تخطط الدول الآن لخوض الحروب ليس من خلال حشد عشرات اومئات الآلاف من الجنود، مثلما حدث في حرب الخليج العام 1991، بل عبر شاشات الكومبيوتر، وليس من خلال الطائرات الحربية والاساطيل البحرية والمدافع والصواريخ البعيدة المدى، بل عبر زرع "اوامر مضادة" في اجهزة العدو التكنولوجية، الامر الذي قد يحسم معارك وحروباً من النوع الذي عرفناه في التاريخ القديم والحديث حتى قبل ان يعرف العالم الخارجي انها بدأت! هذه الحروب، يقول العسكريون الاميركيون والبريطانيون والفرنسيون، تعتمد كثيراً على ما تختزنه انظمة الكومبيوتر وبرامجها وما تظهره الشاشات الالكترونية داخل غرف العمليات العسكرية، لتشكل بذلك "التحدي الامني الابرز في هذا العقد وفي القرن المقبل" على حد تعبير تقرير رفع اخيراً الى الرئيس الاميركي بيل كلينتون. ويقول التقرير ان اكثر من 120 دولة في العالم تسعى الى تطوير التقنية التي تملكها لتحطيم دفاعات الجيوش المعادية من خلال التسلل الى شبكات الكومبيوتر لدى الخصم، بعد ان بات كبار العسكريين على قناعة بأن الحروب المقبلة لن تنحصر في تخطي الدفاعات والتشويش على اجهزة الرادار التابعة لقوات الدفاع الجوي، بل تتخطى ذلك لتهدد النسيج الاجتماعي للبلد المستهدف. ويضرب الجنرالات الاميركيون مثلاً على خطورة هذا النوع من الحروب بقولهم ان زرع قنبلة الكترو ? مغناطيسية وسط حي المال في مانهاتن قد يؤدي الى انهيار الاقتصاد العالمي او على الاقل حدوث كارثة اقتصادية حقيقية. ومن اهم سمات حرب المعلومات ان امكان الانتصار فيها حتى قبل ان يعلم الخصم انها بدأت كبير جداً. وكلما زاد اعتماد الدول على هذه التكنولوجيا، زادت المخاطر، الامر الذي اضطر حكومة الولاياتالمتحدة الى تدريب جيل جديد من الخبراء في حقل العلوم الحديثة لحراسة مصالح بلادهم معتمدين على لوحات مفاتيح الكومبيوتر وشاشاته ولا تفارق ايديهم "الماوس" استعداداً للرد على اي خطوة غير ودية. ويقول مسؤول اميركي شارك في ندوة نظمها معهد الخدمات الدفاعية الموحدة التابع لوزارة الدفاع البريطانية ان كبار قادة البحرية الاميركية بدأوا اخيراً وضع بنادقهم جانباً، ليجلسوا امام شاشات الكومبيوتر في غرف عملياتهم المتصلة بشبكات وول ستريت حيث البورصة والاسهم والمؤشرات المالية والاقتصادية. ويعزو المسؤول الاميركي هذا التحول الى ان الدول كانت تهدد بعضها في السابق بالصواريخ البعيدة المدى او القنابل النووية، اما الآن فإن التعرض للاقتصاد ولبرامج وأنظمة الكومبيوتر التي يعتمد عليها الى جانب الشبكات الدفاعية وأجهزة الرادار، ذلك كله كفيل بإرغام قادة الدول على الاستسلام من دون تردد. وحدات لحماية الأنظمة وحذرت لجنة كوّنها البيت الابيض في نهاية العام الماضي من الاخطار المقبلة، وقالت: "انها قد تأتي من مجموعات ارهابية او حتى دول، كما ان اي هجوم ضد اهداف استراتيجية قد يكون مصدره احد المعتمدين على انظمة المعلومات الالكترونية الذين يقومون بنشاطات غير منتظمة، مما يسفر عن تدمير استعداد القوات المسلحة ودفاعاتها المبرمجة". واجمع عدد من الخبراء الغربيين الذين تحدثت اليهم "الوسط" على ان الحرب العالمية الثالثة او حتى الحروب المستقبلية ستشن من قبل عصبة من المتدخلين Hackers على شبكات الكومبيوتر