قبل نحو 12 سنة، شاهد جندي سابق حارب في فيتنام روبرت ماكنمارا وزير الدفاع السابق في ادارة الرئيس الراحل ليندون جونسون، على متن عبارة كانت في طريقها من كيب كود الى جزيرة مارثا، فذهب إليه وأمسك بتلابيبه وهمّ بإلقائه في مياه المحيط الأطلسي، إلا أن مسارعة بقية ركاب العبّارة أنقذت ماكنمارا. ومع أن المعتدي على الوزير السابق الذي شهد عهده الزج بنحو 500 ألف جندي أميركي في فيتنام كان يمكن أن يحاكم بموجب قانون العقوبات الاميركي، إلا أن ماكنمارا رفض اتهامه قائلاً انه يقدر انفعالات المحاربين السابقين حيال النزاع الذي أسفر عن مقتل 1.5 مليون فيتنامي، وما لا يقل عن 60 ألف أميركي. الآن، وبعد تلك السنوات الطويلة يقول ماكنمارا في كتاب أصدره أخيراً أنه يشعر بالشيء نفسه الذي شعر به الجندي السابق الذي حاول الاعتداء عليه. ويضيف في كتابه الجديد "نظرات الى الماضي" "لقد أخطأنا خطأ فادحاً". ويعترف وزير الدفاع الاميركي السابق بأن خسائر الجانب الفيتنامي ضخمت تضخيماً كبيراً، للإيحاء بأن اميركا قادرة على كسب الحرب. كما أن الجانبين الاميركي والفيتنامي الجنوبي قللا من خسائرهما حتى يبدو للأميركيين أن الحرب حسمت لمصلحة الولاياتالمتحدة. وأشار إلى أن الخطة العامة كانت ترمي آنذاك الى الزعم بأنه إذا أصبحت فيتنام دولة شيوعية، فإن تايلاند واندونيسيا وماليزيا وبنغلاديش وسري لانكا، وحتى الهند وباكستان، ستصبح دولاً شيوعية تحت مظلة الصين، خصوصاً أن الاتحاد السوفياتي كان يسيطر على بلدان اوروبا الشرقية. غير أن تلك النظرية - حسب اعترافات ماكنمارا - أغفلت حقيقة مهمة، تتمثل في أن الصين، على رغم أنها كانت تزود فيتنام الشمالية بالأسلحة، كانت على عداء تقليدي مع فيتنام الجنوبية. وأقر الوزير السابق بأن أميركا لم تتعلم من ابناء عمومتها الاوروبيين أن عهد الامبراطوريات انتهى، وأن الحرب وسيلة قذرة ومكلفة لتسوية النزاعات. ويقول ماكنمارا إن بلاده لم تتعلم الدرس حتى اليوم، وأشار إلى الهجومين اللذين شنتهما قوات أميركية على غرينادا وباناما، والتدخل الاميركي غير المباشر في نيكاراغوا وكوبا. ومع أن ذلك قيل مراراً، إلا أن هذه هي المرة الأولى التي ترد فيها مثل هذه الانتقادات على لسان مسؤول سابق بحجم ماكنمارا.