محسن علي السُّهيمي - المدينة السعودية تكاثرت في الآونة الأخيرة عمليات (سَرِقة) بعض المؤلِّفين لمؤلَّفات غيرهم، وتضمينها مؤلَّفاتهم وكتاباتهم. وكم قرأنا عن قضايا رفعها مؤلِّفون ضد أمثالهم من المؤلِّفين؛ بحجة أن هؤلاء المؤلِّفين سرقوا (بعض أو كل) أعمالهم الفكرية دون أن ينسبوها إليهم، ولذا نراهم يلجؤون للأنظمة والاتفاقيات التي تكفل لهم حقوقهم الفكرية. ما لا يمكن إنكاره هو أن (السرقات الأدبية) ليست حادثة، ولا سبيل لإيقافها ما لم يكن هناك رادع من ضمير حيٍّ لدى المؤلِّف. وكون هذه السرقات كانت تتم ولا يُعلَم بها في الغالب، فتضيع حقوق المؤلِّف؛ بسبب انعدام وسائل الاتصال ووسائل البحث السريع، وبسبب تباعد الأقطار، ومشقة السفر وما يترتب عليه من عدم انتشار المؤلَّفات، فإن العصر الحالي قد صادر تلك العوائق جميعها؛ فوسائل الاتصال شملت كل بقعة، كما أن وسائل البحث –وعلى رأسها (قوقل) الأمين- سهَّلت كشف السرقة، بالإضافة لذلك فإن المؤلَّفات انتشرت في الأماكن كلها، وأصبحت في متناول الجميع؛ مما يسهل على القارئ عقد المقارنات واكتشاف أوجه الشَّبه بين المؤلَّفَين. عملية السرقات الأدبية لاشك أنها تقع بطريقة (متعمَّدة) يتم خلالها سلبُ المؤلِّفِ جهدَ غيره ونسبته لنفسه؛ بحجة أن هذا الأمر لن يُكتشَف، وإن اُكتُشِف فإن الحجج جاهزة، أو أن أمد القضية سيطول حتى يملَّ المؤلِّف ويُسلِّم بالأمر. الجديد في السرقات الأدبية أنها صارت تقوم على أكتاف صنفين من الناس هما: (الطلاب الجامعيون، ومعاونو المؤلِّف) بدلاً من السرقة المباشرة. ففي حالة الطلاب، أذكر أن أحد الأكاديميين جسَّد هذه الفعلة أمامنا؛ فقد أتى (بمذكِّرة ضخمة) لا تخرج عن أن تكون تصويرًا لكتاب ما، أو تكون بحوثًا من (تجميع طلابه) في المجموعة الثانية، وهذا ما يؤكده بعض طلاب تلك المجموعة. المهم أن الأستاذ وزَّعَنا –نحن طلاب مادته- في المجموعة الأولى إلى مجموعات صغيرة، وعهد إلى كل مجموعة بفصل من فصول المذكِّرة، وطلب من كل مجموعة أن تُلخِّص الفصل المعهود به إليها، ثم جمعَ الملخَّصات وعهِد بها إلى طالبَين ليُعيدا كتابتها، وكلَّف أحد الطلاب بتصميم غلاف يتناسب مع عنوان المؤلَّف الجديد الذي اختاره بنفسه. وبعد أسابيع جاء الزميلان بنموذج للمؤلَّف، فلا تسأل عن (السعادة البالغة) للأستاذ بمؤلَّفه! ولا تسأل عن احتضانه له، وتقليبه له بين راحتيه! هنا أرجو ألا تَسألوني عن قضية (الإنكار) على الأكاديمي؛ وعليكم أن تُسائلوا مَن منح السُّلطة المطلقة للأكاديميين. ولو أننا قمنا بعملية الإنكار (القولي) لكانت النتائج وخيمة، ولا أظنكم إلا تعذرون الطالب الذي يبقى عديم الحجة في مواجهة الأكاديمي. وتزداد المصيبة حينما تكون ترقية مثل هؤلاء على أكتاف طلابهم! ولقد ذكر لي أحد الزملاء المبتعَثِين (أن الأكاديميين –هناك- تخضع بحوثهم لبرنامج اسمه (plagiarism) يُعنى بالكشف عن عدم الصدق الأكاديمي؛ وذلك بالتحقق إلكترونيًّا من كمية المعلومات التي تم اقتباسها سواء كانت بشكل مباشر أو غير مباشر التي لا توثَّق علميًّا، وهذا الأمر يستوجب العقوبة الأكاديمية). النوع الآخر من السرقات يتمثل في استعانة بعض المؤلِّفين ب(معاوِنِيهم) ممثَّلين في (موظفيهم أو إخوتهم أو زوجاتهم أو أبنائهم وبناتهم..إلخ) فيعهدون بالعمل أو جزء منه لهؤلاء المعاوِنين، فيقوم المعاونون بعملية (القص واللصق)، ويكتمل المولود ويخرج إلى حيز القرَّاء، والمؤلِّف يظن أنه لم يقع في المحذور؛ فهو يرى أنه لم يقم بفعل السرقة ما دام أنه لم يباشرها بنفسه! وبالمثل يمارس بعض الكُتَّاب الصحفيين الدور نفسه حين يعهدون بكتابة مقالاتهم لمعاونيهم. هنا أذكر أن أحد المؤلِّفين (غير المشهورين) تكاثرت مؤلفاته قبل فترة، وكنتُ أعجب من تكاثرها، ولم ينجلِ عجبي حتى جاء أحد الأصدقاء –عَرَضًا- على اسم المؤلِّف، حيث ذكر أنه ذهب يومًا لزيارته، وبعد مراسم الاستقبال أشار إليه المؤلِّف أن يُدخِل سيارته من الباب الخلفي؛ ليأخذ كمية من تلك المؤلَّفات. يقول: أدخلتُ السيارة فتفاجأتُ بكمِّ (الحجرات) المملوءة بالإخوة الوافدين المنكبِّين على كُتبٍ بين أيديهم، وهُم يقرؤون ويُلخِّصون وينسخون، ثم يدخلونها في الحواسيب المستقرة على مكاتبهم. عندها قلتُ لصديقي: الآن أرحتني! فيا أيها الأكاديميون والمؤلِّفون اعلموا أنَّ ما يقدمه لكم طلابكم ومعاونوكم من أعمال -أبدعوها أو سرقوها- جعلتموها مؤلَّفات لكم، إنما هو من قَبيل (السَرِقة أو سَرِقة المسروق).