دخلت قضية القدس منعطفاً جدياً حين تزامن اقدام حكومة اسحق رابين على مصادرة اراض عربية في المدينة مع مبادرة روبرت دول زعيم الجمهوريين في الكونغرس الأميركي الى طلب نقل السفارة الأميركية من تل أبيب الى القدس. وجاء الرد العربي بعقد اجتماع طارئ للجامعة العربية وطرح الأمر أمام مجلس الأمن على رغم معارضة واشنطن مثل هذه الخطوة. واستغرب رابين "الانفعال" العربي، فيما أكدت مادلين أولبرايت، مندوبة الولاياتالمتحدة لدى الأمم المحدة ان المسألة تحل عن طريق التعويضات. أما وزير الخارجية الاسرائيلي "المعتدل" شمعون بيريز فأشار الى انه من حق حكومته مصادرة الأراضي في المدينة متى دعت الحاجة "كونها تابعة لسيادة دولة اسرائيل". وعملياً، بعد مصادرة أكثر من ثلث أراضي القدس التي كانت تحت السيطرة الأردنية قبل عام 1967، أو ما يزيد على 6 آلاف هكتار من أصل 17.500 هكتار لبناء أكثر من 38 الف وحدة سكنية خاصة باليهود فقط، فإن رد الفعل العربي على مصادرة 134 هكتاراً من احياء بيت حنينا وبيت صفافا، فاجأ المسؤولين الاسرائيليين. ومع ان اسرائيل عمدت اكثر من مرة في السابق الى مصادرة أراضٍ عربية في القدس، الا ان هذه المرة تأخذ العملية أبعاداً أخرى، فهي تجيء في وقت تتعثر فيه العملية السلمية على جميع الجبهات يتجاوز الهكتارات المصادرة أو نقل السفارة الأميركية، فيما يحاول روبرت دول المرشح للرئاسة الأميركية دخول التاريخ كرجل القدس "الموحدة" والعاصمة الأبدية لاسرائيل. ولربما عبرت سياسة اسرائيل في ما يخص مكتب منظمة التحرير في القدس، "بيت الشرق"، عن نياتها الحقيقية. فهي اذ تقوم من خلال محاكمها باصدار قوانين لاجراء ترميمات في هذا المركز الفلسطيني، ترفض أيضاً ان يقوم مسؤولين غربيون بزيارته بحجة ان ذلك يتعارض مع وحدة القدس تحت السيادة الاسرائيلية. وعلى رغم ان المسؤول الفلسطيني عن ملف القدس، السيد فيصل الحسيني، حذر خلال زيارته الأخيرة لواشنطن، ادارة الرئيس كلينتون وزعماء الكونغرس من مغبة الخطوات الأميركية و"التغيير" الطارئ على السياسة الأميركية حيال القدس، خصوصاً خسارة دورها كراعية لعملية السلام، الا ان تحذيره لم يلق آذاناً صاغية واكتفى المسؤولون الأميركيون بتأكيد أهمية عملية السلام فقط. وتكمن خطورة التطور الجديد في طريقة طرحه على الصعيدين الاسرائيلي والأميركي وفي تأكيده دور اللوبي الصهيوني في عرقلة المحاولات لايجاد تسوية عادلة من خلال ضغوطاته على أعضاء الكونغرس ومسؤولي الادارة، وكذلك قدرة حكومة رابين التي لا يلزمها اتفاق أوسلو شيئاً، ان "تبتكر" الأزمات وتخلق الوقائع على الأرض بحيث تصبح العملية السلمية مع مرور الأيام أكثر تعقيداً وصعوبة بالنسبة الى الفلسطينيين. واذا كانت قضية القدس أدت الى تعاضد الجهود العربية والفلسطينية الا ان سياسة الاحتلال المستمرة، وعدم اتخاذ تدابير جدية في شأن اعادة نشر القوات الاسرائيلية أو انسحابها من مدن الضفة الغربية، اضافة الى انتهاكات حقوق الانسان الفلسطيني، كلها تراجعت الى المقعد الخلفي. واذا كانت مسألة القدس أكدت شيئاً فهو ان اسرائيل لا تزال تملك مخزوناً كبيراً من المناورات والضغوطات والأوراق السياسية والأمنية التي تستطيع من خلالها تعجيز الطرف الفلسطيني المشارك في العملية السلمية، خصوصاً في غياب هيكلية اتفاق ملزم