسبة الينا ان نغض النظر ايضاً على الاضرار الفادحة التي تتكبدها روسيا واعمالها الكبيرة في هذه البلدان. وعندما نقول ان هذا البلد او ذاك اصبح مديناً لنا ب11 او 6 مليارات دولار فإننا نقصد بذلك ثمار عمل الشعب السوفياتي ومن بعده الروسي. ان هذا العمل مجسد مادياً في المساعدة. لكن في الوقت نفسه يتميز الطبع الروسي على ما يبدو بالنقاوة السياسية. فنحن صوتنا مع قرار العقوبات ضد ليبيا وبقينا طول هذه السنين مراعين لها. والروس الموجودون في ليبيا يبلغ عددهم بضع عشرات. وخُفض التعاون التجاري الاقتصادي الى الحد الأدنى، وفي الوقت نفسه يعمل في هذا البلد مئات بل ألوف من المواطنين الاميركيين الذين يحملون جوازات سفر اميركية او كندية وألوف عدة من البريطانيين، في حين ان الولاياتالمتحدة وبريطانيا بالذات هما اللتان تدعوان الى تشديد العقوبات ضد ليبيا. وفي هذا ما يدعو للتفكير، وليس في ما يتعلق بتخلينا عن الانفة السياسية بل في ما يتلعق بتقيد البلدان الاخرى بالتزاماتها". ولا يستبعد بوسوفاليوك ان يثير تغير الاولويات في سياسة روسيا الخارجية والتصلب في اللهجة استياء عند احد. ولا يرى هذا التصلب في مجالات قد تعود بالضرر على دول اخرى، وانما هو تصلب في الاشارة الى مصالح روسيا الوطنية اشارة واضحة. "فمن يستطيع معارضة دفاع الوزير الروسي عن المصالح الروسية؟ اعتقد ان هذا لا يجوز ان يثير عند احد لا الاعتراض ولا الحساسية. اني اعرف الاكاديمي يفغيني بريماكوف منذ زمن بعيد. انه رجل لا يتطلع الى المواجهة من اجل المواجهة. ولكنه رجل يعرف بعمق ووضوح مصالح بلاده الوطنية ومستعد لتفعيل كل ما تحت أيدينا من وسائل من اجل حماية وتحقيق هذه المصالح".