«اليونسكو» تستشهد ب«سدايا» نموذجاً عالمياً في دمج البيانات والذكاء الاصطناعي    السعودية تتسلّم رئاسة الشبكة العالمية لسلطات إنفاذ قانون مكافحة الفساد    «أرسين فينغر» يطلع على استراتيجية المنتخبات والإدارة الفنية    ليث نائباً لرئيس الاتحاد العربي لكمال الأجسام    الكناني يدشّن مهرجان «نواتج التعلم» في متوسطة الأمير فيصل بن فهد بجدة    المملكة تتصدر وتحقق قفزات عالمية في مؤشر تطور الحكومة الإلكترونية    الصيد.. تجربة متكاملة    الذهب يواصل ارتفاعاته القياسية مع استمرار مخاوف زيادة الرسوم الجمركية    نيابة عن ولي العهد.. وزير الخارجية يترأس وفد المملكة في الافتتاح.. «قمة باريس» تناقش الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لخدمة البشرية    "ليب 2025" في يومه الثالث... نقاشات موسعة حول الابتكار والاستدامة الرقمية    محمد بن ناصر يطلع على أداء الخطوط السعودية    «كاوست» تقدم قصص النجاح الملهمة للسعوديات    غزة.. تصعيد ومهل متبادلة تهدد استمرار الهدنة    توجيه رئاسي للحكومة اللبنانية الجديدة بالشفافية وتنفيذ الإصلاحات    المملكة تواصل جهودها الإنسانية عالميًا عبر «الملك سلمان للإغاثة»    الدول العربية تبلغ واشنطن رفض خطة ترمب لغزة    مصر: سنقدم تصورا متكاملا لإعادة إعمار غزة مع ضمان بقاء الفلسطينيين    بعد البشر والحجر.. الاحتلال يستهدف «المكتبات الفلسطينية»    مملكة الأمن والأمان    سلمان بن سلطان: القيادة تولي اهتمامًا بتنمية المحافظات    القيادة تهنئ الرئيس الإيراني بذكرى اليوم الوطني لبلاده    نيابة عن خادم الحرمين.. ولي العهد يرعى الحفل الختامي لمهرجان الملك عبدالعزيز للإبل    «ريمونتادا» مثيرة تقود ريال مدريد لكسر عقدة مانشستر سيتي بفوز تاريخي    شعرت بالاستياء لرحيل نيمار.. جيسوس: إمكانات" صلاح" تناسب الهلال.. ورونالدو فخر للبرتغاليين    "بونهور" مديراً فنياً لاتحاد كرة القاعدة والكرة الناعمة    أمير القصيم يكرم 27 يتيمًا حافظًا للقرآن    مجلس الوزراء برئاسة ولي العهد يؤكد : رفض قاطع لتصريحات إسرائيل المتطرفة بتهجير الفلسطينيين    مناقشة سبل مكافحة الأطفال المتسولين    إزالة «العقارات العشوائية» بمكة ينشط أسواق المستعمل والسكراب    قرد يقطع الكهرباء عن بلد بالكامل    من أعلام جازان.. المهندس يحيى جابر محسن غزواني    انطلاق فعاليات الاحتفاء بيوم التأسيس بتعليم جازان تحت شعار "يوم بدينا"    "التعزيز والإبداع في القصة القصيرة" و"ليلة العباس والمطمي" ضمن فعاليات معرض جازان للكتاب ٢٠٢٥م    فنانة مصرية تتعرض لحادث سير مروع في تايلاند    توثيق تطور الصناعة السعودية    الساعاتي..عاشق الكتب والمكتبات    رأس اجتماع لجنة الحج والزيارة بالمنطقة.. أمير المدينة: رفع مستوى الجاهزية لراحة المصلين في المسجد النبوي    أمير منطقة المدينة المنورة يرأس اجتماع لجنة الحج والزيارة بالمنطقة    أمريكية تفقد بصرها بسبب «تيك توك»    «حملة أمل» السعودية تعيد السمع ل 500 طفل سوري    بعض نقاط التمييز بين اضطرابات الشخصية    «المحتوى الشبكي».. من التفاعلية إلى الاستقطاب!    