أمامي رسم كاريكاتوري نشرته إحدى صحف لندن يمثّل رجلاً قلب مكتب مديره رأساً على عقب، ثم وقف على طاولة المدير المكبّل بالحبال الى كرسيه، وأخذ يسكب الحبر على رأسه، فيما سكرتيرة تطلّ عند الباب وبيدها سماعة هاتف، وهي تقول: مكالمة لك من زوجتك يا مستر سوينبرن. لقد أخطأت في تسجيل ارقام اليانصيب وأنت لم تربح سوى عشرة جنيهات. ولا بد ان مرؤوسين كثيرين يفكرون بما عبّر الكاريكاتور عنه، وينتظرون ان يربحوا اليانصيب ليقولوا لرؤسائهم في العمل رأيهم فيهم صراحة. ولا ادري ان كان حظي مع الموظفين ان يربح احدهم الجائزة الكبرى و"يعملها" في مكتبي، او يكون راضياً عن معاملتي له ويعطيني خمسة في المئة من الجائزة. بريطانيا كلها تجاوزت في الاسبوعين الماضيين اخبار الاميرة ديانا، والمفاوضات السورية - الاسرائيلية في مزرعة واي، وانشغلت باليانصيب الوطني الذي لم يفز أحد بالجائزة الكبرى فيه على مدى اسبوعين، فتراكمت الجائزة حتى بلغت الاسبوع الماضي 42 مليون جنيه. الجائزة فاز بها في النهاية ثلاثة اشخاص تقاسموها بمعدل 14 مليون جنيه لكل واحد، وهو مبلغ يكفي للمرؤوس المضطهد ان يجعله يقفز على مكتب رئيسه، ويسكب عليه الحبر، وربما ما هو أسوأ رائحة. وبالطبع لم تكن الجائزة الكبرى المقتسمة بين ثلاثة الجائزة الوحيدة فقد ربح 53 مشاركاً 104.747 جنيهاً لكل منهم، بعد ان استطاعوا اختيار خمسة ارقام من اصل ستة، ومعها الرقم الاضافي، وكان هناك مئات الوف الفائزين بحوالي مئة جنيه اربعة ارقام وعشرة جنيهات ثلاثة ارقام. واعترض عدد من كبار أساقفة كنيسة بريطانيا على اليانصيب، وقالوا انه نوع من القمار، واقترح اسقف كوفنتري سايمون بارنغتون - وارد خفض قيمة الجائزة الكبرى لأنه "حرام" ان يملك انسان واحد كل هذا المال. واعترض علماء الاجتماع على اليانصيب لانهم لاحظوا ان الفقراء يقبلون عليه قبل الاغنياء ويحرمون انفسهم واطفالهم حاجات اساسية، لدفع ثمن تذاكر اليانصيب، ثم يبنون آمالاً زائفة على الربح، فمقابل الفائز الواحد هناك ملايين الخاسرين. وقد بلغ الاقبال على اليانصيب المتراكم الاخير ان بيع حوالي 130 مليون تذكرة بمعدل يبلغ تقريباً ثلاث تذاكر، قيمة الواحدة جنيه واحد، لكل رجل وامرأة وطفل في بريطانيا كلها. شخصياً اقبل حجج رجال الدين وعلماء الاجتماع الانكليز طالما انني لم اربح، ولكن عندما اربح سأقول لهم ان يموتوا بغيظهم، وهم لن يستطيعوا الاتصال بي الا عن طريق ثلاث سكرتيرات، كلهن حسناوات من بلدان اسكندنافية فقط. وقرأت على هامش حمى اليانصيب في بريطانيا قبل ايام قصة حقيقية ذكّرتني بقصة لبنانية قديمة عن اليانصيب. القصة البريطانية موضوعها اسرة كانت تتحدث عن اليانصيب حول العشاء، وقال الأب انه اذا ربح الجائزة الكبرى فسيعطي زوجته مئة الف جنيه فقط، ويعطي مثلها لكل من ابنه وابنته، ثم يترك العائلة ويسافر حول العالم للتمتع بكل الامور التي حرم منها حتى الآن. وثارت الزوجة على زوجها البخيل، وقالت انها قدمت له افضل سنوات حياتها وقوبلت منه بالجحود. ودخل الابن طرفاً، وأصرّ الأب على موقفه ودار ضرب الصحون، وكسّرت العائلة السعيدة غرفة الطعام، قبل ان يتدخل البوليس بناء على اتصال من الجيران الذين اقلقهم صوت المعركة الدائرة. في لبنان كانت هناك قصة تروى عن اليانصيب الوطني، فرجل قال انه اذا ربح الجائزة الكبرى فهو سيشتري سيارة فخمة. وقال ابنه انه سوف يجلس بقربه في المقعد الامامي ونهرته الوالدة قائلة: عيب عليك. أنا أجلس قرب والدك في المقعد الامامي. ودار جدل بين الولد وامه وتدخل الأب، فانتشر الجدل في العائلة كلها. وأخيراً "نرفز" الأب وصرخ في الجميع: اعملوا معروف. انزلوا كلكم من المقعد الامامي. وما غاب عن ذهن الاسرة اللبنانية انه عندما يكون الانسان يملك 42 مليون جنيه استرليني، فهو لا يحتاج ان يجلس في المقعد الامامي لأن اي مقعد يجلس فيه سيكون المقعد الامامي. ونقول إننا نعرف حقيقة الانسان في الفقر والغنى، وقد عرفت كثيرين في الفقر وأنتظر ان اعرف واحداً في الغنى. وافضل من ذلك ان يعرفني الناس وقد ربحت جائزة اولى تراكمت ثلاثين اسبوعاً، لا ثلاثة فقط، في اليانصيب البريطاني وعملته الصعبة جداً.