بالتسوية العادلة ومبني على أسس عادلة، لا على توازن قوى… عابر. تواجه القدس العربية اليوم اخطر محاولات ضمها الفعلي الى اسرائيل وتتضاعف عمليات الاستيطان فيها خصوصاً بعد تسلم الليكودي يهود أولمرت رئاسة البلدية السنة الماضية. وفي حين استطاعت الهيئات البلدية المتلاحقة تحت ادارة تيدي كوليك وبمباركة وبتخطيط حكومات حزبي العمل والليكود، أن تجعل من اليهود غالبية في القدس العربية، يأخذ الاستيطان في القدس اليوم بعداً جديداً يهدد بخنق الاحياء العربية تماماً مثلما حصل في يافا واللد وحيفا وعكا التي تحوي أقليات فلسطينية عربية، وهي تحاول توسيع رقعة المدينة مرة اخرى لتصل الى ثلث مساحة الضفة الغربية. وفي حين تلقى القدس التاريخية والمقدسة عند الاديان الثلاثة، الاسلام واليهودية والمسيحية، اهتماماً عربياً ودولياً كبيراً فان الخطر المباشر للتغيير الديموغرافي والسياسي لا يتم داخل الاسوار بل خارجها، في القدس العربية والمناطق المجاورة التي احتلت سنة 1967 وضمت الى بلدية القدس، وتعتبر منذ ذلك الوقت غير خاضعة للمفاوضات الجارية حالياً على الأراضي العربية المحتلة بسبب ضمها "النهائي" الى المدينة. وسبق للحكومة والبرلمان الاسرائيليين ان صادقا في العام 1980 على ضم القدسالشرقية، واعتبار القدس "الموحدة" الغربية والشرقية عاصمة أبدية لاسرائيل من خلال القرار الاساسي Basic Low، الذي يعتبر في غياب دستور اسرائيلي، من المقومات الاساسية للتشريع في اسرائيل، بل وبديلاً من الدستور. في لقاء عمل قبل بضع سنوات بين رئيس البلدية آنذاك تيدي كوليك ونائبه أورنان يوكيتئيلي، أبدى كوليك اسفه وخيبة أمله من نائبه الذي يمثل الكتلة الليبيرالية العلمانية ميرتس، معتبراً أنه لم يستوعب هدف المناطق الخضراء في خرائط المدينة التي لا يمكن البناء فيها، فيما أكد يكوتيئيلي ان رئيس البلدية "المعتدل" اشار له للمرة الاخيرة، وبوضوح، الى "ان الاخضر للعرب فقط، وفي الوقت المناسب وحين تتوافر الموازنات لبناء وحدات سكن أو أحياء لليهود سيتغير اللون". لعبت ألوان الاستيطان دوراً حيوياً ومركزياً في التغيير الدرامي لمدينة القدس التي احتلت سنة 1967 سنستعمل بهدف التبسيط كلمة "القدس" للاشارة الى القدس العربية التي احتلت سنة 1967 وضمت اليها أراض من القرى المجاورة بهدف ايجاد "القدس الكبرى"، في حين سنطلق على القدس التي احتلت سنة 1948 اسم "القدس الغربية". وتضاعف عدد سكان القدس العرب منذ سنة 1967 من 70 الف نسمة ليصبح 150 الفاً، في حين يسكن في القدس اليوم اكثر من 160 الف يهودي، يشكل وجود غالبيتهم خرقاً لقرارات مجلس الامن والجمعية العامة. ويتوقع ان يرتفع عدد السكان اليهود في السنوات القليلة المقبلة، الى 200 الف نسمة، ففي القدس مناطق صفراء تحدد مناطق البناء المسموح بها للعرب. ومنذ سنة 1967 سمح للعرب باستعمال ما يقارب 10 في المئة فقط من اصل الپ73 الف دونم العربية التي ضمت الى المدينة، زيادة على الپ38 الف دونم التابعة للقدس الغربية، وأصبحت القدس الجديدة تشكل 20 في المئة من مساحة الضفة الغربية البالغة 550 الف دونم. والمناطق الحمراء في القدس العربية تشير الى أحياء اليهود، وهي في توسع دائم. اما المناطق البيضاء فهي اذا لم تصلح في الامس للبناء، فانها ستصبح صالحة في يوم آخر ولكن لبناء احياء يهودية، حسب