المسلحين بفيروسات البرمجة القادرة على تدمير شبكات الخصم وبرامجه وأنظمته الالكترونية. وتقول وزارة الدفاع الاميركية بأن اجهزتها تتعرض سنوياً الى 250 الف اعتداء من قبل متطفلين، لكن لا يتم الكشف إلا عن عدد محدود منها ومعرفة اهدافها، وينجح الكثير من هؤلاء في التسلل الى شبكة البنتاغون عبر شبكة الانترنت. ولا يجود ما يؤكد التقارير التي تتحدث عن تشكيل الولاياتالمتحدة وحدات سرية لحماية شبكاتها المخصصة للمعلومات والانظمة والبرامج الحساسة ومعرفة الثغرات لمنع مرتزقة وعصابات من اختراقها واستباحتها او نسخها وعرضها للبيع لدول معادية وأجهزة استخبارات اجنبية. وفي المحاكمة التي شهدها وسط لندن قبل اشهر لصبي بريطاني في السادسة عشرة من عمره اتضح انه نجح في اختراق شبكة معلومات البنتاغون في واشنطن من منزله في شمال بريطانيا، واطلع على معلومات "سرية للغاية". كما ان المحاكمة كشفت ان شخصاً آخر نجح في سرقة تعليمات من مختبرات سلاح الجو الاميركي في نيويورك تتضمن سلسلة اوامر موجهة الى قادة الطائرات الحربية الاميركية في مسارح العمليات. ونجح الشخص نفسه في الاطلاع على برامج وأنظمة المعلومات الخاصة بقيادة منظمة حلف شمال الاطلسي في بروكسيل ومعهد ابحاث الطاقة النووية في كوريا الجنوبية. ولا يستبعد ان يكون بمقدور الدخلاء والمتطفلين على شبكات الكومبيوتر ونظم المعلومات زرع "اوامر مضادة" يطلق على مفردها "حصان طروادة" في هذه الشبكات لاستغلالها في اوقات النزاعات والحروب للتشويش على الخصم والتعجيل بانهيار دفاعاته. وقال الدكتور اوليفر سبارو احد مسؤولي المعهد الملكي البريطاني للعلاقات الدولية، وهو من ابرز المخططين الاستراتيجيين الذين انتدبتهم الحكومة البريطانية للبحث في مستقبل بريطانيا في الربع الاول من القرن المقبل ل "الوسط" ان هناك افكاراً كثيرة وتصورات لما سيكون عليه وجه العالم بحلول العام 2020 في مجالات الحياة المختلفة. وأشار الى ان عدد سكان العالم سيرتفع من 8 بلايين نسمة الى 12 بليوناً بحلول العام 2000، في حين ان نصف عدد سكان العالم دون الخامسة عشرة من اعمارهم، وفي دول العالم الصناعي الغنية لا تتجاوز نسبة السكان بحلول العام 2050 نسبة 20 في المئة، في حين سيتضاعف عدد السكان في منطقة الخليج العربي، وستولد مشاكل جديدة في مقدمها مشكلة المياه والتجارة والنمو السكاني. وأكد الدكتور سبارو ان المعاهد التي يعمل فيها اكثر من عشرة آلاف باحث وخبير في عواصم عالمية تبحث في حلول تأخذ بعين الاعتبار التطور في مجال العلوم والتكنولوجيا، بعدما باتت معرفة ما يدور في ذهن كل انسان أمراً غير بعيد. وأضاف ان هذا التطور التكنولوجي انعكس على مجالات كثيرة، اهمها انظمة الكومبيوتر والبرامج التي اخذ استعمالها في المجالات العسكرية والحروب يتسع شيئاً فشيئاً. وقال ان ما شاهده العالم من ثورة تكنولوجية في العلوم العسكرية من حيث دقة التصويب واختيار الاهداف خلال حرب الخليج، لم يكن إلا جانباً مما وصلت اليه هذه العلوم، فبإمكان الدول التي تعمل لامتلاك قنابل نووية ان تجري اختباراتها على اجهزة الكومبيوتر لمعرفة قوة ومفعول القنابل التي تعتزم صنعها، كما ان مدى الصواريخ البعيدة المدى وتوجيهها عبر انظمة الكومبيوتر، او نقل صورة حية مباشرة