أمامي رسالة تلقيتها عبر الانترنت تحاول ان تبيعني فياغرا . كلنا يعرف شيئاً عن الفياغرا، غير أن الرسالة أو الدعاية تضم أسماء ستة عقاقير أخرى، أو ما افترض انه عقاقير وما افترض أنه للسبب نفسه، والشحن مجاناً، غير ان التفاصيل الأخرى ليست للنشر. دار"الحياة"تضم شركة كومبيوتر خاصة بنا كجزء من المؤسسة العامرة، وخبراء الشركة يملكون التكنولوجيا لوقف أي مادة لا نحتاج اليها في العمل، إلا أن بعض الرسائل يتسلل عبر دفاعات الكومبيوتر، ويتكرر حتى تضبطه"شرطة الاخلاق"في الدار. وكنت سأهمل عرض شراء فياغرا بأسعار متهاودة لولا أنني وجدت أن الزملاء لم يتلقوا العرض الذي وصل اليّ، ما جعل القلق يتسرب الى نفسي، فأنا قلق بطبعي وأخذت أفكر في ما تعرف شركة الفياغرا عني حتى تقرر أنني بحاجة الى مساعدة. يقال ان كل الرجال ولدوا متساوين، وهم يبقون متساوين حتى يذهبوا الى نادي العراة. غير أنه لا توجد مثل هذه الاندية في بلادنا، ونحن نقول اذا ابتليتم بالمعاصي فاستتروا، والستر هنا معنوي وبثياب سميكة. عندما لا تحاول الانترنت بيعي فياغرا، فهي تبيعني شهادات علمية. وأمامي عرض للحصول على ماجستير في العلاقات الدولية منطقة الخليج من جامعة المانية اعتقد ان اسمها مترجماً هو الجامعة الحرة في برلين، ومدة الدراسة سنتان. وما سبق يبدو معقولاً. فالشهادة تتطلب درساً، غير انني لا أحتاج الى ان أجهد نفسي. فعندي عرض آخر للحصول على"دبلوما"في أي تخصص أريد، مع شهادة توصية من دون ان يراني أحد، وربما كان هذا ضرورياً لأنني لا أعتقد أنني سأحصل على توصية اذا رأوني. وبعد ذلك حرفياً"غير مطلوب امتحانات أو حضور دروس، أو كتب أو مقابلات"، ومع ذلك فالمعروض شهادات بكالوريوس وماجستير، بل دكتوراه،"في أي حقل تختاره، والكل سيُقبَل للدراسة ولا يُرفض أحد". بعض القادة العرب تخرج في هذه الكلية مع جورج بوش الذي قد لا يصدق القارئ أنه يحمل أعلى شهادات جامعية لرئيس أميركي. فهو درس في هارفارد ويال، كما لم يدرس بيل كلينتون أو بوش الأب. كنت لا أزال افكر هل أشتري فياغرا أو دكتوراه في العلوم السياسية لم احصل عليها طالباً عندما تلقيت رسالة الكترونية يقول أول سطر فيها"حسابك البنكي لا يعني شيئاً لها...". وهذا مفهوم، فهو لا يعني شيئاً لي أو للبنك، إلا انني عدت الى القلق، فالجماعة يتدخلون في أموري الاقتصادية بعد الجنسية، ولعل للأمر علاقة بمراقبة الارهاب، فكل عربي اصبح ارهابياً محتملاً بفضل الثلاثي المرح: بن لادن ? الظواهري ? الزرقاوي. وجدت بعد المقدمة أن المعروض علي هو أن استدين مقابل رهن بيتي، بفوائد ميسرة وأقساط احتاج الى ان اعيش عمر لبد، نسر لقمان، أو متوشالح الوارد في التوراة، أي ألف سنة لدفعها. غير أنني وجدت بسرعة انني لا أحتاج الى أي قرض لأنني ربحت مليون جنيه استرليني من اليانصيب البريطاني. وباختصار فقد ربحت المبلغ في الحفلة الخيرية التي اقامها اليانصيب سنة 2005، واختار الكومبيوتر الرابحة من بين مستعملي البريد الالكتروني، وفهمت ان السحب يجرى كل شهر وأنني اربح كل شهر مليون جنيه استرليني. وهذا جميل سوى انني لم أشتر أي تذكرة يانصيب منذ سنوات، مع العلم انني عندما ربحت الجائزة الكبرى في اليانصيب اللبناني سنة 1970، على ما أذكر، كان المبلغ 60 الف ليرة لبنانية، أي 40 دولاراً بعملة اليوم. وجدت بعد ذلك عرضاً أفضل حتى من مليون جنيه استرليني، فالخواجا رينييه يوهانس، وهو هولندي، بلغني أنه يعاني سرطان الحنجرة وعلى شفا الموت، ويريد أن يترك لي اربعة ملايين يورو تقديراً لعملي الخيري. وهو يطلب اسمي ورقم حسابي ليحول اليّ الملايين الاربعة فوراً. أربعة ملايين يورو اشتري بها اسهماً في الخليج فتتضاعف في شهرين ثم يتضاعف المبلغ بعد شهرين آخرين، وهكذا دواليك حتى أدوخ. غير انني مثل البدوي الذي كسر جرة السمن بعصاه فسالت أحلامه على الأرض، توقفت ملاحظاً أن الخواجا يوهانس يتحدث عن عملي الخيري، ثم يطلب اسمي لأنه لا يعرفني. وقلت في نفسي"هو أنا هولندي"، فالعرض من نوع عمليات النصب والاحتيال النيجيرية التي تلقيت نصيبي منها في السابق. ومن نيجيريا الى هولندا هناك من يطالب برقم حسابي معتقداً انه سيقع على صيد ثمين، مع ان طموحي في البنك أن اعود الى نقطة الصفر، وعلاقتي به تحددها تلك السلسلة التي يُربط بها القلم أمام نوافذ الموظفين، فالبنك لا يأتمنني على قلم ثمنه نصف ريال، وأنا أريد قرضاً بمليون جنيه الى حين أن أرث الهولندي يوهانس، غير أن البنك لا يقرض الفلوس الا للناس الذين يثبتون أنهم بغير حاجة لها. وأختتم بموضوع لا يقدره حق قدره سوى ناس مثلي يقيمون في الخارج منذ سنوات، فقد ارسل اليّ صديق دعاية بالانكليزية وضعتها شركة طيران عربية تطلب مضيفات، وتحدد المواصفات بدقة من جمال وطول ووزن وتعليم وسن ومعرفة باللغات. ما الغريب في هذا؟ مثل هذه الاعلانات لا يثير تساؤلاً في بلادنا، ولكن في الولاياتالمتحدة أو بريطانيا وغيرهما، قد ينتهي بالشركة المعلنة أمام القضاء، بتهمة التمييز، ضد الذكور، أو السمينات، أو القصيرات، أو غير ذلك، فكل جماعة لها جمعية تدافع عن حقوقها. ففي هذا الزمان، العربي وحده حقوقه مهضومة، والعربية حقوقها مهضومة مرتين، أمام العالم، ومع زوجها. وسأعود الى القراء عندما يموت رينييه يوهانس، وسيكون اتصالي هاتفياً ومن تاهيتي.