بعد أربعة عقود على سقوط سايغون على أيدي الأميركيين، استقبل الرئيس باراك أوباما الأمين العام للحزب الشيوعي الفيتنامي نغوين فو ترونغ في المكتب البيضاوي، مبتسماً وممازحاً، في لقاء تاريخي بينهما ليل اول من امس الثلثاء. يأتي ذلك في اطار توجه أوباما الى إنهاء الحروب وإرساء المصالحات مع خصوم تاريخيين. ولا يهم في هذا الإطار اسم الضيف، سواء كان الزعيم الفيتنامي او الرئيس الكوبي راؤول كاسترو او الإيراني حسن روحاني. المحرك الإستراتيجي الذي يدفع اوباما الى ترتيب مصالحات من هذا النوع، هو الرغبة في مواجهة صعود الصين اللافت اقتصادياً وعسكرياً، ومنافسة بكين في السوقين الكوبية والفيتنامية، بدل الوقوف على أطلال الماضي ورفع شعارات تغيب عنها البراغماتية السياسية وتضر بمصالح اميركا وخصومها في آن. وقال ل «الحياة» مسؤول أميركي معني برسم استراتيجية البيت الأبيض، ان «احتواء الصين والتصدي لروسيا التي تزداد شراسة»، هما الأولويتان «الأكثر إلحاحاً والأهم» بالنسبة الى لإدارة الاميركية في السنة ونصف السنة المتبقية من عهد اوباما. ويرخي العملاق الصيني بظله على تجربتي أوباما مع فيتنام وكوبا، اذ تستغل واشنطن خلاف هانوي وبكين حول «بحر الصين الجنوبي» لمغازلة هانوي، كما تحاول الولاياتالمتحدة الدخول الى السوق الكوبية، لمنافسة الصين، ثاني أكبر مصدّر لكوبا بعد أميركا اللاتينية. وفي اجتماع البيت الأبيض بين أوباما وترونغ، الرجل الأقوى في الحزب الشيوعي الحاكم في فيتنام، كان الحديث عن آفاق اتفاق «الشراكة عبر المحيط الهادئ»، وهي معاهدة تجارية تنص على إلغاء الرسوم الجمركية على السلع والخدمات في منطقة آسيا - المحيط الهادئ ويسعى البيت الأبيض الى تمريرها قريباً في الكونغرس. ويفتح الاتفاق أسواق فيتنام أمام المستثمرين الأميركيين، كما يوجب على الحكومة هناك تخفيف قيودها، في مقابل تعميق الروابط الاقتصادية مع الاقتصاد الأول في العالم. وكان أول العنقود، شراء فيتنام 19 طائرة «دريم لاينر» اميركية، بدأ تسليمها منذ أسبوع. وأكد أوباما خلال لقائه ترونغ أهمية «حل المسائل المتعلقة ببحر الصين الجنوبي»، اذ اعتبر ان ذلك يجب أن يراعي القانون الدولي لضمان ازدهار الملاحة البحرية وحريتها، في المياه الأكثر غنى بالغاز التي تحاول الصين التوسع فيها. ويأتي توقيت زيارة ترونغ وإعادة فتح السفارة الكوبية على وقع المحادثات حول الملف النووي الإيراني والجهود لإنجاز اتفاق خلال أيام. هنا أيضا يؤثر نمو اللاعب الصيني وتمددّه في السوق الإيرانية على رغم العقوبات، في حسابات واشنطن، وتطلع أوباما الى منافسة بكين وإنهاء حال العداء مع طهران منذ 1979. «تاريخنا كان صعباً»، بهذه العبارة خاطب أوباما ضيفه الفيتنامي، وانتقل الى الحديث عن المستقبل و»التبادل التجاري» والاستثمار، من دون ذكر عبارة «شيوعي» التي تنتمي الى تصنيف من عهد منصرم، والتركيز عليها لن يُضعف العملاق الصيني على ضفاف هانوي ولن «يحرر» هافانا.