من مسارح العمليات العسكرية الى غرف العمليات والتخطيط بفضل طائرات الاستطلاع المتطورة والاقمار الصناعية بات من الدقة بمكان يجعل الانسان محتاراً ازاء ما يمكن ان تكون عليه حال البشرية بعد خمسة عقود. ومثل هذا التطور الذي قد يتاح لقوى كثيرة في العالم الاستفادة منه يحتاج الى قوة ردع يكون دورها المحافظة على الاستقرار والحؤول دون تطور النزاعات، ومثل هذه القوة يجب ان يكون من واجب الدول المتطورة صناعياً وتكنولوجيا ابتكارها. وقال ان التشويش على اجهزة الرادار وتوجيه الطائرات عبر رسائل مشفرة الكترونياً، يمكن مواجهتها من خلال الخبراء في الدول الاكثر تقدماً، لكن القيام بذلك او بث معلومات خاطئة عن اهداف، او اعطاء تعليمات غير صحيحة يحول دون قيام الخصم باتخاذ اجراءات في الوقت المناسب من المشكلات التي يسعى القادة العسكريون في الدول المعنية الى وضع حلول لها. أجهزة تتعطل ذاتياً! وتسعى وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية منذ مدة الى تطبيق نظام يهدف لزرع رقائق الكومبيوتر في اسلحة متطورة مخافة وقوعها في ايدي العدو، بحيث تعطل نفسها ذاتياً عند حصول ذلك، الامر الذي يعني بشكل أدق ان اصدار اوامر لتشغيل هذه الاسلحة قد لا يفضي الى اي نتيجة بسبب الاعطال الالكترونية المفاجئة التي تتعرض لها هذه الاسلحة المبرمجة بشكل سري. وتسعى الوكالة منذ فترة عبر ابحاثها الى اكتشاف طرق مختلفة لتصميم برامج تمهيداً لادخالها في الانظمة الالكترونية وشبكات المعلومات المستهدفة استعداداً لمرحلة تعرض العدو للاصابة بفيروسات كومبيوترية تتسبب بتعطيل برامجه مما يؤدي الى اصدار تعليمات خاطئة تنتهي بخسارته للمعركة في الوقت المناسب. ويعتقد الخبراء ان حروب المستقبل ستبدأ بقيام الخصم اولاً بمسعى يهدف الى تعتيم شاشات الكومبيوتر في غرف العمليات العسكرية. ولا يمكن لأي دولة ان تنجو من هذا الخطر الا بالاعتماد على مهارة لاعب بارع يتقن فنون الكومبيوتر، والى الغرائز القاتلة لمضارب في احدى اسواق المال العالمية. وقد دفع مثل هذا الواقع نخبة من رجال البحرية الاميركية في الاشهر الاخيرة للبدء في تدريبات ليكون بمستطاعهم مواجهة التطورات المتوقعة في هذا المجال. اذا ان ساحة المواجهة المقبلة ستتميز بالديناميكية واقتناص الفرص، وستكون الغلبة فيها لمن يجيد المناورة والمعرفة المتطورة في حقل التكنولوجيا والعلوم الحديثة. وذكر الكولونيل توماس هاكينز مدير معهد مختبرات تابع لقيادة البحرية الاميركية في كوانتيكو في ولاية فيرجينيا انه رأس العام الماضي فريقاً من ضباط البحرية الاميركية لزيارة مركز التجارة العالمي للاطلاع على الطريقة التي يتخذ بها عملاء البورصة قراراتهم بسرعة استناداً الى المعلومات المتوافرة امامهم على شبكات الكومبيوتر والشاشات المثبتة حولهم. وأضاف ان رجاله كانوا بطيئين في استيعاب الحركات المهمة التي كان يطلقها عملاء البورصة، كما لاحظ الفرق بين الصمت الذي يميزهم اثناء اصدارهم الاوامر، وضجيج وصخب عملاء البورصة حين يتخذون قرارات مهمة في مجال بيع الاسهم وشرائها. وقال الكولونيل هايكنز ان عملاء البورصة كانوا متقدمين بفارق كبير على ضباطه. واتفق عملاء البورصة وضباط البحرية الاميركية على ان هدف كل منهم يتركز في