وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الرباعي بشأن السودان    قطار الرياض.. صياغة الإنسان وإعادة إنتاج المكان    رئيس هيئة الغذاء يشارك في أعمال الدورة 47 لهيئة الدستور الغذائي (CODEX) في جنيف    سعود بن مشعل يشهد حفل «المساحة الجيولوجية» بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها    رئيسة "وايبا": رؤية المملكة نموذج لتحقيق التنمية    تطوير الموظفين.. دور من ؟    قصر بعظام الإبل في حوراء أملج    20 مليار ريال مشروعات وعقود استثمارية أُبرمت لخدمة الشرقية    كلنا يا سيادة الرئيس!    القتال على عدة جبهات    إمدادات الغذاء لغزة لا تلبي 6% من حاجة السكان    معارك أم درمان تفضح صراع الجنرالات    نقاط شائكة تعصف بهدنة إسرائيل وحزب الله    «أونروا»: مليونا نازح في غزة تحت حصار كامل    الملك وولي العهد يعزيان أمير الكويت    ولي العهد يتلقى رسالة من رئيس جنوب أفريقيا.. ويرعى المؤتمر العالمي للاستثمار    ضمن الجولة 11 من دوري«يلو».. نيوم يستقبل الباطن.. والجندل في اختبار العدالة    في الجولة الخامسة من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الهلال ضيفاً على السد القطري    « هلال بين خليج وسد»    الهلال يتوعد السد في قمة الزعماء    السجن والغرامة ل 6 مواطنين ارتكبوا جريمة احتيالٍ مالي    الدكتور ضاري    التظاهر بإمتلاك العادات    مجرد تجارب.. شخصية..!!    كن مرناً تكسب أكثر    311 طالباً وطالبة من تعليم جازان يؤدون اختبار مسابقة «موهوب 2»    نوافذ للحياة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    الرئيس العام ل"هيئة الأمر بالمعروف" يستقبل المستشار برئاسة أمن الدولة    صورة العام 2024!    ما قلته وما لم أقله لضيفنا    5 حقائق من الضروري أن يعرفها الجميع عن التدخين    «مانشينيل».. أخطر شجرة في العالم    التوصل لعلاج فيروسي للسرطان    أمير تبوك يستقبل القنصل الكوري    استعراض السيرة النبوية أمام ضيوف الملك    بدء التسجيل لحجز متنزه بري في الشرقية    أمير الشرقية يستقبل منتسبي «إبصر» ورئيس «ترميم»    جازان: انطلاق المخيم الصحي الشتوي التوعوي    وزير الخارجية يطالب المجتمع الدولي بالتحرك لوقف النار في غزة ولبنان    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي في دورته الثانية للعام ١٤٤٦ه    القيادة تهنئ السيد ياماندو أورسي بمناسبة فوزه في الانتخابات الرئاسية في الأوروغواي    الاحتفاء بجائزة بن عياف    الوداد لرعاية الأيتام توقع مذكرة تعاون مع الهيئة العامة للإحصاء    7 أجانب ضمن قائمة الهلال لمواجهة السد    بنان يوسع مشاركات الحرفيين المحليين والدوليين    الرخصة المهنية ومعلم خمسيني بين الاجلال والإقلال    الباحة تسجّل أعلى كمية أمطار ب 82.2 ملم    أمير الرياض ونائبه يؤديان صلاة الميت على الأمير ناصر بن سعود بن ناصر وسارة آل الشيخ    تعليم جازان يحتفي باليوم العالمي للطفل تحت شعار "مستقبل تعليمي أفضل لكل طفل"    وكيل إمارة المنطقة الشرقية يستقبل القنصل العام المصري    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    بركان دوكونو في إندونيسيا يقذف عمود رماد يصل إلى 3000 متر    الأهل والأقارب أولاً    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    اقتراحات لمرور جدة حول حالات الازدحام الخانقة    أمير الرياض يكلف الغملاس محافظا للمزاحمية    111 رياضيًا يتنافسون في بادل بجازان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اوكلاهوما بعد نيويورك في حرب مفتوحة . أميركا الغاضبة كيف ترد ؟

تناقش دول العالم، في نيويورك، كيفية الخلاص من التهديد النووي. قد تنجح وقد تفشل. في غضون ذلك تعم الحرائق الصغيرة العالم وتعطي فكرة، مجرد فكرة، عن الهول الكبير الذي يلوح في الافق اذا حصل "الزواج" بين "الارهاب" والمواد الذرية. لم يعد الأمر مجرد فكرة. ولا هو "سيناريو" يحتاج الى خيال كبير. فاجتماعات نيويورك تناقش، ايضاً، تقريراً وضعه جاك اتالي المستشار السابق للرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران ويتناول مخاطر تهريب المواد الانشطارية. يتضمن التقرير معلومات خطيرة ومبالغاً فيها ولكنه يثير فرضية مرعبة: ان سيارة مفخخة بنصف طن من المتفجرات "العادية" تستطيع تفجير نصف كيلوغرام من المواد النووية، وتحويلها، ان لم يكن الى قنبلة صغيرة، فعلى الأقل الى مصدر اشعاعات مميتة. يعني ذلك ان حصول هذه العملية في مدينة مثل باريس يقود الى آلاف الضحايا والى اخلاء معظم ارجاء العاصمة الفرنسية من السكان لمدة لا تقل عن... خمسين عاماً!