الحاجة وتطبيقاً للخطط الاسرائيلية المعدة منذ سنوات. اما المناطق الخضراء فهي في حال انتقاص دائم. ونظرياً فهي مهمة لمقارنة القدس بمثيلاتها في العالم الغربي، وعملياً تنبع اهميتها من استعمال معظمها في توسيع مناطق الاستيطان اليهودي. وأما المناطق التي تظهر في دوائر حمراء فهي تلك التي صودرت اخيراً لتتحول الى مناطق سكنية يهودية. الأصفر للعرب وتأخذ الألوان معاني اخرى ايضاً. فعلى سبيل المثال، يسمح البناء في اللون الاصفر، لون العرب، بمعدل 20 - 25 في المئة في الدونم، أو بتعبير آخر يمكن للعربي ان يبني من حيث مساحة البناء، ما لا يزيد عن هذه النسبة من الارض المبني عليها. فمثلاً تستطيع سواحر الغربية بناء 25 في المئة، وسور باهر 15 في المئة والعيساوية 25 في المئة. بينما في مناطق اللون الاحمر تصل النسبة الى ما يزيد على 300 في المئة اذ يسمح بطوابق عدة تصل احياناً الى اكثر من سبعة، بينما في المناطق الصفراء لا يزيد معدل الطوابق على اثنين او ثلاثة. وفي القدس الغربية اليهودية تصل النسبة الى اكثر من ذلك بكثير، وفي الفترة الماضية أعلن عن الترخيص لانشاء أبنية شاهقة في وسط المدينة، وفي مناطق عربية يهودية مجاورة لبعضها البعض، مثل راس العمود حيث يسمح لليهود ببناء 200 وحدة سكنية في بنايات من أربعة طوابق وفي منطقة تحدد فيها النسبة بپ120 في المئة، بينما لا يسمح للعرب في المنطقة نفسها ببناء اكثر من نسبة 50 في المئة، وفي طابقين فقط. وفي السنوات الخمس والعشرين التي تلت حرب حزيران يونيو شكلت الوحدات السكنية الفلسطينية 12 في المئة من الپ72 الف وحدة سكنية التي بُنيت في مدينة القدس الكبرى، في حين بلغت الوحدات السكنية في المناطق التي احتلت سنة 1967 حوالي 29 الف وحدة سكنية، على حد ما جاء في التقارير الاسرائيلية. وتصب هذه السياسة أولاً وقبل كل شيء في تحديد عدد السكان العرب وتضييق مناطق سكنهم، في حين تزيد من امكانات الاستيطان اليهودي في المدينة. ويسكن العرب اليوم، بعد تهجيرهم من الحي الغربي، في احياء بيت حنينا 16900، شعفاط 11600، مخيم شعفاط 6900، العيساوية 4700، شيخ جراح 2400، وادي الجوز 6000، باب الزهرا 4100، جبل الزيتون 13700، داخل الاسوار 26، وهو رقم تقريبي، وادي الحلوى 2400، سيلوان 6400، راس العمود 9600، الطور وجبل المكبر 9400، سواحرة الغربية 8300، سور باهر 7200، بيت صفافة 4600، وفي مناطق اخرى 6300. وتشير مصادر فلسطينية واسرائيلية الى وجود الآلاف من الفلسطينيين الذين يسكنون القدس من دون تسجيل. وتصل نسبة العرب في منطقة القدس عموماً، بما في ذلك الجزء الغربي، الى 28 في المئة من السكان غالبيتهم الساحقة في المناطق الصفراء. ومن الناحية المقابلة تبلغ نسبة ما يتلقونه من موازنة البلدية 5 في المئة فقط، على حد ما أكدته سارة كيمنكر المسؤولة السابقة في ادارة التخطيط في البلدية. واعتبر مسؤول في البلدية اليهودية ان محاولة رئيس البلدية الليكودي الجديد تحسين الخدمات للسكان العرب، بمثابة تغطية لما ينوي عمله بخصوص الاسراع في استكمال ما بدأه "المعتدل" كوليك في مجال مصادرة الأراضي العربية وتوطين اليهود فيها. ويعود تاريخ الاستيطان الى اكثر من 70 سنة عندما عمدت الوكالة الصهيونية، بدعم من الانتداب البريطاني في الثلاثينات، الى الاستيطان داخل أسوار