ما بعد الإنسانية    تعال.. فقد عشنا من الأزل    أول رحالة يعبر الأطلسي بقارب تجديف    صندوق الاستثمارات العامة شريكاً رسمياً لبطولة السعودية الدولية للسيدات للجولف    في الطيران.. الكلمات حياة    بصراحة مع وزير التعليم !    سفراء الإعلام جسر بين الأكاديميا وسوق العمل    أوغندا تسجل إصابات بإيبولا    الاستحمام البارد يساعد على النوم    القشطة والفطائر على وجبات الإفطار بالمسجد النبوي    توجّه لعقد اجتماع وزاري طارئ لمنظمة التعاون الإسلامي    القيادة تعزّي رئيس ناميبيا في وفاة مؤسس الجمهورية    زار" خيبر" واستقبل المواطنين.. أمير المدينة: القيادة مهتمة بتنمية المحافظات والارتقاء بمستوى الخدمات    رئيس الوزراء الصومالي يزور حي حراء الثقافي بمكة    الإنسان قوام التنمية    "مفوض الإفتاء بعسير": يستقبل آل جابر المُعين حديثًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة في حياة "زهرة" السينما العربية . نجلاء فتحي ل "الوسط" : فزت على سعاد حسني فكانت أول من هنأني ! 3 من 3
نشر في الحياة يوم 16 - 09 - 1996

هي الآن بين ثلاث او أربع ممثلات في مصر يعتبرن بين فئة "سيدات الشاشة العربية". عمرها السينمائي يجعلها ابنة جيلين وأداؤها الفني جعلها تفوز بالجوائز العديدة، ومنها، أخيراً، جائزة المركز الكاثوليكي عن فيلم "الكاراج". نجلاء فتحي عاشقة للسينما، تعيش الآن قمة عطائها، تعرف كيف تدافع عن تاريخها الذي يضم حتى الآن اكثر من سبعين فيلماً بعضها يشكل علامات اساسية في تاريخ السينما المصرية. في القاهرة التقتها "الوسط" وجالت معها في رحلة ذكريات، وسألتها حول فنها وحياتها، وكانت الحصيلة حواراً طويلاً، في ما يأتي الجزء الثالث والأخير منه:
منذ اللحظة التي اكتشفها فيها المنتج عدلي المولد، ثم بدّل عبدالحليم حافظ اسمها من فاطمة الزهراء الى نجلاء فتحي، وحتى اليوم، هذه الفنانة التي تعتبر الوريثة الشرعية لعصر النجوم الكبيرة، تعيش حكايتها مع السينما مثل حكاية جنيات سعيدة. فهي لا تزال تنتقل من نجاح الى نجاح، والافلام التي بلغت فيها ذروة العطاء تعتبر بعض اهم ما انتجته السينما المصرية. خلال رحلتها في السينما والحياة، عملت نجلاء فتحي مع عدد كبير من ابرز مخرجي السينما المصرية من احمد بدرخان الى صلاح ابو سيف، ومن يوسف شاهين الى محمد خان وأشرف فهمي. وهي خلال حياتها، التي لم تكن على الدوام خط سعادة واضحاً، اضطرت الى خوض العديد من ضروب المنافسة، والى تحمل الصدمات، لكنها كانت تخرج من كل مجابهة وهي اقوى مما كانت. لكن الثمن الذي دفعته لهذا كله كان الطفولة. اذ انها انخرطت في العمل السينمائي باكراً، مما ادخلها الحياة بشكل مفاجئ ومباغت. غير ان خسارتها لطفولتها لم تفقدها البراءة، اذ حتى اليوم، حين تحدثك نجلاء فتحي عن حياتها وعن مسارها السينمائي يشع في عينيها ألق طفولي وتتسم كلماتها بحماس وحب للفن ندر ان اتسم به حديث فنان في ايامنا هذه.
هنا نتابع الرحلة مع نجلاء فتحي، لنصل الى اللحظة التي تقوّم فيها بنفسها عملها السينمائي وتتحدث عن بعض الافلام التي تحبها اكثر من غيرها، وصولاً الى مقارنة سريعة تقييمها بين العمل في السينما والعمل في التلفزيون.
