في الصفحات الاولى من الصحف العالمية يتردد اسم يسرا، في هذه الأيام، وعلى اغلفة عشرات المجلات العربية تنتشر صورتها منذ الاسبوع الفائت، والسبب ليس فنياً بالطبع، بل محاكمة تحاول ان تطال يسرا وتؤذيها بسبب صورة واقتحام معجب شقتها. يسرا، المرأة الهادئة والفنانة التي عرفت كيف تشق طريقها بنجاح كانت تفضل ان تمضي حياتها هادئة من دون هذا النوع من الضوضاء، فهي تعتقد ان الضجيج الذي يجب ان يثور من حول الفنان هو ضجيج فنه وعلاقته الطيبة بالناس. "الوسط" التقت يسرا في القاهرة وسط هذه المعمعة ورافقتها في رحلة عبر حياتها وفنها، هنا الحلقة الرابعة والأخيرة منها. نلاحظ بشكل عام ان النساء، بين جمهورك، يحببنك اكثر من الرجال. قد يختلف المعجبون بشأنك، اما لدى النساء فيبدو ان ثمة اجماعاً... - سوف أقول لك ما قد أشعر به، ان النساء يشعرن عادة انني صادقة. وربما يشعرن، الى حد ما، بالامان على رجالهن. المهم ان الناس يقومون البني آدم باخلاقياته ومعاملته الانسانية. عندما تزن الانسان، تهتم بنظافة خلقه أولاً. النساء يشعرن انني لا يمكن ان اضحك عليهن. انا لطيفة قوي، لكن لو شخص ما غلط في حقي لن يجدني لطيفة جداً. من ناحية ثانية، لو حدث لي حتى ان احببت رجلاً متزوجاً وتهت في غرامه، لا يمكنني ان آخذه من زوجته، قد أحبه وقد أحار زمناً في شأنه... لكني ابداً لن اتزوجه واجرح زوجته. يمكن ان يكون هذا هو السبب الذي جعلني، حين تزوجت، اختار شخصاً غير متزوج. عندي في حياتي خطوط حمر لا يمكن ان اتجاوزها أو ان اسمح لأي كان بأن يتجاوزها معي. عادة، اضع نفسي مكان المرأة الاخرى واتساءل كيف سيكون رد فعلي لو حدث معي هذا. وربما كان هذا هو السبب الذي يجعل النساء يحببنني. ومع هذا لو حبيت ذات يوم رجلاً متزوجاً سيحصل ذلك غصباً عني. أنا لست ملاكاً. يحدث لي ان اخطئ. لازم اخطئ. أنا بشر، وكل انسان يخطئ. ولكن في الوقت نفسه انا عندي ضمير. لازم اراعي ضميري. وينطبق ذلك على أي علاقة وعلى أي لقاء. يهمني في الدرجة الاولى ان ارتاح الى الآخر. انت مثلاً، لو لم ارتح اليك لن اجيبك عن اسئلتك، أو اختصر الحديث، سؤالان ثلاثة وكفى. لكن لو اجبتك مش حتوقف عن الكلام. حتى لو اغضبتني سآخذ على خاطري منك واعاتبك واخاصمك. اعاتب، عادة، وأخاصم الذين احبهم. هناك أناس لا اعاتبهم على الاطلاق. على العموم أنا لم ادخل الفن من منطلق انني "رمز جنسي" وربما كان هذا هو الذي يريح نظرة الستات اليّ. لكنك لست لا أمينة رزق ولا زينات صدقي... - طبعاً، طبعاً. لدي شيء منهما على أي حال، ولكن هناك اشياء اخرى، انوثتي مثلاً، لا انساها ابداً. لقد خلقت انثى وأنا فخورة بذلك وسأظل انثى طالما اعطاني الله القوة والنشاط. ولكن لا يمكنني ان اكون انثى في كل وقت وفي كل ساعة "عمال على بطال". أنا امرأة من صميم الشعب هل تعتبرين نفسك نموذجاً للمرأة المصرية؟ اطرح عليك هذا السؤال وفي ذهني كتابات تصفك بالبرودة وبأن ثمة مسافة تفصلك عن الايقاع الحقيقي لنبض المرأة المصرية... - هذا غير صحيح على الاطلاق. بالعكس، في حياتي لم اكن غير امرأة مصرية ومن صميم الشارع المصري. ربما كنت في بداياتي بعيدة بعض الشيء، خجولة بعض الشيء... لكن هذا كله انتهى الآن. لنأخذ دورك في فيلم "مرسيدس" مثلاً. هناك دور الام الباردة المبتعدة، ودور "عفيفة" الحارة الشعبية. ايهما أقرب اليك؟ - جمهوري رآني افضل وأقرب في دور عفيفة بالطبع. الحديث عن هذا الفيلم يقلقني على أي حال. فهو فيلم رائع ونال جوائز عديدة وأديت فيه واحداً من اجمل ادوار حياتي، ومع ذلك لم ينل ما يستحقه من نجاح. العموم الجمهور الذي شاهده اصيب بعدوى كمية كبيرة من الاحاسيس فأحس بلؤم الأم، وتعاطف مع عفيفة وعشقها حين راحت ترقص... لو نظرنا اليك الآن بعيني الطفلة التي كنتها قبل ثلاثين سنة، كيف ستكون النظرة؟ - يسرا الصغيرة كانت كلما رأت فيلماً على التلفزة أو في السينما ترغب في ان تكون هي البطلة. لو الصغيرة رأت الكبيرة، اليوم، ستقول لها: "يا بنت الايه؟ عرفتي تعملي كل ده مع انك ما كنتيش فاكرة ابداً انك حتقدري في يوم من الايام". حقيقي، يا ابراهيم، أنا لم اتمن في حياتي ان اكون غير فنانة، لكني ابداً لم اتوقع ان اكون فنانة بحق وحقيقة. كنت أشاهد الافلام القديمة: ريتا هايوارث، آفا غاردنر، لانا تيرنر وأقول متى سأفعل مثلهن. ما كنتش على أي حال فاهمة ان التمثيل رسالة. كانت السينما بالنسبة الى الصغيرة سينما وبس. هل تعتقدين انه كان من شأن يسرا الصغيرة ان ترضى عن كل الادوار التي مثلتيها... - بالعكس، كان بامكانها ان تدرك ان هناك أفلاماً جيدة وادواراً جميلة. هل هناك ادوار تحبينها بشكل خاص، من بين ادوارك؟ - سأجد صعوبة كبيرة في الرد على سؤالك... هل هناك ادوار معينة شعرت فيها بتوتر وقلق شديدين؟ - طبعاً... طبعاً، حدث هذا كثيراً. دوري مثلا في "اسكندريه كمان وكان" وترني كثيراً. الرقص فيه وترني كثيراً. كان الدور صعباً. وكنت اشعر اني أحمل الفيلم على كتفي. وخصوصاً لأن يوسف شاهين كان يمثل فيه أمامي. كان تحدياً كبيراً. اياك ان تعتقد ان يوسف ليس ممثلاً كبيراً. بالعكس ده ممثل كبير وخطير، وقوي بامكانه ان يمحو كل من يقف في وجهه. له عينان ثاقبتان. تلقائي ويعرف ماذا يريد. ولا يمكنك ابداً ان تهرب منه. منذ شاهدته في "باب الحديد" وانا اتمنى ان امثل امامه. وعندما حدث ذلك في "اسكندرية كمان..." احببت برعب شديد. دوري في "مرسيدس" وترني ايضاً... مشهد ارعبني في "المهاجر" أي نوع من الافلام تشاهدين عادة؟ - الافلام الاجنبية بشكل خاص. شاهدت اخيراً فيلم "الطريق الى ماديسون" بعد ان قرأت الرواية. فيلم رائع. لو حدث معك ما حدث مع بطلة الفيلم ميريل ستريب هل كنت تعودين في نهاية الامر الى بيتك واسرتك وزوجك، أم كنت ترافقين الرجل الذي احببته، صدفة، الى مصير جديد... - صراحة؟ كنت ارافقه... ولن اخضع لمصيري كما خضعت ميريل ستريب. ما رأيك في اداء هذه الممثلة. - ممتازة. ولكن بشكل عام في سينما اليوم هناك ممثلات جميلات اكثر منهن قديرات... وماذا تعتبرين نفسك؟ - جميلة وقديرة، شرط ان يكون الفيلم مريحاً... وما هو الفيلم المريح في نظرك؟ - هو الفيلم الذي تتكامل فيه العلاقة بين الممثل والمخرج وبقية اعضاء الفريق العامل. علاقتي مع المخرج في الفيلم شديدة الأهمية وحاسمة، لو انه عجز عن ان يأخذ مني مئة في المئة من الاداء لن يكون من حقي ان اعمل معه. لو كان لدي شك واحد في المئة في عمله لن اعمل معه. والمصور ان لم يحب وجهي سوف يفشل الفيلم. حتى العيب، لو كان هناك عيب، ليس من الضروري ان يكون منفراً. يمكن ان تراني الكاميرا وأنا مرعوبة، تعبانة، اركض، الهث، لكنها يجب ان تراني دائماً حلوة ومقنعة. الشاشة لا تعرف الكذب. الكاميرا تحب وتكره. انا أول مرة رأيت نفسي في أول كادر من فيلم "المهاجر" ارتعبت... لماذا؟ - كنت اتصور ان الذي في داخلي لن يظهر. الكادر كشف كل شيء. وجعلني أشاهد كمية هائلة من الحزن تنعكس على وجهي. اكثر حزن رأيته في حياتي كلها. وهذا خدم الدور كثيراً. حتى ظروفي السيئة، يومها، خدمتني واضافت اليّ كممثلة... كيف بقيت بطلة طيور الظلام بلدية مثلت كل الادوار في السينما. فكيف حدث لك ان اشتغلت دائماً على كل الادوار... دورك في "درب الهوا" مثلا كان اداؤه جرأة منك... - كنت في ذلك الحين متوجهة لأمثل آخر لقطات فيلم "بستان الدم" لأشرف فهمي، فقابلني حسام الدين مصطفى، واعطاني سيناريو طلب مني ان اقرأه. وكان في السيناريو دوران سميحة وأوهام. قال لي: خذي الدور الذي يعجبك. قرأت السيناريو طوال الليل وعند الثانية صباحاً كنت غارقة في البكاء. مصير أوهام ابكاني. اعجبني الاسم. طلبت حسام وقلت له: "انا يسرا، وحعمل أوهام" قال لي: كنت اعرف ذلك... كيف اشتغلتِ على ذلك الدور؟ - حين كنت اقرأ السيناريو، كانت هناك أمور كثيرة تمس قلبي. اختياري للدور وعملي عليه اتى بالفطرة، وليس بالدراسة. لماذا احببت دور اوهام؟ لماذا احببت دوري في "امرأة آيلة للسقوط"؟ بالنسبة الى هذا الفيلم الاخير كنت مرعوبة من مدحت السباعي. بصراحة أتاني مدحت وقعد هنا مكانك وقال لي ان لم تمثلي هذا الدور لن احقق الفيلم. قلت له بكل صراحة انني اخاف منه، طلب مني ان أقرأ السيناريو قبل ان أحكم على الامور. فعلت وقلت لنفسي بعد ان انتهيت من قراءة السيناريو: الورق حلو ولكن لو نفذ الفيلم بشكل سيئ سأروح في ستين داهية. في النهاية مثلت الدور وكان مدحت مريحاً كثيراً، ولا انسى لناهد فريد شوقي، زوجته ومنتجة الفيلم انها باعت كل ما تملك من حلى لكي تنتج الفيلم. أنا عندما دخلت الصالة يوم العرض، خلال الدقائق العشر الاخيرة منه، وجدت الناس تصفق. صفقوا أربع مرات وهذا أمر نادر. الجمهور عادة صعب ولا يجامل. المهم اختياري الادوار ينطلق من احساسي بقراءة السيناريو. هل تقررين وحدك؟ - لا... عندي اصدقاء اثق بهم. اشاركهم واطابق وجهات النظر. وأكثر من استشارتهم حين أحس بالقلق والشك. استشرت اصدقائي حين مثلت في "ضحك ولعب وجد وحب" الطريف ان اكثرهم نصحني بعدم العمل فيه. في النهاية فعلت ما املته عليّ احاسيسي ولم اندم على ذلك ابداً. الشيء نفسه حصل مع "قبل الوداع" على رغم ان الفيلم يل ينجح. اعود الى سؤالي الذي انسيتيني اياه: كيف تشتغلين تقنياً على الشخصية؟ - لا اشتغل لوحدي، بل مع الكاتب والمخرج. في "مرسيدس" مثلاً، اشتركنا معاً في تفصيل الفستان "أبو عيون". جاءت الفكرة بمحض المصادفة. البنت عفيفة تخاف الحسد، فاذا بمصممة الازياء ناهد نصر الله تبتكر الفستان ذي العيون. الفستان الواقي من الحسد. في "الارهاب والكباب" طلب مني المخرج شريف عرفة ان آتي بأدوات الماكياج الخاصة من باريس. وكنت اعرف ان عليّ ان ارتدي فستاناً قصيراً ومثيراً. في "الجوع" كان عالم الازياء من اهتمامات صلاح مرعي، وكان المرحوم شادي عبدالسلام يأتي بين حين وآخر ويسدي لنا النصائح. فكرة الفستان المشقوق كانت فكرته كما اذكر. في "طيور الظلام" هناك الفستان الأسود الذي قصدت من اختياره ان يوحي في ذلك المشهد بأن تلك الفتاة الشعبية الفقيرة تعرفت حقاً بملياردير وصارت وجهاً في المجتمع، لكنها بقيت بأخلاقها البلدية... ذكريات السينما و... الحياة هل يحدث لك ان تساهمي في صياغة الشخصيات انطلاقاً من تعرفك على ابناء مهن تؤدينها في الفيلم، سكرتيرة فيلم "المنسي" مثلاً واقعية الى ابعد الحدود وغضبها المكبوت الذي يتفجر في النهاية شديد الواقعية... - التجارب الشخصية التي تبقى عندي من لقاءاتي تخزن في داخلي. ليس ضرروياً ان اعيش بنفسي حياة الشخصيات. أنا اشاهد واخزن واتذكر بعد ذلك... لقد اشتغلت مع مخرجين كثيرين، ومع مخرجين ارتبط اسم بعضهم بفنانات كبيرات اخريات، هنري بركات مثلاً، وارتباط اسمه بأدوار فاتن حمامة الكبرى. هل تتعاملين مع المخرج انطلاقاً من تاريخه ام بالارتباط مع واقعه الراهن... - حين اشتغلت في فيلمي الثاني مع بركات، اعتبرت نفسي محظوظة. لانني لا يمكنني ان انسى "دعاء الكروان" أو "الحرام" وهما فيلمان كبيران تألقت فيهما فاتن حمامة. هنري بركات تاريخ. هناك في افلامه مشاهد محفورة داخل ذاكرتنا. هل اخافك هذا ام اراحك؟ - بالعكس، شكل لي تحدياً كبيراً. جعلني اشعر انني يجب ان اكون نداً له ولتاريخه. للشخص الذي يواجهني. مثل المرأة التي تحمل اسم زوجها وعليها ان تحافظ عليه وتكون نداً له في الوقت نفسه. يفرحني كثيراً ان اشعر اليوم انني وقفت في سينما بركات في المكان نفسه الذي وقفت فيه قبلي فاتن حمامة وشادية ونعيمة عاكف. هل يحدث احياناً في ذكرياتك ان تختلط لديك ذكريات الحياة بذكريات السينما؟ - لست ادري. المهم انني اعرف كيف أفصل. لازم أفصل، لكني في بعض الاحيان اعجز عن ذلك. منها لحظات الاندماج مثلا. حدث هذا حين كنت أمثل دور نعيمة في "أنف وثلاثة عيون"، المسلسل المتلفز لا الفيلم، في مشهد المستشفى بعد الانهيار العصبي بقيت ساعات اندمج في الدور وأبكي. لدرجة ان المخرج المرحوم نور الدمرداش جاءني بعد ساعتين وأنا لا أزال متشنجة وقال لي: اهدي، افعلي أي شيء، اضربيني. قال لي: لقد دخلت الشخصية ويجب ان تبتعدي عنها الآن. يومها كان كل شيء يتفاعل في داخلي: الحب، الغيرة، الكراهية، الألم، العدم... بعد ان تنتهي من فيلم تمثلينه، هل يحدث للشخصية ان تظل مقيمة في حياتك لفترة؟ - طبعاً، لكني اسعى دائماً لكي اتخلص من ذلك، حتى لا تفسد حياتي وتزدوج. قلتِ لي انك شديدة القسوة على نفسك... كيف؟ - بالجهد الذي ابذله من اجل تخطي كل الصعوبات التي اعيشها. عزائي الوحيد اصدقائي المقربون الذين أشعر معهم دائماً انني لا أزال طفلة. طفلة؟ - يوه طفلة. أنا على الدوام طفلة. أحب ان ابقى طفلة، وان الهو مثل طفلة، وأحب مثل مراهقة في السادسة عشرة. صدقني، اعرف منذ الآن انني حين سأموت سأموت طفلة، منغلقة احب الناس واتدلع عليهم مثل طفلة لا تريد ان تكبر ابداً.