يقدر حجم استهلاك السجائر في سورية بحوالي 1467 طناً شهرياً، وفق تقديرات المؤسسة العامة للتبغ، وهي مؤسسة حكومية تسيطر على القطاع انتاجاً وتصنيعاً وتسويقاً. لكن المبيعات الرسمية، وبحسب التقديرات نفسها لم تتجاوز في خلال الربع الاول من العام الحالي مستوى 2047 طناً، بما في ذلك السجائر الوطنية والمستوردة في آن معاً، اي بواقع 682 طناً شهرياً. فهل توقف السوريون عن التدخين، ام ان ثمة منفذاً آخر لوصول السجائر الى مستهلكيها خارج القنوات الرسمية؟ في الواقع، هناك اجماع على واقعتين: الاولى ان مستوى استهلاك السجائر في سورية على حاله. والثانية ان ثمة منفذاً غير معلن لوصول السجائر من خارج القنوات الرسمية المسموح بها، اي بواسطة التهريب. وطبقاً للتقديرات المتداولة بصورة غير رسمية، فإن تهريب السجائر في سورية يمثل ما يزيد على 50 في المئة من اجمالي السوق، وبما يصل الى حوالي 784 طناً في الشهر، تمثل الفارق بين حجم الطلب الفعلي وبين حجم المبيعات، سواء من السجائر الوطنية، ام من السجائر الاجنبية المستوردة بصورة قانونية، على قاعدة ان اجمالي الطلب السنوي يصل الى 18600 طن، وبمتوسط 1.22 كلغ للفرد الواحد. وتتم عمليات التهريب من منافذ عدة، وان كان اهمها الحدود البرية مع لبنان، اذ يقوم المهربون عادة اما باستخدام الطرق والمعابر الحدودية بين البلدين، لكن بوثائق مزورة، او باستخدام مسالك اكثر وعورة، لكنها اقل مخاطرة، خصوصاً اثناء فترات التشدد التي تقوم بها الجهات الرسمية في البلدين، وعندما وصل الحد الى استخدام الطائرات المروحية لملاحقة المهربين في الجبال. ومع ذلك فإن لبنان ليس المنفذ الوحيد للتهريب الى سورية. اذ ثمة منافذ اخرى من المناطق الحرة في الاردن، حيث يقوم المهربون عادة بإخراج السجائر بأوراق مزورة على اساس اعادة تصديرها الى دولة ثالثة، تمهيداً لادخالها الى الاراضي السورية عبر الحدود البرية المشتركة مع الاردن. لكن ثمة منفذاً آخر ويشتمل على استيراد السجائر الاجنبية الى احدى المناطق الحرة في سورية، على اساس اعادة تصديرها الى دولة اخرى، ويتم اخراج هذه الكميات بالفعل الى لبنان، لكنها ما تلبث ان تعود الى سورية عبر المسالك نفسها التي خرجت منها، وحتى بواسطة الشاحنات نفسها التي نقلتها الى الخارج. وتتركز الواردات السورية من السجائر على الأصناف الاميركية بالدرجة الاولى، لكنها توسعت في الفترة الاخيرة لتشمل سجائر مصنعة في اليونان وبعض دول اوروبا الشرقية، وتتميز عادة بنوعيتها المقبولة، لكن باسعار متدنية بالمقارنة مع اسعار السجائر الاميركية المعروفة. وعمدت الحكومة السورية الى مكافحة عمليات التهريب من خلال اعتماد سلسلة اجراءات، اذ تشددت في مراقبة الحدود، ووصل التعاون مع الحكومة اللبنانية الى حد تدمير المرافئ التي كان يعتقد ان المهربين يستخدمونها للتهريب الى لبنان، ومنه الى سورية، كما وصل التعاون الى حد استخدام الطائرات المروحية في مراقبة عمليات انتقال الاشخاص عبر المسالك الجبلية. والى جانب هذه التدابير ذات الطابع الأمني، استخدمت الحكومة السورية سلاح الاسعار، اذ لجأت الى حفضها الى المستويات السائدة في الدول المجاورة، خصوصاً في لبنان، كما عمدت الى فتح الباب امام الاستيراد القانوني بواسطة احدى المؤسسات التابعة لها. اما على صعيد الصناعة الوطنية، فقد عملت على تطوير مصانع السجائر المحلية، بحيث ارتفعت الطاقة الفعلية لهذه المصانع من حوالي 7 آلاف طن سنوياً، الى حوالي 14 الف طن، لمكافحة النقص الذي ظهر في بعض الفترات عندما عجزت المؤسسة العامة للتبغ عن تلبية احتياجات السوق. ومع ذلك، فإن الاجراءات التي لجأت اليها الحكومة السورية نجحت في تقليص حجم التهريب، ولفترات محدودة، لكنها لم تقض عليه. والاصح، ان سوق التهريب تحولت الى منافس، ليس فقط للسجائر الوطنية، وانما ايضاً للسجائر المستوردة عبر الطرق القانونية، وباتت حصتها من السوق لا تقل عن حصة السيجارة المستوردة والوطنية معاً. وفي خلال الاشهر القليلة الماضية، عمدت المؤسسة العامة للتبغ الى تحسين كفاءة شبكة التوزيع لديها، فزادت عدد مراكز البيع من 77 الى 153 مركزاً، فيما زاد عدد الرخص الممنوحة لمراكز البيع الرئيسية من 143 الى 2101 رخصة، اذ بات الشرط الوحيد للحصول على ترخيص بالبيع هو وجود المحل لدى طالب الرخصة، فيما بات الباعة والموزعون الذين يحققون زيادة في المبيعات يحصلون على حوافز تشجيعية. وفي خطوة استهدفت حماية الصناعة الوطنية، حصرت الحكومة وارداتها بالسجائر العالية الجودة والسعر للحد من مخاطر منافستها للسجائر الوطنية التي تتميز بأسعار متدنية تصل الى 10 ليرات للعلبة الواحدة الدولار يساوي 50 ليرة. وفي الواقع لم تستورد سورية بصورة قانونية سوى 250 طناً في الفصل الاول من هذا العام، اي ما يمثل 14 في المئة من اجمالي المبيعات المحلية. اضافة الى ذلك، باشرت اجهزة الامن السورية ملاحقة باعة السجائر المهربة، الى حد ملاحقة الاطفال الذين يبيعونها في الشوارع. الا ان الاتجاه الاهم، هو ان الحكومة باشرت درس امكان تصنيع السجائر الاجنبية محلياً بالاتفاق مع الشركات المنتجة في الخارج في مقابل امتيازات تحصل عليها تحت رقابتها. ويقول المسؤولون في المؤسسة العامة للتبغ ان مثل هذا الاتجاه اذا تحقق سيساعد على تقليص حجم الاستيراد، الذي من المقدر الا يزيد هذا العام عن 12 مليون دولار، وفق الاعتمادات التي قررتها الحكومة، كما انه سيساعد على تحسين الانتاج المحلي من خلال اكتساب المزيد من الخبرات، سواء على مستوى التصنيع، ام على مستوى التوزيع والتسويق. قبل سنتين، كانت المشكلة من وجهة النظر الحكومية نقص الانتاج الوطني من السجائر، اما حالياً فإن المشكلة هي في تدني نوعية هذا الانتاج بالمقارنة مع ما يماثله في الخارج نوعاً وسعراً، وفي عجز السجائر المستوردة قانونياً عن المنافسة في سوق التهريب. فهل يحل التصنيع مشكلة الاستيراد ومشكلة التهريب؟