عشت في زمن العمالقة
* خلال مسارك السينمائي الطويل نسبياً حتى الآن، قيض لك ان تعملي مع العديد من المخرجين والفنانين الكبار، كما عملت مع مخرجين من ابناء الصف الثاني، ما هو تقويمك العام للعمل مع هؤلاء المخرجين؟
- انا احمد ربي انه اعطاني فرصة العمل مع الكبار الذين صنعوا السينما المصرية من يوسف شاهين الى صلاح ابو سيف، ومن أحمد بدرخان الى حسن الامام، بين آخرين. وكذلك احمد ربي لأني عملت في افلام كتبها نجيب محفوظ، يوسف السباعي، مصطفى أمين، احسان عبدالقدوس وسواهم. وأحمد ربي، خصوصاً، لأني عشت وعملت في زمن كان عمالقته رشدي اباظة، وشادية ورمسيس نجيب وفاتن حمامة، اضافة الى سعاد حسني وشكري سرحان ويحيى شاهين وماري كويني وآسيا. احمد ربي اني عشت مع هؤلاء وعرفت زمنهم...
* هل تعتبرين زمنهم زمناً عشتيه ومر في حياتك، ام انه الزمن الذي كوّنك؟
- من المؤكد ان اقترابي من هذه القمم قد افادني كثيراً.
* من الناحية الزمنية قد يصح ان نقول انك ابنة زمن متوسط. فهل يمكننا ايضاً ان نقول ان مزاج الجمهور قد أثر في تكوينك ايضاً؟
- اعتقد انني اذا فكرت في الأمر طويلاً، سأكتشف انني فرضت على الجمهور فرضاً.
رمسيس نجيب اعطاني شخصية البنت الرومانسية وفرضني بها على الجمهور. قد يكون الجمهور احبني في تلك الشخصية، لكن حبه لي أتى بعد ان فرضت عليه، اذن، يمكنني ان اقول انني بنيت لنفسي خلفية صلبة أطللت من خلالها على الجمهور، وفرضت نفسي بها، لكني في احيان كثيرة خرجت عن تلك الخلفية، اي عن صورة البنت الرومانسية: في فيلم "الشريدة" مثلاً، لعبت دور المرأة المتعجرفة التي صنعها زوجها، ثم ما ان وصلت حتى ابتعدت عنه وراحت تثأر منه وتغذر به. لقد تقبلني الجمهور في هذا الفيلم، كما يخيل اليّ، لأنه كان لدي رصيد من 25 فيلماً كنت فيها رومانسية عاطفية يحبني الجمهور ويتعاطف معي. من هنا حيث مثلت دوراً متخلفاً لم يتخل الجمهور عني، واصل حبه لي، حتى وإن كان عتب عليّ بعض الشيء.
* في جميع الاحوال يمكننا ان نقول ان مرحلتك الاساسية هي المرحلة الرومانسية التي ساعدك شكلك الهادئ فيها...
- تماماً. وربما يصح ان نقول بأنني كنت اكثر ممثلة مصرية مثلت ادواراً رومانسية بعد فاتن حمامة. خذ سعاد حسني مثلاً، انها بالتأكيد صاحبة موهبة فنية اكبر من موهبتي ولكن كنجمة شاملة متعددة الادوار وذات توجه استعراضي واضح غلب على عملها في نهاية الأمر. اما انا فإن القسم الاكبر من افلامي كان رومانسياً بحتاً.
الفيلم الذي يؤلمني
* في المقابل حدث لك كثيراً ان لعبت ادواراً واقعية قاسية كما في فيلم "سوبر ماركت" على سبيل المثال...
- الحقيقة ان الدور الذي لعبته في "سوبر ماركت" كنت رفضته حين عرض عليّ للمرة الأولى. في البداية حين كلمني عنه محمد خان استبعدت الفكرة تماماً. ثم مرت ثلاث سنوات واعطاني محمد خان السيناريو من جديد طالباً مني ان أقرأه، سألته ما الفائدة؟ فقال: "انت بس إقريه". قرأته، وكان من الواضح ان كاتبه عاصم توفيق قد اشتغل على السيناريو وعلى الدور كله اكثر. فشعرت ان هناك اختلافاً اساسياً وواضحاً. وان الاحساس العام في الفيلم كله قد تغير. مثلاً، احسست ان ابنتي في الفيلم لها عمر ابنتي نفسه في الحياة. وشعرت ان في الشخصية سمات تشبه بعض سمات حياتي. وانتهى الامر بأني احببت الرواية ولم اكتف بالتمثيل فيها، بل انتجتها ايضاً.
