"حركة الانصاف"... هذا هو الاسم الذي اختار البطل الرياضي الباكستاني عمران خان اطلاقه على الحركة السياسية التي يأمل ان يخوض بها المعترك السياسي. وقد أعلن اخيراً انه ينوي خوض الانتخابات العامة المقبلة التي ستجرى العام 1998، ليقطع بذلك شكوك خصومه من مؤيدي حزب الشعب الباكستاني الذي تتزعمه رئيسة الوزراء بنازير بوتو. وقال خان لأعضاء رابطة المراسلين الاجانب في اسلام أباد انه تعلم من رياضة الكريكت التي تجلت فيها بطولاته الا يدخل معركة لم يحسن الاستعداد لخوضها، ولذلك ففي الوقت المناسب ستتحول "حركة الانصاف" حزباً سياسياً. وتأتي تصريحات خان اثر الجدل الذي اثارته نشاطاته الاجتماعية واقترانه بابنة احد اشهر الممولين الأوروبيين. وكان على "الوسط" ان تلتقيه ليتحدث باسهاب عن خططه. أمام قاعة للأفراح في احد الشوارع الرئيسية لعاصمة البنجاب كان عمران خان أحد اشهر ابطال رياضة الكريكت الذي قاد فريق بلاده للفوز في بطولة العالم، بعد ان حقق لباكستان اكثر من 88 انتصاراً، يودع حشداً ممن شاركوا في زفاف احد معارفه. دعاني البطل الباكستاني الفارع القامة الى جولة بسيارته. لم تكن السيارة تبعد عنا كثيراً، لكن احتشاد مئات من الاشخاص الذين كانوا يحاولون مصافحته أو الحصول على توقيعه او حتى رؤيته، جعلنا نقطع المسافة الى السيارة في نحو نصف ساعة. في الطريق التي سلكناها، كثيراً ما كنت أخشى تعرضنا لحادث سير، اذ ما ان توقفنا عند احدى اشارات المرور، وانتبه من في السيارات الواقفة على جانبي الطريق وسائقيها الى وجود عمران خان، حتى بات هؤلاء يحرصون على السير بموازاته لتحيته أو التلويح له او الصراخ من نوافذ سياراتهم ومد أيديهم. منذ عودة خان للعيش في باكستان اثر زواجه من ابنة السير جيمس غولدسميث، احد أبرز اغنياء بريطانيا وفرنسا، بعد ان كان رمزاً لحياة اللهو والحياة الصاخبة والسهر والشاب الشرقي الوسيم تحول البطل الذي يبلغ من العمر 42 عاماً الى رجل نذر نفسه لمحاربة الفساد وسوء الادارة في بلاده، الأمر الذي أثار حفيظة حكومة بنازير بوتو التي امرت بعدم نشر اخباره في وسائل الاعلام الحكومية، خصوصاً التلفزيون. ولم تحبط هذه الخطوة جهود خان الذي استعان بخبرة والد زوجته الثري البريطاني اليهودي الأصل في مواصلة جمع التبرعات لبناء مستشفى لعلاج السرطان وأطلق عليه اسم والدته تخليداً لذكراها. ينتمي خان الى قبيلة عريقة يعد احد نبلائها وقد ارسله والداه الى مدارس بريطانيا قبل ان يدخل جامعة اوكسفورد. ويقول العارفون في باكستان ان خياره صعب المسالك وخطر في آن معاً. ولعل تعرض المستشفى الذي يشرف عليه لعملية تفجير قبل ثلاثة اسابيع اسفرت عن مقتل سبعة اشخاص وجرح 35 آخرين يؤكد ذلك. بعد أيام من وقوع عملية التفجير أصر عمران على اطلاق حركته السياسية وفلسفته تجاهها مستنداً فيها على شعبيته في الداخل وصلاته في الخارج. وفي شوارع المدن الباكستانية يحظى عمران بالاحترام والشعبية، خصوصاً ان الكثيرين - تحديداً الشباب - ينظرون اليه باعتباره الشخص الذي رفع اسم بلادهم عالياً على المستوى الدولي. رجل حالم ويقول مثقفون باكستانيون، يتحدثون عن طموحاته السياسية انه رجل حالم. ويضيفون، ان مجموعة من الجنرالات المتقاعدين هم الذين يوجهونه، اضافة الى بعض قادة التنظيمات الاسلامية وقلّة من السياسيين وأبناء الطبقة الوسطى. ويشيرون الى ان خان يبذل جهوداً لعدم الظهور بمظهر المتبني لأفكار اسلامية، وان والد زوجته سير جيمس غولدسميث نصحه بعدم الظهور بمظهر المتبني للأفكار الأصولية، لأن ذلك سيثير المجموعات الليبرالية في باكستان ويضر بعلاقاته مع الدول الغربية. ويخشى