القدس وخارجها في الناحية الغربية، حتى اصبح عدد اليهود، حسب ما جاء في التقارير الغربية، في سنة 1948 نحو 100 الف، بينما كان عدد الفلسطينيين 60 الف شخص، يمتلكون غالبية أراضي المدينة، في حين امتلك اليهود 18 في المئة من أراضيها. وأخذت الزيادة السكانية هذه بعدها السياسي الحقيقي المرتبط بالبريطانيين حين عزلت سلطات الانتداب رئيس البلدية الفلسطيني سنة 1938، وعينت مكانه احد اعضاء البلدية اليهود. ومع انتهاء الحرب طردت قوات منظمة الهاغانا اكثر من 30 ألف فلسطيني من سكان القدس الغربية، كما طردت اكثر من 40 الف فلسطيني من القرى المجاورة، بما في ذلك عين كارم ودير ياسين والقطمون، في حين قامت القوات العربية بطرد 2000 يهودي من "حيهم" داخل الاسوار. وأخذت اسرائيل على عاتقها منذ قيامها، وعلى خلاف السياسة الاردنية بين سنوات 48 - 67، توسيع الاستيطان في الشق الغربي من القدس كهدف سياسي، ونقلت وزاراتها اليها، اضافة الى صرفها موازنات كبيرة في تطويرها، على رغم ان تركيز الاقتصاد كان في المناطق الساحلية. ثم اعلنت القدس الغربية عاصمة لها، من دون اي تنديد من مجلس الامن او من الجمعية العمومية. اما القدسالشرقية التي أصبحت بعد سنة 1948 تحت الادارة الاردنية، وضمت الى الاردن بعد ذلك بفترة قصيرة، فتعرضت لنوع من الاهمال بعد نقل كل المكاتب الحكومية والرسمية الى عمان. كذلك خسرت القدس أراضيها الزراعية الممتدة حتى ساحل المتوسط، وانتقلت عائلاتها الغنية الى عمان والخليج. في السنوات الپ19 اللاحقة، تضاعف تقريباً عدد اليهود في الشق الغربي من المدينة ليصبح اكثر من 196 الفاً، بينما لم يزد عدد العرب في الشق الشرقي في الفترة ذاتها عن 70 ألفاً. أخذت الحكومات الاسرائيلية توسع ما كان يعتبر آنذاك ضاحية بناها اليهود خارج السور الغربي في الثلاثينات، منذ الاحتلال البريطاني، بسبب اكتظاظ السكان داخل المدينة القديمة. وأصبحت الضاحية مدينة ذات شرعية عند اليهود والاسرائيليين لاحقاً. وعلى رغم ان مجلس الامن لم يعترف بالسلطة اليهودية على المدينة لأنها حسب قرار التقسيم خاضعة لاشراف دولي. وازدادت المضايقات الاسرائيلية على حدود شقي المدينة في الخمسينات والستينات، وأصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة تحذيرات في هذا الشأن، وأرسلت بعثات ووساطات، لكن من دون جدوى. انتهاك القوانين الدولية احتلت اسرائيل القدسالشرقية أثناء حرب 1967 في غضون يومين، وقامت في العشرين يوماً اللاحقة بهدم 400 بيت يسكنها عرب بين سور المبكى وحي اليهود في ما يسمى حي المغاربة، لتبني مكانها بيوتاً جديدة لليهود. وفي 27 حزيران يونيو بسطت اسرائيل قوانينها وإدارتها على القدسالشرقية مخالفة القانون الدولي، خصوصاً اتفاق جنيف الرابع الذي يمنع أي دولة محتلة من نقل سكانها الى الأراضي التي احتلتها. واستمرت اسرائيل في سياسة الاستيطان في أراضي القدس العربية على رغم مقررات مجلس الامن والجمعية العمومية والتحذيرات التي صدرت بعد 1967. وكان مجلس الامن وافق على القرارات 250 و251 و252 سنة 1968 في ما يخص العروض العسكرية الاسرائيلية في القدس وندد بعدم الانصياع لقراري الجمعية العامة 2253 و2254 بخصوص الاستيلاء على الأرض بالقوة، والقرار 271 المتعلق بالمسجد الاقصى، والقرار 298 سنة 1971 الخاص بنشاطات