* لمناسبة الحديث عن "سوبر ماركت" الذي يراه الكثيرون واحداً من أجمل افلامك، أود ان اسألك عن الافلام التي تعتبرينها انت محطات بارزة في حياتك؟
- شخصياً احب فيلم "حب وكبرياء" الذي له عندي مكانة خاصة لأنه كان اول اعادة انتاج لفيلم من افلام السيدة فاتن حمامة. كان مهماً ومؤثراً ان العب فيه دوراً سبق لسيدة الشاشة العربية ان لعبته. وحقق الفيلم على اي حال نجاحاً كبيراً، واعتقد ان سبب نجاحه هو ان موضوعه قد عولج معالجة عصرية جداً. كما ان الكبرياء الذي وسم شخصيته الاساسية صور في الفيلم بصورة اقنعت الناس. ثم كان هناك عنصر المرح والالوان والحداثة. هناك ايضاً فيلم يؤلمني ان النقاد ومؤرخي السينما لا يتحدثون عنه كثيراً ضمن اطار كلامهم عن مساري السينمائي. ولست ادري سبب هذا التجاهل مع انني احب الفيلم حباً كبيراً. الفيلم اسمه "اجمل ايام حياتي" وهو فيلم كوميدي خالص، مرح بشكل متكامل، من اخراج هنري بركات الذي لم يتوقف دائماً عن التساؤل، باستنكار، عن السبب الذي جعل رمسيس نجيب يأسرني في ادوار الفتاة الرومانسية. بركات يقول لي دائماً: انت بنت دمك شربات تنفعي للمرح والحياة السعيدة. غريبة ان ما حدش عارف انك مهرجة حقيقية. والجمهور فاكرك ملاك. انت مش ملاك، انت شيطانة درجة اولى.
هناك في ذكرياتي ايضاً افلام مثل "دمي ودموع وابتسامتي" وهناك "صونيا والمجنون" وهو فيلم لا أنساه ابداً. شاهدت عرضه الاول في موسكو. وعنه قال لي محمود ياسين ان المشهد الذي يقول فيه: "انا ما شفتش ملايكة ابداً لكني ما اعتقدش انهم اجمل من كده" اثر فيه كثيراً لأنني كنت اعيش الشخصية كلياً وانظر اليه بوجهي الشاحب الابيض مما جعله يحس انني امثل من كل قلبي. لقد منحت، عن "صونيا والمجنون" الجائزة الاولى في مهرجان القاهرة. مهما يكن فإن "صونيا والمجنون" هو واحد من تلك الافلام التي كنت امثلها وأنا منقبضة لفرط ما كنت احس انني اعيش الشخصية واعيش توتر البطلة. كنت فيه صغيرة، قلقة، خائفة لا ادري ما الذي عليّ ان افعله.
وأعود الى "دمي ودموعي وابتساماتي" لأقول انه من الافلام التي لن انساها ابداً في حياتي. قبل العمل على هذا الفيلم كان هناك خلاف كبير بين المنتج والكاتب، المنتج يريد نجلاء فتحي للدور الاول، والكاتب يريد سعاد حسني. وكان لا بد لي ان اكون اكثر من جيدة لكي اجابه التحدي وأرفع رأس الرجل الذي صمم على ان اقوم ببطولة الفيلم. هذا التحدي والتنافس هما اللذان يخلقان لذة العمل. وانا من حبي لسعاد حسني كان قراري ان اكون في مستواها. في النهاية حين عرض الفيلم ونجح نجاحاً كبيراً. تقدم للمسابقة، وكانت منافستي الرئيسية في المسابقة سعاد حسني لفيلم "الحب الذي كان". يومها توجهت الى الاحتفال على اساس ان سعاد حسني ستفوز بالجائزة الاولى على ان تكون الجائزة الثانية من نصيبي... لكن المفاجأة كانت كبيرة حين اعلن فوزي بالجائزة الاولى... ذهلت ولم أصدق. والجميل ان سعاد كانت اول من هنأني على ذلك الفوز.