الباكستانيون ان تكون صلة خان بالجنرالات المتقاعدين مؤشراً على عزم هؤلاء التحضير لانقلاب عسكري. وترى محامية باكستانية معروفة ان كون خان لاعب كريكت ممتاز، بل من الطراز الأول، لا يعني انه سيكون سياسيا ناجحاً. وينفي عمران خان ان تكون "حركة الانصاف" التي اسسها حزب يعتزم الدخول في المعترك السياسي بقدر ما يسعى الى ايجاد ثقافة جديدة تجبر الاحزاب والشخصيات السياسية الحالية على لعب دور بناء وجاد يأخذ في عين الاعتبار مصالح الشعب. ولا يتردد لاعب الكريكت الذي عاش في بريطانيا منذ العام 1971 وحتى العام الماضي بعد ان ارسله والده المهندس المدني للدراسة في القول ان لغته الانكليزية أفضل من لغته الأوروبية بسبب السنوات التي قضاها في الخارج وفي الدراسة بشكل خاص. حين تطل زوجته جيمايما بزيّها الباكستاني التقليدي، في صالون المستشفى، يرحب بها زوجها، ويدعوها الى الجلوس. سألتها "الوسط" عن الحياة في لاهور، فأجابت: "انها جميلة، انظر كيف تسطع الشمس هنا معظم الوقت، الناس بسطاء، طيبون. والحياة الى جانب زوجي جميلة". وقالت عما اذا كانت تجد صعوبة في تعلم اللغة، "قطعت شوطاً لا بأس به، أقرأ كثيراً عن باكستان، عن الناس والتقاليد والطعام، لكي يكون لديّ إلمام بكل شيء". استأذنت جيمايما لتغادر وتتركنا نكمل حوارنا. هل تعتقد ان هذه الحملة من قبل حكومة بوتو وسفارات باكستان تستهدفك بسبب قرارك الأخير دخول المعترك السياسي؟ - ان حكومة بوتو تخشى من نجاحي في مجال جمع التبرعات لتطوير المستشفى الذي اسسته وتعتقد ان من شأن ذلك زيادة شعبيتي وبالتالي تهديدها. ان المستشفى الذي شيدناه لاحياء ذكرى والدتي يقدم العلاج للمرضى مجاناً. ولأكون دقيقاً معك ان حوالى 92 في المئة من الذين يتلقون العلاج لا يدفعون أيّ مقابل، خصوصاً انه ليس في مستطاعهم علاج المرض الذي يعانونه. وقد وصف سفير باكستان في لندن المستشفى بأنه تجاري، والحقيقة انه المستشفى الوحيد للسرطان في العالم الذي يعالج هذه الحالات المستعصية من دون مقابل. وقد صرفنا ثلاثة ملايين دولار في علاج مرضانا خلال الپ15 شهراً الماضية. وما تهدف اليه الحكومة حالياً ان تمنعني من جمع التبرعات حتى نضطر الى اغلاق المستشفى. وحتى يقول الناس ان عمران خان رجل لا يستحق الثقة. عند ذلك لن أشكل أي تهديد سياسي لبنازير بوتو. وما هي اشكال الضغط التي تستعملها الحكومة لمواجهتك؟ - كثير من الشركات العاملة في الحقل العام او المرتبطة به في باكستان تخشى ازعاج الحكومة او تجاهل طلباتها. كم حجم الأموال التي يحتاج اليها المستشفى؟ - نحن نحتاج الى تبرعات من صندوق الزكاة، كما اننا بحاجة الى دعم مادي يسمح لنا بتطوير المستشفى تمهيداً لتوسيعه. وهل هناك لجنة خاصة تشرف على صرف الأموال؟ - بالطبع هناك لجنة من شخصيات معروفة في الحياة الباكستانية بحبها لعمل الخير ونزاهتها. ديانا تجمع التبرعات الى أي مدى نجحت زيارة الأميرة ديانا الى باكستان في جمع التبرعات لصالح المستشفى؟ - كانت زيارتها ناجحة جداً وجمعت خلال حفل عشاء واحد مئة الف دولار، واضافة الى انه نتيجة لزيارتها للاهور والمستشفى نجحنا في استقطاب وسائل الاعلام العالمية والحصول على الدعاية في جميع انحاء العالم. لأن الذي تفعله الحكومة الباكستانية انها منعت ظهوري على شاشة التلفزيون للحد من نشاطي وعدم انجاح مشروعي. وما الذي تهدف اليه من وراء الدعاية في انحاء العالم؟ - جمع التبرعات. وهل ستشارك الاميرة ديانا في نشاطات اخرى لمصلحتكم؟ - في الرابع من تموز يوليو المقبل ستشارك الأميرة ديانا في حفلة عشاء خيري لجمع التبرعات. وستكون ضيفة الشرف في تلك الحفلة. وماذا عن علاقاتك العربية؟ - لي علاقات وطيدة مع شخصيات معروفة في المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة، والحقيقة انني أسعى الى تطوير علاقاتي مع شخصيات في الدول العربية، لذلك زرت دولة الامارات وأسعى الى زيارة دول اخرى في المنطقة في أقرب فرصة. هل حاولت الحكومة الباكستانية التحدث معك مباشرة او اقناعك بعدم دخول المعترك السياسي؟ - من حقي كمواطن باكستاني ممارسة النشاط السياسي، وحتى لو كان همي مكافحة الفساد وسوء الادارة في بلدية، فما صلة هذا الامر بعملية جمعي لتبرعات تستهدف معالجة مرضى السرطان في بلدي مجاناً. ولماذا تعتقد ان بنازير بوتو تحاربك؟ - تعتقد ان شعبيتي آخذة في النمو، كما ان حكومتها في البنجاب حاولت بناء مستشفى لأمراض السرطان وفشلت، وهي تعتقد ان نجاحي وزيادة شعبيتي قد يهددان طموحاتها السياسية خصوصاً اذا تحولت خصماً قوياً. ما هي العقبات التي ستعترضك بعد ان قررت نزول الساحة السياسية؟ - أعلنت تأسيس حركة شعبية وليس حزباً سياسياً وهي حركة تسعى الى الاصلاح وتحارب الفساد وتضمن العدالة للجميع. وعلى من ستعتمد في تأسيسها؟ - لقد ملّ الشعب الباكستاني التعامل مع الحكومات وعانى من سوء الادارة والفساد التي ميزت معظم اعضائها. الى أي طبقة في باكستان تتوجه هذه الحركة الاصلاحية؟ - الى كل فئة في باكستان، لأن كل الاطراف عانت من ذلك. وماذا عن زواجك من جيمايما غولدسميث ابنة الثري اليهودي البريطاني؟ - لقد عشنا قصة حب تكللت بالزواج، وحاولت السفارات الباكستانية وبعض انصار الحكومة، تشويه سمعتي، وذهبت بعيداً، اذ ان احدهم ألّف كتاباً قال فيه ان الزواج مؤامرة يهودية للسيطرة على باكستان! وهل تعوّدت زوجتك على الحياة في لاهور؟ - سعيدة تماماً. تعودت على كل شيء. وتعيش كمسلمة بعدما أشهرت اسلامها، فهي تصوم وتصلي، وتتعلم اللغة الأوردية. وكيف تصف الطريقة التي تعاملت بها الصحافة البريطانية مع زواجك؟ - في المراحل الأولى التي سبقت الزواج تميز التعامل مع اخبار زواجي بالعنصرية، خصوصاً ان بعض الصحف الشعبية يُحرّض على العنصرية، ويحارب الاسلام بطريقة او بأخرى. لكن الواقع الآن مختلف تماماً. ويبدو ان النبأ كان مزعجاً في البداية فحسب. ما الذي تعلمته من العيش في الغرب لسنوات طويلة، وما هي الدروس التي خرجت بها؟ - ليس المهم ان تعيش في أي مكان في هذا العالم، لكن المهم في نظري ان يعرف الانسان ويفهم ثقافته ودينه، يجب درسه وفهمه، وبعد ذلك لن يعاني اي مشكلة، لأن البديل صراع داخلي يضيع فيه الانسان شخصيته وهويته، الامر الذي يسبب الحيرة والارتباك. الى اي مدى نجحت الحملات الاعلامية ضدك في التأثير على شعبيتك خاصة بعد ان تحدث بعضها عن ماضيك؟ - الناس اذكياء. لم أدّع يوماً بأنني ملاك او قديس، اننا بشر نخطئ ونصيب. ولهذا فان المسلم يصلي 5 مرات في اليوم ليطلب الغفران والهداية من رب العالمين. انني أحرص على التعلم، وأطلب من الله ان يهدينا الى الطريق القويم. من هم السياسيون الباكستانيون الأقرب الى توجهاتك السياسية؟ - السياسة في باكستان سيئة، اذ انك بحاجة الى أموال طائلة كلما اقتربت الانتخابات العامة، وهذا شيء سيئ. وعندما يصل المرشح السياسي الى الحكم، يستغل نفوذه ويبدأ بتحصيل الأموال التي سبق ان وزعها ليزيد رصيده منها مجدداً. ان السياسة هنا لا تعني للسياسيين الاهتمام بالشأن العام، وإنما الاهتمام بالمصالح الشخصية. هناك قلّة هي التي تعمل بوحي من ضميرها. وهل أنت واثق من قدرتك على إحداث تغيير في هذا المجال؟ - سأحاول جهدي ولا أعرف هل سأوفق في مسعاي هذا ام لا. لكن يبقى الاعتماد على رب العالمين مسألة مهمة.