نهاية المطاف على الحد من خسائره، وهو أمر يوليه العسكريون اهمية كبيرة. وأشار الكولونيل هايكنز الى انه دعا عدداً من عملاء البورصة الى الاشتراك في ألعاب كومبيوتر عسكرية في وقت لاحق في مقر قيادته. وقد ترك ذلك انطباعاً لديه بأن قدرة عملاء البورصة على التقاط قواعد الحياة العسكرية ومشكلاتها الاستراتيجية كان اسرع من ضباطه الذين تلقوا تدريبات عليه وشاركوا في مناورات حية على ذلك. وتسعى الادارة الاميركية منذ فترة في مختلف فروع وحداتها العسكرية الى جعل اجهزة الكومبيوتر وألعاب التسلية العسكرية شيئاً اساسياً. وقد وضعت فريقاً متخصصاً لمتابعة ما تطلقه شركات البرمجة من برامج وألعاب في هذا المجال لوضعها تحت تصرف العسكريين. وسعت احدى الوحدات مثلاً الى استخدام ألعاب الكترونية لزيادة قدرة عناصرها على دقة التصويب، كما ان وحدات اخرى استغلت الألعاب لتدريب عناصر على اتخاذ قرارات سريعة، ينظر اليها على انها عامل مهم في تحقيق النصر نظراً لفعاليتها اذا اتخذت في الوقت المناسب. وخطت الولاياتالمتحدة خطوات كثيرة في الآونة الاخيرة لنقل هذه الخبرات الى خارج اراضيها، فزودت سفاراتها في مختلف بلدان العالم ببرامج وأنظمة كومبيوتر تساعد على التعامل مع احداث طارئة، كتعرض موظفيها للاحتجاز كرهائن او مهاجمة سفاراتهم. وقال ضابط اميركي ان هذا التطور قد ينفع في مجالات كثيرة، لكن الاعتماد على لوحة مفاتيح الكومبيوتر والشاشات والبرامج المخزونة لن يوفر ارواح اميركيين في مناطق خطرة مثل البوسنة والصومال، "الشيء الذي يعني حتماً ان العالم لا يزال بحاجة الى ابطال حقيقيين من لحم ودم لانقاذه من الاشرار، وليس الى رجال تحركهم "الماوس" على الشاشات". خفض وزيادة ويرى ادوارد فوستر الخبير في المعهد الملكي للقوات المسلحة التابع لوزارة الدفاع البريطانية في دور التكنولوجيا والكومبيوتر في العلوم العسكرية في القرن المقبل ان الولاياتالمتحدة تتقدم الدول الغربية في هذا المجال، كما ان هذا التقدم يبدو واضحاً في السرعة والاستعداد القتالي للقوات الاميركية اللذين يكادان يشملان كل القطاعات الاساسية فيها. وأشار الى ان الولاياتالمتحدة خلال حرب الخليج الثانية جربت جانباً من تقنيتها في هذا المجال في حين اعتمدت بريطانيا وفرنسا على الدور الكلاسيكي لقواتهما في الحروب. ولفت الى ان السنوات الماضية شهدت خفضاً في عدد العسكريين في معظم الدول الصناعية، كما ان هذا الخفض لم يشمل الجنود فحسب، بل المعدات، بعد ان اخذت انظمة الاتصال وبرامج المعلومات واجهزة الاستطلاع تلعب دوراً مهماً في الحد من النفقات المطلوبة، وأضحت تستند في اداء مهمتها بالشكل المطلوب، على ما تقدمه التكنولوجيا المتطورة من معلومات وتحليلات. واعتبر احد الخبراء العسكريين ان مثل هذا التصور في حالة بريطانيا قد يدفع الى الاعتقاد بأن عصر الاعتماد على جيوش كبيرة اخذ بالانسحار، وبات هم الدولة الاعتماد في ادائها العسكري على اعداد قليلة مدربة تدريباً جيداً على ادارة التكنولوجيا والاسلحة المتطورة وجيش غير متفرغ يستدعى في حالات الطوارئ، في حين تكون الوحدات الاخرى متأهبة عادة على شكل فرق تدخل سريع او وحدات خاصة، في عصر بات فيه الخطر لا يهدد اراضي الدول الكبرى، وباتت الحروب بمثابة خيار