على الرصيف مع البائسين
* بشكل عام كيف تشتغلين على أدوارك؟
- حين يكون عليَّ أن أمثل في فيلم غريب، فيه دور غريب ويصور في مكان واقعي، احرص على ان ألتقي ببسطاء الناس وأجلس معهم. فالبسطاء هم الذين يعطونني خبرة الحياة ومخزونها. ارى سيدة بائسة اجلس معها على الرصيف احدثها، أسألها عن زوجها وأولادها، وعم طبخت لهم اليوم، عن السبب الذي جعلها تسمي ابنتها الكبرى نعمت، فتقول لي مثلاً لأن البطلة التي احبتها في الفيلم الفلاني كانت تدعى نعمت. كل هذا يفيدني كثيراً... وافتح مع السيدة حواراً طويلاً، في اي ساعة تستيقظ، ما الذي تحبه، ما هي "أوحش حاجة في زوجها". انا بدلاً من ان اتعالى على أي مكان، افضل ان اجلس مع الناس. وحين يطلبون مني ان اكون جاهزة للتصوير، اكون جاهزة بالفعل، خصوصاً من الناحية النفسية. انني افضل هذا على الجلوس في برج عاجي امام المروحة منعزلة عن البشر وروح البشر.
* هل تعتقدين ان هذا النوع من المعايشة قد ساهم في تكوين شخصيتك؟
- من دون ادنى شك. ان المعايشة الحقيقية للناس الحقيقيين هي التي كونت الجزء الاساسي من شخصيتي. ان على الفنان ان يعيش مع مجتمعه ويواجهه. انا لا اطلب، طبعاً، من الفنان ان يرمي نفسه في الشارع كيفما اتفق، لكني اطلب منه ان يوجد في الحارة، في السوق، بين الناس، في الصالون، لكي يسمع ويستفيد ويتعلم، يواجه الآخرين ويعرف النبض الحقيقي لحياة الناس.
* هل تعتبرين نفسك، من الفنانين المهتمين بالوضع السياسي والاجتماعي؟
- طبعاً. نحن حين نحقق فيلماً اجتماعياً، نكون في نهاية الامر قد حققنا عملاً سياسياً. ترى أليس المجتمع محكوماً بالسياسة؟ ألا يحكمه السياسيون وتتحكم به الافكار والممارسات السياسية؟
* أترين، اذن، انك في بعض ادوارك الاساسية قد ساهمت ولو بقسط ضئيل في حركة المجتمع او تحريكه؟
- أنا قدمت مثل هذه المساهمة في كافة الادوار التي مثلتها في حياتي. "الكاراج" آخر فيلم مثلته حتى الآن فيلم سياسي واضح. ففيه حكاية تلك السيدة المطحونة التي يسافر زوجها الى الخارج تاركاً اياها مع الاطفال من دون ان تعرف ما العمل. يتركها ويتركهم من دون رعاية، من دون معاش، من دون مستقبل.
* كيف تعملين على فيلم من هذا النوع؟
- اعمل فيه لأني احبه. احب موضوعه منذ البداية. ثم آخذ السيناريو وأقعد مع الفريق العامل في الفيلم. لقد عشت مع سيناريو "الكاراج" خطوة خطوة، ولكني حين انتهيت مع معايشته احسست باكتئاب شديد وقلت انني لم اعد راغبة في التمثيل في هذا الفيلم. أجلته سنة كاملة. في كل مرة كانوا يحدثونني فيها عن الفيلم أؤجل. كنت أحس انني غير قادرة على دخول تلك الشخصية. صعبت على الست كثيراً. كان هذا الفيلم، على اي حال، واحداً من أصعب افلام حياتي ولا اعتقد انني سأمثل في المستقبل فيلماً على مثل هذه الصعوبة وهذا الشجن. انا لو أتاني دور من هذا النوع الآن، سوف أرفضه قطعاً.
