هل سمع القارئ بشيء اسمه "التاريخ الوهمي"؟ بالنظر إلى من يكتبون التاريخ هذه الأيام، ربما قال القارئ إن أكثر التاريخ الحديث وهمي، ولعله كذلك، إلا أنني أتحدث عن التاريخ الذي لم يحدث، كرياضة فكرية، مثل أن نقول ماذا كان حدث لو أن هتلر انتصر في الحرب العالمية الثانية، ثم نكتب تاريخ أوروبا والعالم من وحي انتصار النازية. كنت كتبت مرة عن هذا الموضوع قبل سنوات طويلة، ثم قرأت هذا الشهر مقالاً وافياً عنه في مجلة "اتلانتك مونثلي" الأميركية علمت منه أن الفهرس الالكتروني لمكتبة الكونغرس يضم بنداً مستقلاً تحت عنوان "التواريخ الوهمية". وقرأت أن مؤرخين مشهورين اهتموا بمثل هذه التواريخ، وطرحوا أسئلة من نوع: ماذا لو أن يوليوس قيصر صدّق العرّافة التي حذرته من وسط آذار مارس عندما قُتل؟ وماذا لو أن هنري السادس، من الامبراطورية الرومانية المقدسة، عاش ليحقق الوحدة الألمانية بدل الموت في سن مبكرة سنة 1197؟ وماذا لو أن كاثرين اوف اراغون، الزوجة الأولى لهنري الثامن انجبت له خليفة ذكراً؟ وماذا لو أن جون ويلكيز بوث اخطأ هدفه، فلم يقتل ابراهام لنكولن؟ وماذا لو أن الارشدوق فرديناند لم يزر ساراييفو يعتبر اغتياله هناك سبب قيام الحرب العظمى، أي الحرب العالمية الأولى؟ ونستون تشرتشل نفسه كتب مقالاً سنة 1932 تحدث فيه عن التاريخ لو أن الجنرال روبرت لي، قائد قوات الجنوب، انتصر في معركة غتسبرغ على قوات الشمال في الحرب الأهلية الأميركية. وهو رأى أن الجنوب كان سيربح الحرب بعد ذلك، وأن الحرب العالمية الأولى ما كانت وقعت. بعد كتابة هذا المقال بقليل صدمت سيارة في الشارع الخامس في نيويورك تشرتشل وكادت أن تودي بحياته. والسؤال هو كيف كان سيكتب تاريخ الحرب العالمية الثانية لو أن تشرتشل مات في ذلك الحادث؟ وكان ارنولد توينبي نفسه، وهو بين أعظم مؤرخي هذا القرن، كتب سلسلة مقالات سنة 1969 موضوعها ماذا كان سيحدث للعالم لو أن الاسكندر المقدوني عمّر حتى التاسعة والستين، ولم يمت محموماً وهو في الثالثة والثلاثين على ضفاف الفرات. وكانت جريدتي الأولى "الديلي ستار" نشرت بعض مقالات توينبي في حينه، وهو كتب أن "أغرقة" العالم كانت ستكتمل، وأن هنيبعل كان سيكتشف العالم الجديد. وما دمنا مع الاسكندر الأكبر، فهناك كلام مشهور لباسكال الذي قال إنه لو كان أنف كيلوباترا أقصر لربما كان تغيّر وجه التاريخ. الاسكندر وكيلوباترا بعيدان عنّا كثيراً، وهناك أسئلة تراودنا تعود إلى زمان لا تزال تعيه الذاكرة. - ماذا كان حدث لو أن الحاج أمين الحسيني وأنصاره لجأوا إلى لندن، كالجنرال ديغول، بدل الذهاب إلى برلين؟ - ماذا لو أن الفرنسيين لم يضطهدوا الكابتن دريفوس ويحكموا عليه ظلماً بسبب يهوديته ويطلقوا الفكرة الصهيونية الحديثة- ماذا لو أن الجيوش العربية انتصرت في فلسطين سنة 1948؟ - ماذا لو أن أول انقلاب عسكري عربي فشل؟ - ماذا لو عاش الرئيس جمال عبدالناصر حتى اليوم؟ - ماذا لو أن الأنظمة "التقدمية" العربية لم تحالف الشيوعية أو كل مشروع خاسر كل مرة؟ - ماذا لو ان باص الفلسطينيين وأنصارهم لم يهاجم في عين الرمانة في 13 نيسان ابريل 1975؟ - ماذا لو أن مصر والسودان توحدا سنة 1956؟ - ماذا لو كان هناك بترول في البوسنة؟ - ماذا لو أن صدام حسين اعتقل عندما حاول اغتيال عبدالكريم قاسم وعوقب كما يعاقب الناس؟ ويستطيع القارئ أن يتصور التاريخ الوهمي الذي يتبع كلاً من الأسئلة السابقة، ويستطيع أن يضيف أسئلة من عنده يبني حولها تاريخاً وهمياً، مثل ماذا لو أن كاتب هذه السطور كان متقدماً في الرياضيات، ودخل كلية الهندسة وأراح القراء من أسئلته وأوهامه؟