الهدف منها الدفاع عن مصالح ثانوية بقدر اكبر بكثير من الدفاع عن امنها المعرض للخطر المباشر. وأوضح فوستر ان الاعوام ال20 او ال30 المقبلة ستشهد تحولاً في القوى باتجاه القارة الآسيوية وإن كانت اهمية اوروبا ستبقى كقوة اقتصادية وتكنولوجية مهمة. وبرر ذلك بالقول ان آسيا تضم نصف سكان الكرة الارضية، كما ان بعض دولها يسجل حالياً افضل نسبة نمو اقتصادي. وقال خبير غربي آخر ل "الوسط" ان الصين وروسيا واليابان ستحتل المركز المتقدم في هذه المجموعة من الدول، تليها الهند واندونيسيا، وقد تتبعهما كوريا وايران. واضاف اذا نجحت دولتان من هذه الدول في اقامة تحالف، فإن من الصعب الحد من طموحاتهما لتصل خارج حدود القارة الآسيوية. "ومثل هذا الواقع الجديد الذي سيميز القرن المقبل يفرض اجواء دولية تتطلب وضع تصور لمهمات القوات المسلحة". وفي البلدان الديموقراطية يعتمد تخصيص الموازنات العسكرية على المبررات التي تقدمها الحكومة للبرلمان والرأي العام، خصوصاً ان التعابير والأساليب التي كانت متبعة في زمن الحرب الباردة بحاجة دائمة الى تعديل لتعكس استراتيجيات جديدة تراوح بين اظهار القدرة على ردع الآخرين واثبات القدرة على الدفاع عن الحدود وامتلاك الاسلحة المتطورة والصواريخ والقنابل النووية، في وقت تسعى فيه مزيد من الدول في العالم الى تصنيعها او العمل لجمع عناصرها، في حين تطمح دول اخرى الى امتلاك اسلحة بيولوجية وكيماوية وتطوير صواريخ بعيدة المدى تحمل رؤوساً نووية، فيما تخطط مجموعات ارهابية او تنظيمات متطرفة لفرض سياسات معينة على حكومات بعينها للحصول على تنازلات. ولعل ابرز ما يجعل مهمة الدول الصناعية سهلة في هذا الشأن استمرارها في التنسيق من خلال انتهاج سياسة دفاعية مشتركة لضمان حماية مصالحها وأهدافها المتقاربة الى حد بعيد. وقف توسع النزاعات وقال الدكتور الفين بيرنشتاين مدير معهد جورج مارشال الاوروبي للدراسات الامنية في المانيا ل "الوسط" إن تبادل المعلومات والتنسيق بين الدول الصناعية يوفر في احيان كثيرة على الدول المعنية مهمات كبيرة كارسال قوات عسكرية الى مناطق ساخنة الامر الذي يقلل فرص حدوث ما من شأنه ان يعرض حياة العسكريين للخطر. والواقع ان التكنولوجيا الحديثة تعتمد في هذا العصر على نصب اجهزة دفاعية في الفضاء، تحقق نتائج باهرة من خلال ما توفره من معلومات تجعل من ادارة الصراع والمعارك العسكرية على الارض امراً سهلاً، اذ ان بمستطاع هذه الاجهزة الحديثة التي تستند الى معلومات مستقاة من الارض ان تحول دون امتداد الصراع الى خارج حدود معينة. ففي حال حدوث حرب جديدة في المستقبل مشابهة لما حدث في الخليج العام 1990، فإن اي زعيم بمستوى الرئيس العراقي صدام حسين يعرف مسبقاً ان تخطي قوات بلاده الحدود لغزو اراضي دولة مجاورة هو أمر ليس من الصعب على غرف العمليات العسكرية متابعته ومعرفة تفاصيله بدقة كي تحبط خططه في مهدها. وأضاف بيرنشتاين، في الحروب المقبلة سيكون بمستطاع التكنولوجيا الحديثة تحقيق نتائج مثيرة، وأقل تكلفة عما كان عليه الامر قبل سنوات، ويكون استعمال الفضاء الخارجي وزيادة سرعة وصول الصواريخ والقذائف الى اهدافها، ودقة تحديدها لأهدافها، مما يجعل حياة الخصم جحيماً، ويحرمه الفرصة حتى للتراجع او الاختباء. وقد