* هل تشعرين ان ظروفاً معينة قد دفعتك اليه؟
- لا... الفيلم نفسه اتعبني واشعرني بالألم، وبمرارة الحياة. خلال العمل على الفيلم، كنت كلما انتهيت من توزيع طفل من اطفالي على عائلة ثرية اعود الى البيت منهكة منهارة. كنت اتخيل نفسي منهارة غير قادرة على تربيتهم وتعليمهم.
* هل تعتقدين ان هذا يحصل حقاً في الحياة؟
- طبعاً. هذا الموقف مأخوذ من الحياة مباشرة. لقد قرأت قبل شهر في الصحف حكاية سيدة تؤجر بنتها الطفلة 3 أشهر بألف جنيه... هناك حكايات عديدة من هذا النوع. ربما كان ابطال معظمها نصابين. "مالناش دعوة" بالنصابين طبعاً. حكايتنا الحقيقية مع الفقيرة التي تؤجر ابنتها وتتركها مريضة او ميتة لا تعرف عنها شيئاً لمجرد ان عندها طفلين آخرين تريد تربيتهما. كلها قصص من هذه الحياة التي نعيشها والتي تحيط بنا من كل ناحية. كل هذا اكرهه ولكنه موجود، وموجود بكثرة.
اخترت دور الزعيمة
* اريد هنا ان اصل الى دورك في "احلام هند وكاميليا"...
- كاميليا زعيمة... ليست امرأة بائسة، انها زعيمة حقيقية. شخصية قوية جداً. تصور حين اتوا لي بالسيناريو، وجاء ليقابلني الاستاذ محمد خان والناقد المرحوم سمير نصري الذي كان يعمل مع المنتجين سألوني عن الدور، قلت دور جميل دور زعيمة ذات شخصية قوية. دهش الاثنان وسألاني عن اي دور اتكلم قلت عن دور كاميليا طبعاً. وهناك صرخ محمد خان لسمير نصري قائلاً: "ألم اقل لك... دي دماغها كده. كانا يعتقدان كما بدا لي انني سوف اختار دور هند، المرأة الاصغر سناً التي تحب وعندها رجل، قلت ابداً، الدور الاساسي هو دور كاميليا، الزعيمة داعية التحرر، القادرة على توجيه الامور. انها تعيش فوق السطوح ولا تستسلم. قوية. حرة. مستقلة.
* حين تشتغلين في فيلم من هذا النوع، هل تحسين باكراً بأثره على الناس؟
- طبعاً... وأشعر ان الجمهور يريد المزيد. لقد قابلني الناس كثيراً بعد عرض هذا الفيلم وطالبوني بأدوار كثيرة تشبه دوري فيه.
* متى احسست للمرة الاولى ان بامكانك ان تقولي لا لفيلم لا تريدينه؟
- ما ان صار عندي بعض المال، وحصلت على اول جائزة، وتزوجت وخلفت. منذ تلك اللحظة اصبحت قادرة على ان اقول لا لأفلام نص نص، حتى ولو كان لها امل كبير في النجاح. تخليت عندها عن مبدأ دور ويفوت ولا حد يموت.
* هناك ادوار في حياتك دخلت تاريخ السينما وتاريخ النقد وحصلت على جوائز، وهناك ادوار لم تدخل، وربما بات معظمها طي النسيان. هل هناك ادوار تحزنك مصائرها؟
- طبعاً... انا حزينة، مثلاً، على دور لم ينل حقه، لا في النقد ولا في الجوائر، ولا حتى من قبل الجمهور. دوري في فيلم اسمه "لعدم كفاية الادلة" من اخراج اشرف فهمي. كان الفيلم قائماً على أساس قصة حقيقية قرأتها في الصحيفة عن فلاحة بسيطة. أنا كتبت القصة وصممت على لعب الدور، لكن الفيلم لم ينل حظه من النجاح، ومع هذا فإنه يعني لي كثيراً، لأني مثلته وأمي كانت توفيت قبل اربعين يوماً. كنت، بالفعل، عاجزة عن الحركة وعن العمل. لكن اشرف فهمي كان مصمماً على تصوير الفيلم، قلت له انني تعبانة فقال لي: انا عايزك تعبانة ومنهارة. ثم انك انت التي كتبت القصة... قلت له: مش قادرة. قال لي: تماماً... انا عايزك مش قادرة. وصورنا.