ان نصف طن هي الكمية التي يقال انها استخدمت في تفجير المبنى الفيديرالي في مدينة أوكلاهوما. وأحدث ذلك دماراً كبيراً وإعصاراً سياسياً لم تظهر نتائجه بعد فكيف لو أن المسؤولين عن الحادثة قرروا تصعيد الموقف وتوجيه ضربة بات في الامكان الاقدام عليها بحكم التسيّب الراهن في "سوق السلاح"؟
قبل ان تستفيق الولايات المتحدة من الصدمة كانت اصابع الاتهام تتوجه الى ثلاث جهات: الارهاب الشرق اوسطي، أتباع طائفة "الدافيديين" وتجار المخدرات. لا يدل ذلك الى ان واشنطن تملك اعداء كثراً ولكنه يشير الى ان خصومها لن يرتدعوا عن الحاق الأذى فيها. يكفي القول ان تجارة المخدرات هي سوق بمئات بلايين الدولارات حتى يتضح ان حجم المصالح المهددة يمكنه أن يقود الى مواجهات في منتهى الشراسة. اما "الارهاب" الشرق أوسطي فان في السياسات الاميركية ما يشير الى عدم جواز استبعاد هذا الاحتمال.
هناك، أولاً، سابقة مركز التجارة الدولي في نيويورك التي ألقي القبض على المتهمين بها وتجري حالياً محاكمتهم بعد مطاردة عدد منهم في كل أنحاء العالم. وهناك، ثانياً، الموقف الاميركي المزداد حزماً ضد تيارات اصولية عاملة في لبنان وفلسطين وغيرهما وهو موقف يضغط على الجهات المعنية في اتجاه القضاء على هذه القوى وتعطيل قدراتها نهائياً. وهناك، ثالثاً، الحملة الاميركية ضد ايران والتي ترفع لواء الخطر النووي من اجل محاصرة طهران اقتصادياً وسياسياً وإرغامها على تغيير توجهاتها. ولا شك في ان الحكم هناك أحس بجدية هذه الضغوط التي تطال عصب اقتصاده، النفط، وهو مضطر الى صياغة رد ما.
غير ان "الارهاب الشرق أوسطي" لا يختصر مصدر الخطر. ان يوم التفجير في اوكلاهوما هو الذكرى السنوية الثانية للقضاء على طائفة "الدافيديين" في واكو وهو اليوم الذي شهد تجدد "ارهاب الغاز السام" في اليابان. وبما أن طائفة شبيهة ب "الدافيديين" هي المسؤولة، كما يبدو، عن عملية الغاز قبل شهر في مترو طوكيو فإن هناك من عقد الصلة بين "اوكلاهوما" و"يوكاهوما" ونسب الجريمتين الى طوائف خلاصية يشكل عناصرها جيش الوافدين الجدد الى عالم الارهاب. في وقت سابق كانت الباكستان تشهد اغتيال الفتى الذي كشف "عبودية الاطفال". وكانت سيارة مفخخة تنفجر وتكاد تقتل زعيم المعارضة الاسبانية. وبهذا تكتمل لوحة الارهاب المعاصر: منه ما يعود الى ما قبل انتهاء "الحرب الباردة"، ومنه ما ينتسب الى "العالم الجديد" المنفلت من أي ضابط.