اسرائيل القانونية والادارية في القدس المحتلة، والقرار الاخير الذي حوى ضمناً الاعتراف بشرعية الاحتلال الاسرائيلي للقدس الغربية، وبسط سلطته عليها. وفي سنة 1979 وافق مجلس الامن على القرار 452 المتضمن قلق اعضاء المجلس العميق من استمرار عملية الاستيطان في "الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك القدس"، ووافق كذلك على القرار 465 في 1 آذار مارس 1980 الذي يندد بنقل اسرائيل جزءاً من سكانها وتوطينهم في الأراضي المحتلة، بما في ذلك القدس. وفي حين صوتت الولاياتالمتحدة مع القرار الا ان الرئيس كارتر اعلن لاحقاً ان الولاياتالمتحدة أرادت ان تمتنع، وان التصويت الى جانب القرار جاء بسبب خطأ في الاتصالات. ودان القرار 476 اعلان الكنيست ضم القدسالشرقية رسمياً وإعلان القدس "الموحدة" عاصمة أبدية لاسرائيل. وأخذت الجمعية العمومية للأمم المتحدة منذ قبول منظمة التحرير كعضو مراقب فيها تندد بالاحتلال الاسرائيلي للقدس لكن اسرائيل التي ضربت بقرارات مجلس الامن عرض الحائط لم تشعر بأي قلق وبدت مرتاحة بسبب الاعتراض الاميركي على أية عقوبة. وكانت سنة 1980 المرة الاخيرة التي يتفق فيها مجلس الامن على قرارات بخصوص القدس في غضون عشر سنوات، الى ان دان المجزرة الاسرائيلية في مسجد الاقصى الشريف سنة 1990. مراحل الاستيطان ويمكن تقسيم حركة الاستيطان الى ثلاث مراحل: الأولى بدأت في 1967 - 1970 حين صادرت الحكومة الاسرائيلية 25 الف دونم من الأراضي العربية او ما يزيد على 40 في المئة من القدس المحتلة سنة 1967. وبوشر حينها ببناء حي المغاربة، وتوسيعه حتى وصل عدد سكانه الى 1300 في نهاية السبعينات، والمنطقة الصناعية أتاروت، وكذلك حي فرنش هيل التلة الفرنسية وراموت أشكول واستكمال السنهدريا، ووصل عددهم في نهاية السبعينات الى 19 الف يهودي. كذلك قامت السلطات الاسرائيلية بتوسيع اراضي الجامعة العبرية، ومستشفى هداسا وصادرت الأراضي بواسطة وزارة الاسكان التي تحدد منطقة البناء، وتخطط للمباني والشوارع... الخ، ثم تنتقل الخطة للموافقة عليها في وزارة المال، التي ترصد مبالغ مالية للتعويض عن هذه المصادرات. وفي العادة لا تزيد التعويضات عن نسبة قليلة من سعر الأراضي، حيث تعمد الحكومة الى وضع الفلسطينيين تحت الامر الواقع بقبول المبالغ وتشريع "البيعة"، او خسارة الاثنين. وفي سنة 1980 صادرت الحكومة ما يزيد على 6 آلاف دونم، لبناء وتوسيع احياء نافي يعقوف وراموت وإيست تلبيوت، وغيلو. وكانت بلدية القدس الغربية في فترة ما بين 1967 و1980 لا تسمح باعطاء أي رخص بناء في هذه الأراضي. وفي سنة 1990 صادرت البلدية والحكومة أراضي جديدة، منها 800 دونم من أراضي شعفاط لبناء حي شاعر همزراح او "البوابة الشرقية"، اضافة الى بضعة آلاف الدونمات لبناء مطار دولي بالقرب من قلندية. وأشارت الصحافة الاسرائيلية الى انه عندما تقدم رجال اعمال فلسطينيون للاشتراك في بناء المطار لاستعماله في المستقبل من الفلسطينيين، رفض وزير المواصلات الاسرائيلي كيتسار الاقتراح الفلسطيني. منزل الحاج امين من ناحية اخرى تعمد البلدية، بالتعاون مع "الوكالة اليهودية"، وغيرها من المؤسسات، الى شراء الأراضي والمباني العربية، وتوسيعها لاحقاً على حساب أراضٍ عربية اخرى من خلال التضييق عليها، او مصادرتها. ولربما اكثر هذه