امتنع آية الله السيد محمد حسين فضل الله المرجع الديني الابرز للتيارات الاسلامية الاصولية اللبنانية عموماً والشيعية خصوصاً، منذ بدء العملية العسكرية الاسرائيلية في لبنان في 11 نيسان ابريل عن التحدث الى وسائل الاعلام مرئية ومسموعة ومكتوبة واكتفى بتوجيه نداءات تدعو المواطنين والمقاومين الى الصمود وبالتوجه الى المصلين والمؤمنين كل يوم جمعة بخطبة دينية سياسية توضح ما يجري وتكشف ابعاده وتدعو الى التصدي له. "الوسط" التقته وسألته عن آثار العدوان الاسرائيلي والجهود الديبلوماسية وكان الحوار الآتي: ما هي برأيك مبررات العملية العسكرية الاسرائيلية الاخيرة؟ - عندما نريد ان ندرس قضايا المبررات المباشرة فإننا نستطيع ان نرى المسألة في خطين، الخط الاول هو ان اسرائيل شعرت في مدى احتلالها للبنان ان هذا الاحتلال قد تحول مشكلة سياسية وامنية ونفسية، اذا صح التعبير، لا سيما بعد "تفاهم تموز" لانها في احتلالها للبنان كانت تريد ان تملك حرية الحركة لكي تستطيع ان تحمي المستوطنات وهذا هو العنوان البارز في الصورة، من خلال ضغطها على المقاومة بطريقتين: الطريقة الاولى هي ايجاد ثغرة كبيرة بين الشعب والمقاومة وهذا نجحت فيه مع المقاومة الفلسطينية، ولذلك فقد حاولت ان تجرب هذه التجربة مع المقاومة الاسلامية او اللبنانية. أياً كان التعبير، وعلى أساس ان يطرد الشعب المقاومة، لانها من خلال الايحاءات الاسرائيلية تتسبب في قصف المدنيين عندما يقوم المقاومون بأي عمية وبحجة انهم يتخذون المدنيين اكياساً بشرية او انهم يحتمون بهم او ما الى ذلك. الطريقة الثانية ان تملك حريتها في تأكيد احتلالها لتأخذ نتائج احتلالها على المستوى السياسي من خلال الضغط على المقاومة عسكرياً. وقد استطاعت المقاومة ان تفشل النقطتين، فقدت اسرائيل من خلال "تفاهم تموز" حريتها في الضغط بالمدنيين على المقاومة والتالي فإن التجارب التي قامت بها والتي أوجدت رد فعل من قبل المقاومة في قصف المستوطنات جعلتها تشعر بحاجتها الى الانضباط حتى لا تخسر أمن المستوطنين، كما انها فشلت في الضغط العسكري على المقاومة وهي كانت تخطط ان تنهي المقاومة ولم تستطع لان المقاومة الاسلامية تمثل نوعاً جديداً في المقاومة من خلال روحيتها ومن خلال تعاظم خبرتها الامنية والعسكرية ومن خلال رشدها السياسي، بالاضافة الى ما استطاعت المقاومة ان تحصل عليه من دعم اقليمي يتمثل بالدعم السوري الذي استطاع ان يزيل الكثير من الحواجز المحلية والاسرائيلية التي كان من الممكن ان تنتصب امام المقاومة. ومن هنا فقد استطاعت المقاومة ان تخلق مشكلة لاسرائيل في احتلالها. فاسرائيل لم تستطع ان تستقر منذ ان انطلقت المقاومة الاسلامية بشكل فاعل بل اصبحت تحمل قتلاها وجرحاها وآلياتها المدمرة الى داخل المنطقة المحتلة، كما ان المقاومة استطاعت ان تهز الواقع النفسي المملوء بالعنفوان لدى الجندي الاسرائيلي فاصبح الجندي الاسرائيلي في بعض المواقع وفي بعض النماذج يصرخ ويبكي ويهرب، وهي اول مرة تحدث في تاريخ الجيش الاسرائيلي. وهكذا استطاعت المقاومة من خلال تجربتها المتنوعة ان تربك الواقع الاسرائيلي في الداخل من خلال ما تثيره بين وقت وآخر من اوضاع سياسية سلبية تدخل في حسابات الصراع الحزبي الداخلي، حتى أننا كنا نسمع بين وقت وآخر كيف يطلب بعض السياسيين اليهود الانسحاب من المنطقة المحتلة بدون قيد او شرط لان هذه المنطقة اصبحت عبئاً ولم تعد حلاً. لذلك فإنني اعتقد ان اسرائيل حاولت في هذه الجولة كما حاولت في جولات اخرى أن تدفع بالوضع الامني الى المستوى الذي لا تملك المقاومة فيه ان تتماسك من خلال ما تفرضه من الضغط الشعبي بالتهجير والتدمير، والضغط السياسي بما يتعلق بالحكومة وسورية. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإن اسرائيل واميركا تشعران بأن ورقة المقاومة لا تزال تمثل قوة للموقف السوري اولاً وللموقف اللبناني ثانياً في المفاوضات وبحيث يمكن للمفاوض السوري واللبناني ان يقدما المقاومة على طاولة المفاوضات لتمثل ضغطاً على اسرائيل او لتمثل مواجهة للضغط الذي تفرضه اسرائيل، لتتوازن المسألة بما تمثله اسرائيل من قوة كبيرة وما يملكه لبنان وسورية من هذه القوة" بالاضافة الى بعض الاشياء السياسية هنا وهناك. لذلك كانت المسألة منسقة بين اميركا واسرائيل لان المسألة تدخل في الحسابات الاميركية في التسوية التي تنفتح على إسرائيل. جاءت الحملة بعد مؤتمر قمة شرم الشيخ الذي اريد له ان ينقذ "بيريز" وحزب العمل من حالة انعدام الوزن التي شعر بها المجتمع الصهيوني بعد العمليات الاستشهادية التي افقدته ثقته بأمنه وجيشه وحكومته. فهو وجد نفسه في العراء من دون ان أي غطاء لا سيما في ضوء تنوع العمليات وتعددها في وقت واحد في مناطق متعددة، هذا الأمر جعل كلينتون يقوم بهذا الاستعراض العالمي الذي لم يبرمجه ولم يجعل له اي جدول اعمال وما الى ذلك بل كان سريعاً تماماً كسرعة جمع العالم عند اغتيال رابين كي تبرز اسرائيل في دور الضحية امام العالم ولكي ينطلق العالم ليدعمها بما في ذلك العرب وهذا ما حصل. لذلك فإن قمة شرم الشيخ كانت سائرة في مسارها الطبيعي وقد حدث الاجتماع الثاني ويراد للاجتماع الثالث ان يحصل للتنسيق في المسألة الامنية وفي الخطط السياسية التي يمكن ان يركزها اجتماع وزراء الخارجية لا سيما وزراء الخارجية العرب ضد كل الحركات الاسلامية التي تمثل عنوان الارهاب لدى الدائرة الاميركية لان المسألة في مكافحة الارهاب الذي يواجه اسرائيل لا مكافحة كل ارهاب في العالم، فالارهاب الايرلندي ليس داخلاً في الحساب كما ان الارهاب الاميركي من خلال الجهات التي تتحالف معها لا تدخل في الحساب. لذلك فإن المسألة قد تحمل في داخلها بعض الخطط الاميركية - الاسرائيلية التي ربما تجاوزت اعضاء مؤتمر قمة شرم الشيخ لتفرض عليهم المسألة على أساس الحجة التي تتحدث عن صواريخ الكاتيوشا واعتقد ان اسرائيل هيأت الجو لذلك فهي تعرف ان المقاومة الاسلامية ستضرب المستوطنات اذا قتلت او قصفت المدنيين ومن هنا فقد بدأت اسرائيل في المرة الاولى في ياطر وفي الثانية في برعشيت، واعتقد انها كانت تحاول ان تجرّ المقاومة الاسلامية الى الرد لتتهيأ الظروف الملائمة لهذا الجو. وقد لاحظنا ان اميركا وقفت بشكل لم يسبق له نظير حتى أنها طرحت جانباً كل التحفظات الدبلوماسية التي يمكن لدولة تقول عن نفسها انها رائدة السلام وانها تقف على الحياد حتى شعرنا في بعض الحالات ان الرئيس الاميركي يزايد على الرئيس الصهيوني في تأييده لهذه الحملة ورأينا في المؤتمرات الصحافية التي تحصل من قبل اميركيين ان الناطق الرسمي الاميركي لا يطيق اي سؤال لاي صحافي يمكن ان يتحدث عن مسألة قصف المدنيين او قتل الاطفال او ما الى ذلك حتى بعد مجزرة سيارة الاسعاف التي هزت اميركا وكثير من دول العالم. وهكذا رأينا ان الدول الغربية تعاطفت مع اختلاف في التعبير عن هذا التعاطف. لذلك نستطع ان نلخص المسألة في كل هذا، ان المسألة ليست رد فعل على صواريخ الكاتيوشا بل هي خطة موضوعة تنتظر الظروف الملائمة، وقد كان من الممكن ان تأتي هذه الخطة في وقت قبل هذا الوقت لكن توقيت زيارة بيريز لقطر وسلطنة عمان ومجيء شيراك الى لبنان ربما أخر هذه المسألة. وقد يكون لزيارة شيراك دور في تأكيد هذه العملية فأميركا تريد تأديب لبنان على هذا الانفتاح على أوروبا بالطريقة التي لا تعجب اميركا التي تريد للبنان ان يكون مزرعة اميركية. لهذا انا اعتبر انها خطة يراد منها القيام بعملية جراحية تسقط المقاومة وتحرج الحكومة اللبنانية لدفعها الى الاصطدام بالمقاومة وتحرج الشعب اللبناني حتى يصطدم بالمقاومة وهذا ما يفسر المبادرة الاميركية التي لم تكتف بتأكيد "تفاهم تموز" بل اضافت اليه انهاء المقاومة على أساس ان لا تقصف المدنيين في المستوطنات ولا تقصف الجنود الاسرائيليين في المنطقة المحتلة. ان اميركا واسرائيل تريدان ان يبقى احتلال اسرائيل للبنان احتلالاً هادئاً مريحاً تحرسه سورية ولبنان واميركا والاتحاد الاوروبي حتى يمكن لاسرائيل ان تأخذ وقتها وراحتها عندما تحين ساعة المفاوضات التي سيكون جنوبلبنان رقماً صعباً فيها. الحسابات الخاطئة هناك اهداف استراتيجية عسكرية للعدوان الاسرائيلي مثل ضرب "حزب الله" وهناك هدف آخر بالنسبة لبيريز وكلينتون وهو اعادة انتخاب بيريز، لكن وضع بيريز الانتخابي ليس مريحاً، وحزب الله لم يضرب بالشكل الذي فكروا فيه؟ - في تصوري ان الحسابات التي كانت محسوبة في الخطة الاسرائيلية - الاميركية لم تتوافق مع الواقع نتيجة انهم لم يحسبوا ان حزب الله يمكن ان يقف بهذه الصلابة ويمكن ان يثبت امام كل هذه الحملة العسكرية التي استعملت فيها اسرائيل كل قوتها العسكرية ولم يحسبوا حساب ان الشعب اللبناني لا يسقط امام هذا التحدي. ان التجارب التي مرّ بها الشعب اللبناني جعلته صلب الموقف امام التحدي وامام الهجوم الاسرائيلي. ولم تحسب الخطة حساب ان الحكومة اللبنانية يمكن ان تقف وقفة قوية في تنسيق وتحالف مع سورية بشكل لم يسبق له مثيل. وهكذا كانت تراهن على أن تثور التناقضات في الواقع اللبناني لا سيما مع وجود معارضين يكادون يتحدثون بطريقة متعاطفة مع اسرائيل ضد المقاومة باعتبار ان المقاومة تمثل في رأيهم الجانب السوري. كانت المفاجأة ان لبنان المقاوم ولبنان العسكري، الجيش، ولبنان الشعب، ولبنان الحكم والحكومة وقف موقفاً صلباً ولم يسقط امام هذه الحملة. وكانت اسرائيل تراهن على أن المشكلة الاجتماعية تأكل المسألة السياسية ولكن اللبنانيين، حكومة وشعباً، استطاعوا احتواء المشكلة الاجتماعية بحيث لم تعد هناك مشكلة اجتماعية بالمعنى الغذائي والايوائي. ولم يبقَ الاّ الاحزان. وجاءت مجزرة قانا بالاضافة الى مجزرة النبطية في يوم واحد بعد سيارة الاسعاف لتقلب كل الحسابات اهتز العالم امام