لقد أصبح الارهاب اكثر سهولة وأشد خطورة. لا راعي له على صعيد دولي ما يعني ان المحاسبة صعبة جداً. المواد متوفرة بدليل ان ما اكتشفته الشرطة اليابانية من غاز مخزون يكفي لقتل ما بين أربعة وعشرة ملايين انسان. وفوق ذلك ثمة ارهاب لا مطالب سياسية له طالما ان القائمين به لا يحلمون سوى بنهاية العالم ولا يريدون سوى التعجيل في ذلك.
لقد دلت سابقة مركز التجارة العالمي على أن الاجهزة الفنية والمخابراتية الاميركية قادرة على تحديد سبب الانفجار وتعيين القائمين به. ويمكن "الاطمئنان" الى ان نجاحاً جديداً ينتظرها وانه لن تمضي أيام حتى تتضح هوية الذين أقدموا على تحدي الولايات المتحدة في عقر دارها. فالقاعدة في هذا المجال تقول ان "الارهابي" يريد، عادة، توجيه رسالة وان له مصلحة فعلية في ان تعرف الجهة المتلقية الجهة المرسلة من غير ان تمتلك أدلة ملموسة على ذلك. الرسالة وصلت ويبقى اكتشاف المسؤول عنها اما الرد فلا شك انه سيكون مؤلماً جداً.
بدأ سكان مدينة أوكلاهوما الوادعة عادة، في وسط الغرب الأميركي، حياتهم المعتادة الأربعاء الماضي. ازدحمت الطرقات بالسيارات، وانطلق كثيرون، كما يفعلون كل يوم، ليبدأوا يومهم بايداع صغارهم دار الحضانة التي توجد في أكبر المباني الحكومية الفيديرالية. واختار آخرون كعادتهم ان يستهلوا يومهم بتناول القهوة في مقاهي وسط المدينة. ولم يكن أي منهم يدري انه في غضون ساعة قبل بدء العمل ستهتز المدينة تحت وطأة انفجار لا يزال يثير حيرة المحققين والسياسيين في عواصم عدة معنية بملف العمليات الارهابية في المراكز الحضرية المأهولة.
وبدت أوكلاهوما طوال الأيام الخمسة الماضية كأحدى مدن الشرق الاوسط وليس وسط الغرب الاميركي. "مثل بيروت تماماً" على حد تعبير الدكتور كارل سبينغلر الذي كان أول الاطباء الذين خفوا الى مكان الانفجار. وكان مشهد ضحايا الانفجار والجرحى المخضبين بدمائهم شبيهاً بما كان يحدث في بيروت وبلفاست ونيويورك حيث اتبعت جماعات سياسية مختلفة اسلوبها المفضل: تفجير السيارات المفخخة.
ومع ان آراء الخبراء تجمع على تغليب احتمال ان تكون سيارة ملغومة وراء انفجار أوكلاهوما، الا ان جهات عدة حضت على التروي في اطلاق الاتهامات. غير ان اكثر ما لفت المحققين الى الاسباب المحتملة للانفجار انه تزامن مع حلول الذكرى الاولى لمذبحة اتباع ديفيد في واكو. واهتم محققون آخرون بتتبع خيوط محتملة انطلاقاً من ان أوكلاهوما، وهي مدينة نفطية تتخصص معظم جامعاتها في تكنولوجيا النفط، تضم عدداً كبيراً من المتشددين الاسلاميين، اذ يوجد فيها فرع لتنظيم "أمة الاسلام" الاميركي الذي يتزعمه لويس فرخان، ويعتقد ان ناشطين متطرفين من بلدان شرق أوسطية يقيمون هناك.
واتجه فريق من المحققين الى تتبع خيط محتمل آخر انطلاقاً من وجود المقر الرئيسي لمكتب للكحول والتبغ والاسلحة النارية في جنوب شرق الولايات المتحدة في المبنى نفسه الذي دمره الانفجار. وذهبوا الى ترجيح قيام احدى منظمات مافيا المخدرات بتنفيذ العملية.
غير ان آخرين قالوا ان الانفجار يحمل كل الملامح الكفيلة بالايحاء بأن انفجاراً في شبكة امداد الغاز قد يكون وراءه. وربما كان ذلك التضارب في الأسباب المحتملة هو ما حدا بالرئيس الاميركي بيل كلينتون الى اصدار تعليمات بأن يتولى مكتب التحقيقات الفيديرالي وحده مسؤولية التحقيق في الحادث الذي أودى بحياة اكثر من 30 شخصاً، واصابة اكثر من 200 بجروح، فيما تضاءلت الآمال في العثور على مزيد من المفقودين الذين يرجح ان عددهم يفوق 400 شخص.