الحالات ايلاماً نجاح "الوكالة اليهودية" في شراء بيت القائد التاريخي الفلسطيني الحاج أمين الحسيني في وسط حي الشيخ جراح. وكان اصحاب فندق شبرد الذي أقيم في مبنى البيت، خسروا كثيراً من المال، على حد قولهم، ما أدى الى الاتصال بالراحل أبو جهاد، ومن خلاله بفيصل الحسيني حيث عرضوا بيع البيت لمنظمة التحرير. لكن العرض الفلسطيني كان قليلاً جداً، على حد ما أكد اصحاب البيت، في حين قامت شركة يهودية، يقول البعض بأنها على علاقة بالمليونير اليهودي الاميركي إرفين موسكوفيتس، بشراء البيت بمبلغ 800 الف دولار. واليوم اصبح بيت القائد الفلسطيني مركزاً عسكرياً "شرعياً" في قلب القدس. ويموّل المليونير موسكوفيتس الذي يسكن في ولاية فلوريدا شراء بيوت وأراضٍ عربية في القدس، ويقول البعض انه أحد ممولي شراء الأراضي في سلوان وعشرات البيوت في الحي الاسلامي في القدس القديمة داخل الاسوار، التي يدير جزءاً كبيراً منها الاسرائيلي ماتي دان. وأكثر ألوان الاستيطان بشاعة هو الاستيطان غير المباشر الذي يتعلق بالتمييز ضد الفلسطينيين، حيث تحاول البلدية ووزارتا الداخلية والاسكان، التضييق اكثر ما يمكن على التطور الفلسطيني حتى في الأراضي التي تتوسط الاحياء العربية، وتحيطها مباشرة بمناطق سكنية يهودية. فعلى سبيل المثال جمدت بلدية القدس رخص البناء القليلة التي كانت تعطيها للعرب في بيت حنينا وشعفاط في أوائل السبعينات، ووعدت بعد ان صادرت أراضي واسعة من مسطح البلدتين، بأن تضع خطة شاملة لبناء 18 الف وحدة سكنية خاصة بالفلسطينيين. ومرت سنوات طويلة حتى انتهت البلدية من اعداد الخطة، الا ان وزارة الداخلية رفضت المشروع، وطلبت بصورة غير مباشرة تقليصه الى 11 الف وحدة. فأعيد التخطيط وقدم مشروع جديد لترفض الحكومة مرة اخرى، فيما أهل بيت حنينا ينتظرون. وانتهت المماطلات لتوافق الحكومة على 7500 وحدة بما في ذلك تلك التي على مسطح البلدة، اي بضع مئات الوحدات. وعندما اخذ أهالي بيت حنينا ما أعطي لهم ليباشروا العمل في التخلص من الاكتظاظ السكني في الحي، واجهوا من جديد الصعوبات اذ اشترطت عليهم الحكومة ان تشمل الخطط جنائن او مناطق خضراء ومدرسة الخ، وموافقة "جميع" اصحاب الأراضي في المنطقة عليها. وفي حين يعرف المسؤولون الاسرائيليون ان غالبية اهل البلدة اما مهجرون، او في الخارج للعمل، فانه من المستحيل جمعهم كلهم للاتفاق على مشروع للبلدة بهذه الطريقة. ومن المضايقات الكثيرة التي يواجهها سكان القدس العرب، اضافة الى الاعتقالات والتفتيش وهدم البيوت على المستوى الاستيطاني البحت، عدم استطاعة اي فرد منهم التنقل بين حي عربي وآخر من دون الاضطرار للمرور في حي يهودي، الامر الذي يعني انعزال الاحياء عن بعضها البعض وتفريقها بصورة لا يمكن تمييز احياء عربية عن اخرى يهودية. وفي الكثير من الاحيان يضطر فلسطيني يسكن طرف حي الى الخروج من الحي وإكمال دائرة كبيرة من الطرق للوصول الى بيت مجاور، لكن على طرف حي عربي آخر. وأهم ما يميز الحركة الاستيطانية حالياً محاولة الاسرائيليين تطويق الاحياء العربية بواسطة حزام استيطاني يمر على اطراف احياء القدس العربية جميعها، ثم يخترقها ويفصل كل واحد منها عن الآخر. تركيبة البلدية ان أغرب ما يخص الاستيطان ومصادرة الأراضي الفلسطينية، هو رد فعل "المعتدلين" الاسرائيليين، مثل