سيمضي وقت قبل تدقيق ما تردد في الأوساط السياسية من معلومات كثيرة، اختلطت فيها الحقائق بالتكهنات والاشاعات والاستنتاجات، عن التغيير الوزاري المصري، خصوصا عن الجديد الذي حدث في الفترة بين النفي القطعي - على لسان مراجع عليا - لاحتمال تغيير الحكومة، وبين وقوع التغيير بالفعل من جهة، وعما إذا كان - من وجهة أخرى - نهاية حدث أم بداية حدث آخر. وبعيدا عن أسباب التغيير وتقوميه، فالواقع أن ما جرى ساهم في تخفيف تأزم الموقف في الشارع السياسي للأحزاب، الذي قادت اليه نتائج الانتخابات. ذلك أن تعيين الدكتور كمال الجنزوري رئيسا للوزراء، قوبل برد فعل ليّن اتسم بعدم الهجوم من جانب أحزاب المعارضة. وبصرف النظر عن أن معظمها لم يبد حماسا للوزارة الجديدة ككل، إلا أن بعض أحزاب المعارضة الرئيسية خصوصا الوفد استطرد معلنا "... إن من حق الحكومة الجديدة علينا أن نعطيها الفرصة لكي تقدم للأمة شيئا جديدا وأن تثبت نواياها الحسنة على طريق الإصلاح" وحتى أكثر المعارضين تشددا نوهوا بأمانة الجنزوري وباحترامهم له وبأن رؤيته الاقتصادية "تصدر عن التزام وطني". كذلك فإن تغيير وزراء المجموعة الاقتصادية، وإعلان أنه "لا زيادة في الاسعار" و"رفع مستوى الخدمات الإدارية للمواطنين وخدمات المرور والنظافة" و"اقتراح حلول خلال 10 أيام للقضايا الجماهيرية" قصد به رسالة إلى الشارع مفادها أن "يجني ثمار جهوده ومعاناته من دون إضافة أية أعباء جديدة عليه من أي نوع". وهو الأمر الذي يتلهف إليه المواطنون. وفي حين حاولت الحكومة تفكيك تأزم ما بعد الانتخابات قبل استفحاله، اتسمت حركة فريق من قوى المعارضة الرئيسية العمل - الإخوان - الناصري بالارتباك والانغماس في أزمة ما بعد الانتخابات. وبدا أن فريقا آخر من قوى المعارضة الرئيسية الوفد - التجمع يريد أن يسلك دربه... كل على طريقته. وكشفت اجتماعات رؤساء وقيادات أحزاب المعارضة، في أعقاب الانتخابات، عن خلافات كبيرة في المواقف بين فريق الذين لم يوفقوا في الانتخابات وفريق الذين فازوا بمقاعد نيابية محدودة. فقد دعا الفريق الأول العمل - الإخوان - الناصري إلى انسحاب المعارضة من البرلمان. بل وتردد اقتراح أن تحل الأحزاب نفسها احتجاجا، وبرر البعض عددا من أعمال العنف بأنها "رد على التزوير". ورأى البعض الآخر أنه لا فائدة من أية انتخابات أو دعاوى قضائية بالطعن على نتائجها أو من أية فاعلية لدور صحافة المعارضة... ومن ثم دعا إلى كل مظاهر الاحتجاج المدني في الشارع. وطالب آخر بإعداد بيان توقعه كل أحزاب وقوى المعارضة تطلب فيه حل البرلمان. وأضاف آخر بالإعداد لحشد في ميدان التحرير للاحتجاج. أما الفريق الثاني من المعارضة الوفد والتجمع، فأكد تمسكه بالشرعية في أي تحرك أو عمل. ورفض جميع الاقتراحات المذكورة. وقال فؤاد سراج الدين ان برلمان 1938 لم يكن فيه سوى نائب وفدي واحد. ومع ذلك رأى زعيم الوفد في حينه مصطفى النحاس عدم انسحاب النائب الوحيد للوفد "لأنه بألف نائب". وهكذا بدا أن مساحة الاتفاق ضيقة بين أحزاب المعارضة، لأن أطرافاً فيها لا تقبل بأقل من اسقاط البرلمان الجديد مع الاسراع "بحشد الشارع قبل أن ينسى ما حدث في الانتخابات". ولم يمكن الاتفاق إلا على تشكيل "لجنة تنسيق" لوضع خطة للاصلاح السياسي من جهة، ولاصدار كتاب طلب البعض تسميته الكتاب الأسود ورفض البعض الآخر التسمية عن الانتخابات، يُعد فيه كل حزب ما جرى له بتوقيعه المنفصل من جهة أخرى. ومن غير المتوقع صدوره قبل ثلاثة أشهر. وحتى على مستوى إحياء مشروع "ميثاق الوفاق الوطني" بين أحزاب المعارضة الذي نوقش قبل الانتخابات، فوجئ "الإخوان المسلمون" بأنه لا سبيل لاصداره إلا إذا وقعوه "من دون تعديل عليه" كما كان آخرون وقعوه بالفعل. وعلى مستوى تحريك لجنة التنسيق بين النقابات المهنية وقواها الأساسية من الاخوان، فإنها تواجه مشكلة حقيقية بحلول موعد انتهاء مدة المجالس المنتخبة لهذه النقابات.