وكان اكثر جوانب الانفجار اثارة للمشاعر الانسانية في مختلف ارجاء العالم ان 12 طفلاً كانوا ضمن القتلى الذين عثر عليهم في الطبقة التي خصصت لحضانة أطفال العاملين الحكوميين في المبنى المنكوب. ومع ان أطفال دار حضانة مجاورة لم يتعرضوا للمصير نفسه، الا ان تطاير شظايا زجاج نوافذ حضانتهم أدمى وجوه كثيرين منهم.
ورغم التكتم الشديد الذي يحيط به المحققون مساعيهم لحل لغز انفجار أوكلاهوما، فان معظمهم رجح ان يكون ناجماً عن قنبلة قد يصل وزنها الى نصف طن، يعتقد انها وضعت في شاحنة صغيرة قال شهود انها تحمل لوحات صادرة في ولاية تكساس. ونشط عملاء وكالة الاستخبارات المركزية سي. آي. ايه على الاثر للبحث عن أي خيط قد يثبت تورط جماعة أجنبية في الحادث.
مقارنة مع بيروت
وسارع وليام بيكر المسؤول السابق عن مكافحة الارهاب في مكتب التحقيقات الفيديرالي الى عقد أوجه الشبه بين انفجار أوكلاهوما ونسف مقر المارينز في بيروت عام 1983، واستخدام مقاتلي الجيش الجمهوري الايرلندي أسلوب السيارات المفخخة في بلفاست.
وأشار الى ان اجهزة الامن الاميركية اعدت - قبل حرب الخليج واثناءها - لائحة بالمنشآت الاميركية التي قد تكون هدفاً لعمليات ارهابية. وقال ان تنسيقاً كبيراً حدث على مستوى شرطة الولايات الاميركية. لكن روبرت كوبرمان خبير شؤون الارهاب، الذي عمل سابقاً في البيت الابيض ووزارة الخارجية، رأى ان سلطات الامن الاميركية فشلت تماماً في اقناع الاميركيين بالالتفات الى التهديدات الارهابية المحتملة.
وذكر بيكر ان من الاسباب الرئيسية للاخفاق في مكافحة مثل تلك العمليات الارهابية سهولة عثور الارهابيين على المتفجرات، "وربما لهذا طالبنا مراراً بسن تشريع يلزم الجهات المعنية بوضع علامات دامغة على المتفجرات البلاستيكية حتى يسهل على المحققين معرفة مصدرها". لكنه حذر من انه يستحيل تماماً معرفة مصدر المتفجرات اذا كانت من الديناميت او النتروغلسرين.
وقال خبراء غربيون في شؤون الارهاب ان منفذي انفجار اوكلاهوما اختاروا التوقيت والمكان بعناية شديدة لاحداث أكبر قدر من الفزع في جميع ارجاء الولايات المتحدة وأشاروا إلى أن الارهابيين المحتملين ضمنوا باختيارهم اوكلاهوما التي تتوسط الغرب الأميركي أن الخوف انغرس في نفوس الأميركيين قاطبة، مهما بعدت مدنهم عن أي من ساحلي البلاد، وأنّى كانوا يقيمون حول أكبر مركزين حضريين متعددي الأعراق، وهما: نيويورك ولوس انجليس.
وقالت مصادر أميركية ل "الوسط" ان الولايات المتحدة تدرس، على أعلى المستويات الأمنية والسياسية، سبل الرد على اسلوب التفجيرات، خصوصاً إذا ثبت تورط جماعات شرق أوسطية في انفجار اوكلاهوما. وأشارت - تحديداً - إلى أن واشنطن ستعمد إلى اتخاذ خطوات عملية لتصعيد الحصار ضد إيران إذا تأكدت مشاركتها في العملية الأخيرة. وذكروا أنها ستتخذ اجراءات مشددة في سبيل تضييق الخناق على المتطرفين الإسلاميين الذين رفضت سلطات البيت الأبيض ووزارة الخارجية توجيه أصابع الاتهام اليهم رسمياً قبل أن تتضح نتائج التحقيق.