الرئيس السابق لبلدية القدس كوليك الذي يعتبر ان غياب الفلسطينيين عن البلدية بسبب امتناعهم عن التصويت والترشيح هو الذي يساعد في استمرار الاستيطان حيث لا يوجد من يدافع عن حقوقهم في المدينة بصورة فعّالة. لكن الفلسطينيين يعتبرون ان دخولهم في عضوية البلدية يعطي الشرعية الكاملة للاستيطان الاسرائيلي في القدس وضمها لاسرائيل. وكان الليكودي السابق و"المعتدل" حالياً موشي عميراف تزعم في الانتخابات الاخيرة لائحة يهودية - عربية املاً في الحصول على أصوات العرب في القدس، من دون ان يحالفه الحظ. ويضم مجلس بلدية القدس 31 عضواً، 9 ينتمون الى الاحزاب الدينية المتطرفة، و6 من الليكود، و4 من ميرتس، و5 من حزب العمل، و4 من الحزب الوطني الديني، و2 من تسوميت، اضافة الى مستقل، هو يورام غؤون. ويدير التحالف اليميني في البلدية نائب رئيسها لشؤون المال وممثل الحزب الوطني الديني شموليك مئير الذي يعمل على تهويد المدينة. وتتركز استراتيجيته على شراء أي قطعة أرض او بيت عربي وتحويله الى مناطق يهودية في أي سنتمتر مربع من اي حي عربي. وعملياً فان الاحزاب الدينية، هي التي تسيطر اليوم على مجريات الامور في البلدية، بالتنسيق مع رئيس البلدية. وعملياً فان حزب الليكود والحزب الوطني الديني هما اللذان يديران السياسة الاسرائيلية بمعنى الاستيطان، بينما تقوم الاحزاب الدينية المتطرفة بيهودة القدس من الناحية الدينية، أي الاقفال يوم السبت وما اليه من الاعتبارات الدينية. وتأخذ الاحزاب الدينية البحتة وغير الاسرائيلية، بمعنى الولاء للعلم الاسرائيلي والدولة الاسرائيلية، بالتحول شيئاً فشيئاً باتجاه اليمين الذي يراعي الكثير من مطاليبها الدينية، في حين يراعي حزب العمل الى حد كبير علمانية التكتل الصهيوني الليبرالي الى يساره المتمثل في ميرتس. وتشير الاحصاءات الى ان 53 في المئة من طلاب الصف الأول في المدارس اليهودية يتبعون للأجنحة الدينية المتطرفة او يدرسون في مدارسها. ويقوم الاهالي في الاحياء اليهودية بادخال ابنائهم الى المدارس الدينية كونها تقدم الطعام وغيره من المحفزات المادية للعائلات الفقيرة. ومعروف ان مستوى المعيشة في القدس يعتبر من أدنى المستويات في المدن الاسرائيلية. كما تشير الاحصاءات الى ان الغالبية الساحقة من اليهود داخل القدس القديمة هم من المتطرفين، وقسم كبير منهم هاجر من الولاياتالمتحدة. وأكد استطلاع للرأي أجري قبل فترة بين السكان اليهود في القدس الغربية والشرقية، ان 28 في المئة منهم يؤيدون سيادة فلسطينية في الحي العربي، لكن مع بقاء القدس موحدة. في حين أجاب 67 في المئة بالرفض، و7 في المئة لم يعرفوا. وأشار الاستطلاع الى ان 50 في المئة من المتدينين يرفضون السيادة على الجهة العربية، بينما يؤيدها 43 في المئة من العلمانيين، وأن غالبية العلمانيين تؤيد الانسحاب من الجولان، بينما ترفض غالبية المتدينين ذلك. القدس الكبرى جداً ان اخطر ما يواجه القدس على المستوى الاستيطاني، ليس فقط الاستيطان فيها وفي الاجزاء العربية التي ضمت اليها، بل ايضاً من محاولات جديدة للاستيطان في "منطقة القدس" بحيث يصبح اليهود اكثرية ليس فقط في المدينة بل وفي منطقتها ايضاً. وتضم هذه المنطقة الكثير من المدن والقرى العربية مثل بيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور، اضافة