ماذا لو أن مجرم الحرب ارييل شارون مات في الدفرسوار سنة 1973، وبالتالي لم يحدث الاجتياح المجرم للبنان سنة 1982، واحتلال الشريط الحدودي بعد ذلك؟ الجريمة لم يرتكبها شارون وحده، وإنما حكومة مناحيم بيغن معه، والحكومات الاسرائيلية المتعاقبة، ومع ذلك فالرد على السؤال هو أن عشرات الألوف من الضحايا الأبرياء كانوا سيظلون احياء بيننا حتى اليوم. وكنت علقت أمس على الانسحاب الاسرائيلي المذل بسطور قليلة لشعوري أن المعركة لم تنته، وأنا أرى على التلفزيون في القرى المحررة أعلاماً غير العلم اللبناني. وأكتفي اليوم بهذه السطور وأنا أدعو أن ينعم جنوبلبنان والوطن كله بالسلام، فلا يتحول النصر الى هزيمة. وأكمل بشيء آخر. أمامي كتاب هو "تشرتشل والمهادنة: هل كان تشرتشل يستطيع منع الحرب العالمية الثانية" من تأليف ر. باركر، وعرض لكتاب لم أقرأه عنوانه "ماذا لو؟ مؤرخون عسكريون يتخيلون ما يمكن أن يكون"، من تحرير روبرت كاولي. والكتابان صادران عن دار ماكميلان. بالنسبة الى الكتاب الأول يجيب باركر على سؤاله في 290 صفحة ويقول: "لا نعرف". وقد بنى المؤلف نظرية عامة هي باختصار انه في مقابل مهادنة رئيس الوزراء نيفل تشامبرلين لهتلر ومسايرته واسترضائه، كان تشرتشل سيعمل لتشكيل ما سماه "التحالف العظيم" لمحاصرة ألمانيا واقناع هتلر بعدم جدوى الحرب. يضعف من هذه النظرية ان تشرتشل لم يكن صاحب شعبية تذكر، أو موضع ثقة الناس والسياسيين الآخرين قبل الحرب، وأهم من ذلك ان التحالف ما كان ليقوم مهما حاول تشرتشل أو غيره، فدول البلقان كانت ستعارض اتخاذ موقف مع فريق ضد فريق، والولايات المتحدة كانت تمارس سياسة انعزالية ثابتة، لم يغيرها سوى الهجوم الياباني على بيرل هاربور في هاواي سنة 1941. الكتاب الثاني الذي لم أقرأه وجدت عرضاً له في مجلة "ذي سبكتاتور"، ومعه قصة طريفة لم أكن سمعت بها من قبل، تستحق الرواية: زار نجم رعاة البقر الاميركي المشهور بافلو بل برلين مع فرقته سنة 1899. وكان من ضمن الفرقة أني أوكلي، التي مُثلت أفلام كثيرة عن حياتها بينها فيلم موسيقي معروف، وهي اكتسبت شهرتها كرامية لا تخطئ، فكانت تصوب مسدسها الى سيجار في فم أحد المشاهدين وتصيبه وسط تصفيق المتفرجين وهتافهم. والواقع انه لم يحدث أن تبرع أحد من المتفرجين بالمخاطرة بحياته، وإنما كان زوجها فرانك باتلر يقوم من بين المتفرجين كل مرة زاعماً أنه أحدهم. أني أوكلي فوجئت في برلين أن أحد المتفرجين فعلاً وقف وقدم نفسه، وهي صعقت عندما اكتشفت ان المتفرج هذا كان القيصر فيلهم الثاني، امبراطور المانيا. تصبب جسم أني أوكلي عرقاً وهي تصوب مسدسها الى سيجار الامبراطور، إلا أنها في النهاية أصابت الهدف. وكان ما كان ووقعت الحرب العظمى، أي العالمية الأولى، وبعثت أني أوكلي برسالة الى الامبراطور، بعد أن دخلت بلادها الحرب ضد بلاده تقترح أن يكررا العرض. إلا أنه لم يرد عليها. هل كانت الحرب العالمية الأولى وقعت لو أن أني أوكلي أصابت الامبراطور لا سيجاره؟ وهل كانت وقعت لو لم يقتل ولي عهد النمسا الأرشيدوق فرانز فرديناند في سراييفو سنة 1914 مع زوجته؟ المؤرخون يجمعون على ان قتله في 28 حزيران يونيو من تلك السنة كان الشرارة التي أشعلت الحرب. وهل كانت الحرب العالمية الثانية استمرت لو أن هتلر قتل في انفجار قنبلة وضعت في مقر قيادته في راستنبرغ، وكانت في بروسيا الشرقية وهي الآن في بولندا، في 20 تموز يوليو 1944؟ ملايين البشر كانوا سيظلون أحياء، والمحرقة كما نعرفها اليوم ما كانت وقعت، لأن معظم اليهود قتل في السنتين الأخيرتين من الحرب. الرئيس صدام حسين سأل يوماً هل كانت وقعت حرب الخليج الأولى لو أن آية الله الخميني مات في حادث سيارة؟ غير أن السؤال الذي يستحق أن يسأل هو: هل كانت وقعت حرب الخليج الأولى والثانية، وهل كان دمّر العراق واستبيح شعبه، لو أن صدام حسين أصيب في رأسه بدل رجله عندما حاول اغتيال عبدالكريم قاسم سنة 1959. الموضوع كله رياضة فكرية، وقبل الكتابين الجديدين كانت هناك كتب مماثلة، أذكر اني كتبت عن أحدها وعلقت عليه قبل نحو عشرين سنة، وكان موضوعه: ماذا لو أن هتلر ربح الحرب العالمية الثانية؟ الجواب الأكيد هذه المرة هو أن فلسطين كانت ستبقى لنا، لذلك استطرد بالسؤال: ماذا لو أن أبو عمار مات في حادث سقوط طائرته في الصحراء الليبية في الثامن من نيسان ابريل 1992؟ اتفاقات اوسلو ما كانت وقعت، وما كنا ضيعنا فلسطين مرتين.