لكن صعوبات جمة تكتنف هذا التحقيق الذي أكدت مصادر أمنية أميركية ان أوامر صدرت إلى عملاء وكالة الاستخبارات المركزية بتتبع خيوطه الخارجية. وذلك لأن أمام مختلف جهات التحقيق "أكثر من ألف خيط" على حد تعبير مدير مكتب التحقيقات الفيديرالي في اوكلاهوما، وهي خيوط تراوح - فيما يبدو - بين الاشتباه المحتمل والقرائن الترجيحية.
اتباع الطائفة الداوودية؟
كان لا بد أن توجه أصابع الاتهام إثر الانفجار مباشرة إلى أعضاء طائفة الداووديين التي قتل عملاء مكتب التحقيقات الفيديرالي زعيمها وعدداً كبيراً من أنصاره قبل عامين. غير ان اتباع الطائفة الذين كانوا احتشدوا في واكو، في ولاية تكساس، نفوا في الحال ان يكونوا شاركوا في انفجار اوكلاهوما.
وكان انتماء معظم أفراد القوة التي سحقت الداووديين في واكو إلى مكتب التحقيقات الفيديرالي في أوكلاهوما عاملاً آخر رجّح كفة تلك الاتهامات. بيد أن جهات أميركية عدة رفضت قبول ذلك.
أنبوب غاز؟
وفي غمرة الهلع الذي اجتاح الولايات المتحدة إثر الانفجار، دعا مسؤولون أمنيون عدة إلى التريث، مشيرين إلى أن انفجاراً في شبكة الغاز قد يكون وراء الحادث. غير أن معظم الخبراء استبعدوا ذلك، وذكروا ان انفجار أنبوب الغاز لن يكون بالقوة التي دمرت واجهة المبنى تماماً، وأشاروا إلى ان الحفرة الكبيرة التي خلفها الانفجار تمثل أقوى دليل على أن قنبلة أو عبوة ناسفة تقف وراءه.
يمسك قسم من المحققين بخيط آخر من خيوط التحقيق، وذلك اعتماداً على أقوال شهود ذكروا أنهم رأوا شخصين تبدو عليهما ملامح سكان الشرق الأوسط يلوذان بالفرار إثر الانفجار بشاحنة شيفروليه صغيرة في اتجاه مطار دالاس فورث ويرث.
وسرعان ما بدأ عملاء مكتب التحقيقات الفيديرالية يتحدثون عن المدلولات الأمنية لعبارة "ملامح شرق أوسطية". وقال بعضهم انها تعني، في الضرورة، "سمرة البشرة واطلاق الشوارب". وذلك في مقابل ارسال شعر الرأس لدى اعضاء حركات العنف الغربية.
وقال مسؤولون آخرون ان اطلاق الشارب وابقاء اللحية حليقة يعني ضرورة استبعاد الايرانيين من لائحة المشتبه فيهم، "الا اذا ثبت ان الايرانيين طوروا قدراتهم وحققوا تقدماً على صعيد آليات التخفي والتمويه" على حد تعبير مصدر في مكتب التحقيقات الفيديرالي في نيويورك تحدث الى "الوسط" بعد ساعات من وقوع انفجار اوكلاهوما.
وأشار مصدر آخر الى ان "سوق التحليلات" - حسب تعبيره - انصرفت ايضا الى ان الانفجار صادف ذكرى مرور 12 عاماً على تفجير سيارة مفخخة في ثكنة مشاة البحرية الاميركية المارينز في بيروت. لكنه قال "ان ذلك قد لا يعني شيئاً".
واهتم محققون بمتابعة خيط ينطلق من ان المتفجرات التي استخدمت في حادث اوكلاهوما هي المتفجرات البلاستيكية نفسها التي درج مقاتلو منظمة الجيش الجمهوري الايرلندي على استخدامها في عملياتهم ضد القوات البريطانية في ايرلندا الشمالية. ولاحظوا ان مؤيدي الجمهوريين في ايرلندا الشمالية لم يخفوا مشاعرهم الغاضبة ازاء تشجيع الرئيس كلينتون عملية السلام التي تنفذها حكومة رئيس وزراء بريطانيا جون ميجور مع مختلف اطراف مشكلة ايرلندا الشمالية.