الى رام الله شمالاً، وربما الخليل جنوباً وغيرها. وتهدف الخطط الاسرائيلية للمدينة ومنطقتها الى تغيير دائم في المساحة وأولوية البناء، وحركته في حين ان هدفها الثابت هو رفع عدد السكان اليهود على حساب العرب. وهناك خطة "بوابات القدس" التي روّج لها الليكود وحلفاؤه في الحزب الوطني الديني منذ سنة 1991 مع دخول مؤتمر مدريد، والخطة الاستيطانية الخمسية التي اقترحها ارييل شارون سنة 1990 لفرض الامر الواقع في المدينة ومنطقتها، كذلك هناك "خطة تطوير القدس الكبرى حتى سنة 2010" التي قدمها متنياهو دروبلوس رئيس دائرة الاستيطان في الوكالة الصهيونية، سنة 1984. وترمي غالبية هذه الخطط الى ايجاد غالبية يهودية ليس في مدينة القدس الكبرى بل وأيضاً في منطقتها، حيث يبلغ عدد اليهود فيها اليوم اكثر من 33 الف مستوطن. وموّلت بلدية القدس ووزارة الداخلية اخيراً دراسة بلغت تكاليفها اكثر من 5،2 مليون شاقل، أو أكثر من 800 الف دولار، لوضع برامج لتطور منطقة القدس في السنوات المقبلة، على المستوى التجاري والمالي والسكاني، وتفترض الدراسة بأنه مهما كانت نتيجة المفاوضات مع الفلسطينيين، فان منطقة القدس ستكون مفتوحة الحدود، بحيث يمكن التعامل معها كوحدة جغرافية واقتصادية. الحلول المقترحة يعترف الكثيرون في الغرب بأن أهمية القدس العربية للعرب، وأهمية القدس الغربية لليهود، لا بد وأن تلقى الاهتمام الكافي في اي حل دائم للنزاع العربي - الاسرائيلي. ويقدم الليبراليون الاسرائيليون وأصدقاؤهم من مؤيدي السلام وحسن الجوار مع الفلسطينيين بعض اقتراحات حلول، مثل، سيادة Joint، سيادة Shared، سيادة Scattered، سيادة Divided، سيادة One، الا ان الحقائق على أرض الواقع تقلص الاحتمالات وتحصرها بالاقتراح الاخير لكن تحت السيطرة الاسرائيلية الكاملة، وهو علمياً مشروع تيدي كوليك، مع بعض التعديلات، مثل وضع علم دولة عربية على الاماكن الاسلامية المقدسة، وعلم الفاتيكان على الاماكن المسيحية المقدسة. اما الحلول العربية التي تؤكد الحق العربي في القدس، لتكون عاصمة الدولة الفلسطينية، فأصبحت شعاراً اكثر منها هدفاً سياسياً واقعيا. في وقت أوجد الاستيطان الاسرائيلي ظروفاً جديدة يجب التعامل معها. ان سياسة جذرية تهدف الى وقف الاستيطان في القدس اصبحت ضرورة ملحة، وإلا لن يتبقى شيء ليتفاوض عليه الفلسطينيون في المرحلة اللاحقة. ويقترح بعض النشيطين في المدينة تجميد الاستيطان من خلال التوجه الى المحاكم الاسرائيلية بسبب التمييز في الموازنات، او البناء على أراض مصادرة وما اليها من الطرق القانونية التي يمكن ان تلزم البلدية اسرائيلياً. وفي النهاية يطرح بعض المقدسيين السؤال الآتي: اذا اقترحت اسرائيل في مقابل مقتل اكثر من 40 فلسطينياً في مجزرة الحرم الابراهيمي اخلاء 450 مستوطناً من الخليل، فكم يلزم من قتلى فلسطينيين او مجازر ضدهم كي يتم اخلاء 200 الف يهودي من القدس العربية وجوارها؟ نسبة تملك الأراضي بين الفلسطينيين واليهود في عام 1945 فلسطينيون يهود آخرون صفد 68 18 14 عكا 87 3 10 طبريا 51 38 11 الناصرة 52 28 20 حيفا 42 35 23 بيسان 44 34 22 جنين 84 1 16 نابلس 87 1 13 طولكرم 78 17 5 رام الله 99 1 1 يافا 47 39 14 رمله 77 14 9 القدس 84 2 14 الخليل 96 1 4 غزة 75 4 21 بئر السبع 15 1 84