جاءت "ليلى" الصغيرة مغمومة منزعجة... لقد سرقتها إحدى زميلاتها! وهي لم تسرق شيئاً من مادياتها الصغيرة كلعبة أو حبة حلاوة أو قلم منقوش. وانما سرقت فكرتها لموضوع التعبير، وفازت بانبهار وتهليل المدرّسة التي طالبت الفصل كله بالتصفيق لها. لم يصفق أحد ل "ليلى". و"ليلى" غاضبة لأن الفكرة المتميزة كانت فكرتها، حدّثت عنها زميلتها في الفسحة فسبقتها إلى اعلانها في الفصل! "ليلى" لا تعرف أن ما حدث لها هو سرقة أدبية، وأن هناك قوانين دولية تحمي حقوق المؤلف. وحكاية اختلاس الأفكار، أو استلهام إبداع الآخرين لم تبدأ بموضوع الانشاء و"ليلى" ومدرستها وزميلاتها في الفصل الخامس ابتدائي... ولا حتى بالزميلة المختلسة... الحكاية بدأت مع بداية التاريخ الانساني حين اكتشف الانسان أنه ذات منفصلة عن الذوات الأخرى، معرضة للفشل أمامهم في حالة النزاع أو المقارنة. عندئذ تعلم الانسان معنى الغش وتزييف قدراته ليبدو أمام الآخرين قوياً لا يظهر ضعفه... فالضعف يعني التعرض لخطر الهزيمة. والهزيمة المعنوية هي ما يدفع صغيرة مثل زميلة "ليلى" إلى التظاهر بما ليس لديها وسرقة أفكار زميلاتها. إذ حازت بذلك على التصفيق الذي كانت تستحقه في الحقيقة طفلة أخرى. هنا أول بوادر السرقة الأدبية. وإذا لم تجد الطفلة من يوضح لها معناها، ستكبر وتتطور اختلاساتها وغشها لتطال النجاح والتميز والظهور، إلى أن تضبط يوماً متلبسة بسرقة مؤلفات الآخرين. ولأن الإبداع الفني والأدبي والعلمي هو أعلى مستويات التميز وينال أعلى مستويات الاحترام، فإن هذا الإبداع بالذات معرّض لغبطة الآخرين ورغبتهم في نسبته لأنفسهم. وحين يكون المتهم صغيراً مثل زميلة "ليلى" يحدث أن يجد في بعض الأحيان من يوضح له أن تجيير عمل الغير لنفسه، من دون حق، لا يجوز. ولكن يحدث كثيراً أيضاً أن يكبر ذلك الصغير من دون أن يجد من يفهّمه أن اختلاس انتاج الآخرين جريمة، وأنها نوع من الغش لنفسه وللآخرين المعجبين، وأن تجيير فوائد هذا الإبداع له يستحق التشهير والتعزيز والعقاب... من هنا يكبر الصغير فيصبح دكتوراً "يؤلف" أكثر من كتاب متخصص، مصدره مؤلف ستيفن كوفي عن عادات النجاح، أو يصبح عالم نفس يجير لنفسه نظريات العالم أريك برنز في التحليل النفسي. ثم لا يستحي هذا أو ذاك ألا يذكر اسم المؤلف الأصل ضمن مراجعه، بل ويوزعه بكل بجاحة لكي يكتب عنه ويقرظ. وتكبر الصغيرة لتصبح "كاتبة" تستعير الأفكار المطروحة في مقالات المجلات الأجنبية، أو "قاصة" تستوحي عنوان مجموعتها من عنوان قصيدة لزميلة قرأت عليها قصيدتها، أو "شاعرة" تكرر "استلهام" شعر مبدعين مميزين، لترقع لغة "مختلسة" تعلنها - بعد الغاء شاعرية مبدعيها! - لغتها المميزة. ويظل لنا ول "ليلى" حق الاحتجاج، واعلان الحقائق!