منذ قرنين كانت رائحة عرق الجسم المنفرة تثير شهية بعض العظماء مثل نابوليون بونابرت، الذي كان يكتب لزوجته جوزفين من أرض المعارك طالباً منها عدم الاغتسال او الاستحمام لحين عودته. وكانت هذه العادة رائجة بين الناس آنذاك. اما اليوم فيندر ان تستقبل امرأة زوجها ان لم تفح منها روائح العطر والصابون والمركبات الكيماوية المعطرة المضادة لرائحة العرق. لماذا نعرق؟ يعرق الانسان لسببين: الأول لتبريد حرارة الجسم والمحافظة على توازنها داخله. والثاني للتخلص من السموم والفضلات. يحتوي الجسم على نوعي من الغدد العرقية. النوع الاول يزيد على 3 ملايين غدة صغيرة مفرزة موزعة فوق الجلد وتتصرف كأنها فتحات للتهوية تفرز سائلاً لا رائحة ولا لون له يشكل الماء 99 في المئة منه ويتبخر عبر الجلد بسرعة. اما النوع الثاني من الغدد العرقية فهو الغدد الفارزة التي تتكون اثناء مرحلة البلوغ وتتوزع تحت الابط ومنطقة الاعضاء التناسلية. وتفرز هذه الغدد عرقاً حليبياً أبيض مكوناً من الماء والبروتين والمواد الدهنية. تجدر الاشارة الى ان رائحة العرق أو رائحة الجسم المنفرة لا تعود الى العرق نفسه بل تسببها الجراثيم التي تتغذى على العرق الموجود تحت الابط وفي محيط الاعضاء التناسلية وبين الثديين. اذ يوجد تحت الابط الدافئ حوالي نصف مليون جرثومة في مساحة لا تزيد على 5.2 سم2. وبما ان الجسم يحتاج الى الخلاص من الفضلات والسموم عبر الامعاء والرئتين والمثانة والغدد العرقية، فان فوح رائحة الجسم الكريهة يعتبر اشارة واضحة الى حاجة الجسم الى عملية تنظيف شاملة من الداخل والخارج. وعوضاً عن اللجوء الى استخدام المواد الكيماوية المعطرة للتغلب على تلك الرائحة، فان الاستحمام وتطهير الجسم هما خير وسيلة للخلاص من الجراثيم وفتح المسام الجلدية لخروج العرق بصورة طبيعية. مزيلات الروائح ومضادات العرق وقبل اضطرار الناس الذين يعانون من مشكلة فرط العرق لاستخدام المركبات الكيميائية المعطرة للقضاء على رائحة البدن، لا بد من فهم الفارق بين المركبات المزيلة للروائح الكريهة المعروفة ب Deodorants والمركبات المضادة للتعرق Antiperspirants. فالاولى تقاوم الجراثيم المسببة للرائحة المنفردة ولا تعالج حالة البلل او العرق. اذ انها تحتوي على مضادات للجراثيم ممزوجة مع عطور منوعة تغطي رائحتها الكيماوية. لذلك تكون البخاخات المستخدمة للرش فوق البدن للقضاء على الرائحة الكريهة عبارة عن مزيج من العطور القوية والكيماويات المضادة للجراثيم او مجرد عطور فقط. اما المركبات الثانية المضادة للعرق Antiperspirants فتكون معنية بالسيطرة على كمية العرق التي تفرزها الغدد عبر مسام الجلد. اذ تتحد موادها الكيماوية الفعالة المعروفة بأملاح الالومينيوم مع البروتينات الموجودة في العرق فتكوّن هلاماً يغلق مسام الغدد العرقية جزئياً ويحد من افراز العرق بصورة فاعلة. ويخشى الخبراء من ان تتسبب املاح الالومينيوم الموجودة في تلك المركبات في زيادة خطورة اصابة مستخدميها بمرض الخرف الشيخوخي الزهايمر. اذ انه رغم عدم وجود أدلة قاطعة بأن الالومينيوم يسبب هذا المرض، فان الدراسات الطبية تشير الى ان مرضى الزهايمر يحملون كميات مرتفعة من معدن الالومينيوم داخل اجسادهم. وتصر الشركات المصنعة لأنابيب رش مضادات الروائح الكريهة والتعرق على ان الالومينيوم لا يخترق الجلد بعمق يسمح له بالوصول الى مجرى الدم، وان التعرض لهذا المعدن لا يقتصر على استخدام تلك المنتجات. فهو موجود في الخضار الجذرية والشاي ومستحضرات التجميل والأدوية المضادة للحموضة. وليس بغريب ان نلاحظ توافر انواع عديدة من البخاخات التي تحوي مزيجاً من مضادات الروائح الكريهة للبدن ومضادات العرق. وذلك بعلاج الحالتين دفعة واحدة حتى لا يضطر المستهلك لشراء علبتين مختلفتين. مشكلة فرط العرق ولا تقتصر مشكلة التعرق على ارتفاع درجة حرارة الاجواء الخارجية او قدوم فصل الصيف. اذ يعاني منها البعض بصورة مستمرة حتى في الاجواء الباردة. وتعرف تلك الحالة بفرط العرق Hyperhidrosis التي تؤدي الى تدفقه فوق الكفين وتحت الابطين وترتفع حرارة الجسم فيصاب صاحب الحالة بالاحراج والازعاج والارباك كلما اضطر لمصافحة الناس أو الاختلاط بهم في مجالس العمل او خلال اللقاءات الاجتماعية والعائلية. وغالباً ما يتردد ذلك الشخص او يمتنع عن خلع سترته حتى في الاجواء الحارة