* هناك مرحلتان في حياتك السينمائية: مرحلة الادوار الرومانسية ومرحلة الادوار المركبة...
- صحيح... السبعينات كانت مرحلة الادوار الرومانسية، ومنذ بداية الثمانينات بدأت لدي مرحلة الادوار المركبة والصعبة. على اي حال، هل تعرف بأن الادوار الصعبة يكون اداؤها عادة في منتهى السهولة؟
* كيف؟
- هذه الادوار لا تحتاج منك عادة الى المبالغة في العمل من اجل مداراة عيوب الكتابة. الشخصية المركبة تكون في الاصل مدروسة اكثر، وربما لا تحتاج منك الى اكثر من لبس الجلابية والتمثيل اعتماداً على الاحاسيس وعلى النظرة التي يلقيها الفنان على المجتمع وأوضاعه.
* اشتغلت مع مخرجات نساء مثل ايناس الدغيدي، وكذلك حدث لك في مرات عديدة ان اشتغلت مع مخرجين شبان يحققون افلامهم الاولى والثانية، هل كنت تشعرين ان في الامر مجازفة؟
- في مطلع حياتي السينمائية، حين كنت امثل في افلام تحمل تواقيع ابو سيف وبدرخان، أتاني ذات مرة مخرج شاب هو غالب شعث يعرض عليّ العمل في فيلم غريب اسمه "ظلال على الجانب الآخر" فوافقت من دون تردد ومن دون ان اعمل حساباً لأية مجازفة. وبعد ذلك أتاني ممدوح شكري ليعرض عليّ دوراً صعباً، دور الفتاة المتحررة التي تعيش وسط التقاليد، في فيلم "اوهام الحب" فوافقت من دون تردد. وكذلك مثلت مع احمد يحيى في ثاني فيلم له مع ايناس الدغيدي مثلت في اول فيلم لها، وكذلك مثلت في فيلم كريم ضياء الدين الاول "اشتباه" انا صحيح احب السينما التقليدية، لكن حبي لها لا يمنعني من التجريب ولا يجعلني احجب نفسي عن اية رؤية جديدة.
* هل هناك دور كنت تحبين ان تلعبيه ولم يتح لك ذلك؟
- الحقيقة، في كل سن هناك دور يحب الفنان ان يلعبه. ولكن مع تطور التفكير والخبرة والسن لا يعود الدور مناسباً للفنان. في مثل هذه الحالة اترك الدور الذي كنت احلم به لأنصرف الى حلم جديد. في هذه الايام انا مهتمة بطبقة السيدات الموظفات. طبقة السيدات المنتميات الى الشريحة المتوسطة في المجتمع، الشريحة التي يخيل اليّ ان اوضاعها مؤلمة كثيراً. لقد اكتشفت ان الموظفة او زوجة الموظف مطلوب منها الكثير، ومن الصعب عليها الاستجابة لكل المطلوب مما يدمر حياتها.
* هناك في هذا المجال رواية كبيرة هي "قالت ضحى" حيث يمزج المؤلف بين ايزيس الفرعونية وموظفات مصر الحديثة...
- من كتبها؟
* بهاء طاهر...
- آه... طبعاً، ده كاتب عظيم، عظيم جداً. لقد عرضوا عليّ ان اقوم بدور البطولة في مسلسل تلفزيوني مأخوذ من روايته "خالتي صفية والدير" لكني رفضت لأني لا احب العمل في التلفزيون.
* كنت سأسألك عن التلفزيون وعلاقتك به...
- ببساطة، انا احب السينما لأن السينما تاريخ يبقى وأنا أحب التاريخ. التلفزيون عابر وسريع، وانا لا احب الاشياء العابرة السعرية. انا لم اعمل في التلفزيون الا مرة واحدة، وكان ذلك في مسلسل ألف ليلة وليلة.
* انت اذن من جماعة الذين يفضلون السينما...
- آه... طبعاً... طبعاً. عشان السينما دي جزء من الفن. والفن جزء اساسي من التاريخ. اما التلفزيون فوجبة سريعة تأكلها وتمشي...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.