بعيداً عن مظاهر الحفاوة والاستقبال الرسمي التي لقيها الفريق أول ركن الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز في جولته على الصينواليابان وكوريا الجنوبية الأسبوع الماضي، وهو أمر يدل على ادراك المسؤولين في هذه الدول للأهمية الخاصة للزائر والثقل السياسي والاقتصادي والديني للبلد الذي ينتمي اليه، فإن الأمير خالد - كما بدا واضحاً من خلال محادثاته وتصريحاته - يؤكد ان المستقبل البعيد يتجه شرقاً، وان آسيا التي بدأت المعمار الحضاري الأول للعالم تعود لتكون أمل المستقبل للشعوب والأمم وفق منطق حضاري وانساني لا يخضع للمزايدات أو الشعارات. ولعل قراءة بسيطة للخطاب السياسي السعودي تثبت ان المملكة أدركت منذ البداية انه لا يجوز الانحياز الى قوة من دون اخرى. وحتى في زمن الحرب الباردة بقي العداء السعودي للشيوعية باعتبارها ايديولوجية، وليس لشعوب الاتحاد السوفياتي أو الصين أو أوروبا الشرقية، بدليل ان علاقاتها مع تلك الدول شهدت تطوراً ايجابياً إثر انهيار الشيوعية. وبالمعيار نفسه حين كانت التقنيات المتطورة حكراً على الغرب، كانت دول آسيا تتطور سريعاً، وبالسرعة ذاتها أخذت سلع اليابانوالصين وكوريا وتايوان وغيرها تشهد رواجاً في السوق السعودية، مما أدى الى نمو كبير في التبادل بين تلك الدول والمملكة العربية السعودية، تجاوز خلال سنوات قصيرة كل التوقعات. ولوحظ ان كبار المسؤولين الذين التقاهم الأمير خالد بن سلطان خلال جولته الآسيوية أبدوا حرصهم الشديد على "أهمية تعزيز العلاقات مع المملكة في شتى المجالات السياسية والاقتصادية وحتى الرياضية". ورأى مسؤول كبير في وزارة الدفاع الكورية هو الجنرال اراك نائب وزير الدفاع ان آسيا "تختلف عن غيرها من القارات الأخرى، لكونها مستودع العنصر البشري في الشرق، الى جانب انها حين تتقدم خطوة لا تتأخر مثلها، وبالتالي فهي قارة المستقبل، بعدما تحولت مجال استقطاب تنموي، وتصاعد في الانتاج يفرض على دولها تلاحماً أقوى وتعاوناً أكثر". وأضاف نائب وزير الدفاع الكوري في تصريحات أدلى بها الى "الوسط" ان الغرب بدأ الآن بالبحث عن الشرق، "بل السعي الى لقائه، بحثاً عن منافع اقتصادية ومكاسب سياسية". ويبدو ان الحديث لفت وزير الدفاع الكوري الذي دلل على صدقية نائبه بالقول: "الآن روسيا تقترن مع الصين باتفاقات حدود وتوسع تقني مشترك الى جانب تعاونها مع الهند وفتح أبواب استثمار المال والتقنية. واليابان والولايات المتحدة في سباق محموم على أسواق الشرق الأقصى التي باتت منافساً قوياً". خارج الاحتواء والتصنيف ويلتقط الأمير خالد بن سلطان طرف الخيط شارحاً موقف بلاده: "ان المملكة العربية السعودية ومنذ عهد مؤسسها المغفور له الملك عبدالعزيز حتى عهد الملك فهد بن عبدالعزيز خارج مواقع الاحتواء أو التصنيف السياسي تجاه الشرق أو الغرب، لأن تجارب المنطقة أثبتت ان الدول الكبرى لا تتعامل وفق منظور واحد، بل تبعاً لمصالحها الآنية. وقد شهدنا كيف ان دولاً كانت محسوبة على الاتحاد السوفياتي بالمنهج الاشتراكي وأسيرة الاتجاه الواحد في التسلح، خسرت مواقعها لأن زوال الدولة العظمى أزال معه كل الدول التي ارتبطت بها وقلل من تأثيرها، وتلك قضية يطول تحليلها وشرحها". وأكد الأمير خالد لمسؤول عربي كبير التقاه في ختام جولته "مع اننا ضد تقسيم الولاءات والشعوب والقطيعة مع أي حضارة أو علوم انسانية، الا ان دول جنوب شرقي آسيا والصين ودولاً اسلامية مثل ماليزيا واندونيسيا تظل الأكثر حميمية من غيرها، وعلى هذا الأساس، اذا كانت تجاربنا مع الغرب تسيطر عليها الشكوك فإن تلك الدول