لا يزال المهندس قلب الدين حكمتيار إحدى الشخصيات المثيرة للجدل في الساحة السياسية الأفغانية وحركة الاسلام السياسي في أماكن عدة. حياته لم تعرف طعماً للراحة والدعة منذ أن قرر أن يحترف العمل السياسي أثناء الدراسة في كلية الهندسة في جامعة كابول، بعدما اختار السباحة ضد تيار الدولة الشيوعية السابقة في بلاده، وتبنى النهج الاسلامي. ولم تكن سنوات الدراسة الجامعية وحدها هي الفترة المليئة بالمتاعب في حياة حكمتيار، فهو ربما لم يذق طعم نومة هانئة طوال الاعوام ال 17 الماضية، بسبب الحرب اللعينة التي لم تتوقف في افغانستان حتى بعدما انسحب منها الجنود الروس، وحتى بعدما حرر المجاهدون العاصمة ونصبوا أنفسهم حكاماً للبلاد. ومن المؤسف أنه لن يرتاح كثيراً خلال الفترة المقبلة، إذ إنه خرج لتوه من كابول مهزوماً متراجعاً مع أعضاء الحكومة التي يرأس أمام تقدم قوات حركة طالبان وسيطرتها على العاصمة أخيراً. غير أن ذلك لن يقلل من قدر حكمتيار زعيم الحزب الإسلامي، الذي قد يبقى رقماً مهماً في المعادلة الداخلية الأفغانية. وإن كان خسر منصبه رئيساً للوزراء وبضع مواقع عسكرية كان يتحصن به، فهو يعرف أن المعركة بين المجاهدين الافغان طويلة، وما يحدث اليوم ليس سوى فصل من فصولها. تبدأ "الوسط"، اعتباراً من هذا العدد، نشر هذه السلسلة من ذكريات قلب الدين حكمتيار التي دونها مراسلها في تلك الرقعة من العالم الاسلامي في أحاديث متفرقة أجراها مع رئيس الوزراء الافغاني المخلوع. وتقتضي الأمانة التنويه الى أن هذه السلسلة أعدت للنشر قبل التطورات الاخيرة في افغانستان. وتتناول الحلقة الاولى جوانب من نشأة حكمتيار وأسرته وتجاربه خلال سني الدراسة حتى اتخاذه مع مجموعة من زملائه قرار إنشاء أول تنظيم اسلامي في افغانستان. في البداية هل لنا ان نعرف شيئاً عن طفولتك وأسرتك ودراستك في المرحلة الاولى؟ - ولدت في ايلول سبتمبر 1949 في مديرية إمام صاحب في ولاية قندوز شمال افغانستان على الحدود مع طاجيكستان. وتبعد قريتنا اربعة كليومترات فقط عن نهر آموداريا الفاصل بين حدود البلدين، وكانت اسرتي نزحت عام ولادتي من غزني وسط افغانستان الى قندوز. وقبل هذا كانت قبيلتنا تتردد بين باكستانوافغانستان، الا ان والدي تخلى عن حياة البدو الرُحّل ليستوطن لاحقاً في مديرية إمام صاحب، وامتلك هناك من الاراضي والعقارات ما كفل لنا حياة كريمة وان كانت غير مترفة. وكان لأبي حينها ثلاثة من الاخوة سُجنوا جميعاً في عهد محمد داود 1973 - 1978 واستشهدوا لاحقاً في ايام حكم الشيوعي نور محمد طراقي. وبعدها استشهد اثنان من اخواني الاربعة، اما والدتي فلا تزال على قيد الحياة، وقد أُدخلت أسرتي كلها - صغاراً وكباراً - سجون طراقي وأمين الشيوعيين. أما قريتنا فهي ضيعة ريفية تتكون من البيوت الطينية، ويزاول اهلها مهنة الزراعة وكان والدي يمارس التجارة. وتضم منطقتنا قبائل وقوميات عدة من البشتون والطاجيك والأوزبك، وغدت حديثاً صالحة للحياة بعدما كان تعجّ بالمستنقعات والترع التي ينمو حولها قصب السكر. درست في البداية في مدرسة قرب بيتنا، وكان لي شغف بالعلوم الاسلامية اضافة الى هواية الصيد على غرار والدي اذ انه كان من امهر الصيادين في المنطقة، واعتاد على اصطحابي معه في رحلات الصيد. واذكر مرة انه اصطحبني وتركني في مكان قرب الغابة ليدخل ليصطاد ومكثت أبكي حتى عاد... وما زلت اتذكر ذلك اليوم. التحقت بالمدرسة الابتدائية في سن السابعة، وأنهيت السنوات الست الاولى في مدرسة إمام صاحب الابتدائية ثم التحقت بالمدرسة العسكرية في كابول وأتممت الصفوف السادس والسابع والثامن هناك لأتخلى عن هذه المدرسة لتصرفات المسؤولين غير الشرعية، وبسبب خيانة بعض المسؤولين الذين مالوا إلى أحد اقاربهم وهو آصف شور الذي غدا رئيساً للاركان ايام نجيب الله فاعتبره ناجحاً في المرتبة الاولى وانا في المرتبة الثانية فعمدت الى ترك المدرسة، والتحقت بمدرسة شيرخان الثانوية في قندوز وواصلت دراستي حتى الصف الثاني عشر لالتحق بعد ذلك بكلية الهندسة في جامعة كابول. حدثان وراء الحركة هل تذكر شيئاً عن صداقاتك ومواجهاتك مع الشيوعيين في تلك الفترة؟ - شعرت اثناء دراستي الثانوية بأن الحركات الشيوعية تقوى يوماً بعد يوم، واثناء دراستي في الصف الاول الثانوي وقع لي صدام مع نجل شقيق حفيظ الله امين المدعو أسد الله امين الذي غدا رئيساً للاستخبارات ايام حكم عمه حفيظ الله امين. واحتدّ النقاش واستمر حتى نهاية الدرس ثم واصلناه من اجل اثبات وجود الله تبارك وتعالى الذي كان الشيوعيون يحرصون على نفيه. واثناء سيرنا من المدرسة صوب بيوتنا قال لي أسد الله: سآتي الى غرفتك لتثبت لي ان الله موجود، فحذّرته من ان يعود إلى مثلها، فتلاسنّا بعدها وكدنا ان نشتبك بالأيدي، ففصل بيننا رفاقنا. وكانت هذه هي المرة الاولى التي اسمع فيها احداً ينكر وجود الله، فتأثرت لذلك المشهد كثيراً، وحين دلفت الى غرفتي المستأجرة طفقت افكر في هؤلاء الشيوعيين، وتنامي نشاطهم في هذه المدرسة ومخططاتهم واساليبهم لاستهواء الشباب الضائع واجتذابهم. ونظراً إلى كوني طالباً متفوقاً ومتقدماً في الثانوية فقد كانت روابطي مع زملائي متينة فنصحتهم بألا ينضموا إلى هذه الحركات الهدّامة مؤثرين الانتظار، لأن هناك حركة اسلامية قوية سيبزغ فجرها وهي الآن في طور السرية. أما الحدث الآخر الذي لعب دوراً محورياً في دفعي إلى تشكيل حركة اسلامية مناهضة للشيوعيين فهو سماعي خبر استشهاد سيد قطب، رحمه الله، على أيدي قوات الرئيس جمال عبدالناصر، فتيقنت حينها انه لا تزال هناك شخصيات تعمل من اجل الاسلام وتستشهد في سبيله. واستطيع القول ان هذين الحدثين صاغا لي فكرة تأسيس حركة اسلامية، لكننا لم نؤسس شيئاً عملياً طوال فترة الدراسة الثانوية. اذن ما هي النشاطات التي اضطلعت بها اثناء دراستك الثانوية؟ - شرعت في مواجهة الشيوعيين فكرياً عبر الحوار والنقاش وفندت افكارهم واطروحاتهم ورددت على اباطيلهم، ولا شك في أن هذه الجهود كانت فردية. واذكر يوماً ان أحد الطلاب قال لي ستتخلى عن هذه الافكار حين تلتحق بجامعة كابول حيث كانوا يعتقدون حينها بأن اجواء الجامعة لا تصلح للعقيدة الاسلامية، فقد كانت الصلاة متعذرة في الجامعة فضلاً عن الزي الاسلامي، لأن الولاء والتبعية للغرب جعلتا الطلبة يعتبرون ارتداء الزيّ القومي او الاسلامي والصلاة تخلفاً ورجعية وكنا في قندوز نفتقر إلى الكتب الاسلامية لأن المنطقة نائية وبعيدة في حين كان الشيوعيون لا يواجهون مثل هذه المصاعب والمتاعب. البداية اذن كيف ظهرت الحركة الاسلامية ومَنْ كان روادها وقادتها ومؤسسوها؟ - أُعلن القانون الاساسي الدستور وانا في الصف الاول الثانوي وسُمح بموجب ذلك بتأسيس الاحزاب السياسية وظهرت الاحزاب اليسارية وعلى رأسها حزب خلق الشعب وحزب برشم الراية وصداي عوم صوت الشعب وافغان ملت القومية الافغانية وشعلة جاويد الشعلة الأبدية الموالية للصين ونحوها. وبعد فراغي من الثانوية قررت الالتحاق بجامعة كابول كلية الهندسة فسجلت اسمي في الدورة، وقبلها أنجزت امتحان الالتحاق بالجامعة وحصلت فيه على 79 درجة اذ ان اعلى درجة حينها كانت 81، ولم يتعدَّ عدد الذين حصلوا على درجات بين 79 و81 درجة عشرة طلاب. والتحقت بالجامعة العام 1967 وبعدها بسنة تأسست الحركة الاسلامية. وفي مبنى سكن الطلاب أقمت في غرفة واحدة مع الأخ سيف الدين نصرت ياروبي. في تلك الغرفة ذكريات عزيزة عن تأسيسي الحركة الاسلامية، حيث ادركنا حينها ضرورة وجود العمل الجماعي لمواجهة الشيوعيين والدفاع عن العقيدة الاسلامية. وتعرفت لاحقاً إلى المولوي حبيب الرحمن ثم الاخ عبدالرحيم نيازي. وفي آذار مارس 1968 اجتمعنا نحن 12 شخصاً في مبنى كلية الحقوق لنتخذ القرار بتشكيل الحركة الاسلامية، والاخوة هم: الشهيد مولوي حبيب الرحمن، المهندس حبيب الرحمن، الاستاذ عبدالرحيم نيازي، المهندس سيف الدين نصرت يار، عبدالقادر توانا، غلام رباني عطيش، سيد عبدالرحمن، الاستاذ عبدالحبيب، جل محمد، الدكتور محمد عمر والشهيد سيد منصور الاخيران التحقا بنا بعد ايام من تأسيس الحركة. وقد استشهد جميع هؤلاء باستثناء العبد الفقير لربه يقصد نفسه. وعملنا بعد ذلك على تسيير التظاهرات المعادية للحكومة وللشيوعيين. وحين حاولت اداء الصلاة في الجامعة لقيني احد الشيوعيين ممن ينتمون الى جناح برشم الشيوعي واسمه أغا شيرين وهو من منطقتنا فقال لي: ان الصلاة لا يمكن ان تتم في الجامعة ولا بد من ان تطرح افكارك خارج أسوارها. ولم يكن عدد اصحاب اللحى يتجاوز 10 اشخاص وهم من الذين يدرسون في كلية الشريعة وحتى الاستاذين عبد رب الرسول سياف وبرهان الدين رباني اللذين كانا يدرّسان في كلية الشريعة لم يكونا ملتحيين، وعقب هذا بدأنا باجتماع ضم 40 - 60 شخصاً وتنامت قوتنا واطلقنا على الحركة اسم "جوانان مسلمان" اي الشباب المسلم لاقتصارها حينها على الطلبة وتمحورنا حول الاستاذ عبدالرحيم نيازي وان لم نختره زعيماً لنا. ونشطنا في جامعة كابول ومعهدها الفني بوليتكنيك. وحصلنا في الانتخابات على ثلثي المقاعد الامر الذي اذهل الحكومة ومن ورائها موسكو، ولا شك في ان هدف الحركة كان واضحاً منذ الايام الاولى لتأسيسها: اطاحة الحكومة واقامة النظام الاسلامي في كل مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. جدل حول التأسيس دار جدل واسع حول تأسيس الحركة الاسلامية في افغانستان بين قائل ان مؤسسيها هم غلام محمد نيازي وعبدرب الرسول سياف وبرهان الدين رباني، وقائل بوجهة نظرك، ما هي اسباب هذا التباين في الرأي؟ وما هو وجه الحقيقة؟ - لا ريب في انه دار جدل حول تأسيس الحركة الاسلامية في افغانستان. الاستاذان سياف ورباني يقولان انهما أسسا الحركة مع غلام محمد نيازي عميد كلية الشريعة آنذاك، على رغم ان الاخير لم يكن حينها من ابناء الحركة الاسلامية، لكنه كان مؤيدا لها ويدعمها من بعيد، بسبب منصبه الرسمي عميدا لكلية الشريعة - حسب رأيه - حتى ان سيف الدين نصرت يار احد المؤسسين اخبرني حين قابلني في السجن عن طريق رسالة مكتوبة على ورق التواليت بأن غلام محمد نيازي ما زال على تأييده للحركة ولكن من بعيد. وكنت قرأت قبل فترة ان رباني رأس الحركة عام 1962 في حين كان غلام نيازي سجيناً. فكيف يحصل هذا ومؤسس الحركة حي ويعيَّن رجل آخر محله؟ وأود هنا ان اسأل هؤلاء الاخوة هل كان معكم احد من الذين دعوتموهم، وهل اصدرتم صحيفة او منشورات تدين الدولة ومواقفها وتعبّر عن آرائكم وأطروحاتكم؟ والمعلوم ان الحركة تعرف بنشاطها وحركتها وحيويتها فأين كل هذا؟ وإذا سألت اي عضو في الجبهة الاسلامية التي يرأسها رباني شخصياً فسيقول ان الحركة بدأت عام 1968، ولا أريد هنا ان اكذب هؤلاء الاخوة، فلعلهم فكروا حينها في مقاومة الشيوعيين ولكن ليس عن طريق منظم، وقد عرف الجميع بميلاد الحركة عام 1968 لأنها قوة فرضت نفسها على الواقع في مواجهة الدولة والشيوعيين، فان كان الامر مجرد دعوى فالمشايخ والمولوية يدعون انهم هم المؤسسون للحركة الاسلامية كونهم أذّنوا في آذاننا يوم ولدنا، وعملوا بجد ونشاط على خدمة الاسلام وإقامة الصلاة، وتعليم الناس امور دينهم وعبادتهم. دعم الملك للشيوعيين هل لك ان تصف لنا الوضع السياسي والاجتماعي ايام حكم الملك محمد ظاهر شاه 1933 - 1973 خصوصاً انها كانت فترة مثقلة بالاحداث؟ - كان الملك محمد ظاهر شاه يشرب الخمر والحشيش، وعائلته عُرفت بالفساد، الى جانب بطانته التي كانت فاسدة ومفسدة، وظهرت علامات الفساد الاخلاقي في جميع مناحي الدولة، ولم يقتصر ذلك على الحكومة والمدن الرئيسية. وهنا قضية مهمة، فالحركة الشيوعية بدأت في اوساط المجتمع المخملي بخلاف ما يدّعون انهم بدأوا في اوساط الطبقة الكادحة العمال والفلاحون فبابرك كارمل كان ابن جنرال كبير، ونجيب الله من أسرة غنية مترفة وكذلك حفيظ الله امين، اما السردار محمد داود المؤسس للحركة الشيوعية في افغانستان حتى الروس يعترفون بأنه مؤسس الحركة الشيوعية فقد كان من الأسرة الملكية المعروفة. ولعب داود دور المحامي والمدافع عن الحركة الشيوعية ولهذا فقد دعمه الروس عن طريق عملائهم للوصول الى سدة الحكم وذلك عبر الانقلابات العسكرية. ولا شك في ان عائلة الملك لعبت دوراً ايجابياً في وصول الشيوعيين للسلطة اذ سمحوا لهم بالنشاطات العلنية، وحرص الملك من طرفه على اقامة علاقات وطيدة مع جهاز الاستخبارات الروسية كي. جي. بي.. وفي مسعى يهدف الى استعطاف الروس وكسب ودهم سمح باقامة حزب شيوعي على اراضي بلاده، الا ان الحكومة توجست خيفة بعد ظهور الحركة الاسلامية، وعلى رغم زج الدولة قادة الحركة وناشطيها في السجون الا انهم لم يتعرضوا للشيوعيين. بل واصلت صحفهم ودورياتهم الاعلامية مثل "برشم" و"خلق" الاعلان عن هويتهما ومهاجمة الاسلام والحركة الاسلامية، وسمح الملك للشيوعيين وعلى رأسهم بابرك كارمل وأناهيتا راتب زاد وحفيظ الله امين بدخول البرلمان الجمعية الوطنية. وبهذا كسب الملك ايضاً دعم الروس وعطفهم لعدم معارضته نشاطات عملاء موسكو في افغانستان. ماذا كانت اولويات الحركة الاسلامية في تلك الفترة؟ هل كانت مهاجمة الدولة ام الشيوعيين ام الحركات الموالية للدولة ام الاتحاد السوفياتي؟ - اتفقنا نحن المؤسسين على ان تكون مسألة مهاجمة الدولة والنظام الحاكم على سلّم اولوياتنا، وذلك قبل مواجهة الشيوعيين، وبهذا نستطيع استقطاب الشباب وضمهم الى صفوفنا. وقررنا الاتصال بالمشايخ والاساتذة لنيل دعمهم ومساندتهم فالتقيت شخصياً ابراهيم واسماعيل المجددي وشرحت لهم الوضع، وقلت لهم نحن شباب وأنتم شيوخ، ولا بد ان تساعدونا في هذه الحركة، وفهمت منهما انهما لا يريدان ولا يوافقان على الصدام مع الحكومة، ويودّان ان تقتصر مهمتنا على مواجهة الشيوعيين. ودار نقاش بيني وبينهما خلاصته ان شعبيتنا لا يمكن ان تقوى من دون فضح الدولة ومواجهتها. بعدها التقيت الاستاذ عبدرب الرسول سياف وكان لقاء عارضاً لدقائق، لم نتحدث خلاله كثيراً. ثم توجهت الى صبغة الله مجددي، وطلبت منه في حضور رباني ان يأتي ويقود الحركة فالشعب لا يثق بنا لصغرنا، الا ان رأيه كان الاقتصار على مواجهة الشيوعيين فحسب وعدم المساس بالدولة، وحين تيقنا من وجود هذه الافكار لديهم تخلينا عنهم واتخذنا طريقاً مستقلاً ومتميزاً. ولهذا لم نسمح لمجددي بالمشاركة في نشاطاتنا، وفي جنازة الأخ عبدالرحيم نيازي - رحمه الله - رأى احد الاخوة المشيعين ان مجددي ترجّل من سيارته ليشارك في الجنازة، فأمرت بعض الاخوة ان يمنعوه من المشاركة لئلا يخلق ذلك شبهة لنا كأن يقال اننا على صلة بالدولة. واتصلنا بالاستاذ برهان الدين رباني وكان يوافق على الحركة الا انه لم يترجم ذلك عملياً. والحقيقة والواقع اننا لم نتمكن من اقناع اساتذة الشريعة بالاشتراك والدخول معنا في الحركة بخلاف ما حصل مع الحركات الشيوعية التي شارك الاساتذة الجامعيون في كل نشاطاتها. المودودي وسيد قطب ما هي الوسائل والطرق التي اتبعتموها للتعريف بالحركة وأهدافها ومقاصدها؟ - بعد تأسيس الحركة وزعنا الكتب الاسلامية والمنشورات الليلية في كابول، وشرعنا في الكتابة والرد على الشيوعيين ونسخ ما نقوم بكتابته ثم توزيعه على المدعوين. وكان هذا كله يُقام بتمويل الحركة واشتراكات اتباعها وناشطيها، وركزنا في تلك الفترة على كتب امير الجماعة الاسلامية الباكستانية الامام ابو الاعلى المودودي وكتب سيد قطب التي ترجمها الايرانيون، كما نظمنا عدداً من الجلسات والتظاهرات والاجتماعات لابراز اهدافنا ومقاصدنا، ولم يكن لدينا مكان خاص للاجتماعات او اللقاءات فكنا نجلس في الغرف التابعة للكليات او اي مكان نختاره، ولكن مع مرور الوقت بدأت شوكة الحركة الاسلامية تقوى. هل يعني هذا ان الحركة كانت افغانية صرفة ولم تكن تابعة لحركات اسلامية خارجية؟ - في بداية الأمر، اي في الأيام الأولى من تأسيس الحركة الاسلامية في افغانستان، لم يكن هناك اي رابط يربطنا بالحركات الاسلامية في دول اخرى، نعم كانت لدينا بعض المعلومات عن الاخوان المسلمين والجماعة الاسلامية الباكستانية وأحياناً كنا نحصل على بعض منشوراتهم مترجمة في ايران لأن ترجمة الكتب كانت تتم في ايران ثم تُشحن الى افغانستان، وبعدما ارتفعت شعبية الحركة الاسلامية زادت المكتبات عمليات استيراد الكتب. خلاصة القول ان الحركة الاسلامية في افغانستان تأثرت بالحركات الاسلامية الاخرى بشكل او بآخر، ولكن لم يكن هناك اي اتصال او رابط تنظيمي معها. في هذه الفترة كيف كانت القرارات تتخذ والجلسات تدار ومَن كان امير الحركة؟ - كما ذكرت سابقاً: في بداية الحركة كنا نقبل عضوية الطلبة فقط وأذكر انني اجتمعت مع الأخ عبدالرحيم نيازي في المعهد الفني بوليتكنيك وأجرينا انتخابات لمجلس قيادي من خمسة اعضاء. وحينها سأل احد الحاضرين هل هؤلاء هم اتباع الحركة ام ان هناك اتباعاً لنا خارج الجامعة؟ فتولى الاجابة المهندس نصرت يار فقال هناك اثنان من الاخوة خارج الجامعة لأنهما تخرّجا العام الماضي وهما مولوي حبيب الرحمن وغلام رباني عطيش. لكننا اقمنا علاقات وارتباطات مع اساتذة كلية الشريعة وسائر الاساتذة في الجامعة على امل انضمامهم الينا، لكن غالبيتهم ردت علينا سلباً. الاشتباكات الأولى والسجن كيف تطور الصراع بينكم وبين الحركة الشيوعية؟ وهل اتخذ صوراً عنفية؟ - عندما أدرك الشيوعيون خطر نشاطاتنا وتحركاتنا عليهم حاولوا إثناءنا عن مواقفنا، ففشلوا وجاؤوا بالهراوات والعصي واشتبكنا لأنهم تيقنوا اننا اذا واصلنا نشاطنا فلن يكون لهم مستقبل في الجامعة، وتدخلت الشرطة على الفور وأرادوا اقتيادي للسجن فرفضت الذهاب معهم، وساد هرج ومرج وأحضرت الشرطة والدي إلى مكان الحادث، وقررت ان اصلي صلاة الاستخارة. فشاء الله ان اوافق وصليت على الذهاب مع الشرطة. في تلك الفترة راودتني فكرة ترك الجامعة والتفرغ للعمل الاسلامي السري. على كل، ذهبت مع الشرطة الى السجن حيث احتجزت 18 شهراً وزارني خلال هذه المدة اكثر من 20 الف شخص، ومن هنا ندرك اثر السجن في شعبية الحركة خصوصاً في صفوف المثقفين والشباب. لقد رأى هؤلاء ان الشيوعيين الذين ينادون بالثورة والانقلاب لم يتعرضوا للتعذيب ولا للسجن ولا حتى لعرقلة نشاطاتهم، بينما كانت شخصيات الحركة الاسلامية يُزج بها في السجون، ولكن لم أتعرض طوال احتجازي للتعذيب. واحتجزت فترة في الزنزانة الانفرادية ثم نقلت الى سجن عمومي مع عتاة المجرمين والمهربين وحاولنا اقناع بعضهم بالتخلي عن أعمالهم وجرائمهم هذه، وانضم بعضهم إلى الحركة الإسلامية، وكان هناك لص أفغاني مشهور جلسنا معه وناقشناه واقتنع بفكرتنا فبدأ يصلي ويقرأ القرآن، ويواظب حتى على قراءة الأحاديث النبوية الشريفة، واستشهد في أيام الجهاد في ولاية لوغار قرب كابول. وكنا نقضي أوقاتنا داخل السجون في الصلاة وقراءة كتاب الله الكريم وكتب الأحاديث النبوية، ولا شك في ان تلك الفترة كانت الأفضل في حياتي، إذ تفرغت فيها للمطالعة والقراءة، فالسجن مدرسة كبيرة يفوق تأثيرها المدارس العادية، ولهذا يجب ألا نخافه، وأنا اثق بالذين سجنوا وأمضوا فترة داخله أكثر من الذين بقوا في خنادق القتال وجاهدوا المعتدي الروسي. هناك من يقول ان نجاح الإسلاميين في انتخابات جامعة كابول ربما شجع الكرملين على الإعداد لانقلاب عسكري في كابول خشية وصول الإسلاميين إلى السلطة، فما صحة ذلك؟ - لم يمض سوى أربع سنوات على تأسيس الحركة الإسلامية حتى بدأت أسهمها بالارتفاع، إذ حصل الإسلاميون في انتخابات الجامعة على أكثر من ثلثي مقاعد اتحاد الطلبة 38 من أصل 50 مقعداً، مما أثار الهلع والخوف والرعب في صفوف الشيوعيين، ووصل بهم الأمر إلى أن توقفت نشاطاتهم، وفشلوا حتى في استقطاب عناصر جديدة، وضاق وانحصر مجال تحركهم ونشاطهم، وفشلوا حتى في ترتيب جلسة واحدة داخل الجامعة على رغم أنها كانت معقلهم في السابق القريب. وحينها بدأ السوفيات التفكير في انقلاب عسكري لقطع الطريق على الحركة الإسلامية. واعتقد بأن جميع الانقلابات العسكرية التي وقعت في أفغانستان تأتي في هذا السياق، تخوفاً وتحسباً من تنامي الحركة الإسلامية ووصولها إلى السلطة، فالسوفيات ادركوا ان بقاء الوضع بهذا الشكل سيفضي إلى نهاية الحركة الشيوعية وسقوط افغانستان بأيدي الإسلاميين. لهذا بدأوا يعدون لانقلاب عسكري، وإلا فحكم الملك ظاهر شاه كان مفيداً جداً لهم ولتحقيق مصالحهم، وكانت فائدته أكثر من أيام داود وطراقي وأمين وكارمل. ففي عهد الملك كانت البلاد تحت أيديهم، وما حصلوا عليه من خلاله لم يحصلوا عليه من خلال هذه الانقلابات العسكرية، لكنهم ادركوا ضعفه وهشاشة حكمه في الوقوف ضد التيار الإسلامي، فعمدوا إلى اسقاطه عبر دعم عملائهم من الضباط الشيوعيين الذين دعموا وساندوا ابن عمه السردار محمد داود. هل ثمة أسباب أخرى افضت إلى تراجع الشيوعيين في هذه الفترة في الجامعة؟ - لم يكن الشيوعيون يعرفون عقلية الشعب، فالأفكار المستوردة كانت غريبة وبعيدة عن شعبنا اضافة إلى أنهم كانوا متهمين بالعمالة للحكومة. ومن ناحية أخرى كان قادة الحركة الشيوعية وناشطوها من أحط الناس علماً وأخلاقاً، حتى أنهم لم يكونوا يعرفون حقيقة مبادئهم وأفكارهم. لهذا كان الفشل حليف الشيوعيين في مناقشاتهم. ورأى العامة والطلبة ان الصف الشيوعي انما يضم أرذل الناس وأحط البشر في أفغانستان وأجهلهم وأخضعهم للاستعمار بخلاف الصف الإسلامي، وكنت في اتحاد الطلبة أمثل الصف الإسلامي في حين كان نجيب الله يمثل الجانب الشيوعي وكثيراً ما كان يترك جلسة النقاش لضعفه أمامنا ليطلب من آخرين مساندته ومؤازرته. وقد اختار الشباب الصف النقي الطاهر وهو الصف الإسلامي. هل وقعت صدامات دموية بينكم وبين الشيوعيين؟ - وقعت أربعة صدامات جرحت في احدها، لكن الشيوعيين حين استشعروا فشلهم في الميدان لجأوا إلى العنف في التعامل مع الحركة الإسلامية، خصوصاً أن الصدام في البداية كان مع حزب "شعلة جاويد" الموالي للصين الذي ضعف كثيراً أمام قوة الحركة الإسلامية وجبروتها. متى بدأت نشاطاتكم تتوسع خارج جامعة كابول؟ وهل كانت لديكم صلات مع طلبة المدارس الثانوية؟ - نعم كان لنا نشاط ملحوظ وارتباطات وثيقة وقمنا بتنظيم كثير من الطلاب. ففي الدور الثاني من انتخابات اتحاد الطلبة في الجامعة فاز اخواننا في جميع الفصول الأولى من كليات الجامعة باستثناء فصل واحد. وهذا دل على بدء انتشار نفوذنا في المدارس الثانوية. وأرسلنا مندوبين إلى المدارس الثانوية لتنظيم الشباب وتوضيح فكرة الحركة الإسلامية، إلى جانب خطر الشيوعيين والحكومة العميلة وضرورة مواجهتها والمجيء بالنظام الإسلامي. زعيم لليلة واحدة وصل محمد داود إلى الحكم، فكيف كانت استراتيجية الحركة الإسلامية، وما هي الخطوات التي اتخذتموها لمواجهة هذا الواقع الجديد؟ - بعد مرور أربع سنوات على تأسيس الحركة الإسلامية كان رأي الاساتذة في الجامعة عدم الانخراط المباشر في الحركة، وبينما كنا نقضي فترة الاعتقال تولى داود السلطة، فاجتمع الاخوة وكان بينهم الاستاذان عبدرب الرسول سياف وبرهان الدين رباني واختاروا "الجمعية الإسلامية" اسماً للحركة. وكان من الحضور مولوي حبيب الرحمن والمهندس حبيب الرحمن والمهندس سيف الدين نصرت يار وغيرهم، لكن هذا الاتفاق كان ليوم واحد فقط. إذ حدث جدل في اليوم التالي حول اسم الحركة، فقد رأى بعضهم ان الاسم سيوهم الدولة الأفغانية بأننا تابعون للجماعة الإسلامية الباكستانية، وكانت العلاقات بين البلدين متوترة والحملات الاعلامية في أوجها بينهما. ولذا فأي صلة أو علاقة وهمية مع باكستان ستضر بسمعة الحركة. فأحجم الاخوة عن هذا الاسم خوفاً من ردود الفعل الشعبية، وخلال وجودي في السجن زار زعيم الجماعة الإسلامية الباكستانية الحالي قاضي حسين أحمد أفغانستان، موفداً من أميرها آنذاك الإمام أبو الأعلى المودودي، واطلع على أوضاعنا. وبعد هذا أرسلنا بعض الاخوة إلى باكستان وكان يرأس وفدنا المهندس حبيب الرحمن، ومنذ تلك الفترة فقط بدأت صلاتنا مع الجماعة الباكستانية. وإثر خروجي من السجن اجتمعنا في بيت المهندس كريم في حي كوتي سنغي قرب الجامعة وأبلغنا الاخوة فيها ان موافقتهم على زعامة رباني الحركة كانت لظروف مروا بها، إلا أن ذلك لم يسر مفعوله سوى ليلة واحدة فحسب. ماذا حصل بعد ذلك؟ - في هذه الجلسة أعني جلسة كوتي سنغي تقرر تتويج المهندس حبيب الرحمن زعيماً للحركة، وتركنا الأساتذة لأنهم لم يعملوا شيئاً ولم يكونوا مستعدين لذلك، أما اسم الجبهة الإسلامية فلم يكن سوى حديث المجلس، ولم يعلن رسمياً، حتى أن بعض الأوراق الرسمية التي ذكر فيها هذا الأسم ألغي، وقرر الاخوة ان نذهب الى عائلاتنا لمدة شهر. في هذا الوقت مرض عبدالرحمن نيازي وكان يعاني من السرطان فقررنا نقله إلى الهند وكان حينها طالباً في السنة الرابعة في كلية الشريعة، ووافته المنية هناك ولم نستطع تأكيد ما تردد على أنه قد دُس له السم. بعد وفاته عقدنا جلسة واختير مجلس من خمسة أعضاء كان منهم المهندس حبيب الرحمن ومولوي حبيب الرحمن وسيف الدين نوت يار وغلام رباني عطيش وأنا، وكان هذا المجلس هو أساس الحركة. وكما ذكرت من قبل اختير المهندس حبيب الرحمن زعيماً للحركة. كيف استقبل جثمان نيازي في كابول؟ وهل صحيح ان تظاهرات اندلعت إثر عودة جثمانه؟ وأي جهة تكفلت بنفقات علاجه في الخارج؟ - كانت لنيازي مكانة خاصة في صفوف الحركة، ولعب دوراً محورياً ومهماً، ولأهميته تلك في قيادة الحركة كان العدو يسعى الى القضاء عليه بأي شكل ممكن. نفقات علاجه جمعها الاخوة من التبرعات. وبعدما بثت إذاعة كابول الحكومية خبر وفاته اندلعت تظاهرات صاخبة وعنيفة واثر وصول هذا الخبر الى عامة الشعب تظاهر عدد كبير حول المطار وشيعوا جثمانه في موكب مهيب. ليلة انقلاب داود هل يمكن أن تذكر لنا شيئاً عن ليلة انقلاب داود وأنت داخل السجن؟ - كنت مستيقظاً في تلك الليلة حين بدأ اطلاق النار. وكانت الساعة تشير الى الثانية بعد منتصف الليل، بدأت أفكر في أسباب اطلاق النار ودواعيه. لكنني لم أصل الى نتيجة حتى سمعنا من اذاعة كابول نبأ سقوط حكومة الملك ظاهر شاه ووصول ابن عمه السرداد محمد داود الى الحكم. كنت أعرف داود مؤسساً وراعياً للأحزاب الشيوعية. والحركة الاسلامية تعرف انه مؤسس تلك الأحزاب، وكنا نرفع ضده الشعارات في كل تظاهرة اسلامية. وفهمنا حينها ان الروس هم الذين أتوا به الى السلطة، خصوصاً بعدما تأكد اشتراك المستشارين الروس في هذا الانقلاب. من تلك اللحظة أحسسنا بالخطر، وحصلنا على المعلومات من الاخوة ونصحتهم عبر الرسائل بالقيام بعمل مضاد للحكومة في أسرع وقت ممكن، لئلا تتمكن الحكومة من بسط سيطرتها وتثبيت أقدامها، وقبل أن تتخذ خطوات عملية ضدنا لا بد من سبقها وأخذ زمام المبادرة. وكم تمنيت ليلتها ان أكون خارج السجن لأقوم بدوري، لكنه قدر الله، فقد كنت أرى ان مقابلة هذه الدبابات القليلة المنتشرة في المدينة أمر سهل، ولكن لم تكن لدينا الامكانات الكافية، ولم نكن دربنا بعد الاخوة تدريباً عسكرياً. وهنا دخلت الحركة الاسلامية مرحلة الصراع العسكري بعدما كانت اقتصرت على الحرب الاعلامية والثقافية التنويرية، وبدأ تدريب الاخوة عسكرياً. ولا شك في أن انقلاب داود دفع بنا الى المواجهة العسكرية واضطرنا الى استخدام الأسلوب العسكري. المعروف انك اعتقلت بتهمة الاشتراك في قتل الشيوعي الموالي للصين سيدال، فما هي المدة التي امضيتها في السجن؟ وما هي شروط الافراج عنك؟ ومن هو المتهم بقتل سيدال؟ حكمت الحكومة عليّ بالسجن لمدة سنة ونصف سنة، وقد أطلق سراحي بعدما امضيتها كاملة والدولة لم تستطع اتهام أحد بعينه في قتل سيدال، لأن المواجهة كانت جماعية ولم تستعمل فيها الأسلحة النارية، بل كانت الحجارة والأخشاب وسيلة للضرب. وبعد خروجي من السجن عزمت على العودة مرة أخرى الى الجامعة، لكن بعدما تيقنت من قيام الأمن والشرطة بالبحث عني للقبض عليّ مجدداً عزفت عن الالتحاق بالجامعة وتوجهت الى الجهود والتحركات السرية. الجيش والعمل العسكري هل يمكن ان تحدثنا عن نشاطات الجامعة واجوائها في تلك الفترة؟ - كانت النشاطات الاسلامية عادية، الا أن الشيوعيين كثفوا نشاطاتهم وبدأوا يوجدون وجوداً بارزاً في اجهزة الدولة ومفاصلها المهمة خصوصاً الاستخبارات، ولا ريب في أن هذا أثر في معنويات الشعب، وضاعفنا نشاطتنا، وأسرعنا بتنظيم الجيش وتولى المهندس حبيب الرحمن مسؤولية ذلك، وبعد الافراج عني تقرر السماح لي بزيارة أهلي لمدة شهر، عدت بعدها الى كابول، ولكن بعد شهر فقط اعتقل حبيب الرحمن بتهمة الاعداد لانقلاب على الحكومة، فأسندت المسؤولية إليّ. وارسل حبيب الرحمن ما لديه من معلومات عبر رسائل سرية من داخل السجن وشرعت بتنظيم جديد عسكري داخل الجيش، والتحق عدد كبير من الضباط الجدد بالتنظيم الجديد، ولكن لخطأ بعض الاخوة الضباط قبضت الحكومة على عدد منهم، وزجت بحوالي 300 من ناشطي الحركة في السجن، وكنت ليلتها في بيت أحدهم وهو الضابط شير علي خان الذي كانت الشرطة تراقب بيته، ولا شك في إن الأخ شير كان رجلاً مخلصاً ونشطاً، وكان له دور كبير في مناوءة انقلاب داود، الا أنه ندم على فعلته تلك بعد انضمامه الينا، وبعدما خرجت من بيته وجدته تحت مراقبة الشرطة السرية فغادرت كابول نهائياً وذهبت الى منطقة في الشمال كنت أقيم فيها، وكنت أحمل بندقية ومسدساً، وحين اقتربت من البيت المقصود وجدت اشخاصاً يقفون تحت شجرة واعتقدت بأنهم من الاخوة الذين قدموا لمعرفة الأوضاع، وما ان اقتربت منهم حتى صاح ضابط شرطة منهم: قف. فجهزت البندقية للاطلاق وصوبت المسدس نحوه وانحرفت سريعاً الى حديقة باتجاه منطقة جبلية ومكثت هناك. ماذا حدث بعد ذلك؟ - بعد اعتقال 300 من ناشطي الحركة واصلت الحكومة التضييق على الحركة وناشطيها، واجتمعت مع الاخوة في الحركة واتخذنا قرار المغادرة الى بلد آخر أو التوجه الى الأطراف النائية للبدء بالعمليات ضد الحكومة، فتوجه الأخ محمد عمر الى بدخشان، وأنا الى بكتيا، وفقاً لقرار الاخوة للبدء بشكل تدريجي من هاتين الولايتين بأعمال عسكرية معادية، الا أن الظروف لم تكن مهيأة فهذه هي المرة الأولى التي يصار فيها الى عمل عسكري ضد الحكومة منذ نصف قرن، ولم يكن طوال تلك الفترة أن يخطر ببال الشعب ان يقاوم الحكومة وكان الخوف والرعب وحتى الهلع مستبداً بالشعب، أما أنا فبقيت في بكتيا مدة من الوقت ثم برحتها الى بدخشان وذلك قبل اعتقال الدكتور محمد عمر لاستشيره وأبحث معه في بعض القضايا. وفي طريقي علمت باعتقال الاخ محمد عمر والاخ عبداللطيف. فعدت الى غزني واورجوت ثم قررت التوجه الى باكستان. كيف كانت نشاطاتكم في بكتيا وسط القبائل المعروف عنها عداؤها للحكومة المركزية؟ - لمسنا أن الظروف لم تكن مهيأة عموما لمثل هذا التحرك الطموح، وخلال المدة التي أمضيتها في بكتيا كان الاخوة يفدون الينا لتلقي التعليمات والتوجيهات، وكنا نجمع المعلومات من كابول، ونسعى بدورنا الى الارتباط بأشخاص معروفين ومشهورين في بكتيا للحصول على دعمهم ومساندتهم. وأخيراً وصلنا الى نتيجة مفادها صعوبة مقاومة الدولة عسكرياً.