ومثلما وجهت أصابع الاتهام الى المتطرفين المسيحيين الطائفة الداوودية، انصرف محققون آخرون لتقصي دلائل قد تثبت قيام جماعات اسلامية أو يهودية متطرفة. وتساءلوا عن احتمال ان تكون لجماعة "امة الاسلام" علاقة بالحادث. وزاد اهتمامهم بهذا الخيط اتصال هاتفي من مجهول زعم ان الجماعة نفذت العملية. غير ان الجماعة نفت بشدة ان تكون لها أي علاقة.
وربما ساعد في التقليل من شأن توجيه الاتهامات الى "أمة الاسلام" ان مكتب التحقيقات الفيديرالي نفسه كان كشف قبل أشهر مؤامرة اتهم فيها ابنة مؤسس الجماعة مالكولم اكس بتدبيرها لقتل فرقان فرخان الذي خلف والدها.
وعكف فريق من المحققين على درس معلومات ترجح احتمالات مشاركة متطرفي رابطة الدفاع اليهودية في العملية. وفيما نفت حركتا "حماس" والجهاد الفلسطينيتان ان يكون لأي منهما دور في انفجار اوكلاهوما، قال ديف ماكوردي ممثل ولاية اوكلاهوما الديموقراطي في الكونغرس ل "الوسط" ان ولايته تستقطب عادة عدداً كبيراً من الطلبة من بلدان الشرق الأوسط، اذ توجد فيها جامعات متخصصة في تكنولوجيا النفط. وأضاف ماكوردي، الذي كان يرأس لجنة الاستخبارات في الكونغرس قبل ان يستحوذ الجمهوريون على غالبية مقاعده، "ليس سراً ان كثيرين منهم متطرفون ومتشددون".
مخاوف عرب أميركا
وإثر اعلان مكتب التحقيقات الفيديرالي انه يبحث عن شخصين أو ثلاثة ملامحهم شرق أوسطية، أعرب زعماء التنظيمات الرئيسية للاميركيين المتحدرين من أصول عربية عن خشيتهم من ان يسفر انفجار اوكلاهوما عن مضايقتهم وتهديد حياتهم.
وذكر بيان اصدرته لجنة العلاقات الاميركية العربية ان أعضاءها تلقوا 16 تهديداً بالقتل. واصدرت اللجنة الاميركية العربية لمناهضة التمييز بياناً دانت فيه الحادث الذي وصفته بأنه "عمل جبان". لكنها اعربت ايضاً عن قلق شديد من "الآثار السلبية المحتملة وجرائم الكراهية ضد الاميركيين العرب والمسلمين نتيجة التكهن بأن عرباً او مسلمين نفذوا التفجير".
وأكد الدكتور جيمس زغبي رئيس المعهد الاميركي العربي ان عدداً من الاميركيين العرب تلقوا تهديدات بعد ساعات فحسب من وقوع الانفجار. وقال الدكتور محمد مهدي رئيس لجنة العلاقات الاميركية العربية ان مكتبه تلقى 16 اتصالاً هاتفياً من مجهولين هددوا بقتل الاميركيين العرب والمسلمين.
لا يمكن القطع بعد بطبيعة الرد الاميركي على عملية اوكلاهوما، وذلك لأن الامر كله يتوقف على ما سيسفر عنه التحقيق. غير انه بدا واضحاً ان نبرة الغضب التي تحدث بها الرئيس كلينتون غداة الانفجار، وتلويح النائب العام جانيت رينو بأن "عقوبة الاعدام موجودة وسنسعى الى تطبيقها" على الجناة يدلان على صرامة السلطات الاميركية وعزمها على معاقبة الجهة التي سيحملها التحقيق مسؤولية الدماء التي اريقت في اوكلاهوما.
وقال مسؤولون في واشنطن لپ"الوسط" ان احتمال تورط مافيا المخدرات في الانفجار "يعني عملياً تصعيد الحرب المعلنة اصلاً على هذه العصابات في الولايات المتحدة واميركا اللاتينية". واشاروا الى ان واشنطن قد تعزز تحالفها مع انظمة اميركية لاتينية لتنفيذ عمليات عسكرية ضخمة لنسف معاقل تجار المخدرات.
وذكر مصدر رفيع المستوى "ان ثبوت مشاركة الحركات الاصولية الاسلامية في العملية الاخيرة سيحتّم تنفيذ اجراءات تأديبية قاسية بحق تلك الحركات". وأشار الى قرار سابق للرئيس كلينتون يقضي بتجميد ارصدة تلك الحركات في المصارف الاميركية. وقال انه يتوقع ان تشمل الاجراءات المرتقبة التضييق على الاصوليين "بحيث لا يصبح لديهم ملاذ آمن في اي ولاية اميركية".