نجحت العلوم الحديثة في انتاج اجهزة رصد متطورة، اذ ان اجهزة "ميريد"، مثلاً، قادرة على كشف كل سفينة او طائرة او حتى آلية تقترب من حدود معينة، كما ان هناك اجهزة حديثة قادرة على الكشف عن اي مواد كيماوية او بيولوجية او نووية، الامر الذي يحول دون نجاح اي جهة في اخفاء ما لديها او تهريبه الى دول اخرى. وذكر بيرنشتاين ان التحدي الذي سيواجه الدول في المستقبل سيكون في البحر، حيث ستكون الاسلحة المضادة للسفن والغواصات اكثر تطوراً وقدة على الوصول الى اهدافها وتحقيق نتائج دقيقة تلعب التكنولوجيا الحديثة دوراً كبيراً في تحديدها عبر صور تزودها الشاشات المثبتة داخل اجهزة الكومبيوتر ومن خلال الاقمار الصناعية ونقل المعلومات. وقد دفع مثل هذا التطور الولاياتالمتحدة التي تسعى دائماً الى ان تكون القوة المهيمنة على البحار والمحيطات الى استثمار موارد كبيرة في تطوير هذه العلوم بما يتيح لها ان تجد دائماً الوسائل التي تحد من قدرة جبهات معادية على تحقيق اهدافها. كما ان الصراع للتفوق في الفضاء لا يقل اهمية عن السيطرة على البحار والمحيطات، ولهذا فإن مسألة صنع جيل جديد من الطائرات التي توجه الكترونياً ويصعب على الرادارات كشفها هي مسألة وقت، مما سيجعل الحروب المقبلة تختلف تماماً عن نوع الحروب التي عاصرناها او قرأنا عنها في كتب التاريخ. وفي صراعات وأزمات مقبلة مشابهة لأزمة البوسنة او رواندا، او حتى اقامة مناطق آمنة، مشابهة لتلك التي اقيمت في البوسنة او شمال العراق وجنوبه، فإن الامر لا يتعدى الاعتماد بشكل اساسي على اجهزة المراقبة المثبتة في الفضاء والارض للكشف عن اي تحرك مناوئ، والاعتماد على اسلحة اكثر دقة في التصويب لتحقيق النتائج المطلوبة من دون ان تكون هناك حاجة الى تهديد ارواح المدنيين او استهداف مواقع غير تلك التي تعتبر مصدراً للاخطار والتهديدات. وأبلغ الدكتور كريستوفر كوكر المحاضر في مدرسة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية ل "الوسط" بأنه عقب كل حرب كبيرة في العالم يعتقد الكثيرون ان هناك حاجة الى إعادة النظر في السياسة الدفاعية المتبعة، وقد حصل ذلك إثر الحرب العالمية الاولى بعد انهيار الامبراطوريات الاوروبية الثلاث، فخفضت بريطانيا مثلاً قوتها الى النصف بحلول العام 1922. ووضعت سياسة جديدة لا تتوقع اندلاع حرب قبل مضي عشر سنوات اخرى، لكن هذه السياسة اثبتت فشلها، وتكرر ذلك بعد الحرب العالمية الثانية العام 1945، لكن الحكومة البريطانية عادت بعد عامين للعمل بقانون الخدمة العسكرية الالزامية. وفي عصر الردع، قبل ان يتحول عصراً للدفاع، بدا واضحاً ان معظم الدول الصناعية وحلف شمال الاطلسي على وجه الخصوص، درجت نحو خفض نفقاتها الدفاعية لتصل بحلول نهاية العام الحالي الى 25 في المئة من الموازنات التي خصصتها لقواتها في السابق. وفي حروب المستقبل، يبدو ان الاعتماد على قوات التدخل السريع سيزيد في وقت اخذ الدعم الشعبي لارسال وحدات تتمركز في مناطق النزاعات العسكرية يتضاءل، وهذا ما يدفع الدول المعنية الى الموازنة بين سياستها تجاه الحفاظ على فاعلية مؤثرة لقواتها والمحافظة على التوازن في الاسلحة والآليات الخفيفة والثقيلة والاعتماد على المعلومات والانظمة الالكترونية المتطورة.