"كتاب الأسئلة" مشروع ثقافي طموح يقوم على الجهود الفرديّة لكاتب تونسي يعيش وينتج عكس التيّار. هذا الكاتب هو خالد النجّار الذي يحمل وعيه الشقي، توقه إلى التجاوز، تجربته القاسية وثقافته المنفتحة، ويمضي مستسلماً إلى ضجيج رأسه، متأرجحاً بين اشراق وجنون. ولعلّه في سعيه الدائم بين ألم ونشوة، يعبّر عن تجربة جيل كامل في الثقافة التونسيّة، هو اليوم موزّع على منافي الداخل والخارج، وضواحي الغياب أو الانتحار البطيء. وهذا "الكتاب الجماعي غير الدوري"، صدر منه أخيراً عدد مزدوج ربيع 1996 مخصّص لأدب لوران غاسبار. غاسبار طبيب هنغاري الأصل، فرنسيّ الثقافة، عربيّ الهوى، ولد سنة 1925 في منطقة ترنسلفانيا الشرقيّة الواقعة حاليّاً في رومانيا، درس في بودابست، وفرّ من معسكر الاعتقال النازي سنة 1945، ليستقرّ في فرنسا. بعد الحرب عاش غاسبار وعمل كطبيب جرّاح في القدس وبيت لحم وتونس، وهو والد المسرحي الفلسطيني فرنسوا أبو سالم "مؤسس مسرح الحكواتي". لكنّ غاسبار شاعر وأديب أوّلاً وأخيراً. هذا ما يتجلّى من نصوصه المعرّبة وشهادات ونصوص أصدقائه المباشرين أو غير المباشرين، في "كتاب الأسئلة"، من أدونيس إلى ميشال بوتور، من إندريه فلتير إلى ألبير ممّي، مروراً بالنجّار وحسّونة المصباحي، وبختي بن عودة والحبيب السالمي... والكتاب يخيّم عليه طيف الغياب، فأثناء اعداده اغتيل بختي بن عودة في الجزائر، وقضى سامي الجندي وحيداً في السلميّة، حيث عرّب "يوميّات باتموس" التي ينشرها "كتاب الأسئلة"... "قصائد غاسبار لها حياتها الخاصة، وجودها - يكتب النجّار - إنّها كائن محايد ومتعال في آن، يصاحب وجودنا ويتجاوزه... إنّه شعر يفتح أعيننا على الضوء الأبدي الذي يتخلّل الأشياء، وفي هذا الشعر يحلّ الفردي في الكوني. ولأنّ البعد الميتافيزيقي غائب عن الشعر العربي الحديث، فإن قراءة قصائد غاسبار معرّبة قد تعيدنا إلى مناخات شعريّة نسيناها: ربّما في بساتين الخيام تعودنا ذكرى هذا النمط من الشعر، وفي أقوال النفري وابن عربي وغيرهما... إنّه شعر ممتزج بالعالم. إنّه الشعر ضوء العالم". من كتّاب العدد: صموئيل شمعون، إدوار الخرّاط، منيرة الغدير، ناصر الحلواني، جمال الدين طالب، محمد الغزّي، خالد المعالي، جاكلين داوود، أمينة سعيد، فتحي بن سلامة، هالة باجي، محمود شلبي، طارق بن شعبان، الطاهر بكري، عبد القادر جنابي وآخرون. والكتاب مهدى "إلى ذكرى أخي أبوالقاسم التليلي وصديقي بختي بن عودة اللذين غابا عنا لحظة إعداد هذا الكتاب".