هذه المناظر الوحشية الهمجية المأساوية ولم يقبل لاسرائيل اي عذر في هذا المجال، حتى اننا رأينا كلينتون. وقد سقطت حساباته كما سقطت حسابات صاحبه بيريز يتحدث بشكل هستيري عن وقف اطلاق النار من دون ان يفكر او يخطط. ثم يتحدث بطريقة لا يمكن لاي شخص يحترم نفسه ان يتحدث بها عندما يقول "ان حزب الله لا بد ان يكون قد فرح بمجزرة قانا" كدليل على مدى المأساة التي يعيشها بفعل هذه المجزرة لا من جهة التعاطف مع الضحايا لكن من جهة ان المجزرة استطاعت ان تسقط كل الحسابات. ولعل الاخطر في هذه المسألة ليس ان بيريز لم يستطع ان يضبط حساباته الانتخابية من خلال هذه الحملة بل هو ان التعقيدات التي حصلت امام الخطة الاميركية الاسرائيلية هددت باسقاط الكثير من قمة شرم الشيخ اذا لم تسقطها بالكامل. فقد استطاع لبنان للمرة الأولى ان يحصل على دعم العالم العربي الذي صوّت بالاجماع على ادانة العملية، بما في ذلك الذين تربطهم باسرائيل علاقات دبلوماسية وحتى الذين هرولوا الى اسرائيل. انهم لم يستطيعوا امام ضغط شعوبهم، الا ان يقفوا ضد هذه الحملة. ان هذا يعني ان المسألة لم تعد فقط مسألة عدم نجاح بيريز او ضعفه في الانتخابات بل انها استطاعت ان تفقد بيريز كل نتائج قمة شرم الشيخ وبالتالي فإن ذلك يسقط الخطة الاميركية في هذا المجال. ألم نلاحظ ان النتائج التي حصلت من خلال مجزرة قانا ومن خلال هذه التعقيدات ان الاتحاد الاوروبي اندفع ليبدو امام العالم العربي والاسلامي في دور المنقذ الذي يطرح مبادرات اقرب الى الواقعية من المبادرات الاميركية ويلاحظ مصالح العالم العربي اكثر مما تلاحظه اميركا، ثم انطلاق ايران التي حاولت اميركا ان تعزلها عالمياً ليكون لها الدور الكبير بحيث ان فرنسا بدأت تخاطب ايران. كما ان ايطاليا والاتحاد الاوروبي بشكل عام بدأ يخاطب ايران في هذه القضايا. ثم الشيء الاساسي، وهو انهم يعترفون جميعاً، ان المنتصر الاكبر هو سورية، لان سورية اصبحت هي الرقم الصعب الذي يتحول في هذا الاتجاه بعدما كان الناطق باسم الخارجية الاميركية قال رداً على سؤال عما اذا كانت واشنطن ستدعو سورية ولبنان لحضور مؤتمر اللوكمسبورغ قال: "انهم يعرفون رقم الهاتف". وقد شعرنا يومها ان اميركا واسرائيل تعملان على أساس اسقاط الموقع السوري واهماله بكل معنى الكلمة. واذا أردنا ان نأتي الى موضوع المقاومة الاسلامية فقد اصبحت هذه المقاومة في وعي كل العالم العربي والاسلامي واستطاعت ان تعيد انتاج الشعب العربي والشعوب الاسلامية التي تعيش تحت تأثير المخابرات وقوانين الطوارىء، استطاعت ان تعيد انتاجها من جديد، واصبحت المقاومة الاسلامية بالنسبة اليها مصدر الالهام، وأصبحت في وعي كل العالم العربي والاسلامي على المستوى الشعبي حركة جهادية وتحريرية وليست حركة ارهابية. بالاضافة الى أن الشعب اللبناني، الذي يحاول بعض قيادييه المعقدين من سياسيين ومن روحيين الايحاء اليه بأن مشكلته انطلقت من المقاومة الاسلامية، يتخذ موقفاً واضحاً يظهر عندما نسمع الكثير من الكلمات، في التلفزيونات المختلفة لا من "تلفزيون المنار" فحسب، ونجد ان الناس تتحدث عن المقاومة بايجابية حتى المشردين منهم وليس ذلك الاّ لأن اسرائيل اسقطت روح الناس ولذلك فإن الناس يجدون في