وفي وزارة الخارجية الاميركية ذكر مصدر لپ"الوسط" ان ثبوت تورط اي من تلك الحركات "سيعني عملياً ان تعيد واشنطن النظر في علاقاتها مع الدول العربية التي تتهمها بدعم الارهاب". وأقر المصدر بأن ذلك "سيزيد التوتر في العلاقات مع تلك الدول، لأن واشنطن تريد ان تضمن هذه المرة ان الجماعات الارهابية النشطة هناك لن تحظى بمعسكرات تدريب وممرات عبور وملاذات آمنة هناك".
ويذكر ان الولايات المتحدة تتهم عدداً من الدول العربية بدعم الارهاب. ومهما كانت نتيجة التحقيقات الجارية، سواء أأسفرت عن توجيه اصابع الاتهام الى الاصوليين الاسلاميين او المسيحيين او تجار المخدرات، فمن المؤكد ان الذعر اجتاح نفوس الاميركيين كلهم، يواكبه احساس بالغضب والاشمئزاز. وتبقى كل الاحتمالات الخاصة بطبيعة الرد الاميركي مفتوحة، حتى لا يتحول يوم آخر في حياة سكان اي مدينة اميركية يوماً دامياً وموجعاً مثلما حدث في اوكلاهوما، التي تعد احد اكبر مراكز رعاة البقر الكاوبوي الاميركيين.
السوابق والأساليب
يبدو في صورة متزايدة ان انفجار اوكلاهوما يوازي من حيث الضخامة والطاقة التدميرية بعض أبرز التفجيرات الدموية التي شهدها العالم خلال السنوات القليلة الماضية. الأمر الذي يدفع الكثير من الخبراء الى استنتاجات أولية في شأن الطريقة التي يرجّح ان تكون هذه العملية تمت بواسطتها، وكذلك نوع مواد التفجير التي استخدمت.
وتتبادر الى الذهن في الدرجة الأولى التفجيرات التي عرفتها الحرب اللبنانية خلال الثمانينات، والتي كانت تؤدي عملياً الى نتائج مشابهة جداً لما آل اليه انفجار أوكلاهوما، وبالذات عملية تفجير مبنى السفارة الاميركية في بيروت وانفجار بئر العبد الذي كان يستهدف اغتيال المرجع الديني اللبناني السيد محمد حسين فضل الله، وانفجارات كبيرة اخرى في شطري العاصمة اللبنانية.
كما يتشابه انفجار أوكلاهوما مع عملية تفجير السفارة الاسرائيلية والمركز اليهودي في العاصمة الارجنتينية بوينس أيرس، وتفجير مبنى البورصة في مدينة لندن الذي نفذه الجيش الجمهوري الايرلندي قبل أعوام، وصولاً الى تفجير "مركز التجارة الدولي" في نيويورك.
وفي حين أنه قد يكون سابقاً لأوانه التكهن بطريقة التفجير، الا ان ثمة ترجيحات أهمها ان التنفيذ تمّ بواسطة سيارة أو شاحنة صغيرة ملغومة وضعت خارج المبنى، نظراً الى تحطيم الواجهات الخارجية للمبنى حيث يستفاد من ذلك ان ضغط الانفجار جاء من الخارج الى الداخل وليس العكس. كما يمكن الافتراض ان انفجاراً بمثل هذه القوة لا يمكن ان يكون ناتجاً الا عن حشوة تفجيرية لا يقلّ وزنها عن 500 كلغ، اشتملت على مادة "ت.ن.ت" المضغوطة، والتي ربما تكون مزجت أيضاً بمادة "سمتكس" البلاستيكية ذات الفاعلية الشديدة. أما طريقة التفجير فكانت على الأرجح بواسطة ساعة توقيت الكترونية ربطت الى مجموعة من الصواعق الكهربائية التي يؤدي تفجيرها الى تفجير الشحنة التدميرية الاساسية. ومع ذلك يبقى احتمال ان تكون العملية نفذت بواسطة جهاز تفجير من بعيد وارداً. وهذه الجوانب هي تحديداً ما ستعمل التحقيقات على كشفه لإظهار الجوانب اللوجستية المختلفة تمهيداً لمعرفة هوية الفاعلين أو الجهة التي تقف وراء هذا التفجير الضخم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.