تختلف عنها في المضمون الروحي والعلاقات الاقتصادية والاجتماعية الواضحة وهو ما يضعنا أمام مسؤولية القبول بشراكة مفتوحة مع العالم الآسيوي". بين بكينوالرياض على صعيد جمهورية الصين الشعبية التي شملتها جولة الأمير خالد وليس جديداً ان العلاقات الديبلوماسية بين الرياضوبكين انطلقت من خلال تعاون عسكري تمثل في حصول الرياض في آذار مارس 1988 على صواريخ صينية من طراز "دي. اف - 3 أ"، ويطلق عليها في الغرب "CSS - 2" وتعرف عموماً بپ"رياح الشرق". وهي الصواريخ التي أحدث حصول المملكة عليها ضجة في الغرب آنذاك، الى درجة ان الادارة الأميركية اضطرت الى استدعاء سفيرها لدى المملكة بعدما أثار غضب الملك فهد باحتجاجاته المتكررة المزعجة على الصفقة التي كان يقف وراءه الفريق أول ركن الأمير خالد بن سلطان قائد قوات الدفاع الجوي السعودي آنذاك. واعتبرت "نقطة تحول في الاستراتيجية الدفاعية للمملكة"، مما يؤكد ادراك الادارة السعودية ان التعاطف مع مختلف قضاياها لا يهم الضمير الآخر، بل ان تقويم الأحداث والتعامل يخضعان لمعايير واستراتيجيات المصالح أو قواها المتحركة مع الزمن. واذا كانت الصين احدى القوى الخمس الكبرى في العالم والقوة الآسيوية الأولى، فإن الركيزة الأساسية التي تنطلق منا الرياضوبكين في علاقاتهما باتت تتجاوز النواحي العسكرية الى السياسية والاقتصاد، والدور الذي يلعبه كل منهما في محيطه الداخلي والخارجي، مما جعلها أشد التصاقاً لتحقيق مكاسب على كل المستويات. ولعل الزيارات المتبادلة على أعلى المستويات أوجدت فهماً مشتركاً لمتطلبات كل من البلدين، وجددت الثقة بخطواتهما. وكان آخرها زيارة الأمير خالد لبكين، وتلتها زيارة نائب رئيس اللجنة المركزية العسكرية عضو مجلس الدولة وزير الدفاع الصيني الفريق أول تشن هاوتيان للرياض، برفقة وفد رفيع المستوى من أعضائه اللواء خه بينغ مدير المبيعات والأسلحة. ومن المؤشرات الى حرص الجانبين على تطوير علاقاتهما استقبال الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران المسؤول الصيني والوفد المرافق واجرائه محادثات معهم دامت أكثر من ساعة حضرها نائب وزير الدفاع والطيران الأمير عبدالرحمن بن عبدالعزيز ووكيل وزارة الخارجية السعودي عبدالرحمن المنصوري. وعلى رغم انه لم يصدر بيان رسمي عن فحوى المحادثات، فإن أوساطاً مقربة الى دائرة اللقاء أوضحت لپ"الوسط" ان الجانبين عرضا لتطورات "الوضع في منطقة الخليج في ضوء استمرار التهديد العراقي والايراني لدول المنطقة، ومسار عملية السلام في الشرق الأوسط بعد وصول زعيم حزب ليكود الاسرائيلي بنيامين نتانياهو الى رئاسة الحكومة. وفي هذا السياق علمت "الوسط" ان الجانب السعودي أبلغ الوفد الصيني ان وصول أي زعيم اسرائيلي الى قيادة الحكومة - بغض النظر عن قاعدته السياسية - لن يغير من واقع الأمر شيئاً "لأن الجميع في اسرائيل تبنوا عقيدة القوة والبطش تجاه العرب والتظاهر بالسلوك الحضاري أمام العالم الخارجي وليس في أعرافهم التساوي بالحقوق والمصالح مع أي شعب في العالم". وتطرقت المحادثات بين الجانبين الى تعزيز العلاقات الثنائية من مختلف النواحي، وفي مقدمها الاقتصاد والتعاون العسكري، في ظل تأكيد الصين ان المملكة العربية السعودية خاضت معركة التنمية بيقين الواثق بحقيقة حاضره ومستقبله. ولذلك لم يكن من المبالغة في شيء ان تكون المملكة في حالة استنفار كامل لانجاز مشاريعها الحالية وطموحاتها المستقبلية. كما لم يكن غريباً ان تصل المنشآت العسكرية السعودية الى مستوى من التطور والتجهيز يفوق ما حققته دول متقدمة ذات امكانات وخبرة أكبر.