صواريخ الكاتيوشا ما يمكن ان "يفش" خلقهم ويعطيهم شيئاً من العنفوان. ان هذه بأجمعها تشكل نوعاً من انواع خطأ الحسابات ولعل المشكلة التي تعيشها اميركا واسرائيل بما يدفعها الى الخطأ هو هذا الجانب النفسي في القيادة الاميركية الاسرائيلية فإن اميركا تفكر دائماً انها قائدة العالم ولذلك لا مشكلة عندها اذا اخطأت لانها تستطيع ان تحمي اخطاءها وهكذا تفكر اسرائيل بأنها تمثل قيادة المنطقة ولهذا فإن اخطاءها لا تمثل مشكلة عندها ولكننا نعرف ان الموقع القيادي لا يستطيع ان يتحمل اخطاءه عندما تكون الاخطاء متصلة بدماء المستضعفين. استمرار الضغوط تحدثتم عن خطأ في الحسابات الاميركية والاسرائيلية وتبين ان المنتصر هو الرئيس حافظ الاسد والمقاومة ايضاً، اليس هناك خوف من ان تخطىء المقاومة و"حزب الله" الحساب لأنه بالرغم من الموقف الجيد للحكومة والتعاطف الشعبي فإن استمرار الحالة طويلاً على هذا الشكل قد يجعل بعض الاصوات السياسية يعلو وقد يدفع المشكلة الاجتماعية وازمة المدارس الى التفاقم الا يمكن ان يخلق ذلك حالة من الاحتكاك والمشاكل؟ - علينا ان نفهم حقيقة وهي ان كثيراً من الذين صرحوا هذه التصريحات لا يملكون قاعدة شعبية بالمعنى الفعلي الذي يجعل كلامهم منطلقاً من عمق شعبي يهدد بنتائج سلبية عندما يتحرك في اجواء هذا الكلام، اما بالنسبة الى الدولة فاننا يجب ان نعرف ان المعركة الآن، بقطع النظر عن طبيعتها في بدايتها من الناحية السياسية، اصبحت معركة لبنان الحكم والحكومة بحيث ان اي ضعف في الموقف سينعكس سلباً على الواقع السياسي المستقبلي الذي يمكن ان تحوله اسرائيل الى محمية لها كما ان المعركة ليست معركة المقاومة الاسلامية فحسب بل هي معركة سورية، وذلك فإن هناك ضوابط قد تكون حديدية في السياسة اللبنانية والسياسة السورية وفي الوعي السياسي الاجتماعي للمقاومة التي ولا تزال تعيش مع الجماهير في الجنوب ومع الجماهير المشردة لتحتوي كل آلامها وهي ستعمل في اول لحظة للانفراج على اعادة بناء ما دمر. تبقى المسألة الشعبية، في تصوري ان المسألة الشعبية في هذه المرحلة تختلف عن أية مسألة اخرى لأن الشعب عايش الاعتداءات الاسرائيلية التي كانت تقصف وتدمر وتضطهد الناس حتى في مناطق الاحتلال بالطريقة التي اصبح وجه الاسرائيلي لدى الانسان العادي في الشعب يساوي وجه الوحش البشري. من الطبيعي ان الناس قد تتحسس امام مشاكلها ومدارسها وتشريدها لكنها لا تخذل مقاومتها لا سيما بعد ان تمنع اي تحسس او اي شخص يصطاد في الماء العكر ولكني اجد ان الضوابط السياسية والكثير من طريقة المقاومة، وهي ليست مقاومة فلسطينية ولا ايرانية ولا سورية، هي مقاومة لبنانية، ان الذين يتحركون في الجنوب هم ابناء الجنوب وابناء البقاع ولذلك فهم ليسوا غرباء عن الناس انا لا أتكلم بالمطلق لان السياسة ليس فيها مطلق لكنني اعتقد ان الرهان على أن الزمن يعمل لغير صالح المقاومة من هذه النواحي ليس دقيقاً لا سيما اذا عرفنا ان المقاومة مستعدة لان تثبت وتصمد وتظل على حيويتها وربما تستعمل اسلحة أكثر خطورة عندما تستمر القضايا وتتطور. دمشق و"حزب الله" الاعلام الاميركي والمواقف الاميركية الرسمية والاسرائيلية تقول ان "حزب الله" هو حزب ايران، وفي نفس الوقت يتردد خلف الكواليس ان "حزب الله" فيه شق سوري. ولولا سورية لا تصل صواريخ الكاتيوشا الى الحزب في لبنان، ما هي حقيقة الارتباط بين حزب الله وسورية من جهة وبينه وبين ايران من جهة أخرى؟ - الواقع اننا نعرف ان "حزب الله" حزب لبناني لأن كل افراده لبنانيون، ليس هناك في المقاومة الاسلامية ايرانيون او سوريون او خليجيون او غير ذلك لان المقاومة الاسلامية لا تحتاج الى عناصر بل قد تتحفظ عن دخول عناصر اخرى. اما مسألة الدعم الايراني والدعم السوري فليس شيئاً خفياً ولكن المسألة التي تثار في الاعلام هي ان المقاومة الاسلامية تقوم بعملية في مرحلة لأن ايران تطلب منها ذلك او لان سورية تطلب منها ذلك. من الطبيعي ان الدعم الايراني والدعم السوري السياسي قد استطاع ان يكسر الكثير من الحواجز التي تنتصب امام المقاومة، لبنانياً وغير لبناني، ولكن المقاومة عندما تخطط في كل عملياتها فإنها تخطط من خلال خططها الذاتية. من الممكن جداً ان تفكر ايران انه لا بد من مقاومة اسرائيل وهي لا تستطيع ان تقاوم اسرائيل وهناك جماعة تقاتل اسرائيل وعلينا ان نعرف ان المقاتلين ضد اسرائيل لبنانياً كانوا يعيشون في اجواء حركة "أمل" ولذلك فإن المقاومة اللبنانية مستمرة في الجنوب، وغاية ما هناك هو انها اصبحت بعد الثورة الاسلامية مميزة وان هناك الكثيرين ممن كانوا في حركة "امل" اصبحوا داخل المقاومة الاسلامية. لذلك، فالمسألة ليست مسألة ان القضية هي كما كانت تتهم المقاومة الفلسطينية التي كان كل فصيل منها يتبع نظاماً عربياً فإذا اراد هذا النظام العربي عملية فإنه يكلف فصيله وهكذا لارباك الجو السياسي. أنا أعتقد ان المسألة ليست كذلك، من الممكن جداً ان يتحدث بعض الناس عن المقاومة الاسلامية بأنها قد تقوم بعملية نوعية في ظرف سياسي معين فيخيل للناس بأنه قد طلب منها أن تقوم بهذه العملية النوعية في هذا الظرف السياسي والواقع ان المقاومة تخطط لعمليات نوعية وقد تكون المصادفة ان العملية النوعية لا تتحقق الاّ في هذا الظرف بالذات. وقد يكون الظرف السياسي ملائماً من دون ان تكون المقاومة قد وضعت هذا النوع من التناسب والانسجام بين العملية وبين الموقف السياسي. ونحن نقول لكل من يتحدث بهذه الطريقة: "من كان بيته من زجاج فلا يرجم الناس بالحجارة". ان اسرائيل التي تقف الآن في مواجهة الشعب اللبناني كله تتمول من اميركا، لماذا يكون التمويل من اميركا لمقاتلة كل شعوب المنطقة والاستقواء أمراً حضارياً ولا يمثل ارهاباً ويكون التمويل من ايران او التأييد من سورية يمثل موقفاً ارهابياً او ما الى ذلك؟ دلوني على أية حركة سياسية عسكرية في العالم لا تنفتح على أي دولة حتى اميركا؟ المجاهدون الافغان، وهذه الصفة اعطتهم اياها اميركا، ألم تمولهم اميركا وحلفاؤها ولا تزال المسألة كذلك؟ لهذا نحن لا نعتبر ان هذه المسألة تمثل سلبية كبيرة لان من الطبيعي ان كل صاحب حق يرتاح اذا عاونه الآخرون في الوصول الى حقه. هناك كلام اميركي - اسرائيلي واحياناً اوروبي عن وجود رابط ما بين "حزب الله" وبين عمليات يسمونها ارهابية في الخارج، وهناك كلام آخر عن تدريب "حزب الله" لعناصر اسلامية من السودان وغيره. - عندما تتحدث عن السودان فهو دولة كبرى، وعندما توزع الاتهامات فإن الجواب قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين من الممكن لاي انسان ان يتهم اي جهة. نحن الآن نتهم اميركا بأنها وراء كل مشكلة في العالم كما كان نابليون يتهم المرأة بأنها وراء كل مشكلة في العالم، وقد لا يكون هذا الاتهام دقيقاً، ان المسألة هي الاثباتات التي تثبت هذا الاتهام؟ العدوان والمفاوضات هل تعتبر ان العملية العسكرية الاسرائيلية الحالية أدخلت لبنان في الجانب المتعلق بالتسوية في مرحلة جديدة؟ - علينا ان نراقب حركة المبادرات ونتائجها على المستوى السياسي اللبناني والسوري معاً لان بعض الكلمات والتصريحات الصادرة من الاميركيين توحي ان اميركا قد تفكر بأن تستفيد من هذه التعقيدات في فتح نافذة على المفاوضات السورية - الاسرائيلية والاسرائيلية - اللبنانية مما قد يعطي بيريز عنواناً جديداً في استمراره في عملية السلام. ... هناك مبادرتان فرنسية واميركية. المبادرة الفرنسية تظهر أقرب الى القبول من لبنان وسورية ولكن اذا أمعنّا النظر في المبادرتين نجد ان الاثنين يصلان الى مكان واحد...؟ - من الطبيعي أن المبادرات تتحرك لتفتح نافذة على المفاوضات ولكن السؤال الذي يفرض نفسه امام العنصر السوري في المسألة، هل ان سورية تستطيع ان تقبل مبادرة تعقد لها ساحة المفاوضات وتعطي اسرائيل قوة جديدة يمكنها من خلالها ان تضغط على سورية في مسألة الجولان؟ انني اعتقد ان الموقف السوري هو الذي يمثل التحفظ الكبير عن كلتي المبادرتين لاننا نعرف ان الحديث عن المبادرة الفرنسية كان عن انها اقرب الى الواقعية من المبادرة الاميركية وليس حديثاً عن قبولها بلا قيد او شرط. لذلك أنا أعتقد ان التجاذب الموجود في المسألة هو بين ان تبقى سورية على صلابة موقفها في المفاوضات السورية - الاسرائيلية وبالتالي اللبنانية او انها سوف تخسر بعض الاوراق؟ هل تقبل سورية ان تخسر بعض الاوراق في هذا الجدل او انها تحاول ان تستفيد من بعض نقاط الضغط في الخطة الاميركية - الاسرائيلية وفي النتائج السلبية التي حدثت لتقوية موقفها اكثر بدلاً من ان يضعف موقفها أكثر؟ فالمسألة لا تتصل فقط بحركة المقاومة في هذا المجال، حتى ان حركة المقاومة في مواجهة الاحتلال او المستوطنات الاسرائيلية هي مسألة لا تنفصل عن الجو السياسي العام الذي يشمل لبنان وسورية والمقاومة وربما ايران. سورية حريصة على الا تفقد أية ورقة وعلى ان لا يضعف موقفها المفاوض، وكذلك الموقع اللبناني. لكن بعد الذي حصل ولا يزال هناك مأزق وقع به الاميركيون والاسرائيليون وليس المطلوب من الرئيس حافظ الاسد ان يوجد لهم مخرجاً. لكن هناك مخرج لا بد ان يتم التوصل اليه بين الاميركيين والسوريين وربما بمشاركة اوروبية، وسورية كانت دائماً براغماتية، هل تستطيع سورية ان تحافظ على قوة موقعها التفاوضي وعلى الاحتفاظ بكل اوراقها من دون ان تسهل التوصل الى مخرج من المأزق الراهن؟ - من الصعب جداً ان يعطي الانسان رأياً واضحاً في هذا المجال لسبب بسيط جداً وهو ان سورية التي اصرت على كلمة واحدة في موضوع المفاوضات حول الجولان بالرغم من كل الضغوط الهائلة التي وجهت اليها ومنها الضغوط اللبنانية. ومن الصعب جداً ان تقدم تنازلاً يمكن ان يسيء الى موقعها في المفاوضات. وعلينا ان نراقب مسألة دقيقة جديدة وهي العنصر الاوروبي والعنصر الروسي في المنطقة، ونعرف ان العنصر الاوروبي وفي مقدمته فرنسا يعيش مسألة الصراع. صراع النفوذ في منطقة الشرق الاوسط، ويشعر بوجود ضغط اميركي هائل يطبق عليه ليجرده من موقع القوة على الاقل، اذا لم يجرده من كل مواقعه. وهكذا نجد ان روسيا التي انكمشت في منطقتها الخاصة مع كثير من المشاكل وفي مقدمتها الشيشان والتي لم تستفد من اميركا الكثير وتحولت الى دولة من الدرجة الثالثة او الرابعة على المستوى الاقتصادي والسياسي ولم يعد لها أي دور سياسي في العالم، حتى أن مشاركتها في عملية التسوية اصبحت تشبه النكتة. ولهذا نجد ان تركيا تحاول ان تتحرك بطريقة تعمل على تحرير حركتها السياسية من الضغط الاميركي، ونجد ان علاقتها بايران، الدولة الاقليمية الكبرى في تلك المنطقة التي يمكن ان تفتح لها ابواباً كثيرة واعادة علاقتها بسورية بشكل كبير جداً، لذلك من الممكن جداً لسورية ان تلعب الورقة الاوروبية والورقة الروسية ريثما تتخفف من بعض هذه الضغوط. ونحن نعرف ان اميركا لا تملك الاوراق كلها امام اوروبا وروسيا او انها تستطيع ان تصادر موقع هذه الدولة او تلك. لهذا عندما نفكر ان اميركا لا تملك الحل المطلق نفكر انها لا تملك الضغط المطلق، كما ان سورية واوروبا لا تملكان قوة كبيرة، ولكن كما قيل عن سورية اقليمياً انها لا تستطيع ان تصنع الحل ولكنها تستطيع ان تخربه. وهكذا نجد الاوروبيين وغيرهم ممن يملك موقعاً قد لا يستطيع ان يحل ولكنه يستطيع ان يعقد، ومن الطبيعي ان ذلك كله سيكون على حساب المستضعفين بكل اسف. خطر الحرب هل تطول هذه الازمة؟ - ان مسألة ان تطول أو تقصر يرجع الى النتائج في هذين اليومين بالنسبة للمبادرة الاميركية، لانني اعتقد أن أميركا اذا لم تنجح في مبادرتها فسوف لن تسمح للمبادرات الاخرى ان تنجح وسوف تشجع اسرائيل على أن تقوم بعملية اكثر تدميراً. ان التطور الذي اخشى منه هو حرب سورية - اسرائيلية. في حال لم نصل الى هذه الدرجة، هل تعتقد ان هناك كاتيوشا في المرحلة المقبلة أم لا؟ - الكاتيوشا تتحرك بحركة الظروف السياسية المحيطة بها. ولذلك فإنني أتصور ان المسألة اذا لم تصل الى الطريق المسدود فهناك اكثر من فرصة للكاتيوشا التي كانت ولا تزال رد فعل ولم تكن فعلاً، ونحن نعرف ان الدول الكبيرة قد تملك اقوى السلاح ولكنها لا تستطيع ان تستعمل كل قوتها، وهذه مشكلتها في هذا المجال، لان العالم قد يسمح ببعض الضغط والتدمير ولكنه لا يسمح بالابادة. بالنسبة الى ايران، قيل في الصحف انه لما جاء المبعوث الايراني الخنساري قابل رئيس مجلس النواب فقط، لأن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة رفضا مقابلته، هل هذا صحيح؟... - لم أسمع بذلك، لقد زارني وذكر لي انه طلب موعداً من وزير الخارجية ورئيس الجمهورية وانه اذا لم يعط موعداً في اليوم نفسه سيضطر الى الذهاب الى سورية، ولهذا فإنني أتصور من جهته ان وقته كان محدوداً وليست لدي معرفة بما حدث بعد ذلك وانا لا اعتقد ان استقبال مساعد وزير الخارجية او عدم استقباله يمكن ان يغير شيئاً ولو بنسبة واحد في المئة من هذا الموضوع لان هناك سراً يعرفه الجميع، وأعتقد ان الذين يتحدثون بهذه الطريقة قد يحتاجون الى انقاذ انفسهم من هذه السذاجة السياسية.