خوفاً من ظهور البقع المبللة فوق قميصه نتيجة فرط العرق. ويقدر الاطباء عدد المصابين بهذه الحالة بحوالى واحد في المئة، بينما تدل الدراسات الميدانية الاخرى على ان 46 في المئة من النساء يعانين منها وان 21 في المئة منهن يضطررن الى تغيير ملابسهن مرات عدة يومياً نتيجة ذلك. ويشير الدكتور أندرو ليمبروك استشاري أمراض الجلد في مستشفى بروملي خارج لندن، الى ان مشكلة فرط العرق لا تقتصر على اليدين والأبطين بل انها تصيب القدمين لدرجة ان بعض الرجال والاطفال يضطر الى تغيير احذيته كل بضعة اشهر بسبب تبللها واهترائها نتيجة سباحة القدمين بالعرق داخلها. كما يعاني آخرون من فرط العرق فوق الرأس والجبين، حتى ان بعضهم يضيّع فرصاً عدة لكسب وظائف محترمة ومناسبة، أو يخسر عقوداً وصفقات بسبب مظهر العرق المنساب فوق جبهاته ووجناته وبلل شعره. ما ينفر المتعاقدين وأرباب العمل ويسارع في ابتعادهم عن المصابين ومحاولة تفاديهم او الارتباط بهم مهنياً. ان مشكلة فرط العرق تهدم حياة العديد من المصابين بها ولا تستحوذ عطف الناس أو تعاطفهم، بل تسبب نفورهم وامتعاضهم. وقد تعود اسبابها احياناً الى حالات مرضية معينة كازدياد نشاط الغدة الدرقية أو الاصابة بورم في الغدد الكظرية. الا ان غالبية المصابين بها يعجزون عن تفسير اسبابها. فاضطراب ميزان الحرارة داخل أجسادهم يدفع الدماغ الى اعطاء تعليمات خاطئة للغدد العرقية تحثها على افراز العرق باستمرار عندما لا تكون حرارة الجسم مرتفعة. ويؤكد الجراح البريطاني جون ريني الذي يعمل في مستشفى كينغز كولدج في لندن، وهو أول من قام بجراحة منظارية للسيطرة على فرط العرق، ان اسباب المشكلة جسدية وليست نفسية. اي انها لا تظهر نتيجة ضغوط او اجهاد نفسي. لهذا فانه من المستغرب والمستهجن ان يصف بعض الاطباء مهدئات ومسكنات لمقاومتها وعلاجها. خصوصاً وان هناك طرقاً عدة اخرى لمعالجتها. اذ بالامكان اللجوء لاستخدام بخاخات تحوي املاح الالومينيوم المضادة للتعرق مساءً عندما تكون الغدد العرقية غير ناشطة لسد مسامها الى ان يتوقف افراز العرق خلال النهار. ومن ثم يكفي استخدام تلك المركبات مرتين في الاسبوع. وتتوافر في الاسواق والصيدليات 3 أنواع هي "انهايدرول" و"فورتي" و"اودابان" و"درايكلور". اما طريقة العلاج الاخرى فهي باستخدام التيار الكهربائي الطبيعي او ما يعرف بالمداواة الايونية Iontophoresis، حيث يضع المرضى ايديهم واقدامهم في محلول يحتوي على دواء بروميد غلايكوبيرونيوم الذي يمنع تأثير الاعصاب الودية Sympathetic Nerves المحفزة للغدد العرقية. وبما ان هذا الدواء يكون ايجابياً والمريض سلبياً يتسرب الدواء عميقاً داخل الجلد، ويبقى المريض جافاً من العرق لمدة تتراوح بين أسبوع و6 أسابيع. ولتحقيق علاج دائم لمشكلة فرط العرق لا بد من اللجوء للجراحة. فالذين يعانون من فرط عرق القدمين يحتاجون الى عملية جراحية في ظهرهم لوقف وظيفة العصب المسؤول. والذين يعانون من فرط عرق اليدين والابطين والجبين او الرأس يحتاجون الى عملية جراحية منظارية بسيطة عبر الأبطين لازالة الاعصاب المسؤولة الموجودة على جانبي الظهر والصدر. اما مضاعفات هذه العملية عند البعض فهي ضيق التنفس والوهن أو فقدان الطاقة والنشاط لبضعة أيام. ويشير الدكتور ريني الى ان هذه العملية غير الموجعة تؤثر ايجابياً على حياة المرضى من الناحية الجسدية والنفسية. الا ان 50 في المئة منهم يعانون من ظهور العرق في منطقة الحجاب الحاجز، خصوصاً اولئك الذين يعرقون في 3 مواقع كاليدين والقدمين والذراعين بدل موقعين فقط. بينما يقول الدكتور بيمبروك ان بعض المرضى يصل الى حالة من اليأس تدفعه الى قبول استخدام أدوية مضادة لافراز الكولين. وهي الادوية التي تمنع الاعصاب الودية المثيرة للعرق والاعصاب اللاودية Parasympathetic كلها من العمل، ما يؤدي الى جفاف فم المريض واضطراب معدتهم وغشاوة بصرهم وتضرر مثانتهم. ان علاج مشكلة فرط العرق يتطلب ايجاد أدوية تؤثر مباشرة على الغدد العرقية بدل اقحام مجموعة من الاعصاب فيها. وفي معظم الحالات يكفي حسن اختيار مضادات افراز العرق ومضادات روائح الجسد غير اللاسعة والسريعة الجفاف وغير الملطخة، سواء كانت بخاخات او اصابع واقراصاً متدحرجة واحجاراً طبيعية معطرة او زيوتاً عطرية لعلاج المشكلة. اما افضل طريقة لاختيار النوع المناسب فهي التجربة والاختبار.