غوادلوب أكبر جزر الانتيل الفرنسية مساحة 1780 كيلومتراً مربعاً وأكثرها بهاء وسحراً حتى ليخيل الى السائح الذي يتجول بين ربوعها البديعة انه يشهد عناق التبر واللازورد مرة وانه في متحف للزمرد والياقوت يقوم في الهواء الطلق مرة أخرى، وهو في كلا الحالتين يشعر بأن لطبيعة الجزيرة الآسرة إغراء يجتذب اليها آلاف السياح من كل أصقاع الأرض. ومن حق غوادلوب ان تتباهى وأن تفاخر سائر جزر العالم لأن سائحاً مميزاً اسمه كريستوفر كولومبس خلبه جمالها فوطأت قدماه أرضها بمحض المصادفة في إحدى رحلاته الى "العالم الجديد". والواقع ان الملك الاسباني فرديناند وزوجته الملكة ايزابيلا أمرا المكتشف العظيم بعدما تكللت رحلته الأولى بالنجاح 1492 ان يبحر ثانية الى "العالم الجديد"، فانطلق في ايلول سبتمبر 1493 على رأس أسطول مؤلف من 17 سفينة. إغراء لا يقاوم وبعد أسابيع من الإبحار لاحت اليابسة أمام كولومبس للمرة الأولى فرست سفنه على شواطئ جزيرة "ماري غالانت" الصغيرة هي اليوم جزء من مقاطعة غوادلوب. وبعد استراحة قصيرة دامت يوماً واحداً واصلت السفن إبحارها باتجاه المجهول، لكن جزيرة غوادلوب القريبة أغرت كولومبس وأغوت بحارته بمفاتنها الساحرة فوقعوا جميعاً في حبها من النظرة الأولى وحرنت السفن وأبت ان تكمل رحلتها قبل ان تتملى جمال الجزىرة الأخاذ. وعلى الشطآن الوثيرة التي تنبسط على امتداد البصر أمر كولومبس بأن تنصب الخيام وبأن يتوزع البحارة لاستشكاف معالم الجزيرة. ولم يطل انتظار القائد فقد عادت احدى بعثات الاستطلاع وهي تحمل اليه مفاجأة مثيرة. ثمة جزيرة على مرمى حجر من الجزيرة التي أقام فيها كولومبس وبحارته ولا يفصل بين الجزيرتين سوى مضيق يستطيع السباح المتمرس ان يقطعه دونما عناء. والجزيرتان تتكاملان مع ان طبيعة الواحدة تختلف اختلافاً كبيراً عن طبيعة الاخرى. فبينما تمتاز الجزيرة الأم باس - تير بتضاريسها وجبالها التي كان بعضها بركاناً ثار في الماضي مخلفاً آثار ثورته على سفوح الجبل الذي لا تزال قمته عبارة عن فوهة مفتوحة تبدو الجزيرة الأخرى غراند - تير هضبة كبيرة يكاد سطحها يكون مستوياً... حنين العودة وبعد أيام تمتع خلالها كولومبس بطبيعة الجزيرة الخلابة انسلخ عن غوادلوب ليتابع رحلته، الا انه قرر العودة اليها كلما سنحت له الفرصة. ويذكر التاريخ انه عرج عليها في رحلتيه الثالثة والرابعة الى "العالم الجديد" وكيلا يقطع صلته بها أبقى حامية اسبانية في غوادلوب التي أضحت زمردة المستعمرات الاسبانية في البحر الكاريبي. الصراع على الجزيرة ومع تنامي النفوذين البريطاني والفرنسي في المنطقة ازدادت حدة التنافس بينهما على المستعمرات الاسبانية. وعندما دب الوهن في الامبراطورية الاسبانية. وبدأت شمس عزها تؤذن بالغروب تسابقت القوى الجديدة على تناتش مستعمراتها وكانت غوادلوب من نصيب فرنسا التي استولت عليها العام 1635 وظلت تحت سيطرتها أكثر من مئة عام الى ان سقطت خلال حرب السنوات السبع 1756 - 1763 في أيدي البريطانيين. ولم يلبث ان استردها الفرنسيون عندما وضعت تلك الحرب أوزارها. ونجح البريطانيون في احتلالها ثانية بعد قيام الثورة الفرنسية 1789، لكن الفرنسيين استعادوها في العام 1794 وفي العام 1946 جعلوها مقاطعة من مقاطعات فرنسا في ما وراء البحار. أرباح طائلة وقد جنت فرنسا خلال القرن الثامن عشر ارباحاً طائلة من مستعمراتها في منطقة البحر الكاريبي ولا سيما غوادلوب ومارتينيك وهايتي اذ كانت هذه المستعمرات بمثابة الدعامة المتينة لاقتصاد فرنسا آنذاك. وللحفاظ على غوادلوب وجارتيها حشدت فرنسا طاقات عسكرية وبشرية هائلة وقدر عدد الفرنسيين المكلفين حماية المستعمرات الثلاث وإدارتها بما يزيد على 20 ألف عسكري ومدني. وكانت باريس ترسل باستمرار نجدات اضافية. وقد استقدمت من افريقيا مجموعات كبيرة من العبيد السود سخرتهم للقيام بأعمال الزراعة من دون مقابل. ومع نهاية القرن الثامن عشر تجاوز عدد اولئك العبيد ال 160 ألفاً. وما يفسر حاجة الامبراطورية الى مزيد من العبيد هو ازدهار زراعة البن وقصب السكر والكاكاو. وقد درّ الاتجار بهذه المواد على فرنسا أموالاً طائلة" اذ دأب الفرنسيون على نقل المحاصيل الى بوردو وروشفور حيث تتم تعبئتها في أكياس خاصة قبل تصديرها الى دول اوروبية اخرى. وبلغت الأرباح التي جنتها فرنسا من هذه التجارة في أوائل القرن التاسع عشر ما يعادل ربع دخلها القومي الاجمالي. السياحة هي البديل ومع مرور الزمن لم تعد غوادلوب تلك الدجاجة التي تبيض ذهباً، فراح الفرنسيون يفتشون عن بديل يكون مصدراً للربح الوفير، وقد وجدوا ضالتهم في السياحة التي أولوها عناية خاصة خلال القرن الحالي فأقاموا الفنادق والمنشآت السياحية العصرية التي اضفت على الجزيرة "العروس" لمسة خاصة من الرونق والسحر. وقد تجاوز عدد السياح الذين تدفقوا على غوادلوب عدد سكانها 400 ألف نسمة وهم يجدون في فنادقها وعلى شطآنها الرملية المترامية وعلى ضفاف بحيرتها وفي غاباتها الاستوائية وفي تراثها الفولكلوري الفني كل ما يبحث عنه السائح بأسعار لا تقصم الظهر وتجعل من الاجازة حلماً يود المرء ألا يستفيق منه.